المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌«ثلاثة لا يدخلون الجنة:» - مجموع فتاوى ورسائل العثيمين - جـ ٩

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب التوحيد

- ‌ وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه

- ‌باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌ بيان فضل التوحيد

- ‌ فضل لا إله إلا الله

- ‌باب من حقق التوحيد؛ دخل الجنة بغير حساب

- ‌ التوحيد لا يكون إلا باجتناب الشرك

- ‌باب الخوف من الشرك

- ‌مناسبة الباب للبابين قبله:

- ‌(أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)

- ‌«من مات وهو يدعو من دون الله ندا

- ‌«من لقي الله لا يشرك به شيئا

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌قول الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ}

- ‌باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب ما جاء في الرقى والتمائم

- ‌ الرقى والتمائم والتولة شرك»

- ‌ التعلق بغير الله:

- ‌ قطع التميمة من إنسان

- ‌باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما

- ‌باب ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

- ‌ الذبح لله، ولكنه في مكان يذبح فيه لغيره

- ‌«نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة

- ‌باب من الشرك النذر لغير الله

- ‌ نذر أن يطيع الله

- ‌باب من الشرك الاستعاذة بغير الله

- ‌قول الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [

- ‌باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

- ‌ الاستعاذة والاستغاثة بغير الله

- ‌ إطلاق اللسان فيما إذا رأى الإنسان مبتلى بالمعاصي

- ‌باب الشفاعة

- ‌قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ

- ‌{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ

- ‌المشركون ليس لهم حظ من الشفاعة

- ‌ الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله

- ‌مناسبة هذا الباب لما قبله:

- ‌باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد اللهعند قبر رجل صالح؛ فكيف إذا عبده

- ‌ ما جاء أن الغلو في قبور الصالحينيصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

- ‌سبب مجيء المؤلف بهذا الباب

- ‌{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [

- ‌باب ما جاء في السحر

- ‌قوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [

- ‌«حد الساحر

- ‌باب بيان شيء من أنواع السحر

- ‌ بيان حقائق هذه الأشياء مع حكمها

- ‌باب ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌باب ما جاء في النشرة

- ‌تعريف النشرة:

- ‌ ما جاء في التطير

- ‌قوله: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ

- ‌قوله: {أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ}

- ‌«الطيرة شرك

- ‌باب ما جاء في التنجيم

- ‌ تعلم منازل القمر

- ‌«ثلاثة لا يدخلون الجنة:»

الفصل: ‌«ثلاثة لا يدخلون الجنة:»

وعن أبي موسى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«ثلاثة لا يدخلون الجنة:»

ــ

اليوم الفلاني، وهذه النجوم جعلها الله أوقاتا للفصول؛ لأنها [28] نجما، منها [14] يمانية و [14] شمالية، فإذا حلت الشمس في المنازل الشمالية صار الحر، وإذا حلت في الجنوبية صار البرد، ولذلك كان من علامة دنو البرد خروج سهيل، وهو من النجوم اليمانية.

قوله: (ولم يرخص فيه ابن عيينة) . هو سفيان بن عيينة المعروف، وهذا يوافق قول قتادة بالكراهة.

قوله: (وذكره حرب) . من أصحاب أحمد، روى عنه مسائل كثيرة.

قوله: (إسحاق) . هو إسحاق بن راهويه.

والصحيح أنه لا بأس بتعلم منازل القمر؛ لأنه لا شرك فيها، إلا إن تعلمها ليضيف إليها نزول المطر وحصول البرد، وأنها هي الجالبة لذلك، فهذا نوع من الشرك، أما مجرد معرفة الوقت بها: هل هو الربيع، أو الخريف، أو الشتاء، فهذا لا بأس به.

* * *

قوله في حديث أبي موسى: (الجنة) . هي الدار التي أعدها الله لأوليائه المتقين، وسميت بذلك، لكثرة أشجارها لأنها تجن من فيها أي تستره.

قوله: (مدمن خمر) . هو الذي يشرب الخمر كثيرا، والخمر حده الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:«كل مسكر خمر» ومعنى (أسكر)، أي: غطى العقل، وليس

ص: 590

«مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر» . رواه أحمد وابن حبان في (صحيحه) . (1)

ــ

كل ما غطى العقل فهو خمر، فالبنج مثلا ليس بخمر، وإذا شرب دهنا فأغمي عليه، فليس ذلك بخمر، وإنما الخمر الذي يغطي العقل على وجه اللذة والطرب، فتجد الشارب يحس أنه في منزلة عظيمة وسعادة وما أشبه ذلك، قال الشاعر:

ونشربها فتتركنا ملوكا

وأسدا ما يهنئها اللقاء

وقال حمزة بن عبد المطلب -وكان قد سكر قبل تحريم الخمر- للنبي صلى الله عليه وسلم: (وهل أنتم إلا عبيد أبي) ، فالذي يغطي العقل على سبيل اللذة محرم بالكتاب والسنة، بمجرد إنكاره تحريمه.

