الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، وأصلى وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد نشر لي في (المسلمون) يوم السبت 28شعبان 1405هـ جواب حول ترخص المبتعث برخص السفر من القصر والفطر، ومسح الخفين ثلاثة أيام، وكان الجواب مختصراً، وقد طلب مني بعض الأخوان أن أبسط القول في ذلك بعض البسط، فأقول وبالله التوفيق ومنه الهداية والصواب ك
المغتربون عن بلادهم لهم ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن ينووا الإقامة المطلقه بالبلاد التي اغتربوا إليها كالعمال المقيمين للعمل، والتجار المقيمين للتجارة، ونحوهم ممن يقيمون إقامة مطلقه فهؤلاء في حكم المستوطنين في وجوب الصوم عليهم في رمضان، وإتمام الصلاة، والاقتصار على يوم وليلة في مسح الخفين، لن إقامتهم مطلقه غير مقيدة بزمن ولا يخرجون منها إلا أن يخرجوا.
الحالة الثانية: أن ينوو الإقامة المقيدة بغرض معين لا يدرون متى تنتهي، ومتى انتهى رجعوا إلى بلادهم كالتجار الذين يقدمون لبيع السلع ن أو شرائها ثم يرجعون، وكالقادمين لمراجعة دوائر
حكومية او غيرها لا يدرون متى تنتهي غرضهم حتى يرجعوا غلى بلادهم، فهؤلاء في حكم المسافرين فلهم الفطر، وقصر الصلاة الرباعية ومسح الخفين ثلاثة أيام، ولو بقوا سنوات، هذا قول جمهور العلماء، بل حكاه ابن المنذر إجماعاً ،
لكن لو ظن هؤلاء ان الغرض لا ينتهي إلا بعد المدة التي ينقطع بها حكم السفر فهل لهم الفطر والقصر على قولين.
الحالة الثالثة: أن ينوو الإقامة المقيدة بغرض معين يدرون متى تنتهي، ومتى انتهى رجعوا غلى بلادهم بمجرد انتهائة فقد اختلف أهل العلم رحمهم الله في حكم هؤلاء، فالمشهور عن مذهب الإمام أحمد انهم أن نووا إقامة أكثر من أربعة ايام أتموا ن وأن نووا دونها قصروا، وقيل: أن نووا إقامة أربعة ايام أتموا، وإن نووا دونها قصروا، قال في المغني (صفحة 288 المجلد الثاني) وهذا قول مالك، والشافعي، وأبي ثور قال: وروي هذا القول عن عثمان رضي الله عنه وقال الثوري وأصحاب الرأي: إن اقام خمسة عشر يوماً مع اليوم الذي يخرج فيه أتم، وإن نوى دون ذلك قصر، انتهى.
وهناك اقوال أخرى ساقها النووي في شرح المهذب صفحة 220 المجلد الرابع تبلغ عشرة أقوال، وهي أقوال اجتهادية متقابلة ليس فيها نص يفصل بينهما، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى أن هؤلاء في حكم المسافرين لهم الفطر، وقصر الصلاة الرباعية، والمسح على الخفين ثلاثة ايام، انظر 24 مجموع الفتاوى جمع ابن قاسم صفحة 137، 138، 184،مجلد 24 والاختيارات صفحة 73 وانظر زاد المعاد لابن القيم صفحة 29
مجلد 3 اثناء كلامه على فقه غزوة تبوك.
وقال في الفروع لابن مفلح احد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية صفحة 64 مجلد 2 بعد أن ذكر الخلاف فيما غذا نوى مدة فوق أربعة أيام قال: " واختار شيخنا وغيره القصر والفطر وأنه مسافر ما لم يجمع على غقامة ويستوطن كإقامته لقضاء حاجة بلا نية إقامة " انتهى.
واختار هذا القول الشيخ عبد الله بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، انظر صفحة 372، 375 مجلد 4 من الددر السنية، واختاره أيضاً الشيخ محمد رشيد رضا صفحة 1180 المجلد الثالث من فتاوى المنار، وكذلك اختاره شيخنا عبد الرحمن بن ناصر السعدي صفحة 47 من المختارات الجلية، وهذا القول هو الصواب لمن تأمل نصوص الكتاب والسنة، فعلى هذا يفطرون ويقضون كاهل الحال الثانية، لكن الصوم أفضل إن لم يشق، ولا ينبغي أن يؤخرورا القضاء إلى رمضان ثان، لأن ذلك يوجب تراكم الشهور عليهم فيثقل عليهم القضاء أو يعجزوا عنه.
والفرق بين هؤلاء وأهل الحال الأولى أن هؤلاء أقاموا لغرض معين ينتظرون انتهاءه ولم ينووا الإقامة المطلقه، بل لو طلب منهم أن يقيموا بعد انتهاء غرضهم لأبوا ذلك، ولو انتهى غرضهم قبل المدة التي نووها ما بقوا في تلك البلاد، أما أهل الحال الأولى فعلى العكس من هؤلاء فهم عازمون على الإقامة المطلقة مستقرون في محل الإقامة لا ينتظرون شيئا معيناً ينهون لإقامتهم بانتهائه، فلا يكادون يخرجون من مغتربهم هذا إلا بقهر النظام، فالفرق ظاهر للمتأمل، والعلم عند الله تعالى فمن تبين له رجحان
هذا القول فعمل به فقد اصاب، ومن لم يتبين له فأخذ بقول الجمهور فقد أصاب، لأن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد التي من اجتهد فيها فأصاب فله أجران ومن اجتهد فيها فاخطأ فله أجر واحد والخطأ مغفور، قال الله تعالى ( {لا يُكَلّفُ اللهُ نَفْساً إلَاّ وُسْعَها} [البقرة، الآية: 286] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا
حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ".أخرجه البخاري (1) .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا للصواب عقيدة وقولاً وفعلا إنه جواد كريم والحمد الله رب العالمين، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 10/ 9 / 1405 هـ.
(1) متفق عليه من حديث عمرو بن العاص، رواه البخاري في الاعتصام، باب: أجر الحاكم غذا اجتهد ح (7352) ومسلم في الأقضية، باب: بيان أجر الحاكم..... ح 15 (1716) .
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، وأصلى وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وحجة الله تعالى على خلقه المبعوث إليهم إلى يوم الدين.
