الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: 59] .
ــ
الآية الثانية: قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ} .
هذه الآية سبقها آية، وهي قوله:{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون: 57] .
لكن المؤلف ذكر الشاهد. وقوله تعالى: {مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ} ؛ أي: من خوفهم منه على علم، ومشفقون؛ أي: خائفون من عذابه إن خالفوه.
فالمعاصي بالمعنى الأعم - كما سبق (1) - شرك؛ لأنها صادرة عن هوى مخالف للشرع، وقد قال تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23] .
أما بالنسبة للمعنى الأخص؛ فيقسمها العلماء قسمين:
1 -
شرك.
2 -
فسوق.
وقوله: {لَا يُشْرِكُونَ} ، يراد به الشرك بالمعنى الأعم؛ إذ تحقيق
التوحيد لا يكون إلا باجتناب الشرك
بالمعنى الأعم، ولكن ليس معنى هذا ألا تقع منهم المعاصي؛ لأن كل ابن آدم خطاء، وليس بمعصوم، ولكن إذا عصوا؛ فإنهم يتوبون ولا يستمرون عليها؛ كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] .
(1) انظر (ص 54) .
وعن حصين بن عبد الرحمن؛ قال: كنت عند سعيد بن جبير، فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ فقلت: أنا. ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة.
ــ
قوله: " عن حصين بن عبد الرحمن؛ قال: كنت عند سعيد بن جبير "
وهما رجلان من التابعين ثقتان.
قوله: " انقض البارحة "، أي: سقط البارحة، والبارحة: أقرب ليلة مضت، وقال بعض أهل اللغة: تقول فعلنا الليلة كذا إن قلته قبل الزوال، وفعلنا البارحة كذا إن قلته بعد الزوال.
وفي عرفنا؛ فمن طلوع الشمس إلى الغروب نقول: البارحة لليلة الماضية، ومن غروب الشمس إلى طلوعها نقول: الليلة لليلة التي نحن فيها.
بل بعض العامة يتوسع متى قام من الليل قال: البارحة؛ وإن كان في ليلته.
قوله: " فقلت أنا "، أي: حصين.
قوله: " أما إني لم أكن في صلاة "، أما: أداة استفتاح، وقيل: إنها بمعنى حقا، وعلى هذا؛ فتفتح همزة "إن"، فيقال: أما أني لم أكن في صلاة، أي حقا أني لم أكن في صلاة.
وقال هذا رحمه الله لئلا يظن أنه قائم يصلي فيحمد بما لم يفعل، وهذا خلاف ما عليه بعضهم، يفرح أن الناس يتوهمون أنه يقوم يصلي، وهذا من نقص التوحيد.
وقول حصين رحمه الله ليس من باب المراءاة، بل هو من باب الحسنات،
ولكني لدغت. قال: فما صنعت؟ قلت: ارتقيت. قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي. قال: وما حدثكم؟ قلت: حدثنا عن بريدة بن الحصيب؛ أنه قال: لا رقية إلا من عين أو حمة.
ــ
وليس كمن يترك الطاعات خوفا من الرياء؛ لأن الشيطان قد يلعب على الإنسان، ويزين له ترك الطاعة خشية الرياء، بل افعل الطاعة، ولكن لا يكن في قلبك أنك ترائي الناس.
قوله: " لدغت "، أي: لدغته عقرب أو غيرها، والظاهر أنها شديدة؛ لأنه لم ينم منها.
قوله: " ارتقيت "، أي: استرقيت؛ لأن افتعل مثل استفعل، وفي رواية مسلم:" استرقيت "؛ أي: طلبت الرقية.
قوله: " فما حملك على ذلك "، أي: قال سعيد: ما السبب أنك استرقيت.
قوله: " حديث حدثناه الشعبي "، وهذا يدل على أن السلف رضي الله عنهم يتحاورون حتى يصلوا إلى الحقيقة، فسعيد بن جبير لم يقصد الانتقاد على هذا الرجل، بل قصد أن يستفهم منه ويعرف مستنده.
قوله: " لا رقية "، أي: لا قراءة أو لا استرقاء على مريض أو مصاب.
قوله: " إلا من عين "، وهي نظرة من حاسد، نفسه خبيثة، تتكيف بكيفية خاصة فينبعث منها ما يؤثر على المصاب، ويسميها العامة الآن:"النحاتة"، وبعضهم يسميها "النفس"، وبعضهم يسميها "الحسد"
قوله: " حمة "، بضم الحاء، وفتح الميم، مع تخفيفها: وهي كل ذات
قال: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع.
