الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله:
{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سبأ: 22] .
ــ
الآية [النجم: 21-26] .
فإذا كانت الملائكة وهي في السماوات في العلو لا تغني شفاعتهم إلا بعد إذنه تعالى ورضاه؛ فكيف باللات والعزى وهي في الأرض؟
ولهذا قال: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} ، مع أن الملائكة تكون في السماوات وفي الأرض، ولكن التي في السماوات العلا، وهي عند الله سبحانه؛ فحتى الملائكة المقربون حملة العرش لا تغني شفاعتهم إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى.
الآية الخامسة قوله تعالى: قل ادعوا.
الأمر في قوله: ادعوا للتحدي والتعجيز، وقوله: ادعوا يحتمل معنيين، هما:
1 -
أحضروهم.
2 -
ادعوهم دعاء مسألة.
فلو دعوهم دعاء مسألة لا يستجيبون لهم؛ كما قال تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14] .
يكفرون: يتبرءون، ومع هذه الآيات العظيمة يذهب بعض الناس يشرك بالله ويستنجد بغير الله، وكذلك لو دعوهم دعاء حضور لم يحضروا، ولو حضروا ما انتفعوا بحضورهم.
قوله: {لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} ، واحدة الذر: وهي صغار النمل، ويضرب بها المثل في القلة.
قوله: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} ، وكذلك ما دون الذرة لا يملكونه، والمقصود بذكر الذرة المبالغة، وإذا قصد المبالغة بالشيء قلة أو كثرة؛ فلا مفهوم له؛ فالمراد الحكم العام؛ فمثلا قوله تعالى:{إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] ؛ أي: مهما بالغت في الاستغفار.
ولا يرد على هذا أن الله أثبت ملكا للإنسان؛ لأن ملك الإنسان قاصر وغير شامل، ومتجدد وزائل، وليس كملك الله.
قوله: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} ، أي: ما لهؤلاء الذين تدعون من دون الله.
" فيهما " أي: في السماوات والأرض.
" من شرك "؛ أي: مشاركة، أي لا يملكون انفرادا ولا مشاركة.
قوله: " من شرك ": مبتدأ مؤخر دخلت عليه " من " الزائدة لفظا، لكنها للتوكيد معنى.
وكل زيادة في القرآن؛ فهي زيادة في المعنى.
وأتت " من " للمبالغة في النفي، وأنه ليس هناك شرك لا قليل ولا كثير.
قوله: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} ، الضمير في " ما له " يعود إلى الله تعالى، وفي " منهم " يعود إلى الأصنام؛ أي: ما لله تعالى من الأصنام ظهير.
و" من ": حرف جر زائد، و"ظهير": مبتدأ مؤخر بمعنى معين؛ كما
قال الله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] ؛ أي: معينا، وقال تعالى:{وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4] ؛ أي: معين، أي: ليس لله معين في أفعاله، وبذلك ينتفي عن هذه الأصنام كل ما يتعلق به العابدون؛ فهي لا تملك شيئا على سبيل الانفراد ولا المشاركة ولا الإعانة؛ لأن من يعينك وإن كان غير شريك لك يكون له منة عليك؛ فربما تحابيه في إعطائه ما يريد.
فإذا انتفت هذه الأمور الثلاثة؛ لم يبق إلا الشفاعة، وقد أبطلها الله بقوله:{وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23] ؛ فلا تنفع عند الله الشفاعة لهؤلاء؛ لأن هذه الأصنام لا يأذن الله لها، فانقطعت كل الوسائل والأسباب للمشركين، وهذا من أكبر الآيات الدالة على بطلان عبادة الأصنام؛ لأنها لا تنفع عابديها لا استقلالا ولا مشاركة ولا مساعدة ولا شفاعة؛ فتكون عبادتها باطلة، قال تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأحقاف: 5]، حتى ولو كان المدعو عاقلا؛ لقوله:" من "، ولم يقل:"ما"، ثم قال تعالى:{وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 6، 5] ، وكل هذه الآيات تدل على أنه يجب على الإنسان قطع جميع تعلقاته إلا بالله عبادة وخوفا ورجاء واستعانة ومحبة وتعظيما؛ حتى يكون عبدا لله حقيقة، يكون هواه وإرادته وحبه وبغضه وولاؤه ومعاداته لله وفي الله؛ لأنه مخلوق للعبادة فقط، قال تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] ؛ أي: لا نأمركم ولا ننهاكم، إذ لو خلقناكم فقط للأكل والشرب والنكاح؛ لكان ذلك عين العبث، ولكن هناك شيء وراء ذلك، وهو عبادة الله سبحانه في هذه الدنيا.
قال أبو العباس: " نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب؛ كما قال:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] .
ــ
وقوله: {إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} ، أي: وحسبتم أنكم إلينا لا ترجعون، فنجازيكم إذا كان هذا هو حسبانكم؛ فهو حسبان باطل.
قوله: "قال أبو العباس "، هو شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية رحمه الله يكنى بذلك، ولم يتزوج؛ لأنه كان مشغولا بالعلم والجهاد، وليس زاهدا في السنة، مات سنة 727هـ، وله 67سنة و10أشهر.
قوله: " لغيره ملك "، أي: لغير الله في قوله: {لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} .
قوله: " أو قسط منه " في قوله: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} .
قوله: " أو يكون عونا لله " في قوله تعالى: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} بدون استثناء.
قوله: " ولم يبق إلا الشفاعة "، فبين أنها لا تنفع إلا من أذن له الرب؛ كما قال تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} ، وقال:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] ، ومعلوم أنه لا يرضى هذه الأصنام؛ لأنها باطلة، وحينئذ فتكون شفاعتهم منتفية.
واعلم أن شرك المشركين في السابق كان في عبادة الأصنام، أما الآن؛
فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة؛ كما نفاها القرآن، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم:«أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده -لا يبدأ بالشفاعة أولا- ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع» .
ــ
فهو في طاعة المخلوق في المعصية؛ فإن هؤلاء يقدسون زعماءهم أكثر من تقديس الله إن أقروا به، فيقال لهم: إنهم بشر مثلكم، خرجوا من مخرج البول والحيض، وليس لهم شرك في السماوات ولا في الأرض، ولا يملكون الشفاعة لكم عند الله، إذا؛ فكيف تتعلقون بهم؟ حتى إن الواحد منهم يركع لرئيسه أو يسجد له كما يسجد لرب العالمين.
والواجب علينا نحو ولاة الأمور طاعتهم، وطاعتهم من طاعة الله، وليست استقلالا، أما عبادتهم كعبادة الله؛ فهذه جاهلية وكفر.
فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة، كما نفاها القرآن؛ فالله سبحانه وتعالى نفى أن تنفعهم أصنامهم، بل قال:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء: 98، 99] حتى الأصنام لا تنفع نفسها ولا يشفع لها؛ فكيف تكون شافعة؟ بل هي في النار وعابدوها.
قوله: «وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي فيسجد لربه» ، أي: وكما أخبر؛ فالواو