الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد كثر السؤال عن جمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة في الحال التي يجوز فيها جمع العصر إلى الظهر.
فأجيب مستعيناً بالله سائلاً منه الهداية والتوفيق:
لا يجوز جمع العصر إلى الجمعة في الحال التي يجوز فيها الجمع بين الظهر والعصر.
فلو مر المسافر ببلد وصلى معهم الجمعة لم يجز أن يجمع العصر إليها.
ولو نزل مطر يبيح الجمع - وقلنا بجواز الجمع بين الظهر والعصر للمطر - لم يجز جمع العصر إلى الجمعة ولو حضر المريض الذي يباح له الجمع إلى صلاة الجمعة فصلاها لم يجز أن يجمع إليها صلاة العصر.
ودليل ذلك قوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)(النساء: من الآية103) أي مفروضاً لوقت معين، وقد بين الله تعالى هذا الوقت إجمالاً في قوله تعالى:(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً)(الإسراء:78) .
فدلوك الشمس زوالها، إلى غسق الليل اشتداد ظلمته، وهذا
منتصف الليل، ويشمل هذا الوقت أربع الصلوات: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، جمعت في وقت واحد؛ لأنه لا فصل بين أوقاتها، فكلما خرج وقت صلاة كان دخول وقت الصلاة التي تليها وفصل صلاة الفجر؛ لأنها لا تتصل بها صلاة العشاء ولا تتصل بصلاة الظهر.
وقد بينت السنة هذه الأوقات بالتفصيل في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر وغيرهما، وهو أن الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، ووقت العصر من حين أن يصير ظل كل شيء مثله إلى غروب الشمس لكن ما بعد اصفرارها وقت ضرورة، ووقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، ووقت صلاة العشاء من غروب الشفق الأحمر إلى نصف الليل، ووقت الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وهذه حدود الله تعالى لأوقات الصلوات في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم.
فمن صلى صلاة قبل وقتها المحدد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله فهو آثم وصلاته مردودة، لقوله تعالى:(وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ،ولقوله صلي الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)(1) . وكذلك من صلاها بعد الوقت لغير عذر شرعي.فمن صلى الظهر قبل زوال الشمس فصلاته باطلة مردودة وعليه قضاؤها.
ومن صلى العصر قبل أن يصير ظل كل شيء مثله فصلاته
باطلة مردودة، عليه قضاؤها إلا أن يكون له عذر شرعي يبيح له جمعها تقديماً إلى الظهر.
ومن صلى المغرب قبل غروب الشمس فصلاته باطلة مردودة، وعليه قضاؤها.
ومن صلى العشاء قبل مغيب الشفق الأحمر فصلاته باطلة مردودة، وعليه قضاؤها إلا أن يكون له عذر شرع يبيح له جمعها تقديماً إلى المغرب.
ومن صلى الفجر قبل طلوع الفجر فصلاته مردودة، وعليه قضاؤها. هذا ما تقتضيه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم.وعلى هذا فمن جمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة فقد صلاها قبل أن يدخل وقتها ،وهو أن يصير ظل كل شيء مثله فتكون باطلة مردودة. فإن قال قائل: أفلا يصح قياس جمع العصر إلى الجمعة على جمعها إلى الظهر؟
فالجواب: لا يصح ذلك لوجوه:
الأول: أنه قياس في العبادات.
الثاني: أن الجمعة صلاة مستقلة منفردة أحكامها تفترق مع الظهر بأكثر من عشرين حكماً، ومثل هذه الفروق تمنع أن تلحق إحدى الصلاتين بالأخرى.
الثالث: أن هذا القياس مخالف لظاهر السنة، فإن في صحيح مسلم عن عبد الله عباس رضي الله عنهما – أن النبي صلي الله عليه وسلم جمع
بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر، فسئل عن ذلك، فقال: أراد أن لا يحرج أمته (1) .
وقد وقع المطر الذي فيه المشقة في عهد النبي صلي الله عليه وسلم ولم يجمع فيه بين العصر والجمعة كما في صحيح البخاري وغيره عن أنس بن مالك أن النبي صلي الله عليه وسلم استسقى يوم الجمعة وهو على المنبر، وفما نزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، ومثل هذا لا يقع إلا من مطر كثير يبيح الجمع لو كان جائزاً بين العصر والجمعة، قال: وفي الجمعة الأخرى دخل رجل فقال: يا رسول الله! غرق المال، وتهدم البناء، فادع الله يمسكها عنا (2)،ومثل هذا يوجب أن يكون في الطرقات وحل يبيح الجمع لو كان جائزاً بين العصر والجمعة. فإن قال قائل: ما الدليل على منع جمع العصر والجمعة؟
فالجواب: أن هذا السؤال غير وارد؛ لأن الأصل في العبادات المنع إلا بدليل، فلا يطالب من منع التعبد لله تعالى بشيء من الأعمال الظاهرة أو الباطنة، وإنما يطالب بذلك من تعبد به لقوله تعالى منكراً على من تعبدوا الله بلا شرع:(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه) .وقال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) وقال النبي صلي الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس فيه أمرنا فهو رد) . وعلى هذا:
فإذا قال قائل: ما الدليل على منع جمع العصر مع الجمعة؟ قلنا: ما الدليل على جوازه، فإن الأصل وجوب فعل صلاة العصر
في وقتها خولف هذا الأصل في جمعها عند وجود سبب الجمع فبقي ما عداه على الأصل، وهو منع تقديمها على وقتها.