قوله: (قاطع رحم) . الرحم: هم القرابة، قال تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] ، وليس كما يظنه العامة أنهم أقارب الزوجين؛ لأن هذه تسمية غير شرعية، والشرعية في أقارب الزوجين: أن يسموا أصهارا.

(1) الإمام أحمد في (المسند)(4/339) ، وابن حبان (7/365) .

قال الهيثمي في (المجمع)(5/74) : (رجال أحمد وأبي يعلى ثقات) .

ص: 591

ومعنى قاطع الرحم: أن لا يصله، والصلة جاءت مطلقة في الكتاب والسنة، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [الرعد: 21] ، ومنه الأرحام وما جاء مطلقا غير مقيد، فإنه يتبع فيه العرف كما قيل:

وكل ما أتى ولم يحدد

بالشرع كالحرز فبالعرف احدد

فالصلة في زمن الجوع والفقر: أن يعطيهم ويلاحظهم بالكسوة والطعام دائما، وفي زمن الغنى لا يلزم ذلك.

وكذلك الأقارب ينقسمون إلى قريب وبعيد، فأقربهم يجب له من الصلة أكثر مما يجب للأبعد.

ثم الأقارب ينقسمون إلى قسمين من جهة أخرى: قسم من الأقارب يرى أن لنفسه حقا لا بد من القيام به، ويريد أن تصله دائما، وقسم آخر يقدر الظروف وينزل الأشياء منازلها، فهذا له حكم، وذلك له حكم.

والقطيعة يرجع فيها العرف، إلا أنه يستثنى من ذلك مسألة، وهي: ما لو كان العرف عدم الصلة مطلقا، بأن كنا في أمة تشتتت وتقطعت عرى صلتها كما يعرف الآن في البلاد الغربية، فإنه لا يعمل حينئذ بالعرف، ونقول: لا بد من صلة، فإذا كان هناك صلة في العرف اتبعناها، وإذا لم يكن هناك صلة، فلا يمكن أن نعطل هذه الشريعة التي أمر الله بها ورسوله.

والصلة ليس معناها أن تصل من وصلك؛ لأن هذا مكافأة، وليست صلة؛ لأن الإنسان يصل أبعد الناس عنه إذا وصله، إنما الواصل، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«من إذا قطعت رحمه وصلها» ، هذا هو الذي يريد وجه الله

ص: 592

والدار الآخرة.

وهل صلة الرحم حق لله أو للآدمي؟

الظاهر أنها حق للآدمي، وهي حق لله باعتبار أن الله أمر بها.

قوله: (ومصدق بالسحر) . هذا هو شاهد الباب، ووجهه أن علم التنجيم نوع من السحر، فمن صدق به، فقد صدق بنوع من السحر، فقد سبق:«أن من اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر» ، والمصدق به هو المصدق بما يخبر به المنجمون، فإذا قال المنجم: سيحدث كذا وكذا، وصدق به، فإنه لا يدخل الجنة؛ لأنه صدق بعلم الغيب لغير الله، قال تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] .

فإن قيل: لماذا لا يجعل السحر هنا عاما ليشمل التنجيم وغير التنجيم؟

أجيب: إن المصدق بما يخبره به السحرة من علم الغيب يشمله الوعيد هنا، وأما المصدق بأن للسحر تأثيرا، فلا يلحقه هذا الوعيد، إذ لا شك أن للسحر تأثيرا، لكن تأثيره تخييل، مثل ما وقع من سحرة فرعون حيث سحروا أعين الناس حتى رأوا الحبال والعصي كأنها حيات تسعى، وإن كان لا حقيقة لذلك، وقد يسحر الساحر شخصا فيجعله يحب فلانا ويبغض فلانا، فهو مؤثر، قال تعالى:{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102] ، فالتصديق بأثر السحر على هذا الوجه لا يدخله الوعيد لأنه تصديق بأمر واقع.

