الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطبة الجمعة
13/7/1412هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس اتقوا ربكم وصلوا خمسكم، وأطيعوا إذا أمركم، واعلموا أن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، ووصف من تعدى حدوده بأنه ظالم، ظلم نفسه وعصى ربه، فقال:(وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(البقرة: من الآية229) . وقال: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)(النساء:13، 14) .
أيها المسلمون: إن مما فرضه الله وأوجبه وبيّن حدوده وأظهره صلواتكم هذه التي هي ركن من أركان الإسلام، بل هي أعظم أركانه بعد شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فلا
ركن أعظم وأوجب منها بعد دخول الإنسان في الإسلام، وقد أمر الله بالمحافظة عليها، وتوعد من أضاعها، فقال جل ذكره:(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى)(البقرة: من الآية238) وقال (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً)(مريم:59،60) .
وإن مما حده لله لهذه الصلوات الوقت، حيث بيّن سبحانه أن فرضها فرض موقت غير مطلق، فقال تعالى:(إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)(النساء: من الآية103) ولهذا كانت المحافظة على الوقت أوكد من المحافظة على غيره، فالمريض يصلي في الوقت على أي حال كان بقدر استطاعته ولا ينتظر البرء، وعدم الماء يصلي في الوقت بالتيمم ولا ينتظر وجود الماء، فإن لم يجد ما يتيمم به صلى على حاله ولا ينتظر وجود ما يتيمم به، ومن احترقت ثيابه ولم يجد ثوباً صلى عارياً ولا ينتظر الحصول على الثوب. وهذا وأمثاله يدل على أهمية وقوع الصلاة في وقتها. وقد بين الله تعالى أوقات الصلاة مجملة في كتابه في سنة رسوله صلي الله عليه وسلم، فقال تعالى:(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً)(الإسراء:78) وفي مسند الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنه (أن جبريل أتى النبي صلي الله عليه وسلم فقال: قم فصّلى، فصلى به الظهر حين زالت الشمس، ثم العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم المغرب حين غابت الشمس، ثم العشاء حين غاب الشفق، ثم الفجر حين
سطع الفجر، ثم جاءه في اليوم الثاني فصلى به الظهر حين صار ظلّ كل شيء مثله، ثم العصر حين صار ظلّ كل شيء مثليه، ثم المغرب وقتاً واحداً لم يزُلْ عنه، ثم العشاء حين ذهب نصف الليل، أو ثلث الليل، ثم الفجر حين أسفر جدًّا، ثم قال: ما بين هذين وقت) (1)، قال البخاري: هو أصح شيء في المواقيت (2) .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس....)(3) فهذه أوقات الصلوات محددة معلومة لا يحل لمسلم أن يقدم صلاة على وقتها بإجماع المسلمين، فإن فعل ذلك متعمداً فهو آثم وصلاته باطلة، وإن فعل ذلك جاهلاً فليس بآثم ولكن عليه الإعادة وتكون صلاته قبل الوقت نافلة. ومن تقديم الصلاة على وقتها أن يجمع العصر إلى الظهر، أو العشاء إلى المغرب بدون عذر شرعي يبيح له الجمع، فإن ذلك من تعدي حدود الله تعالى والتعرض لعقوبته؛ لأنه إضاعة لفريضة من أركان الإسلام، ووقوع في كبيرة من كبائر الذنوب، فقد كتب
(1) رواه الإمام أحمد في ((المسند)) 3/330 (14522)
(2)
نيل الأوطار1/372.
(3)
رواه مسلم، وتقدم ص386.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عامل له: (ثلاث من الكبائر: الجمع بين صلاتين إلا من عذر، والنهب، والفرار من الزحف)، وقال شيخ الإسلام ابن تيميه بعد ذكر الجملة الأولى من هذا الأثر: رواه الترمذي (1) مرفوعاً، وقال: العمل عليه عند أهل العلم والأثر أهـ. (مختصر الفتاوى المصرية 164) .وقد تهاون بعض الناس في هذه المسألة فصاروا يجمعون بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في أيام المطر بدون عذر، قال مسلم في صحيحه ((أن النبي صلي الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في غير خوف ولا مطر، فقيل له: ما راد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته)(2) . وهذا الحديث إذا تأمله المتأمل يتبين له أن مجرد نزول المطر ليس عذراً يبيح الجمع بين الصلاتين بل لا يكون عذراً حتى يكون في تركك الجمع مشقة وحرج. قال شيخ الإسلام ابن تيميه في حديث ابن عباس: هذا وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن أمته، فإذا احتجوا إلى الجمع جمعوا. وقال أيضاً: فالأحاديث كلها تدل على أنه جمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته، فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة.وببيان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وكلام شيخ
(1) أخرجه البيهقي في ((سننه)) 3/169.
(2)
رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص226.
الإسلام ابن تيميه يتبين جلياً أنه لا يحل الجمع بين الصلاتين حتى يوجد الحرج في ترك الجمع.وقد بين أهل العلم رحمهم الله المطر الذي يبيح الجمع ويحصل به في ترك الجمع مشقة. فقال في المغني 2/375: والمطر الذي يبيح الجمع هو ما يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه، فأما الطل والمطر الخفيف الذي لا يبل الثياب فلا يبيح، وأما الوحل بمجرده ففيه خلاف بين المذاهب، وبين أصحاب الإمام هل هو عذر أو لا؟ والصحيح: أنه عذر متى كانت المشقة.
وهنا سؤالان:
الأول: إذا كانت السماء غائمة ولم يكن مطر ولا وحل ولكن المطر متوقع فهل يجوز الجمع؟
الجواب: أنه لا يجوز الجمع في هذه الحال لأن المتوقع غير واقع، وكم من حال يتوقع الناس فيها المطر لكثافة السحاب ثم يتفرق ولا يمطر.
الثاني: إذا كان مطر ولكن شكنا هل هو مطر يبيح الجمع أو لا؟
والجواب: أنه لا يجوز الجمع في هذه الحال، لأن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها فلا يعدل عن الأصل إلا بيقين العذر. فاتقوا الله عباد الله، والتزموا حدود الله ،ولا تتهاونوا في دينكم واسألوا العلماء قبل أن تقدموا على شيء تحملون به ذممكم مسؤولية عباد الله في عبادة الله، واعلموا أن الأمر خطير، وأن الصلاة في وقتها أمر واجب بإجماع المسلمين، وأما الجمع فرخصة
حيث وجد السبب المبيح: إما مباح وفعله أفضل، أو مباح وتركه أفضل، وما علمت أحداً من العلماء قال: إنه واجب. فلا تعرضوا أمراً أجمع العلماء على وجوبه لأمر اختلف العلماء في أفضليته. اللهم وفقنا للعمل لما يرضيك عنا، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، وصالحين مصلحين، إنك جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.