وبعد: فقد سألني بعض المسافرين للدراسة في الخارج هل تنقطع أحكام السفر في حقهم أو تبقى حتى يرجعوا إلى بلادهم، فأجبت: بأن قول جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الأربعة أنهم في حكم المقيم لا يترخصون برخص السفر، وأن بعض العلماء يقول أنهم في حكم المسافرين فيترخصون برخص السفر، وإن هذا أختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي، والشيخ عبد الله بن الشيخ، محمد بن عبد الوهاب، والشيخ محمد رشيد رضا، وقال عنه شيخنا عبد العزيز ابن باز في مجلة الجامعة الإسلامية في العدد الرابع من السنة الخامسة الصادر في ربيع الثاني سنة 1393هـ ص 125 في ركن الفتاوى:" إنه قول قوي تدل عليه أحاديث كثيرة ". ا. هـ.
المراد منه، وأن ذلك ظاهر النصوص وهو ما نراه، وقد يستغرب كثير من الناس هذا القول، ويظنونه قولاً بعيداً عن الصواب، وهذا من طبيعة الإنسان أن يستغرب شيئاً لم يتبين له وجهه، ولكن إذا
كشف له عن نقابه، لاح له وجه صوابه، لأن له قلبه وانشرح به صدره، واطمأنت إليه نفسه، وصار هذا القول الغريب عنده من آلف الأقوال، لذلك رأيت أن أكتب ما تيسر لي في هذا الموضوع سائلاً الله تعالى أن ينفع به فأقول:
المغتربون عن بلادهم لهم ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن ينووا الإقامة المطلقه في بلاد الغربة كالعمال المقيمين للعمل، والتجار المقيمين للتجارة، وسفراء الدول ونحوهم ممن عزموا على الإقامة إلا لسبب يقتضي نزوحههم إلى أوطانهم فهؤلاء في حكم المستوطنين في وجوب الصوم عليهم، وإتمام الصلاة الرباعية، والاقتصار على يوم وليلة في المسح على الخفين،
الحالة الثانية: أن ينوو الإقامة لغرض معين غير مقيد بزمن فمتى انتهي غرضهم عادوا إلى أوطانهم، كالتجار القادمين لبيع السلع ن أو شرائها أو القادمين لمهمات تتعلق بأعمالهم الرسمية أو لمراجعة دوائر حكومية ونحوهم ممن عزموا على العودة إلى أوطانهم بمجرد انتهاء غرضهم، فهؤلاء في حكم المسافرين وأن طالت مدة اتظارهم فلهم الترخص برخص السفر من الفطر في رمضان، وقصر الصلاة الرباعية ومسح الخفين ثلاثة أيام وغير ذلك، ولو بقوا سنوات عديدة، هذا قول جمهور العلماء، بل حكاه ابن المنذر إجماعاً ،
لكن لو ظن هؤلاء ان غرضهم لا ينتهي إلا بعد المدة التي ينقطع بها حكم السفر كما لو ظنوا أنه لا ينتهي إلا بعد أربعة أيام مثلاً
فهل لهم الترخيصر على قولين ذكرهما في الإصناف 330/ 2 وقال عن القول بالجواز جزم به في الكافي، ومختصر ابن تيمية، قال في الحواشي: وهو الذي ذكره ابن تيمية وغيره. اهـ.
الحالة الثالثة: أن ينوو الإقامة لغرض معين مقيدة بزمن ومتى انتهى غرضهم عادوا إلى أوطانهم فقد اختلف أهل العلم رحمهم الله في حكم هؤلاء، فالمشهور عن مذهب الحنابلة انهم أن نووا إقامة أكثر من أربعة ايام أتموا ن وأن نووا دونها قصروا قال في المغني 288/ 2: وهذا قول مالك، والشافعي، وأبي ثور قال: وروي هذا القول عن عثمان رضي الله عنه وقال الثوري وأصحاب الرأي: إن اقام خمسة عشر يوماً مع اليوم الذي يخرج فيه أتم، وإن نوى دون ذلك قصر،اهـ.
وهناك اقوال أخرى ساقها النووي في شرح المهذب 219/ 220 تبلغ عشرة أقوال (1) ، وكلها اقوال متقابلة اجتهادية ليس فيها نص يفصل بينهما،قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى جمع ابن قاسم 137/ 24: " فمن جعل للمقام حدامن الأيام إما ثلاثة، وإما أربعة، وإما عشرة، وإما اثنى عشر وإما خمسة عشر فإنه قال قولاً لا دليل عليه من جهة الشرع، وهي تقديرات متقابلة، فقد تضمنت هذه الأقوال تقسيم الناس إلى ثلاثة
(1) انظر آخر الرسالة.
أقسام: إلى مسافر، وإلى مقيم مستوطن وهو الذي ينوي المقام في المكان، وهذا هو الذي تنعقد به الجمعه وتجب عليه، وهذا يجب عليه اتمام الصلاة بلا نزاع فإنه المقيم المقابل للمسافر، والثالث مقيم غير مستوطن أوجبوا عليه أتمام الصلاة، والصيام، وأوجبوا عليه الجمعة بمستوطن، وهذا التقسيم هو تقسيم المقيم إلى مستوطن وغير مستوطن تقسيم لا دليل عليه من جهة الشرع. اهـ كلامه.
وحيث أن هذه الأقوال ليس لها دليل يفصل بينهما فقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، والشيخ عبد الله بن الشيخ، محمد بن عبد الوهاب والشيخ محمد رشيد رضا، وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي، ذهب هؤلاء إلى أن حكم السفر لا ينقطع في هذه الحال فيجوز لأصحابها أن يترخصوا برخص السفر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى جمع ابن قاسم 184/ 24: " وقد بين في غير هذا الموضع أنه ليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله إلا مقيم، ومسافر، والمقيم هو المستوطن، ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة ".
وفي الاختيارات 72ـ 73: " وتقصر الصلاة في كل ما يسمى سفراً سواء قل أو كثر، ولا يتقدر بمدة " إلى أن قال: " وسواء نوى إقامة أكثر من أربعة ايام أو لا، وروي هذا عن جماعة من الصحابة ".
