الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في شرح أحاديث من كتاب (عمدة الأحكام)
باب صلاة الجماعة ووجوبها (1)
بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) (2) .
قال المؤلف رحمه الله: ((باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها)) ،قد يقول قائل: هذه الترجمة متناقضة، كيف يقول باب فضل، ثم يقول ووجوب؟ والمعروف أن الفضل للاستحباب مناف للوجوب.
فيقال: إن المؤلف أراد بفضل أي بثواب الجماعة والثواب لا
ينافي الوجوب، وأما قوله:((ووجوبها)) فيريد به أنها واجبة. واجبة على الرجال لا على النساء.
والواجب هو إذا تركه الإنسان أستحق العقوبة، وإذا فعله استحق المثوبة.
وهنا سؤال أيهما أفضل الواجب أو التطوع؟
والجواب: والواجب أفضل، بالدليل والتعليل:
أما الدليل: فما جاء في الحديث القدسي أن الله تعالى قال: ((ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى ممن افترضته عليه)) (3) إذن الواجب أحب إلى الله من التطوع.
وأما التعليل: فإنه لولا أهمية ما أوجبه الله، وإيجاب الله له دليل على أهميته؛ لأن الإيجاب تكليف وإلزام فلولا أنه مهم ما كلف العباد به ولا ألزموا به.
ثم ذكر في فضل صلاة الجماعة حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) (1) .
((أفضل)) يعني أكثر ثواباً من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة فتكون الواحدة عن سبع وعشرين، وإذا كانت الحسنة بعشر أمثالها يكون ثواب صلاة الجماعة مائتين وسبعين حسنة، ولو صليت وحدك لكانت عشر حسنات فقط، فالربح عظيم جداً، ونحن نشاهد أن الناس في الدنيا لو قيل لهم: إنك إذا حملت بضاعتك لمسيرة
شهر ربحت العشرة عشرين فسوف يسافر ولو بعد السفر، بينما هنا تربح الواحدة سبعاً وعشرين ومع هذا نجد التكاسل العظيم عن صلاة الجماعة.
والربح الذي في الآخرة غير الربح الذي في الدنيا، قال النبي صلي الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في المسند عن المستورد بن شداد قال:((موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها)) (1) . سبحان الله موضع السوط حوالي متر خير من الدنيا وما فيها، وليس المراد الدنيا التي أنت فيها الآن ولكن الدنيا من أولها إلى آخرها،
ولهذا قال الله تعالى في القران الكريم: (بلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)(الأعلى، الآيتان:16، 17) .
فأرباح الدنيا عرضه للزوال وعرضه للفناء، أما أرباح الآخرة باقية، فصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة.
فإذا قال قائل: لماذا خص بسبع وعشرين درجة؟
فالجواب: العلم عند الله، تخصيص الشيء بعدد أمر توقيفي في غالب المسائل.
ما يستفاد من هذا الحديث:
أولاً: تفاضل الأعمال.
ثانياً: تفاضل العمال يعني أن الناس بعضهم أفضل من بعض، ووجه ذلك أنه إذا كانت الأعمال تتفاضل، فإن القائمين بالأعمال يتفاضلون بحسب تفاضل الأعمال.
وهذا موجود في القرآن:
(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)(الحديد: من الآية10)
لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِم) (النساء: من الآية95) .
ثالثاً: يؤخذ من هذا الحديث تفاضل الإيمان، وأنه يزيد وينقص، وجه ذلك أن الأعمال من الإيمان فإذا تفاضلت الأعمال لزم أن يتفاضل الإيمان.
إذن نأخذ من هذا دليلاً على ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أن الإيمان يزيد وينقص.
هل الإيمان الذي يزيد وينقص هو أعمال الجوارح أو حتى يقين القلب؟
الجواب: حتى يقين القلب يتفاضل، والدليل قول الله تبارك وتعالى:(َإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(البقرة: من الآية260)
ولما بشر الله ذكريا بالود آمن بذلك ولكن قال: (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) ليطمئن قلبه.
