الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعلق رجاءه به وزوال خوفه به.
قوله: (شيئًا) نكرة في سياق الشرط؛ فتعم جميع الأشياء، فمن تعلق بالله سبحانه وتعالى، وجعل رغبته ورجاءه فيه وخوفه منه؛ فإن الله تعالى يقول:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] ؛ أي: كافيه، ولهذا كان من دعاء الرسل وأتباعهم عند المصائب والشدائد:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ، قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد وأصحابه حين قيل لهم:{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173] .
قوله: (وكل إليه) أي: أسند إليه، وفوض.
أقسام
التعلق بغير الله:
الأول: ما ينافي التوحيد من أصله، وهو أن يتعلق بشيء لا يمكن أن يكون له تأثير، ويعتمد عليه اعتمادًا معرضًا عن الله، مثل تعلق عباد القبور بمن فيها عند حلول المصائب، ولهذا إذا مستهم الشراء الشديدة يقولون: يا فلان! أنقذنا؛ فهذا لا شك أنه شرك أكبر مخرج من الملة.
الثاني: ما ينافي كمال التوحيد، وهو أن يعتمد على سبب شرعي صحيح من الغفلة عن المسبب، وهو الله عز وجل، وعدم صرف قلبه إليه؛ فهذا نوع من الشرك، ولا نقول شرك أكبر؛ لأن هذا السبب جعله الله سببًا.
الثالث: أن يتعلق بالسبب تعلقًا مجردًا لكونه سببًا فقط، مع اعتماده الأصلي على الله؛ فيعتقد أن هذا السبب من الله، وأن الله لو شاء لأبطل أثره،
(التمائم) : شيء يعلق على الأولاد يتقون به العين. لكن إذا كان المعلق من القرآن؛ فرخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه، ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود رضي الله عنه.
ــ
ولو شاء لأبقاه، وأنه لا أثر للسبب إلا بمشيئة الله عز وجل؛ فهذا لا ينافي التوحيد لا كمالًا ولا أصلًا، وعلى هذا لا إثم فيه.
ومع وجود الأسباب الشرعية الصحيحة ينبغي للإنسان أن لا يعلق نفسه بالسبب، بل يعلقها بالله.
فالموظف الذي يتعلق قلبه بمرتبه تعلقًا كاملًا، مع الغفلة عن المسبب، وهو الله، قد وقع في نوع من الشرك، أما إذا اعتقد أن المرتب سبب والمسبب هو الله سبحانه وتعالى، وجعل الاعتماد على الله، وهو يشعر أن المرتب سبب؛ فهذا لا ينافي التوكل.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ بالأسباب مع اعتماده على المسبب، وهو الله عز وجل.
وجاء في الحديث: (من تعلق)، ولم يقل: من علق؛ لأن المتعلق بالشيء يتعلق به بقلبه وبنفسه، بحيث ينزل خوفه ورجاءه وأمله به، وليس كذلك من علق.
قوله: (إذا كان المعلق من القرآن. . .) إلخ.
إذا كان المعلق من القرآن أو الأدعية المباحة والأذكار الواردة؛ فهذه
المسألة اختلف فيها السلف رحمهم الله؛ فمنهم من رخص في ذلك لعموم قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] ولم يذكر الوسيلة التي نتوصل بها إلى الاستشفاء بهذا القرآن؛ فدل على أن كل وسيلة يتوصل بها إلى ذلك فهي جائزة، كما لو كان القرآن دواء حسيًّا.
ومنهم من منع ذلك وقال: لا يجوز تعليق القرآن للاستشفاء به؛ لأن الاستشفاء بالقرآن ورد على صفة معينة، وهي القراءة به، بمعنى أنك تقرأ على المريض به؛ فلا نتجاوزها، فلو جعلنا الاستشفاء بالقرآن على صفة لم ترد؛ فمعنى ذلك أننا فعلنا سببًا ليس مشروعًا (1) ، وقد نقله المؤلف رحمه الله عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ولولا الشعور النفسي بأن تعليق القرآن سبب للشفاء؛ لكان انتفاء السببية على هذه الصورة أمرًا ظاهرًا؛ فإن التعليق ليس له علاقة بالمرض، بخلاف النفث على مكان الألم؛ فإنه يتأثر بذلك.
ولهذا نقول؛ الأقرب أن يقال: إنه لا ينبغي أن تعلق الآيات للاستشفاء بها، لا يسما وأن هذا المعلق قد يفعل أشياء تنافي قدسية القرآن؛ كالغيبة مثلًا، ودخول بيت الخلاء، وأيضًا إذا علق وشعر أن به شفاء استغنى به عن القراءة المشروعة؛ فمثلًا: علق آية الكرسي على صدره، وقال: ما دام أن آية الكرسي على صدري فلن أقرأها، فيستغني بغير المشروع عن المشروع، وقد يشعر بالاستغناء عن القراءة المشروعة إذا كان القرأن على صدره.
(1) انظر: (مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد العثيمين) ، (1/58) .
و (الرقى) : هي التي تسمى العزائم، وخص منها الدليل ما خلا من الشرك؛ فقد رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة.
و (التولة) : هي شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته.
ــ
وإن كان صبيا؛ فربما بال ووصلت الرطوبة إلى هذا المعلق، وأيضًا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء.
فالأقرب أن يقال: إنه لا يفعل، أما أن يصل إلى درجة التحريم؛ فأنا أتوقف فيه، لكن إذا تضمن محظورًا؛ فإنه محرمًا بسبب ذلك المحظور.