وفي الفروع لابن مفلح 46/ 2 قال بعد أن ذكر الخلاف فيما إذا نوى المسافر الإقامة مدة معينة قال: " واختار شيخنا وغيره القصر والفطر، وأنه مسافر مالم يجمع على إقامة ويستوطن كإقامته
لقضاء حاجة بلا نية إقامة " أهـ. وابن مفلح أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية وهو من أعلم الناس بأقواله وفتاويه، حتى قيل إن ابن القيم يرجع إليه في ذلك أحياناً، وفي الأنصاف عن الشيخ كما في الفروع.
وقال ابن القيم في زاد المعاد 29/ 3 أثناء كلامه على فوائد غزوة تبوك: " ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم اقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة (1) ، ولم يقل للأمة لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك، ولكن اتفقت إقامته هذه المدة، وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر، سواء طالت أو قصرت إذا كان غير مستوطن ولا عازم الإقامة بذلك الموضع، وقد اختلف السلف والخلف في ذلك أختلافاً كثيراً " وذكر تمام كلامه.
وقال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جواب له في الدرر السنية 372/ 4: " وأنت رحمك الله إذا تأملت هديه صلى الله عليه وسلم في أسفاره، وأنه يقيم في بعضها المدة الطويلة والقصيرة بحسب الحاجة والمصلحة، ولم ينقل أحدا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا إقام أحدكم أربعة أيام في مكان أو بلد أو أكثر أو أقل من ذلك فليتم صلاته، وليصم، ولا يترخص برخص السفر التي جاءت بها الشريعة السمحة، مع أن الله تعالى فرض عليه البلاغ المبين، فبلغ الرسالة وأدى الأمانه، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، تبين لك أن الصواب في هذه المسألة ما اختاره غير
(1) رواه أبو داود، وتقدم ص24
واحد من الصحابه والتابعين لهم بأحسان أن المسافر يجوز له القصر والفطر مالم يجمع على إقامة استوطن (كذا في الطبعة القديمة وفي الجديدة: " أو يستوطن " وكأن فيها تعديلاً) فحينئذ يزول عنه حكم السفر، ويكون حكمه حكم المقيم، وهذا هو الذي دل عليه هديه صلى الله عليه وسلم كما قال ابن القيم رحمه الله في فؤائد غزوة تبوك " ثم نقل كلام ابن القيم إلى أن قال 375 " فإذا تقرر أن إقامة المسافر مدة غير معلومة، أو معلومة لكنه لم ينو الاستقرار والاستيطان أن ذلك لا يقطع حكم السفر بقي الكلام في استحباب الصيام في السفر، أو جوازه " وذكر تمام الكلام، وبهذا الكلام يظهر أن صواب العبارة الأولى: " ما لم يجمع على إقامة ويستوطن " كعبارة صاحب الفروع فيما نقله من اختيار شيخه.
وقال الشيخ محمد رشيد رضا في فتاويه جمع صلاح الدين المنجد 1180/ 3 " وإنما يسألنا عن الراجح المختار عندنا فيها فنحن نصرح له به تصريحاً مع بيان أننا لا نجيز لأحد أن يقلدنا فيه تقليداً وهو أن المسافر الذي يمكث في بلد اربعة أو أكثر وهو ينوي أن يسافر بعد ذلك منها لا يعد مقيماً منتفياً عنه وصف السفر لا لغة، ولا عرفاً، وإنما يعد مقيماً من نوى قطع السفر واتخاذ سكن له في ذلك البلد، وأن لم يتم له فيه إلا يوم أو بعض يوم " إلى أن قال: " فالمكث المؤقت لا يسمى إقامة إلا بقيد التوقيت " أهـ.
وقال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي في المختارات الجلية 47: " والصحيح أيضاً أن المسافر إذا أقام بموضع لا ينوي فيه قطع السفر فإنه مسافر وعلى سفر، وإن كان ينوي إقامة أكثر من أربعة
أيام " أهـ.
وقال شيخنا عبد العزيز بن باز في جواب له صدر في العدد الرابع من مجلة الجامعة الإسلامية من السنة الخامسة في ربيع الثاني سنة 1393هـ عن القول بإنه يقصر مالم ينو الاستيطان وإنما أقام لعارض متى زال سافر " هو قول تدل عليه أحاديث كثيرة " وقال عن الإتمام: " إنه قول الأكثر وأخذ بالأحوط ".
وهذا القول الذي ذهب إليه هؤلاء العلماء الأجلاء هو القول الراجح عندي، لأنه مقتضى دلالة الكتاب، والسنة، والآثار، والنظر والقياس:
أما الكتاب: فقد قال الله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ [النساء: الآية: 101] فأطلق الله تعالى الضرب في الأرض وعمم في وقته والضرب في الأرض هو السفر فيها ويكون للجهاد والتجارة وغيرها، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا)[النساء: الآية: 94) وقال تعالى (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [المزمل: الآية: 20] فإذا كان الله تعالى قد أباح القصر للضاربين في الأرض ومنهم المجاهدون والتجار وهو سبحانه يعلم أن منهم من يبقى أياماً وشهوراً للقتال والحصار، وبيع السلع وشرائها كما هو الواقع، ولم يستثن الله عز وجل ضارباً من ضارب ولا حلاً من حال.
إذا كان الأمر كذلك علم أن الحكم لا يختلف من ضارب إلى ضارب، ولا في حال دون حال، ولو كان ثمت ضارب أو حال
تخرج من هذا الحكم لبينه الله تعالى في كتابه، أو على لسان رسوله، لأن الله تعالى أوجب بفضله على نفسه البيان فقال تعالى:(إن علينا للهدى) لأ الليل، الآية: 12] وقال (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) [القيامة، الآيتان: 18، 19] وبيانه شامل لبيان لفظه وبيان معناه وحكمه.
ولو كانت ثمت ضارب، أو حال تخلفت عن هذا الحكم لكان حكمها المخالف من شرع الله تعالى، وإذا كان من شرعه فلابد أن يحفظ وينقل إلينا كما قال الله تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر، الآية: 9] وهو شامل لحفظ لفظه وما يتضمنه من الأحكام فلما لم يحفظ في ذلك حكم مخالف ولم ينقل علم أنه لا وجود له.