وقال النبي صلي الله عليه وسلم ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين – ويخاطب النساء – أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)) (1) .
فقال: ((ناقصات عقل ودين)) إذن الدين وهذا نص صريح. وفي القرآن ما يدل على نقص الإيمان؛ لأنه إذا كان يزداد فالزيادة في مقابل النقصان.
نأخذ من هذا القاعدة (كل نص يدل على زيادة الإيمان فإنه يدل على نقص الإيمان، وكل نص يدل على نقص الإيمان، فإنه يدل على زيادة الإيمان) وإذ إن النقصان والزيادة متقابلان، إذا فقد أحداهما ثبت الآخر.
فالإيمان يزيد وينقص وهذا أهل السنة والجماعة.
أما الخوارج والمعتزلة والمرجئة فإنهم لا يقرون بزيادة الإيمان ونقصه ولكنهما طرفا نقيض.
ولنضرب لهذا مثلاً: رجل زنى، والزنا فاحشة فهو عند الخوارج كافر، وعند المعتزلة لا مؤمن ولا كافر فهو في منزلة بين المنزلتين، وعند المرجئة مؤمن كامل الإيمان، عند أهل السنة مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فباعتبار العمل يكون فاسقاً وباعتبار ما في القلب من الإيمان يكون مؤمناً.
الحديث الثاني: عن أبي هريرة- رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم
اغفر له، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة)) (1) .
هذا الحديث ساقه المؤلف من أجل قوله ((تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً)) .
وقد سبق لنا الجمع بين هذا الحديث وحديث عبد الله بن عمر الدال على أنها أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين والجمع أن السبع والعشرين زيادة فيأخذها.
أما حديث أبي هريرة فقد أخبر النبي أن صلاة الرجل في الجماعة تضعف أي تزاد على صلاته في بيته وفي سوقه.
((في بيته)) إن صلى في السوق ((خمساً وعشرين ضعفاً)) ضعف الشيء مثله مكرراً، فإذا قلت الاثنان ضعف الواحد، فضعف الاثنين أربعة، وهكذا أي أنها تكرر خمساً وعشرين مرة. ولكن نأخذ بالزيادة كما سبق، ثم شرح السبب فقال:((وذلك)) المشار إليه التضعيفه أي سببه: ((أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء)) .
وإحسان الوضوء يكون بالإتيان به على مقتضى الشريعة.
((ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة)) .خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة؛ هذه نية يعني أنه خرج مخلصاً لله، لم يخرج للدنيا ولكن لم يخرج إلا للصلاة والعبادة لله عز وجل.
((لم يخط خطوة إلا رفع الله بها درجة، وحط عنه بها
خطيئة)) .- اللهم لك الحمد – لم يخط خطوة واحدة إلا حصل له بها فائدتان هما:
*رفع الله له بها درجة.
*حط عنه بها خطيئة.
((فإذا صلى)) يعني إذا دخل المسجد وصلى، لأن هذه الخطى لا تزال تكتب له حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد، وصلى، وبقي ينتظر الصلاة فإن الملائكة تصلي عليه مادم في مصلاه.
والملائكة عالم غيبي، لا نراهم إلا إذا أراد الله عز وجل فإنهم يرون، لكن الأصل فيهم الغيب، فهم عالم غيبي خلقهم الله عز وجل من نور، لم يخلقوا من تراب، ولا من نار، بل من نور، وأقدرهم الله عز وجل على أعمالهم، لا يسأمون، ولا يملون، ولا يعجزون أبداً قال الله تعالى:(لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(التحريم: من الآية6)،قال هذا في الملائكة النار وكذلك بقية الملائكة (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) (فصلت:38) هؤلاء الملائكة خلقهم الله عز وجل من نور للقيام بطاعته ولهم وظائف وأعمال مخصوصة، وأعمال عامة.
الأعمال العامة أن كلهم قائمون بأمر الله، وعبادة الله.