ــ
سم، والمعنى لدغته إحدى ذوات السموم، والعقرب من ذوات السموم.
فقال سعيد بن جبير: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولكن حدثنا ابن عباس
…
إلخ.
إذن؛ فحصين استند على حديث: «لا رقية إلا من عين أو حمة» ، وهذا يدل على أن الرقية من العين أو الحمة مفيدة، وهذا أمر واقع؛ فإن الرقى تنفع بإذن الله من العين ومن الحمة أيضا، وكثير من الناس يقرءون على الملدوغ فيبرأ حالا، ويدل لهذا «قصة الرجل الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، فاستضافوا قوما، فلم يضيفوهم، فلدغ سيدهم لدغة عقرب، فقالوا: من يرقي؟ فقالوا: لعل هؤلاء الركب عندهم راق، فجاءوا إلى السرية، قالوا: هل فيكم من راق؟ قالوا نعم، ولكن لا نرقي إلا بشيء من الغنم، فقالوا نعطيكم. فاقتطعوا لهم من الغنم، ثم ذهب أحدهم يقرأ عليه الفاتحة، قرأها ثلاثا أو سبعا، فقام كأنما نشط من عقال، فانتفع اللديغ بقراءتها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم "وما يدريك أنها رقية؟» (يعني: الفاتحة) ، وكذا القراءة من العين مفيدة.
ويستعمل للعين طريقة أخرى غير الرقية، وهو الاستغسال، وهي أن يؤتى بالعائن، ويطلب منه أن يتوضأ، ثم يؤخذ ما تناثر من الماء من أعضائه، ويصب على المصاب، ويشرب منه، ويبرأ بإذن الله.
ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: «عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد» .
ــ
وهناك طريقة أخرى، ولا مانع منها أيضا، وهي أن يؤخذ شيء من شعاره، أي: ما يلي جسمه من الثياب؛ كالثوب، والطاقية، والسروال، وغيرها، أو التراب إذا مشى عليه وهو رطب، ويصب على ذلك ماء يرش به المصاب أو يشربه، وهو مجرب.
وأما العائن؛ فينبغي إذا رأى ما يعجبه أن يبرك عليه؛ «لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف: " هلا بركت عليه» (1) ؛ أي: قلت: بارك الله عليك.
قوله: " ولكن حدثنا "، القائل: سعيد بن جبير.
قوله: " عرضت علي الأمم "، العارض لها الله سبحانه وتعالى، وهذا في المنام فيما يظهر. وانظر:"فتح الباري"(11\407) باب يدخل الجنة سبعون ألفا، كتاب الرقاق) ، والأمم: جمع أمة وهي أمم الرسل.
قوله: " الرهط "، من الثلاثة إلى التسعة.
قوله: " والنبي ومعه الرجل والرجلان "، الظاهر أن الواو بمعنى أو؛ أي:
(1) مسند الإمام أحمد (3/486) ، وموطأ الإمام مالك (211/938) ، وشرح السنة (1211/164)
ــ
ومعه الرجل أو الرجلان؛ لأنه لو كان معه الرجل والرجلان صار يغني أن يقول: ومعه ثلاثة، لكن المعنى: والنبي ومعه الرجل، والنبي الثاني ومعه الرجلان.
قوله: (والنبي وليس معه أحد)، أي: يبعث ولا يكون معه أحد، لكن يبعثه الله لإقامة الحجة، فإذا قامت الحجة حينئذ؛ يعذر الله من الخلق، ويقيم عليهم الحجة.
قوله: (إذ رفع لي) هذا على تقدير محذوف؛ بينما أنا كذلك، إذ رفع لي.
قوله: (سواد عظيم) ، المراد بالسواد هنا الظاهر أنه الأشخاص، ولهذا يقال: ما رأيت سواده؛ أي: شخصه، أي أشخاصًا عظيمة كانوا من كثرتهم سوادًا.
قوله: (فظننت أنهم أمتي) لأن الأنبياء عرضوا عليه بأممهم؛ فظن هذا السواد أمته عليه الصلاة والسلام.
قوله: (فقيل لي: هذا موسى وقومه) ، وهذا يدل على كثرة أتباع موسى عليه السلام وقومه الذين أرسل إليهم.