وهذه القاعدة تنفعك في هذه المسألة وغيرها وهي: أن كل نص جاء مطلقاً، أو عاماً فإنه يجب إبقاءه على إطلاقه وعمومه حتى يقوم دليل على تقييده وتخصيصه لقوله تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)[النحل، الآية: 89] فلو كان مقيد أو مخصص لما ورد مطلقاً أو عاماً لبينه الله تعالى.
وأما السنة ففيها أدلة:
الأول: ما ثبت في صحيح البخاري عن جابر، وابن عباس رضي الله عنهم قالا:" صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبح رابعة مضت من ذي الحجة مهلين (1) بالحج "، الحديث. وكان النبي صلى الله عليه وسلم في
(1) رواه البخاري في كتاب تقصير الصلاة، باب: ماجاء في التقصير ح (1085) حديث ابن عباس، ورواه مسلم من حديث جابر في الحج، باب: بيان وجوه الإحرام ح 141
حجته يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه:" خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة ". متفق عليه. وفي رواية لمسلم " خرجنا من المدينة إلى الحج "(1) .
ووجه الدلالة منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام إقامة لغرض الحج مقيدة بزمن معين، وقد نواها بلا ريب، ومع ذلك بقي يصلي ركعتين حتى وصل المدينة، فدل ذلك على ان الإقامة لغرض معين متى انتهى رجع إلى وطنه، لا ينقطع بها حكم السفر وإن كانت المدة محددة.
فإن قلت: إنما أقام النبي صلى الله عليه وسلم قبل الخروج إلى منى أربعة أيام وهذه المدة لا ينقطع بها حكم السفر.
فالجواب أن يقال: من أين لك العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لو قدم في اليوم الثالث من ذي الحجة فأقام خمسة أيام لم يقصر؟! بل الظاهر الغالب على الظن أنه لو قدم حينئذ لقصر، لأن قدومه لليوم الرابع وقع اتفاقاً لا قصداً بلا ريب، وما وقع اتفاقاً لم يكن مقصوداً فلا يتعلق به حكم منع أو إيجاب.
ويقال ثانياً: من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن من الحجاج من يقدم في اليوم الثالث، والثاني، والأول من ذي الحجة، بل وقبل ذلك، فالحج أشهر معلومات تبتدئ من دخول شوال، ولم يقل للأمة (من قدم للحج قبل اليوم الرابع من ذي الحجة
= (1216)
(1)
متفق عليه، تقدم تخريجه ص 253.
فليتم صلاته) فلو كان هذا حكم الله في خلقه لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لوجوب البلاغ عليه، ودعاء الحاجة إلى بيانه، والقول بإن هذا حكم الله تعالى مع سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن بيانه، الموجود مقتضيه قول فيه نظر لا يخفى.
فإن قلت فما وجه احتجاج المحددين بأربعة أيام بهذا الحديث؟
فالجواب: أن وجه احتجاجهم به قولهم: أن مجرد الإقامة ينقطع بها السفر خولف في الأيام الأربعة لورود النص به فبقي ما زاد على ذلك على الأصل وهو انقطاع السفر.
وهذه الدعوة ممنوعة شرعاً وعرفاً، قال شيخ الإسلام في الفتاوى جمع ابن القاسم 140/ 24:" وهذا الدليل مبني على أنه من قدم المصر فقد خرج عن حد السفر وهو ممنوع، بل هو مخالف للنص، والإجماع، والعرف " أهـ.
أما وجه منعها شرعاً: فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة في حجة الوداع عشرة أيام كما ذكره أنس بن مالك رضي الله عنه أربعة قبل الخروج إلى منى وستة بعد ذلك، وأقام بها في غزوة الفتح تسعة عشر يوماً (1) وأقام في تبوك عشرين يوماً (2) وكان يقصر الصلاة مع هذه الإقامات المختلفة.
وأما وجه منعها عرفاً: فإن الناس يقولون في الحاج أنه مسافر للحج، وإن كان قد سافر في أول أشهر الحج، ويقولون للمسافر
(1) رواه البخاري، وتقدم ص24.
(2)
رواه أبو داود، تقدم ص24.
للدراسة إنه مسافر إلى الدراسة في الخارج ونحو ذلك فيسمونه مسافراً وإن كان مقيماً لغرضه الذي يريده مدة معينه، وعلى هذا فالأصل أن المسافر باق على سفره حقيقة وحكماً حتى يقطعه باستيطان أو إقامة مطلقة.
الدليل الثاني من السنة: ما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين "(1) وفيه عن ابن عباس أيضاً قال: " صام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ الكديد ـ الماء الذي بين قديد وعفسان ـ أفطر فلم يزل مفطراً حتى انسلخ الشهر "(2) .
وفي هذين الحديثين القصر والفطر مع إقامة تزيد على أربعة أيام.
الدليل الثالث: ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: " أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة "(3) . أخرجه أبو داود والبيهقي وأعله بتفرد معمر بوصله، لكن قال النووي: هو حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم، وتفرد معمر بوصله لا يقدح فيه فإنه ثقه حافظ. أهـ. (4)
ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر مع أنه أقام عشرين يوماً. فلما ثبت قصر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث مع اختلاف المدد التي
(1) تقدم تخريجه ص24.
(2)
رواه البخاري، وتقدم ص24،
(3)
تقدم تخريجه ص24.
(4)
المجموع شرح المهذب 4م 360ـ 361.
أقامها علم علم أن تحديد المدة التي ينقطع بها بها حكم السفر بأيام معلومة قول ضعيف، ولو كان الحكم مختلفاً بين مدة وأخرى لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته لئلا يتأسوا به فيما لا يحل لهم.
فإن قلت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في غزوة الفتح، وفي غزوة تبوك فيما زاد على أربعة أيام، لأنه لم يعزم على إقامة هذه المدة، فهو يقول أخرج اليوم، أخرج غداً، حتى تمادى به الأمر إلى هذه المدة.
فالجواب أن يقال: من أين لك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعزم على ذلك؟ وهل يمكنك أن تشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا؟ مع أن العوم قصد القلب، لا يطلع عليه إلا بوحي من الله تعالى، أو أخبار من العازم، ولم يحصل واحد منهما في هذه المسألة فتكون دعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعزم الإقامة هذه المدة قولاً بلا علم.