أما من صدق بأن السحر يؤثر في قلب الأعيان بحيث يجعل الخشب ذهبا

ص: 593

أو نحو ذلك، فلا شك في دخوله في الوعيد؛ لأن هذا لا يقدر عليه إلا الله عز وجل

وقوله: «ثلاثة لا يدخلون الجنة» . هل المراد الحصر وأن غيرهم يدخل الجنة؟

الجواب: لا؛ لأن هناك من لا يدخلون الجنة سوى هؤلاء، فهذا الحديث لا يدل على الحصر.

وهل هؤلاء كفار لأن من لا يدخل الجنة كافر؟

اختلف أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من أحاديث الوعيد على أقوال:

القول الأول: مذهب المعتزلة والخوارج الذين يأخذون بنصوص الوعيد، فيرون الخروج من الإيمان بهذه المعصية، لكن الخوارج يقولون: هو كافر، والمعتزلة يقولون: هو في منزلة بين المنزلتين، وتتفق الطائفتان على أنهم مخلدون في النار، فيجرون هذا الحديث ونحوه على ظاهره، ولا ينظرون إلى الأحاديث الأخرى الدالة على أن من في قلبه إيمان وإن قل، فإنه لا بد أن يدخل الجنة.

القول الثاني: أن هذا الوعيد فيمن استحل هذا الفعل بدليل النصوص الكثيرة الدالة على أن من في قلبه إيمان وإن قل، فلا بد أن يدخل الجنة، وهذا القول ليس بصواب؛ لأن من استحله كافر ولو لم يفعله، فمن استحل قطيعة الرحم أو شرب الخمر مثلا، فهو كافر وإن لم يقطع الرحم ولم يشرب الخمر.

القول الثالث: أن هذا من باب أحاديث الوعيد التي تمر كما جاءت ولا يتعرض لمعناها، بل يقال: هكذا قال الله وقال رسوله ونسكت، فمثلا: قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}

ص: 594

[النساء: 93] ، هذه الآية من نصوص الوعيد، فنؤمن بها، ولا نتعرض لمعناها ومعارضتها للنصوص الأخرى، ونقول: هكذا قال الله، والله أعلم بما أراد، وهذا مذهب كثير من السلف، كمالك وغيره، وهذا أبلغ في الزجر.

القول الرابع: أن هذا نفي مطلق، والنفي المطلق يحمل على المقيد، فيقال: لا يدخلون الجنة دخولا مطلقا يعني لا يسبقه عذاب، ولكنهم يدخلون الجنة دخولا يسبقه عذاب بقدر ذنوبهم، ثم مرجعهم إلى الجنة، وذلك لأن نصوص الشرع يصدق بعضها بعضا، ويلائم بعضها بعضا، وهذا أقرب إلى القواعد وأبين حتى لا تبقى دلالة النصوص غير معلومة، فتقيد النصوص بعضها ببعض.

وهناك احتمال: أن من كانت هذه حاله حري أن يختم له بسوء الخاتمة، فيموت كافرا، فيكون هذا الوعيد باعتبار ما يؤول حاله إليه، وحينئذ لا يبقى في المسألة إشكال؛ لأن من مات على الكفر، فلن يدخل الجنة، وهو مخلد في النار، وربما يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» ، فيكون هذا قولا خامسا.

* * *

ص: 595

فيه مسائل:

الأولى: الحكمة في خلق النجوم. الثانية: الرد على من زعم غير ذلك. الثالثة: ذكر الخلاف في تعلم المنازل. الرابعة: الوعيد فيمن صدق بشيء من السحر ولو عرف أنه باطل.

ــ

فيه مسائل:

الأولى: الحكمة في خلق النجوم. وهي ثلاث:

- أنها زينة للسماء.

- ورجوم للشياطين.

- وعلامات يهتدى بها.

وربما يكون هناك حكم أخرى لا نعلمها.

الثانية: الرد على من زعم غير ذلك؛ لقول قتادة: (من تأول فيها غير ذلك، أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به) .

ومراد قتادة في قوله: (غير ذلك) ما زعمه المنجمون من الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، وأما ما يمكن أن يكون فيها من أمور حسية سوى الثلاث السابقة، فلا ضلال لمن تأوله.

الثالثة: ذكر الخلاف في تعلم المنازل. سبق ذلك.

الرابعة: الوعيد فيمن صدق بشيء من السحر ولو عرف أنه باطل.

من صدق بشيء من التنجيم أو غيره من السحر بلسانه ولو اعتقد بطلانه بقلبه، فإن عليه هذا الوعيد، كيف يصدق وهو يعرف أنه باطل؛ لأنه يؤدي إلى إغراء الناس به وبتعلمه وبممارسته؟!

ص: 596