الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا رأى إمامكم أن لا يجمع ولا يقصر فلا تختلفوا عليه؛ لأن الأمر واسع ولله الحمد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حرر في 9/5/1411هـ.
* * *
1107 سئل فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نحن من العاملين بالخليج العربي مؤقتاً نرجو أن تجيبوا على أسلتنا في موضوع الصلاة مع تبيان ما ترجحون من أقوال العلماء:
1-
هل الأفضل في حقنا القصر أو الإتمام؟
2-
كيفية القصر والحال أن الصلاة جماعة؟
3-
هل يجوز لمثلنا إذا فاتته جماعة الظهر مثلاً أن تؤدي الصلاة مع العصر قصراً أو جمعاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مسألتكم هذه ليس فيها سنة صريحة تبين حكمها، وإنما فيها نصوص عامة وقضايا اختلف العلماء في القول بها.
فذهب أصحاب المذاهب المتبوعة إلى أن من عزم على الإقامة مدة معينة انقطع حكم سفره، ولزمه إتمام الصلاة، والصوم في رمضان وجميع أحكام الإقامة التي لا يشترط لها الاستيطان، ثم اختلف هؤلاء في المدة التي تقطع أحكام السفر:
فذهب بعضهم إلى أنها أربعة أيام، وذهب آخرون منهم إلى أنها فوق أربعة أيام، وذهب آخرون منهم إلى أنها ما بلغ خمسة
عشر يوماً فأكثر، وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنها ما بلغ تسعة عشر يوماً فأكثر، وفيها أقوال أحرى تبلغ أكثر من عشرة أقوال ذكرها النووي في شرح المهذب، وإنما كثرت فيها الأقوال لعدم وجود دليل فاصل صريح كما أسلفنا، ولهذا كان القول الراجح ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيميه أن أحكام السفر لا تنقطع إلا بإنهاء السفر، والسفر هو مفارقة محل الإقامة، فما دام الرجل مفارقاً لمحل إقامته فهو مسافر حتى يرجع، ولا يقطع سفره أن يقيم في المحل الذي سافر إليه مدة معينة لعمل أو حاجة، ويدل على ذلك أن اسم السفر في حقه باق، وأن النبي صلي الله عليه وسلم أقام في عدة أسفار له إقامات مختلفة يقصر الصلاة فيها، فأقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة (1) ،وأقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة (2) ،وأقام في حجة الوداع عشرة أيام مكة في صحيح البخاري (3) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل عن إقامتهم مع النبي صلي الله عليه وسلم في حجته؟ فقال (أقمنا بها عشراً) يعني أربعة أيام قبل الخروج إلى منى، وستة بعد ذلك، فإنه قدم يوم الأحد صبيحة رابعة من ذي الحجة إلى مكة، وخرج منها راجعاً إلى المدينة يوم الأربعاء صبيحة الرابعة عشرة، وكان صلي الله عليه وسلم في هذه المدة يقصر الصلاة بلا ريب كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر (4)
وأنس (5) وغيرهما، ومن المعلوم أن وصوله صبيحة الرابعة وقصر الصلاة كان اتفاقاً لا قصداً، وأنه لو كان قدومه صبيحة الثالثة لم يتغير الحكم، إذ لو كان الحكم يتغير بذلك لبينه النبي صلي الله عليه وسلم لدعاء الحاجة إلى بيانه، إذ المعلوم أن من المعلوم أن من الحجاج من يقدم مكة قبل ذلك، ولا يمكن أن يسكت النبي صلي الله عليه وسلم عن بيان الحكم فيهم لو كان الحكم فيهم مخالفاً لحكم من قدم في اليوم الرابع فما بعده، ثم إن كون النبي يقيم بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وفي تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، وأقام بمكة في حجه عشرة أيام يقصر يدل على أنه لا فرق بين طول مدة الإقامة وقصرها. وأما قول من قال: إن إقامته عام الفتح، وفي تبوك لا يدري متى تنتهي إقامته لم ينو مدة معينة تقطع حكم السفر.