ويقال ثانياً: بل الظاهر الذي يغلب على الظن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عازماً على الإقامة أكثر من أربعة أيام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى جمع ابن قاسم 136/ 24:" وإقام (يعني النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة، ومعلوم بالعبادة أن ما كان يفعل بمكة وتبوك لم يكن ينقضي في ثلاثة أيام ولا أربعة حتى يقال إنه كان يقول: اليوم أسافر، غداً أسافر، بل فتح مكة، وأهلها وما حولها كفار محاربون له، وهي اعظم مدينة فتحها، وبفتحها ذلت الأعداء، وأسلمت العرب وسرى السرايا إلى النواحي ينتظر قدومهم، ومثل هذه الأمور مما يعلم أنها لا تنقضي في أربعة أيام، فعلم أنه أقام لأمور يعلم أنها لا تنقضي في أربعة أيام، فعلم أنه أقام لأمور يعلم أنها لا تنقضي في أربعة وكذلك في تبوك ".
وذكر نحو ذلك تلميذه ابن القيم في زاد المعاد 30/ 3 وأن في حمله على أنه لم يجمع الإقامة نظراً لا يخفى.
فإذا تبين ضعف القول بتحديد المدة التي ينقطع بها حكم السفر بأربعة أيام أو نحوها فإن أي مدة تزيد على ذلك في تحديد مدة الإقامة التي تمنع الترخص برخص السفر تحتاج إلى دليل، فإذا قال قائل: إذا نوى إقامة شهر أتم، وإن نوى دون ذلك قصر، قيل: ما دليلك على ما قلت؟ وإذا قال آخر: إذا نوى إقامة سنة أتم، وإن نوى دون ذلك قصر، قيل له اين الدليل لما قلت؟ وهكذا.
وحينئذ يكون مناط الحكم هو المعنى والوصف فما دام الإنسان مسافراً مفارقاً لوطنه فأحكام السفر في حقه باقيه ما لم يقطعه باستيطان أو إقامة مطلقه، وأنت لو سألت المغتربين من أصحاب هذه الحال هل نويتم الاستيطان، أو الإقامة المطلقه لقالوا: لا، وإنما ننتظر انتهاء مهمتنا، فمتى انتهت رجعنا إلى أوطاننا سواء انتهت في الوقت المقرر، أم قبله، فليس لنا غرض في الإقامة في هذا المكان أو البلد وإنما غرضنا الأول والأخير الحصول على مهمتنا، فهم متشابهون في القصد لأصحاب الحال الثانية، وإن كانوا يختلفون عنهم بتحديد مدة الإقامة التي قد علن بمقتضى الأدلة السابقة أنها ليست مناط الحكم، ولهذا جعل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ الحكم فيهما واحداً كما نقله عنه تلميذه ابن مفلح في كتاب الفروع.
وبهذا يتبين لك الفرق بين أصحاب هذه الحال والحال الأولى، لأن أصحاب هذه الحال لم ينووا الإقامة إلا لهذا الغرض،
أما أصحاب الجال الأولى فقد نووا الإقامة المطلقه إلا أن يحصل لهم ما يقتضي الخروج، والفرق بين من يريد الإقامة إلا أن يحصل له ما يقتضي الخروج، وبين من يريد الخروج لولا ما يقتضي الإقامة فرق ظاهر لمن تأمله.
فإن قلت: إن بعض المغتربين من أصحاب هذه الحال يصطحبون زوجاتهم وربما يتزوجون في أماكن غربتهم، أو يشترون بيوتاً للسكنى.
فالجواب: أن أصطحاب الأهل والزوجات غير مؤثر في الحكم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد اصطحب زوجاته في حجة الوداع، وكان من هديه: إذا أراد السفر أن يقرع بين زوجاته فأيتهن خرج سهمها خرج بها (1) . ومع هذا قصر في حجته وكان يقصر في كل أسفاره.
وأما التزوج في مكان الغربة فإن كان المتزوج يقصد طلاقها عند مغادرته ـ وقلنا بصحة هذا العقد ـ فإنه لم يتأهل التأهل المطلق بل هو تأهيل مقيد، وهو لا يؤثر على حال المتزوج.
وإن كان المتزوج يقصد بقاء النكاح وحمل وزوجته معه، فإنه أيضاً لم يقصد اتخاذ هذا المكان مقراً ووطناً له، بل يريد مغادرته بأهله بمجرد انتهاء غرضه.
وانتبه لقولي: " يقصد طلاقها " وقولي " وقلنا بصحة هذا العقد " لأن محترز القيد الأول أن يكون شرط طلاقها في العقد عند
(1) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها رواه البخاري في الهبه، باب: هبة المرأة لغير زوجها....ح (2593) ، ومسلم، التوبه، باب: حديث الأفك....ح56 (2770) .
انتهاء المدة، أو تزوجها إلى أجل ينتهي بالمدة فإنه في هذه الحال يكون نكاح متعة محرماً فاسداً لا تستحل به الفروج.
أما محترز القيد الثاني فهو أن بعض أهل العلم يرى أن نية الطلاق كشرطه قياساً على نية التحليل، وعلى هذا فلا يصح العقد.
وعلى القول بصحة العقد فإن هذه النية في العقد حرام على المتزوج لما فيها من خديعة الزوجة وأهلها فإنهم لو علموا بنيته هذه لم يتزوجوه في الغالب، وأما شراء البيوت فإنما يشترونها لسكانها إلى أنتهاء غرضهم لا للإقامة المطلقة فهم بمنزلة المستأجرين الظاعنين لا المستوطنين.
وأما الآثار: فروى مسلم في صحيحه عن موسى بن سلمة الهذلي قال: سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم اصل مع الإمام؟ قال: " ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم "(1) .
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن أبي جمرة نصر بن عمران قال: قلت لابن عباس: إنا نطيل المقام بخرسان فكيف ترى؟ قال " صل ركعتين وإن أقمت عشر سنين "(2) .
وروى الإمام أحمد في مسنده (3) عن ثمامة بن شراحبيل قال: خرجت إلى ابن عمر فقلت: ما صلاة المسافر؟ قال: ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثاً: قلت: أرايت إن كنا بذي المجاز؟ قال: وماو المجاز؟ قلت: مكان نجتمع فيه ونبيع فيه نمكث
(1) تقدم تخريجه ص 253.
(2)
تقدم تخريجه ص 277.
(3)
تقدم تخريجه ص 277.