ولهذا نحن نحب الملائكة لله؛ لأنهم مسلمون لله، مطيعون له. ومن وظائف الخاصة: ما جاء في هذا الحديث أن الله وكل
ملائكته إذا دخل الرجل المسجد وأحسن الوضوء وصلى فإن الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه ماذا تقول؟
تقول: ((اللهم صلى عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه)) .
((اللهم صل عليه)) :أي أثن عليه في الملأ الأعلى، والثناء في الملأ الأعلى في الملائكة هذا معنى اللهم صل عليه، ونحن نقول في صلاتنا: اللهم صل على محمد، يعني أثن عليه في الملأ الأعلى.
((اللهم اغفر له)) اغفر له الذنوب يعني ستر الذنب والتجاوز عنه.
((اللهم ارحمه)) الرحمة بها حصول المطلوب، وتمام الإنعام. فهؤلاء الملائكة يدعون للإنسان بهذه الدعوات الثلاث:
((اللهم صل عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه)) فالذي لا يحضر الجماعة يحرم هذا الأجر العظيم، ولا يزداد إلا كسلاً عن الخيرات - نسأل الله العافية -.
((لا يزال في صلاة)) أي في حكم الصلاة ثواباً؛ لأننا لو قلنا أنه في حكم الصلاة عملاً لقلنا لا تتكلم، ولا تنصرف عن القبلة، ولا بد فيها من ترك الكلام، والمبطلات؛ لكن المراد لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة أي في حكم الصلاة ثواباً
يعني كأنه يصلي حتى يحضر الإمام.
يستفاد من هذا الحديث:
أولاً: استحباب إحسان الوضوء.
ثانياً: بيان موقع الإخلاص، وأن لإخلاص تأثيراً في الجزاء وذلك يؤخذ من قوله ((لا يخرجه إلا الصلاة)) .
ثالثاً: لا يستحب تقصير الخطى لأن قوله ((يخطو خطوة)) يحمل على الخطوة المعهودة المعروفة، ولم يقل الرسول فقصروا خطواتكم. فلو قال هكذا انفصل الأمر وصار فصلاً بينا لكن قال:((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا)) (1) امشوا المشي العادي.
رابعاً: يستفاد من هذا الحديث أن الملائكة تتكلم ويستدل ذلك من قوله: ((اللهم صل عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه)) .
وكأني بواحد من المتنطعين يقول أي لغة تتكلم الملائكة؟
بالعربية؟ بالعبرية؟ بالسريانية؟
وهذا كقول بعض الناس لما سمع حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – أن الله تعالى يجعل الأرضين على إصبع والشجر على إصبع (2) وما أشبه ذلك. وتقدم بسؤال وقال: كم أصابع الله؟ أعوذ بالله ما هذا السؤال؟
هل أنت أحرص من الصحابة على معرفة صفات الله؟
الجواب: لا. هل الصحابة لما حدثهم الرسول بهذا الحديث أو أقر اليهودي عليه هل قالوا كم أصابع الرحمن؟ أبداً.
ولهذا أنا أحذر طلبة العلم من التنطع فيما يتعلق بأمور الغيب، أمور الشهادة لا بأس أن للإنسان يبحث، أما أمور الغيب فليأخذ بظاهر ما ورد، وليدع ما سوى ذلك؛ لأنه إذا أخذ بالتنطع في أمور الغيب سواء فيما يتعلق بصفات الله، أو بصفات، الملائكة، أو بأحوال اليوم الآخر إذا أخذ بالتنطع فيها فإنه ربما يهلك فيقع في الشك، أو في الردة والعياذ بالله.
إذن علينا في مثل هذه الأمور أن نترك التنطع وأن نأخذ بظواهر الأدلة. كان الإمام مالك – رحمه الله – عند أصحابه في المسجد فقال رجل: يا أبا عبد الله) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه:5) كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء (العرق) من شدة وقع هذا السؤال في قلبه، ثم رفع رأسه وقال له:((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)) . ثم قال: ((وما أراك إلا مبتدعاً)) . ثم أمر به فأخرج.