فيقال: من أين لك أن لم ينو ذلك؟ والمدة التي تقطع حكم السفر عندك هي أربعة أيام مثلاً؟ ثم لو كان الحكم يختلف فيما إذا نوى الإقامة التي تقطع حكم السفر على قول من يرى ذلك، وفيما إذا نوى إقامة لا يدري متى تنتهي لبينه النبي صلي الله عليه وسلم، لأنه يعلم أن أمته ستغتدي به وتأخذ بمطلق فعله. وقد وردت آثار عن الصحابة والتابعين تدل على أن حكم السفر لا ينقطع بنية إقامة مقيدة وإن طالت، فروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن أبي حمزة نصر بن عمران قال: قلت لابن عباس (إنا نطيل المقام بالغزو بخرا سان فكيف ترى؟ فقال: صل
ركعتين وإن أقمت عشرين سنين) (1) .وروى الإمام أحمد في مسنده عن ثمامة بن شراحيل قال: خرجت إلى ابن عمر فقلت: ما صلاة المسافر؟ قال: ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثاً. قلت: أرأيت إن كنا بذي المجاز؟ قال: وما ذو المجاز؟ قلت: مكان نجتمع فيه ونبيع فيه نمكث عشرين ليلة، أو خمس عشرة ليلة، قال: يا أيها الرجل كنت بأذربيجان لا أدري قال أربعة أشهر، أو شهرين فرأيتهم يصلونها ركعتين ركعتين) (2) .وروى عبد الرزاق عن محمد بن الحارث قال: قدمنا المدينة فأرسلت إلى ابن المسيب أنا مقيمون أياما في المدينة أفنقصر؟ قال: نعم، ولم يستفصل (3) ، وعن علقمة أنه اقام بخوارزم سنتين فصلى ركعتين (4) . وروي نحو هذا عن أنس بن مالك، وعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنهما (5) ، وعن مسروق والشعبي رحمهما الله. (6)
واختار هذا القول أيضا من المتأخرين الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، وشيخنا عبد الرحمن السعدي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ص 138 مج 24 من
(1) رواه في باب: في المسافر يطيل المقام في المصر 2/210 (8208)
(2)
المسند 2/83 (5553)
(3)
المصنف، أبواب: صلاة المسافر، باب الرجل يخرج في وقت الصلاة 2/535 (4349)
(4)
رواه ابن أبي شيبة، باب: في المسافر يطيل المقام في المصر 2/210 (8208)
(5)
المرجع السابق ن رقم (8204) و (8303) وراجع مصنف عبد الرزاق الموضع السابق (4355) و (4354)
(6)
المرجع السابق 2/210 (8206)
مجموع ابن قاسم: " والتمميز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها ليس أمرأ معلوماً، لا بشرع، ولا لغة، ولا عرف " وفي ص 184 من المجلد المذكور " وقد بين في غير هذا الموضع أنه ليس في كتاب الله ولا في سنة نبية صلى الله عليه وسلم إلا مقيم ومسافر والمقيم هو المستوطن ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة " اهـ. وقال الشيخ محمد رشيد رضا في مجموع فتاويه ص 1180 " المسافر الذي يممكث في بلد أربعة أيام أو أكثر وهو ينوي أن يسافر بعد ذلك لا يعد مقيما منتفياً عنه وصف السفر لا لغة ولا عرفاً وإنما يعد مقيماً من نوى قطع السفر، واتخاذ مسكن له في ذلك البلد " إلى أن قال: " فالمكث المؤقت لا يسمى إقامة غلا بقيد التوقيت ". اهـ
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي في كتابة المختارات الجلية ص 30 " والصحيح أيضاً أن المسافر إذا أقام في موضع لا ينوي فيه قطع السفر فإنه مسافر وعلى سفر وإن كان ينوي إقامة أكثر من أربعة أيام، أو أقل، أو أكثر حكمهما واحد فلم يرد المنع من الترخيص في شيء منها بل ورد عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ما يدل على الجواز " اهـ.
وعلى هذا فإن إقامتكم للتدريس في الخليج لا تنقطع بها أحكام السفر من القصر، والجمع، ومسح الخفين ثلاثة أيام ونحوهما لكن لا يسقط عنكم حضور الجماعة في المساجد لعموم الأدلة الموجبة لحضور الجماعة حضراً وسفراً، في حال الأمن والخوف وإذا صليتم وراء إمام يتم وجب عليكم الإتمام تبعا له لقول
النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما جعل الإمام ليؤتم به "(1) . وقوله صلى الله عليه وسلم: " (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)(2) .
متفق عليه وهذا عام في جميع المؤتمنين بالإمام، وفي مسند الإمام أحمد (3) عن موسى بن سلمة قال: كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: " إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين؟ قال: تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم " قال في التلخيص وأصله في مسلم والنسائي (4) بلفظ: " " فقلت لابن عباس كيف أصلى إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ".
فقوله: " إذا لم أصل مع الإمام " دليل على أنه كان من المعروف عندهم أنه إذا صلى مع الإمام أتم.
فإذا فاتتكم الصلاة مع الجماعة فلكم القصر، وإما الجمع فلا ينبغي الجمع لكم إلا عند الحاجة إليه لأن الجمع يكون عند الحاجة في حق المسافر وغيره، وإما إذا لم يكن حاجة فإنه وأن جاز للمسافر فلا ينبغي له إلا عند الحاجة مثل أن يكون قد جد به السير، أو يكون محتاجا للنوم، أو حط رحل ونحوه، والله الموفق، قال ذلك كاتبه محمد الصالح العثيمين في 16/ 10/ 1399 هـ.
(1) متفق عليه، وتقدم ص 111.
(2)
متفق عليه، وتقدم ص 51.
(3)
المسند 1/ 290 (2632) .
(4)
تقدم تخريجه ص 253، ورواه النسائي في التقصير (الصلاة) باب: الصلاة بمكة ح (1442) .