عشرين ليلة، أو خمس عشرة ليلة، قال: يا أيها الرجل كنت بأذربيجان لا أدري قال أربعة أشهر أو شهرين فرأيتهم يصلونها ركعتين ركعتين، ورأيت نبي الله صلي الله عليه وسلم نصب عيني يصليها ركعتين ركعتين، ثم نزع هذه الآية:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)(الأحزاب:21)
وروى البيهقي (1) عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (ارتج علينا الثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة، وكنا نصلي ركعتين) ،قال النووي وهذا سند على شرط الصحيحين (2) .ورواه عبد الرزاق بلفظ (أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة)(3) .
وروى عبد الرزاق عن الحسن قال: كنا مع عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلاد فارس سنتين فكان لا يجمع ولا نزيد على ركعتين (4) .
وروى أيضاً من أنس بن مالك رضي الله عنه:- ((أنه أقم بالشام شهرين مع عبد الملك مروان يصلي ركعتين، ركعتين)(5) ،وذكر في المغني، والفتاوى، وزاد المعاد أن أنس بن مالك - رضي
الله عنه - ((أقام بالشام سنتين يصلي صلاة المسافر)(6) .
وروى البيهقي (7) عن أنس بن مال رضي الله عنه (أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة)،قال النووي: إسناده صحيح (8)، وقال ابن حجر: صحيح.
فهذا آثار عن أربعة من الصحابة عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن سمرة، وأنس بن مالك كلها تدل على جواز القصر مع المدة الطويلة. وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (أقام النبي صلي الله عليه وسلم تسعة عشر يقصر فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا)(9) . وهذا يخالف ما أفتى به نصر بن عمران فيكون لابن عباس رضي الله عنهما في ذلك قولان.
وأما الآثار عن التابعين: فمنها ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن علقمة وهو من أصحاب ابن مسعود أنه أقام بخوار زم سنتين فصلى ركعتين (10) .وروى عن أبي وائل أنه خرج مع مسروق إلى السلسة فقصر وأقام سنتين يقصر، قلت:يا أبا عائشة ما يحملك على هذا؟ قال:
التماس السنة وقصر حتى رجع (11) .وروي عن معمر عن أبي إسحاق قال: أقمنا مع وال قال: أحسبه بسجستان سنتين، ومعنا رجال من أصحاب ابن مسعود، فصلى بنا ركعتين، ركعتين حتى انصرف، ثم قال: كذلك كان ابن مسعود يفعل (12) .وروي عن الشعيب أنه قال (كنت أقيم سنة أو سنتين أصلي ركعتين، أو قال: ما أزيد على ركعتين)(13) .
فهذه آثار عن جماعة من التابعين وكلها تدل على جواز القصر مع المكث الطويل.
وأما النظر فيقال: لو نوى نية إقامة مدة تزيد على أربعة أيام أو خمسة عشر يوماً، أو غير ذلك مما ذكر في تحديد المدة قاطعة لحكم السفر لكانت إقامة هذه المدة بالفعل قاطعة له أيضاً، بل أولى لأن وجود الإقامة القاطعة بالفعل أبلغ في التأثير من نيتها لو قدر أن للنية تأثيراً؛ لأن الإقامة إذا حصلت لم يمكن رفعها، بخلاف نيتها فإنه يمكن فسخها وتجديد نية للسفر، ولهذا كان أحد أقوال الشافعية أن المسافر إذا أقام المدة التي تقطع نيتها حكم السفر لزمه الإتمام وإن لم ينو الإقامة، وهذا عين الفقه والنظر الصحيح ،فإنه إذا كانت إقامته هذه المدة غير مؤثرة كان مقتضى النظر الصحيح أن لا تؤثر نيتها، وإن كانت نيتها كان وقوعها بالفعل أولى بالتأثير.
وأيضاً فإن القائلين بتأثير نية الإقامة يقولون: إنها تمنع القصر والفطر، ورخص السفر، ولا تعطي المقيم حقاً في انعقاد الجمعة به وتوليه إمامتها وخطابتها، ولهذا قالوا: لا يصح أن يكون إماماً في الجمعة في مكان إقامته، ولا خطيباً فيها، ولا يحسب من العدد المعتبر لها.
ومقتضى النظر الصحيح أن تطرد القاعدة في حقه لئلا يحصل التناقض.
وأما القياس فمن وجهين:
أحدهما: أن يقال فرق بين رجلين كلا هما قدم البلد متى ينتهي والثاني لا يعرف؟! فنقول: للأول لا تترخص برخص السفر إذا علمت أنه لا ينتهي إلا بعد كذا وكذا من الأيام، ونقول للثاني: لك أن تترخص وإن أقمت سنين حتى وإن ظننت أنه لا ينتهي إلا بعد تمام المدة على القول الذي حكاه في الإنصاف عن الكافي ومختصر أبي تميم.
فإن قلت: الفرق أن الأول حدد مدة إقامته بخلاف الثاني.
فالجواب: أن تحديد المدة لا أثر له في نية قطع السفر؛ لأن السبب فيهما واحد وهو الإقامة لانتظار انتهاء الغرض، لكن الأول حدد مدة إقامته باعتبار طبيعة الغرض، ربما تحدث له موانع يتأخر بها عن الوقت المحدد، وربما تجدد له أسباب يتقدم بها، وقد سبق لك أن النبي صلي الله عليه وسلم أقام إقامة محددة في حجة الوداع فقصر، وأقام أطول منها في غزوة الفتح، وتبوك فقصر؛ لأن العلة في الإقامتين
واحدة وهي انتظار انتهاء ما أقام من أجله. وعلى هذا فيكون الفرق غير مفرق.
الوجه الثاني من القياس: أن يقال أي فرق بين رجلين قدما بلداً لغرض يغادران البلد بمجرد انتهائه، لكن أحدهما نوى أن يقيم ستاً وتسعين ساعة فقط، والثاني نوى يقيم سبعاً وتسعين ساعة، ثم نقول للأول حكم السفر في حقك فليس لك أن تترخص برخص السفر، ومع أن كل واحد منهما لا يريد إقامة مطلقة وإنما يريد إقامة مرتبطة بغرض متى انتهى عاد إلى وطنه، وكل منهما يعتبر نفسه غريباً في محل إقامته وظاعناً عنه، ولو قيل له بعد انتهاء غرضه أقم ما أقام، فكيف يمكن أن نفرق بينهما سفراً وإقامة بفرق ساعة؟!