أنكر مالك سؤال الرجل عن الكيفية. وقول مالك: ((ما أراك إلا مبتدعاً)) يحتمل معنيين:
أحدهما: أن السؤال ديدن أهل البدع فهم الذين يسألون
عن كيفية الصفات، من أجل أن يحرجوا المثبتين للصفات.
الثاني: أنك بسؤالك صرت من أهل البدع؛ لأن الصحابة لم يسألوا عن كيفية الاستواء، وشيء لم يسأل عنه الصحابة يعتبر بدعة في الدين.
الحديث الثالث:
عن أبى هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (1) .
في هذا الحديث يخبر النبي صلي الله عليه وسلم عن اتصاف المنافقين بأنهم يستثقلون الصلاة. يقول ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر)) وبقية الصلوات ثقيلة عليهم لكن هذه أثقل الصلوات، وإنما كانت أثقل لسببين:
السبب الأول: مشقة الذهاب إليهما.
السبب الثاني: خفاء الرياء فيهما.
لأن العشاء والفجر يؤديهما في ظلمة، ولا سيما في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يرى المنافق إذا جاء يصلي، والمنافق إذا جاء يصلي إنما يرائي الناس، لأنه ليس عنده إرادة للآخرة، وإنما
يريد الدنيا وأن يمدحه الناس على شيء لم يقم به.
((ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً)) .
((لو يعلمون)) الضمير يعود على المنافقين.
((ما فيهما)) أي في صلاتين العشاء والفجر.
((لأتوهما ولو حبواً)) يعني ولو حبواً على الركب.
ولكن ما مبهم في ((ما فيهما)) ؟ المبهم: الثواب والعقاب.
الثواب إن أتوا إليها. والعقاب إن تخلفوا عنهما.
((لأتوهما ولو حبواً)) رغبة لما فيهما من الثواب وخوفاً مما فيهما من عقاب.
ثم قال: ((ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) . (هممت) : يعني أردت أن أفعل.
(أن آمر بالصلاة) : واحدة من الصلوات الخمس.
(فتقام) : يعني فتقام جماعة.
فهم النبي صلي الله عليه وسلم أن يحرق بيوت المتخلفين عن الجماعة يدل على أهمية الجماعة وأنها واجبة، لأن النبي صلي الله عليه وسلم لا يمكن أن يهم بأمر محرم، ولكن منعه منه مانع إما أن يكون ما فيها من النساء والذرية أو غير ذلك.
ما يستفاد من هذا الحديث:
أولاً: أن المنافقين يصلون وذلك يؤخذ من قوله صلي الله عليه وسلم: (أثقل
الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر) . فهذا يدل على أنهم يصلون.
ثانيا: ان الصلاة على المنافقين ثقيلة.
ثالثا:يستفاد من هذا أن من ثقلت عليه الصلاة فإن فيه شعبة من النفاق؛ لأن الرسول صلي الله عليه وسلم وصف المنافقين بأن الصلاة ثقيلة عليهم.
رابعاً: إن ثواب الصلاة أمر عظيم حتى لو أن الإنسان مشي على ركبه من أجل الهروب من العقاب، ومن أجل الحصول على الثواب لكان جديرا بذلك.
خامسا ً: وجوب صلاة الجماعة لقوله صلي الله عليه وسلم: (ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) .
فلقد هم رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يحرق بيوت من لا يشهدون الجماعة، ولا يهم بالعقوبة إلا ترك شيء واجب، لكن قال بعض العلماء: هذا لا يدل على الوجوب؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم هم ولم يفعل، وإنما يدل على الوجوب لو أن النبي صلي الله عليه وسلم حرق.
ويرد على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يهم بأمر محرم وهو الإحراق إلا في ترك شيء واجب، ولهذا كان القول الراجح أن صلاة الجماعة فرض عين على الرجال، وأن من أدلة وجوبها هذا الحديث.
الحديث الرابع:
وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: إن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)) ،قال فقال بلابل بن عبد الله والله لنمنعهن، وفي لفظ مسلم:((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) (1) .
هذا الحديث يقول النبي صلي الله عليه وسلم: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)) .