قوله: (فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك) ، وهذا أعظم من السواد الأول؛ لأن أمة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر بكثير من أمة موسى عليه السلام.
قوله: (بغير حساب ولا عذاب) أي: لا يعذبون ولا يحاسبون كرامة لهم، وظاهره أنه لا في قبورهم ولا بعد قيام الساعة.
قوله: (فخاض الناس في أولئك) هذا الخوص للوصول إلى الحقيقة نظريًّا وعمليًّا حتى يكونوا منهم.
قوله: (الذين صحبوا رسول الله) يحتمل أن المراد الصحبة المطلقة، ويؤيده ظاهر اللفظ.
ويحتمل أن المراد الذين صحبوه في هجرته، ويؤيده أنه لو كان المراد الصحبة المطلقة؛ لقالوا: نحن؛ لأن المتكلم هم الصحابة، ويدل على هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد:«لا تسبوا أصحابي» ?؛ فإن المراد بهم الذين صحبوه في هجرته، لكن يمنع منه أن المهاجرين لا يبلغون سبعين ألفًا.
ويمنع الاحتمال الأول: أن الصحابة أكثر من سبعين ألفًا، ويحتمل أن المراد من كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى فتح مكة؛ لأنه بعد فتح مكة دخل الناس في دين الله أفواجًا.
وهذه المسألة تحتاج إلى مراجعة أكثر.
«وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئًا
…
وذكروا أشياء، فخرج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه، فقال:(هم الذين لا يسترقون) .»
ــ
قوله: (الذين ولدوا في الإسلام)، أي: من ولد بعد البعثة وأسلم، وهؤلاء كثيرون، ولو قلنا: ولدوا في الإسلام من الصحابة ما بلغوا سبعين ألفًا.
قوله: (فخرج عليهم رسول الله، فأخبروه)، أي: أخبروه بما قالوا وما جري بينهم.
قوله: (لا يسترقون)، في بعض روايات مسلم:(لا يرقون) .
ولكن هذه الرواية خطأ؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرقي (1) ورقاه جبريل (2) وعائشة (3) وكذلك الصحابة كانوا يرقون (4) واستفعل بمعنى طلب الفعل، مثل: استغفر؛ أي: طلب المغفرة، واستجار: طلب الجوار، وهنا استرقى؛ أي: طلب الرقية، أي لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم؛ لما يلي:
(1) البخاري: كتاب الطب/ باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم: كتاب السلام/ باب استحباب الرقية من العين.
(2)
مسلم: كتاب السلام/ باب الطب والمرض والرقى
(3)
البخاري: كتاب فضائل القرآن/ باب فضل المعوذات، ومسلم: كتاب السلام/باب رقية المريض.
(4)
كما في قصة صاحب السرية.
ــ
1 -
لقوة اعتمادهم على الله.
2 -
لعزة نفوسهم عن التذلل لغير الله.
3 -
ولما في ذلك من التعلق بغير الله.
وقوله: (ولا يكتوون) أي: لا يطلبون من أحد أن يكويهم.
ومعنى اكتوى: طلب من يكويه، وهذا مثل قوله:(ولا يسترقون) .
أما بالنسبة لمن أعد للكي من قبل الحكومة، فطلب الكي منه ليس فيه ذلك؛ لأنه معد من قبل الحكومة يأخذ الأجر على ذلك من الحكومة، ولأن هذا الطلب مجرد إخبار من الطالب بأنه محتاج إلى الكي، وليس سؤال تذلل.
قوله: (ولا يتطيرون) ، مأخوذ من الطير، والمصدر منه تطير، والطيرة اسم المصدر، وأصله: التشاؤم بالطير، ولكنه أعم من ذلك؛ فهو التشاؤم بمرثي، أو مسموع، أو زمان، أو مكان.
وكانت العرب معروفة بالتطير، حتى لو أراد الإنسان منهم خيرًا ثم رأى الطير سنحت يمينًا أو شمالًا حسب ما كان معروفًا عندهم، تجده يتأخر عن هذا الذي أراده، ومنهم من إذا سمع صوتًا أو رأى شخصًا تشاءم، ومنهم من يتشاءم من شهر شوال بالنسبة للنكاح؛ ولذا قالت عائشة رضي الله عنها:«عقد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال؛ فأيكن كان أحظى عنده» ومنهم من يتشاءم بيوم الأربعاء، أو بشهر صفر، وهذا كله مما أبطله
ــ
الشرع؛ لضرره على الإنسان عقلًا وتفكيرًا وسلوكًا، وكون الإنسان لا يبالي بهذه الأمور، هذا هو التوكل على الله؛ ولهذا ختم المسألة بقوله:(وعلى ربهم يتوكلون) ؛ فانتفاء هذه الأمور عنهم يدل على قوة توكلهم.