فإن قلت: إن التفريق بين الشيئين في مثل هذا لازمن ممكن فهذه المرأة المستحاضة إذا كان لها عادة فإنها تجلس مدة عادتها فقط فتكون مدة العادة حيضاً وما بعدها استحاضة، فإذا كانت عادتها تنقضي في الساعة الثانية عشرة كان ما قبل الثانية عشرة حيضاً وما بعدها استحاضه ومن المعلوم ما بين الحيض الاستحاضه من الفروق في الأحكام. وهذا الشخص إذا حصل بلوغه بالسن وكان تمامه الخامسة عشرة سنة في الساعة الثانية عشرة كان بعد الساعة عشرة بالغاص وقبلها غير بالغ، والفرق بين أحكام البالغين وغيرهم معلومة.
فالجواب: أن هاتين المسألتين قد فرق الشارع بين الحالين فيهما بخلاف الإقامة في السفر.
ففي المستحاضة قال النبي صلي الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها
(إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي) رواه البخاري (1) .
وفي البلوغ قال ابن عمر رضي الله عنهما (عرضت على النبي صلي الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشرة سنة فأجازني) .متفق عليه (2) .
زاد البيهقي (3) وابن حبان (4)(ولم يرني بلغت) - بعد قوله - ((فلم يجزني) . ((ورآني بلغت) بعد قوله ((فأجازني) وصححه ابن خزيمة.
وبهذا التفريق والبيان في هاتين المسألتين من النبي صلي الله عليه وسلم يظهر جلياً كمال تبليغ النبي صلي الله عليه وسلم شريعته لأمته وتمام تبيانه، وأنه لو كان فرق في إقامة المسافر 96 ساعة وإقامته 97 ساعة لبينه صلي الله عليه وسلم لأمته لأهميته وكثرة وقوعه، فالحمد لله رب العلمين، صلوات الله وسلامه على من بلغ البلاغ المبين.
فإن قلت: إننا إذا أبحنا رخص السفر لمن أقام مدة طويلة لغرض متى انتهى عاد إلى وطنه احتمل أن يترك صيام رمضان بعض
من أقام في الغربة للدراسة عدة سنوات فيسقطوا ركناً من أركان الإسلام.
فالجواب من وجهين:
الأول أن يقال: الأحكام الشرعية العامة لا يسوغ إلغاؤها في عامة الناس باحتمال أن يتوصل أحد من الناس بها إلى إسقاط الواجب، ولو ساغ ذلك لقلنا: إن الفطر لا يباح للمسافر إذا وجد من الناس من يسافر لأجل ترك الصوم كما هو موجود الآن، ومن سفر بعض المترفين إذا أقبل رمضان ثم لا يصومون أداء ولا قضاء، لهذا قال بعض أهل العلم - إما على سبيل الواقع، أو سبيل الفرض - قالوا: لو الفطر لغيره من المسافرين بشرطه.
الثاني أن يقال: إن هذا الاحتمال وارد أيضاً فيمن أقام عدة وطنه - وهم أصحاب الحال الثانية - وقد سبق لك أن جمهور العلماء على جواز ترخيصهم برخص السفر ومنها ترك الصيام، بل حكاه ابن المنذر إجماعاً، وإن كان نقل الإجماع فيه نظراً كما يعلم من رشح المهذب 115/4 وتفصيل مذهب الشافعية في ذلك.
ولهذا نقول في مسألة الصيام إن المغترب الذي يباح له الترخص برخص السفر ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن لا يشق عليه فالأفضل له أن يصوم لما فيه من المبادرة إلى إبراء الذمة، ولأنه أيسر على الصائم غالباً لمشاركته الناس في زمن صومهم؛ ولأنه ثبت من حديث أبي
الدرداء رضي الله عنه قال (خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في شهر رمضان، في حر شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلي الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة) .رواه مسلم (5) ،ورواه البخاري - أيضاً - بدون ذكر الشهر (6) .
الحال الثاني: أن يشق عليه الصيام فله أن يفطر ويقضيه في وقت لا يشق عليه، ولا ينبغي أن يؤخره إلى ما بعد رمضان التالي لئلا تتراكم عليه الشهور فيثقل عليه الصوم أو يعجز عنه.
وهاتان الحالان فيما إذا أمن نفسه من التفريط وترك الصيام أما إذا خاف على نفسه التفريط وترك الصيام وهي:
الحال الثالثة: فإنه يجب عليه الصوم ولهذا أمر الله تعالى بالاقتصار على الزوجة إذا خاف عدم العدل، مع أن تعدد الزوجات إلى أربع مباح في الأصل قال الله تعالى:(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)(النساء:3) .قال النبي صلي الله عليه وسلم في الوتر (من خشي منكم أن لا يقوم من آخر الليل، فليوتر من أول الليل، ثم ليرقد، ومن طمع منكم في أن يقوم من آخر الليل، فيوتر من آخر الليل، فإن قراءة آخر الليل محضورة وذلك أفضل) .رواه مسلم (1) ، فأمر النبي صلي الله عليه وسلم بتقديم الوتر في
الوقت المفضول لمن خاف أن لا يقوم به آخر الليل.
وقال الفقهاء - رحمهم الله تعالى - فيمن وجد لقطة له أخذها إن أمن نفسه عليها، وإلا حرم عليه أخذها وصار بمنزلة الغاصب.
فمن خاف من فعل المباح أن يترك به واجباً، أو يفعل به محرماً كان ذلك المباح حراماً عليه سداً للذريعة، لكن ذلك يحكم الناس يتوصل بالمباح إلى شيء محرم كان ذلك المباح في حقه وحده حراماً دون سائر الناس.
فإن قلت: هل لديك علم بما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى جمع ابن قاسم 17/24 حيث قال (إذا نوى أن يقيم بالبلد أربعة أيام فما دونها قصر الصلاة، وإن كان أكثر ففيه نزاع، والأحوط أن يتم الصلاة) وبما ذكر عنه صاحب الاختيارات 107 (وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أقل من أربعة أيام فله الفطر؟ وهل يقاوم هذا ما نقلت عنه أو يبطله؟
فالجواب: ليس لدي علم بذلك، وهو لا يقاوم ما نقلته عنه، ولا يبطله.