وبعد ان كتبت هذا الجواب رأيت في مجلة الجامعة الإسلامية في العدد الرابع من السنة الخامسة الصادر في ربيع الثاني سنة 1393 هـ ص 125 في ركن الفتاوى للشيخ عبد العزيز بن باز قال: أما إذا نوى إقامة معينه تزيد على أربعة أيام وجب عليه الأتمام عند الأكثر، وقال بعض أهل العلم: له القصر مادام لم ينو الاستيطان في ذلك الموضع وإنما أقام لعارض متى زال سافر وهو قوي تدل عليه أحاديث كثيرة. اهـ. المراد منه.
فصل
قال فضيلة الشيخ ـ أعلى الله درجته في المهديين ـ:
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان السفر الذي تقصر فيه الصلاة في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: السفر الذي تقصر فيه.
الفصل الثاني: مدته.
الفصل الثالث: متى ينقطع؟
أما الفصل الأول:
فقال في فتح الباري ص 561 ج 2 " قال النووي: ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح، وذهب بعض السلف إلى أنه يشترط في القصر الخوف في السفر وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو جهاد، وبعضهم كونه سفر طاعة، وعن أبي حنيفة والثوري في كل سفر سواء كان طاعة أو معصية " أ.هـ
قلت: واختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية، ونقله عن ابن حزم ورجحه بأدلة قوية مع الإجابة عن حجج الاخرين ص 60 من رسالته في أحكام السفر والإقامة.
واما الفصل الثاني:
فقال في شرح المهذب ص 191 ج 4 ـ ما ملخصه ـ: مذهبنا أنه مرحلتان وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: ثلاثة أيام، وقال الأوزاعي وآخرون يوم تام، وقال داود في طويل السفر وقصيره.
قلت: واختاره الشيخ تقي الدين وجعل مناط الحكم ما يسمى سفراً وعرفاً، وقال في رسالة أحكام السفر والإقامة ص 80: فالتحديد بالمسافة لا أصل له في شرع، ولا لغة، ولا عرف ولا عقل، ولا يعرف عموم الناس مساحة الأرض فلا يجعل ما يحتاج إليه عموم المسلمين معلقاً بشيء لا يعرفونه، ولم يمسح أحد الأرض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا قدر النبي صلى الله عليه وسلم الأرض لا بالأميال، ولا فراسخ، والرجل قد يخرج من القرية إلى الصحراء لحطب يأتي به فيغيب اليومين والثلاثة فيكون مسافراً وأن كانت المسافة أقل من ميل بخلاف من يذهب ويرجع من يومه فإنه لا يكون في ذلك مسافراً، فإن الأول يأخذ الزاد والمزاد، بخلاف الثاني، فالمسافة القريبة في المدة الطويلة تكون سفراً، والمسافة البعيدة في المدة القليلة لا تكون سفراً. أهـ ،
وفي المغني ص 255 ـ ج 2 ـ حين ذكر اختلاف العلماء في ذلك ـ قال: ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الاختلاف ـ ثم قال ـ: وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين:
أحدهما: أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي ذكرناها ولظاهر القرآن.
الثاني: أن التقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير غليه برأي مجرد لا سيما وليس له اصل يرد إليه، ولا نظير يقاس عليه، والحجة
مع من اباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه. أ.هـ
أما الفصل الثالث: فقال في شرح المهذب ص 219ـ 220 ج 4: مذهبنا أن نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج القطع، وأن نوى دون ذلك لم ينقطع، وهو مذهب مالك، وقال ابو حنيفة: أن نوى خمسة عشر يوماً مع يوم الدخول وقال الأوزاعي: إن نوى اثنى عشر يوماً، وقال ابن عباس: تسعة عشر يوماً، وقال الحسن بن صالح: أن نوى عشرة أيام، وقال أنس: أن نوى أكثر من خمسة عشر يوماً، وقال أحمد: إن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام، وعنه تزيد على أحدى وعشرين صلاة، وعن ابن المسيب: أن أقام ثلاثاً، وقال الحسن: إن دخل مصراً، وقال ربيعة: أن نوى يوماً وليلة، وعن إسحاق بن راهويه: يقصر أبداً حتى يدخل وطنه أو بلداً له فيه أهل أو مال. أ. هـ
فهذه اثنا عشر قولاً، قال شيخ افسلام ابن تيمية في رسالته الآنفة الذكر ص82: فمن جعل للمقام حداً من الأيام فإنه قال قولاً لا دليل عليه من جهة الشرع، وهي تقديرات متقابلة تتضمن تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام: مسافر، مقيم مستوطن، ومقيم غير مستوطن، وتقسيم المقيم إلى مستوطن وغيره لا دليل عليه من جهة الشرع، قال: والتمييز بين المقيم والمسافر بنية ايام معدودة يقيمها ليس أمراً معلوما لا بشرع ولا لغة فقد خرج عن حد السفر ممنوع بل مخالف للنص والإجماع والعرف.