وهل هذه الأشياء تدل على أن من لم يتصف بها فهو مذموم، أو فاته الكمال؟
الجواب: أن الكمال فاته إلا بالنسبة للتطير؛ فإنه لا يجوز؛ لأنه ضرر وليس له حقيقة أصلًا.
أما بالنسبة لطلب العلاج؛ فالظاهر أنه مثله لأنه عام، وقد يقال: إنه لولا قوله: (ولا يسترقون) ؛ لقلت: إنه لا يدخل؛ لأن الاكتواء ضرر محقق: إحراق بالنار، وألم للإنسان، ونفعه مرتجى، لكن كلمة (يسترقون) مشكلة، فالرقية ليس فيها ضرر، إن لم تنفع لم تضر، وهنا نقول: الدواء مثلها؛ لأن الدواء إذا لم ينفع لم يضر، وقد يضير أيضًا؛ لأن الإنسان إذا تناول دواء وليس فيه مرض لهذا الدواء فقد يضره.
وهذه المسألة تحتاج إلى بحث، وهل نقول مثلاً: ما تؤكد منفعته إذا لم يكن في الإنسان إذلال لنفسه؛ فهو لا يضر، أي: لا يفوت المرء الكمال به، مثل الكسر وقطع العضو مثلًا، أو كما يفعل الناس الآن في الزائدة وغيرها.
ولو قال قائل بالاقتصار على ما في هذا الحديث، وهو أنهم لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وأن ما عدا ذلك لا يمنع من دخول الجنة بلا حساب ولا عذاب؛ للنصوص الواردة بالأمر بالتداوي والثناء على بعض الأدوية؛ كالعسل والحبة السوداء؛ لكان له وجه.
ــ
وإذا طلب منك إنسان أن يرقيك؛ فهل يفوتك كمال إذا لم تمنعه؟
الجواب: لا يفوتك؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع عائشة أن ترقيه» ، وهو أكمل الخلق توكلًا على الله وثقة به، ولأن هذا الحديث:(لا يسترقون. . .) إلخ إنما كان في طلب هذه الأشياء، ولا يخفى الفرق بين أن تحصل هذه الأشياء بطلب وبين أن تحصل بغير طلب.
قوله: (فقال: أنت منهم)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: هذا هل هو بوحي من الله إقراري، أو وحي إلهامي، أو وحي رسول؟
مثل هذه الأمور يحتمل أنها وحي إلهامي، أو بواسطة الرسول، أو وحي إقراري، بمعنى أن الرسول يقولها، فإذا أقره الله عليه؛ صارت وحيًا إقراريًّا.
لكن رواية البخاري: (اللهم اجعله منهم) تدل على أن الجملة: (أنت منهم) خبر بمعنى الدعاء.
قوله: «ثم قام رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: سبقك بها عكاشة» ، لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول له: لا، ولكن قال: سبقك بها؛ أي
فيه مسائل: الأولى: معرفة مراتب الناس في التوحيد. الثانية: ما معنى تحقيقه. الثالثة: ثناؤه سبحانه على إبراهيم بكونه لم يك من المشركين.
ــ
بهذه المنقبة والفضيلة، أو بهذه المسألة عكاشة بن محصن.
وقد اختلف العلماء لماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الكلام؟
فقيل: إنه كان منافقًا، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يجابهه بما يكره تأليفًا.
وقيل: خاف أن ينفتح الباب فيطلبها من ليس منهم؛ فقال هذه الكلمة التي أصبحت مثلًا، وهذا أقرب.
قوله: (فيه مسائل)، أي: في هذا الباب مسائل:
المسألة الأولى: معرفة مراتب الناس في التوحيد، وهذه مأخوذة من قوله:«يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب» . ثم قال: «هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون، ولا يتطيرون» .
الثانية: ما معنى تحقيقه؟ أي: تحقيق التوحيد، وسبق لنا في أول الباب أن تحقيقه: تخليصه من الشرك.