قوله: (التي تسمى العزائم) . أي: في عرف الناس، وعزم عليه؛ أي: قرأ عليه، وهذه عزيمة؛ أي قراءة.
قوله: (وخص منها الدليل ما خلا من الشرك)، أي: الأشياء الخالية من الشرك؛ فهي جائزة، سواء كان مما ورد بلفظه مثل:«اللهم رب الناس! أذهب الباس، اشف أنت الشافي» . . .) ، أو لم يرد بلفظه مثل:«اللهم عافه، اللهم اشفه» ، وإن كان فيها شرك؛ فإنها غير جائزة، مثل:(يا جني! أنقده، ويا فلان الميت! اشفه) ، ونحو ذلك.
قوله: (من العين والحمة) ، سبق تعريفهما في باب من حقق التوحيد دخل الجنة.
وظاهر كلام المؤلف أن الدليل يرخص بجواز القراءة إلا في هذين الأمرين: (العين، والحمة) ، لكن ورد بغيرهما؛ فقد «كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفخ على يديه عند منامه بالمعوذات، ويمسح بهما ما استطاع من جسده» ، وهذا من الرقية، وليس عيبًا ولا حمة.
ولهذا يرى بعض أهل العلم الترخيص في الرقية من القرآن للعين والحمة وغيرهما عام، ويقول: إن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا رقية إلا من عين أو حمة» ؛ أي: لا استرقاء إلا من عين أو حمة، والاسترقاء: طلب الرقية؛ فالمصيب بالعين -وهو (العائن) - يطلب منه أن يقرأ على المعيون.
وكذلك الحمة يطلب الإنسان من غيره أن يقرأ عليه؛ لأنه مفيد كما في حديث أبي سعيد في قصة السرية.
شروط جواز الرقية:
الأول: أن لا يعتقد أنها تنفع بذاتها دون الله، فإن اعتقد أنها تنفع بذاتها من دون الله؛ فهو محرم، بل شرك، بل يعتقد أنها سبب لا تنفع إلا بإذن الله.
الثاني: أن لا تكون مما يخالف الشرع؛ كما إذا كانت متضمنة دعاء غير الله، أو استغاثة بالجن، وما أشبه ذلك؛ فإنها محرمة، بل شرك.
الثالث: أن تكون مفهومة معلومة، فإن كانت من جنس الطلاسم
وروى أحمد عن رويفع؛ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا رويفع! لعل الحياة ستطول بك؛ فأخبر الناس أن من عقد لحيته، أو تقلد وترًا، أو استنجى برجيع دابة أو عظم؛ فإن محمدًا بريء منه» . (1)
ــ
والشعوذة؛ فإنها لا تجوز.
أما بالنسبة للتمائم؛ فإن كانت من أمر محرم، أو اعتقد أنها نافعة لذاتها، أو كانت بكتابة لا تفهم؛ فإنها لا تجوز بكل حال.
وإن تمت فيها الشروط الثلاثة السابقة في الرقية؛ فإن أهل العلم اختلفوا فيها كما سبق.
قوله: (من عقد لحيته) ، اللحية عند العرب كانت لا تقص ولا تحلق، كما أن ذلك هو السنة، لكنهم كانوا يعقدون لحاهم لأسباب:
منها: الافتخار والعظمة، فتجد أحدهم يعقد أطرافها، أو يعقدها من الوسط عقدة واحدة ليعلم أنه رجل عظيم، وأنه سيد في قومه.
الثاني: الخوف من العين؛ لأنها إذا كانت حسنة وجميلة ثم عقدت أصبحت قبيحة، فمن عقدها لذلك؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بريء منه.
وبعض العامة إذا جاءهم طعام من السوق أخذوا شيئًا منه يرمونه في الأرض؛ دفعًا للعين، وهذا اعتقاد فاسد ومخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا»
(1) مسند الإمام أحمد (4/108، 109) .
وعن سعيد بن جبير؛ قال: (من قطع تميمة من إنسان؛ كان كعدل رقبة) . رواه وكيع (1) .
ــ
«سقطت لقمة أحدكم؛ فليمط ما بها من الأذى، وليأكلها» .
قوله: (أو تقلد وتراً)، الوتر: سلك من العصب يؤخذ من الشاة، وتتخذ للقوس وترًا، ويستعملونها في أعناق إبلهم أو خيلهم، أو في أعناقهم، يزعمون أنه يمنع العين، وهذا من الشرك.
قوله: «أو استنجى برجيع دابة» ، الاستنجاء: مأخوذ من النجو، وهو إزالة أثر الخارج من السبيلين؛ لأن الإنسان الذي يتمسح بعد الخلاء يزيل أثره.
ورجيع الدابة: هو روثها.
قوله: (أو عظم) . العظم معروف، وإنما تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم ممن استنجى بهما؛ لأن الروث علف بهائم الجن والعظم طعامهم، يجدونه أوفر ما يكون لحمًا.
وكل ذنب قرن بالبراءة من فاعله؛ فهو من كبائر الذنوب، كما هو معروف عند أهل العلم.
الشاهد من هذا الحديث قوله: (من تقلد وترًا) .
قوله: وعن سعيد بن جبير؛ قال: (من قطع تميمة. . .) الحديث.
قوله: (كعدل رقبة) بفتح العين لأنه من غير الجنس، والمعادلة من الجنس
(1) مصنف ابن أبي شيبة: كتاب الطب/ باب في تعليق التمائم والرقى