أما الفتوى فقد ذكر النزاع ثم قال (والأحوط أن يتم الصلاة) والحكم الاحتياطي لا يقتضي الوجوب.
وانظر ما نقله الشيخ نفسه في هذا المجلد 141 عن الأثرم قلت (يعني الإمام أحمد) فلما لم يقصر على ما زاد من ذلك قال: لأنهم اختلفوا فيأخذ بالأحوط فيتم، قال الشيخ (فأحمد لم يذكر
دليلاً على وجوب الإتمام إنما أخذ بالاحتياط، وهذا لا يقتضي الوجوب) .أهـ.
وأما ما في الاختيارات فإن دلالته على أن من نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فليس له أن يفطر من باب دلالة المفهوم، وهي لا تقاوم دلالة المنطوق فكيف تبطلها؟
فإن أبى إلا أن يكون ذلك مقاوماً لما نقلت عنه فإن أعلى مراتبه أن يكون دالاً على أن شيخ الإسلام في ذلك قولين، ولكن من تأمل قوة تأييد للقول بالترخص؛ وتزييف للقول بعدمه، ظهر له أن القول المتأخر له هو القول بالترخص؛ لأنه يبعد أن يؤيد القول بالترخص هذا التأييد ويزيف مقابله ذلك التزييف، ثم يرجع عن ذلك ولهذا اقتصر عليه صاحبا الفروع والإنصاف.
وقد قال الفتاوى 18 من المجلد المذكور جواباً من سؤال شخص يعلم أنه يقيد مدة شهر فهل يجوز له القصر؟ إن فيه نزاعاً، فمن العلماء من يوجب الإتمام، ومنهم من يوجب القصر، والصحيح أن كليهما سائغ فمن قصر لا ينكر عليه، ومن أتم لا ينكر عليه، وكذلك تنازعوا في الأفضل فمن كان عنده شك في جواز القصر فأراد الاحتياط فالإتمام أفضل، وأما من تبينت له السنة وعلم أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يشرع للمسافر أن يصلي إلا ركعتين، ولم يحد السفر بزمان أو مكان، ولا حد الإقامة أيضاً بزمن محدود فإنه يقصر - إلى أن قال-:(وإذا كان التحديد لا أصل له فما دام المسافر مسافراً يقصر الصلاة ولو أقام في مكان شهوراً) .
وهذا أيضاً يدل على أن الذي تبين لشيخ الإسلام من السنة
جواز القصر لمن حدد إقامته ولو طالت المدة وتقييده بالشهور في جوابه؛ لأنه جواب عن سؤال من علم أن يقيم مدة شهرين.
وإلى هذا انتهى ما أردنا كتابته في هذه المسألة التي قد استغرب كثير من الناس القول فيها بالترخص مع أنه عند التأمل في أيضاً كما عرفت، فمن تبين له رجحانه فعمل به فقد أصاب، ومن لم يتبن له فأخذ بقول الجمهور فقد أصاب، لأن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد التي من اجتهد فيها فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فيها فأخطأ فله أجر واحد، والخطأ مغفور له، قال الله تعالى:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)(البقرة: من الآية286) .وقال النبي صلي الله عليه وسلم (إذا حكم الحاكم فاجتهد، ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) .متفق عليه (1) .
فنسأل الله تعالى أن يوفقنا للصواب فيما نأتي ونذر عقيدة وقولاً، وعملاً، وأن يجعلنا مهتدين، وصالحين مصلحين، وأن يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمة، إنه هو الوهاب، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تم بقلم كاتبه الفقير إلى الله تعالى محمد الصلح العثيمين في ليلة الأحد الموافق 13/10/1405هـ.
الأقوال التي ساقها النووي رحمه الله:
إليك الأقوال التي ساقها النووي رحمه الله في شرح المهذب فرع في مذاهب العلناء في إقامة المسافر في بلد. قال رحمه الله تعالى: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه إن نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج انقطع الترخص، وإن نوى دون ذلك لم ينقطع، ومذهب عثمان بن عفان، وابن المسيب، ومالك، وأبي ثور.
وقال أبو حنيفة، والثوري، والمزني: إن نوى إقامة خمسة عشر يوماً مع الدخول أتم، وإن نوى أقل من ذلك قصر.
قال ابن المنذر: وروي مثله عن ابن عمر. قال: وقال الأوزاعي وابن عمر في رواية عنه، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة: إن نوى إقامة اثني عشر يوماً أتم وإلا فلا.
وقال ابن عباس، وإسحاق بن راهويه: إن نوى إقامة تسعة عشر يوماً أتم، وإن نوى دونها قصر.
وقال الحسن بن صالح: إن نوى إقامة عشر أيام أتم، قال ابن المنذر:وبه قال محمد بن علي.
وقال أنس، وابن عمر في رواية عنه وسعيد بن جبير، والليث: إن نوى أكثر من خمسة عشر يوماً أتم.
وقال أحمد: إن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام أتم، وإن نوى أربعة قصر في أصح الروايتين، وبه قال داود.
وعن أحمد رواية: أنه نوى إقامة اثنتين وعشرين صلاة
أتم، وإن نوى إحدى وعشرين قصر وحسب عنده يوما الدخول والخروج.
قال ابن المنذر وروي عن ابن المسيب قال: إن أقام ثلاثاً أتم قال: وقال الحسن البصري: يقصر إلا أن يدخل مصراً من الأمصار، وعن عائشة نحوه. قال: وقال ربيعه:إن نوى إقامة يوم وليلة أتم.
قال: وحكي عن إسحاق بن راهويه أنه يقصر أبداً حتى يدخل وطنه، أو بلداً له فيه أهل أو مال. قال القاضي أبو الطيب: وروي هذا عن بن عمر وأنس.
أما إذا أقام في بلد لانتظار حاجة يتوقعها حاجة قبل أربعة أيام فقد ذكرنا أن الأصح عندنا أنه يقصر إلى ثمانية عشر يوماً.
وقال أبو حنيفة، ومالك ،وأحمد: يقصر أبداً. وقال أبو يوسف ومحمد هو مقيم. اهـ من المجموع شرح المهذب (1) .