((استأذنت أحدكم امرأته)) أي طلبت الإذن، وأحدكم يعني الواحد منكم وامرأته: يحتمل أن تكون الزوجة، ويحتمل أن تكون المرأة التي له عليها ولاية، مثل ابنته، أخته، أمه وما أشبه ذلك.
((إلى المسجد)) :يعني المسجد الذي يصلي فيه الجماعة.
((فلا يمنعها)) :أي لا يردها عنه بل يأذن لها.
((فقال بلال بن عبد الله)) :هو أحد أبناء عبد الله بن عمر.
((قال والله لنمنعهن)) أقسم على ضد ما النبي صلي الله عليه وسلم. الرسول صلي الله عليه وسلم يقول: ((لا تمنعوا)) وبلابل يقول (والله لنمنعهن) وهذا الكلام ظاهر المضادة والمخالفة لكلام رسول الله عليه وآله وسلم.
ولكن قصد بلابل غير المتبادر من لفظه، فقصده أن يمنعهن لفساد الناس وكثرة الفتن.
((فأقبل عليه عبد الله)) يعني عبد الله بن عمر.
((فسبه سباً شديداً ما سمعته سبه مثله قط)) لماذا؟ لأن ظاهر لفظ بلابل مخالفة أمر النبي صلي الله عليه وسلم ومعارضته.
الجواب: جاء بلفظين لأن الرواة يجوزون الرواية بالمعنى فيكون بعضهم نقله بهذا الوجه، وبعضهم نقله على هذا الوجه والمعنى واحد.
ما يستفاد من هذا الحديث:
أولاً: أن المرأة لا تخرج إلى المسجد إلا باستئذان زوجها لقوله: ((إذا استأذنت)) ووجه الدلالة أن هذه الصيغة تدل على أن من عادتهم أن تستأذن المرأة من وليها أن تذهب إلى المسجد.
ثانياً: ليس للإنسان أن يمنع امرأة غيره فليس لي حق أن أمنع امرأة جارى أو امرأة قريبي إلا إذا كانت لي سلطة وولاية عليها.
ثالثاً: أن الرجل له أن يمنع زوجته من الخروج إلى المسجد لقوله: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)) دل أن في المسجد ربما تسمع ذكراً أو موعظة فتستفيد، وأما غير المسجد فالغالب أنه لا فائدة منه. فيجوز للرجل
أن يمنع زوجته من الخروج لغير المسجد. سؤال: هل للإنسان أن يمنع زوجته من الدراسة أو لا؟
الجواب: أن نقول إن كانت قد اشترطت عليه عند العقد أن تكمل الدراسة فإنه لا يجوز أن يمنعها لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وأما إذا لم تشترط عليه ذلك فله أن يمنع؛ لأن الظاهر أن المدارس حكمها حكم بقية الأمكنة بخلاف المساجد.
رابعاً: بيان حكم علة الحكم في تعبير النبي صلي الله عليه وسلم ((لا تمنعوا إماء الله، مساجد الله)) ووجه ذلك أنه إذا كانت النساء إماء لله والمساجد بيوتاً لله، فليس لأحد أن يتدخل بينهن وبين المساجد التي لله.
خامساً: قوله: ((مساجد الله)) ((إماء الله)) هذه إضافة فهل لله إماء، وهل لله مساجد؟
الجواب: الإضافة هنا من باب التكريم والعناية وإلا فمن المعلوم أن لله ملك السموات والأرض ولكن هذه الإضافة من باب التكريم والتشريف للمساجد.
وفي بعض ألفاظ هذا الحديث لكن في الصحيحين قال: ((وبيوتهن خير لهن)) فيستفاد من هذا أن المرأة كلما كانت في بيتها فهو أفضل، حتى لو قالت أنا أريد أن أخرج إلى المسجد لأصلي مع الجماعة، قلنا لها إن صلاتك في بيتك أفضل وأحسن؛ لأنه كلما بعدت المرأة عن الاختلاط بالرجال كان ذلك أبعد عن الفتنة.