فإن قال قائل: أرأيتم لو نوى بصلاة الجمعة صلاة الظهر ليتم له الجمع؟ فالجواب: إن كان ذلك إمام الجمعة في أهل البلد أي أن أهل البلد نووا بالجمعة صلاة الظهر فلا شك في تحريمه وبطلان الصلاة؛ لأن الجمعة واجبة عليهم، فإذا عدلوا عنها إلى الظهر فقد عدلوا عما أمروا به إلى ما لم يؤمر به، فيكون عملهم باطلاً مردوداً لقول النبي صلي الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)(1) . وأما إن كان الذي نوى بالجمعة الظهر كمسافر صلى الجمعة وراء من يصليها فنوى بها الظهر ليجمع إليها العصر فلا يصح أيضاً، لأنه لما حضر الجمعة لزمته، ومن لزمته الجمعة فصلى الظهر قبل سلام الإمام منها لم تصح ظهره. وعلى تقدير صحة ذلك فقد فوت على نفسه خيراً كثيراً وهو أجر صلاة الجمعة.
هذا، وقد نص صاحباً المنتهى والإقناع على أن الجمعة لا يصح جمع العصر إليها ذكراً ذلك في أول باب صلاة الجمعة.
وإنما أطلت في ذلك للحاجة إليه، والله أسأل أن يوفقنا للصواب، ونفع العباد، إنه جواد كريم. كتبه محمد الصالح العثيمين في 12/6/1419هـ.
فصل
قال فضيلة الشيخ - جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -:
الفروق بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر
بسم الله الرحمن الرحيم
1-
صلاة الجمعة لا تنعقد إلا بجمع على خلاف بين العلماء في عدده، وصلاة الظهر تصح من الواحد والجماعة.
2-
صلاة الجمعة لا تقام إلا في القرى والأمصار، وصلاة الظهر في كل مكان.
3-
صلاة الجمعة لا تقام في الأسفار، فلو مر جماعة مسافرون ببلد قد صلوا الجمعة لم يكن لهؤلاء الجماعة أن يقيموها، وصلاة الظهر تقام في السفر والحضر.
4-
صلاة الجمعة لا تقام إلا في مسجد واحد في البلد إلا لحاجة، وصلاة الظهر تقام في كل مسجد.
5-
صلاة الجمعة لا تقضي إذا فات وقتها، وإنما تصلي ظهراً؛ لأن من شرطها الوقت، وصلاة الظهر تقضى إذا فات وقتها لعذر.
6-
صلاة الجمعة لا تلزم النساء، بل هي من خصائص الرجال، وصلاة الظهر تلزم الرجال والنساء.
7-
صلاة الجمعة لا تلزم الأرقاء على خلاف في ذلك وتفصيل، وصلاة الظهر تلزم الأحرار والعبيد.
8-
صلاة الجمعة تلزم من لم يستطيع الوصول إليها إلا راكباً،
وصلاة الظهر لا تلزم من لا يستطيع الوصول إليها راكباً.
9.
صلاة الجمعة لها شعائر قبلها، كالغسل، والطيب، ولبس أحسن الثياب ونحو ذلك، وصلاة الظهر ليست كذلك.
10.
صلاة الجمعة إذا فاتت الواحد قضاها ظهراً لا جمعة، وصلاة الظهر إذا فاتت الواحد قضاها كما صلاها الإمام إلا من له القصر.
11.
صلاة الجمعة يمكن فعلها قبل الزوال على قول كثير من العلماء، وصلاة الظهر لا يجوز فعلها قبل الزوال بالاتفاق.
12.
صلاة الجمعة تسن القراءة فيها جهراً، وصلاة الظهر تسن القراءة فيها سراً. 13. صلاة الجمعة تسن القراءة فيها بسور معينة إما سبح والغاشية وإما الجمعة والمنافقون، وصلاة الظهر ليس لها سور معينة.
14.
صلاة الجمعة ورد في فعلها من الثواب وفي تركها من العقاب ما هو معلوم، وصلاة الظهر لم يرد فيها مثل ذلك.
15.
صلاة الجمعة ليس لها راتبه قبلها، وقد أمر النبي صلي الله عليه وسلم من صلاها أن يصلي بعدها أربعاً، وصلاة الظهر لها راتبه قبلها ولم يأت الأمر بصلاة بعدها.
16.
صلاة الجمعة تسبقها خطبتان، وصلاة الظهر ليس لها خطبة.
17.
صلاة الجمعة لا يصح البيع والشراء بعد ندائها الثاني ممن تلزمه، وصلاة الظهر يصح البيع والشراء بعد ندائها ممن تلزمه.
18.
صلاة الجمعة إذا فاتت في مسجد لا تعاد فيه ولا غيره،
وصلاة الظهر إذا فاتت في مسجد أعيدت فيه وفي غيره.
19.
صلاة الجمعة يشترط لصحتها إذن الإمام على القول بعض أهل العلم، وصلاة الظهر لا يشترط لها ذلك بالاتفاق.
20.
صلاة الجمعة رتب في السبق إليها ثواب خاص مختلف باختلاف السبق، والملائكة على أبواب المسجد يكتبون الأول فالأول، وصلاة الظهر لم يرد فيها مثل ذلك.
21.
صلاة الجمعة لا إبراد فيها في شدة الحر، وصلاة الظهر يسن غيها الإبراد في شدة الحر
22.
صلاة الجمعة لا يصح جمع العصر إليها في الحال التي يجوز فيها جمع العصر إلى الظهر، وصلاة الظهر يصح جمع العصر إليها حال وجود العذر المبيح.
هذا وقد عداها بعضهم إلى أكثر من ثلاثين حكماً، لكن بعضها أي الزائد عما ذكرنا فيه نظراً أو داخل في بعض ما ذكرناه.
كتبه محمد الصالح العثيمين وتم ذلك في 15/6/1419هـ.