الثالثة: ثناؤه سبحانه على إبراهيم بكونه لم يك من المشركين، وهو ظاهر في الآية الكريمة:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120.] ؛ فإن هذه الآية لا شك أنها سيقت للثناء على إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وإذا كان مناط الثناء انتفاء الشرك عنه؛ دل ذلك على أن كل
الرابعة: ثناؤه على سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك. الخامسة: كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد. السادسة: كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل. السابعة: عمق علم الصحابة بمعرفتهم أنهم لم ينالوا ذلك إلا بعمل.
ــ
من انتفى عنه الشرك فهو محل ثناء من الله سبحانه وتعالى.
الرابعة: ثناؤه على سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ} وهذه الآية في سياق آيات كثيرة ابتدأها الله بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 57-61.] ؛ فهؤلاء هم سادات الأولياء، وكلام المؤلف من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، أي: الأولياء السادات، وليس يريد -رحمه- الله السادات من الأولياء، بل يريد الأولياء الذي هم سادات الخلق.
الخامسة: كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد؛ لقوله: «الذين لا يسترقون ولا يكتوون» ؛ فالمراد بقول المؤلف: (الرقية والكي) : الاسترقاء والاكتواء.
السادسة: كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل، والخصال هي: ترك الاسترقاء، وترك الاكتواء، وترك التطير، يعني أن العامل لهذه الأشياء هو قوة التوكل على الله عز وجل.
السابعة: عمق عمل الصحابة لمعرفة أنهم لم ينالوا ذلك إلا بعمل، أي:
الثامنة: حرصهم على الخير. التاسعة: فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية. العاشرة: فضيلة أصحاب موسى. الحادية عشرة: عرض الأمم عليه عليه الصلاة والسلام.
ــ
لم ينل هؤلاء السبعون ألفًا هذا الثواب إلا بعمل، ووجهه أن الصحابة خاضوا فيمن يكون له هذا الثواب العظيم وذكروا أشياء.
الثامنة: حرصهم على الخير، وجهه خوضهم في هذا الشيء؛ لأنهم يريدون أن يصلوا إلى نتيجة حتى يقوموا بها.
التاسعة: فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية، أما الكمية؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سوادًا عظيمًا أعظم من السواد الذي كان مع موسى، وأما الكيفية؛ فلأن معهم هؤلاء الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون.
العاشرة: فضيلة أصحاب موسى، وهو مأخوذ من قوله:«إذ رفع لي سواد عظيم» ، ولكن قد يقال: إن التعبير بقوله: كثرة أتباع موسى أنسب لدلالة الحديث؛ لأن الحديث يقول: «سواد عظيم فظننت أنهم أمتي» ، وهذا يدل على الكثرة.
الحادية عشرة: عرض الأمم عليه عليه الصلاة والسلام، وهذا له فائدتان:
الفائدة الأولى: تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث رأى من الأنبياء من ليس معه إلا الرجل والرجلان، ومن الأنبياء من ليس معه أحد؛ فيتسلى بذلك عليه الصلاة والسلام، ويقول:{مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} .
الفائدة الثانية: بيان فضيلته عليه الصلاة والسلام وشرفه، حيث كان
الثانية عشرة: أن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها. الثالثة عشرة: قلة من استجاب للأنبياء. الرابعة عشرة: أن من لم يجبه أحد وحده. الخامسة عشرة: ثمرة هذا العلم، وهو عدم الاغترار بالكثرة، وعدم الزهد في القلة.
ــ
أكثرهم أتباعًا وأفضلهم؛ فصار في عرض الأمم عليه هاتان الفائدتان.
الثانية عشرة: أن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها؛ لقوله: «رأيت النبي ومعه الرجل والرجلان» ، ولولا أن كل نبي متميز عن النبي الآخر؛ لاختلط بعضهم ببعض، ولم يعرف الأتباع من غير الأتباع، ويدل لذلك قوله سبحانه وتعالى:{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} [الجاثية: 28.] فإنه يدل على أن كل أمة تكون وحدها.
الثالثة عشرة: قلة من استجاب للأنبياء، وهو واضح من قوله:«والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد» .
الرابعة عشرة: أن من لم يجبه أحد يأتي وحده؛ لقوله: «والنبي وليس معه أحد» .
الخامسة عشرة: ثمرة هذا العلم، وهو عدم الاغترار بالكثرة. . . إلخ، فإن الكثرة قد تكون ضلالًا، قال الله تعالى:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116.] ، وأيضًا الكثرة من جهة أخرى إذا اغتر الإنسان بكثرة وظن لن يغلب أو أنه منصور؛ فهذا أيضًا سبب للخذلان؛ فالكثرة إن نظرنا إلى أن أكثر أهل الأرض ضلال لا تغتر بهم، فلا تقل: إن الناس على هذا، كيف أنفرد عنهم؟
السادسة عشرة: الرخصة في الرقية من العين والحمة. السابعة عشرة: عمق علم السلف؛ لقوله: (قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولكن كذا وكذا) فعلم أن الحديث الأول لا يخالف الثاني.
ــ
كذلك أيضا لا تغتر بالكثرة إذا كان معك أتباع كثيرون على الحق؛ فكلام المؤلف له وجهان:
الوجه الأول: أن لا نغتر بكثرة الهالكين فنهلك معهم.
الوجه الثاني: أن لا نغتر بكثرة الناجين فيلحقنا الإعجاب بالنفس وعدم الزهد في القلة، أي أن لا نزهد بالقلة؛ فقد تكون القلة خيرا من الكثرة.
السادسة عشرة: الرخصة في الرقية من العين والحمة، مأخوذ من قوله:«لا رقية إلا من عين أو حمة» .
السابعة عشرة: عمق علم السلف؛ لقوله: «قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولكن كذا وكذا» ؛ فعلم أن الحديث الأول لا يخالف الثاني؛ لأن قوله: «لا رقية إلا من عين أو حمة» لا يخالف الثاني؛ لأن الثاني إنما هو في الاسترقاء، والأول في الرقية؛ فالإنسان إذا أتاه من يرقيه ولم يمنعه؛ فإنه لا ينافي قوله: ( «ولا يسترقون» ؛ لأن هناك ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يطلب من يرقيه، وهذا قد فاته الكمال.
المرتبة الثانية: أن لا يمنع من يرقيه، وهذا لم يفته الكمال؛ لأنه لم يسترق ولم يطلب.
المرتبة الثالثة: أن يمنع من يرقيه، وهذا خلاف السنة؛ «فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم»
الثامنة عشرة: بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه. التاسعة عشرة: قوله: (أنت منهم) : علم من أعلام النبوة. العشرون: فضيلة عكاشة.
ــ
«يمنع عائشة أن ترقيه،» وكذلك الصحابة لم يمنعوا أحدا أن يرقيهم؛ لأن هذا لا يؤثر في التوكل.
الثامنة عشرة بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه، ئؤخذ من قوله:«أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت» ؛ لأنه إذا رأى الكوكب الذي انقض استلزم أن يكون يقظان، واليقظان: إما أن يصلي، وإما أن يكون له شغل آخر، وإما أن يكون لديه مانع من النوم.
التاسعة عشرة: قوله: (أنت منهم) علم من أعلام النبوة. يعني: دليلا على نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف ذلك؟ لأن عكاشة بن محصن رضي الله عنه بقي محروسا من الكفر حتى مات على الإسلام، فيكون في هذا علم، يعني: دليلا من دلائل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا إذا قلنا: إن الجملة خبرية وليست جملة دعائية؛ إنها جملة دعائية، فقد نقول أيضا: فيه علم من أعلام النبوة، وهو أن الله استجاب دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن استجابة الدعوة ليست من خصائص الأنبياء؛ فقد تجاب دعوة من ليس بنبي، وحينئذ لا يمكن أن تكون علما من أعلام النبوة إلا حيث جعلنا الجملة خبرية محضة.
العشرون: فضيلة عكاشة، بكونه ممن يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وهل نشهد له بذلك؟ نعم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شهد له بها.
الحادية والعشرون: استعمال المعاريض. الثانية والعشرون: حسن خلقه صلى الله عليه وسلم.
ــ
الحادية والعشرون: استعمال المعاريض. وفي المعاريض مندوحة عن الكذب، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«سبقك بها عكاشة» ؛ فإن هذا في الحقيقة ليس هو المانع الحقيقي، بل المانع ما أشرنا إليه في الشرح: إما أن يكون هذا الرجل منافقا فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعله مع الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وإما خوفا من انفتاح الباب؛ فيسأل هذه المرتبة من ليس من أهلها.
الثانية والعشرون: حسن خلقه صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنه رد هذا الرجل وسد الباب على وجه ليس فيه غضاضة على أحد ولا كراهة.