المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فضل لا إله إلا الله - مجموع فتاوى ورسائل العثيمين - جـ ٩

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب التوحيد

- ‌ وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه

- ‌باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌ بيان فضل التوحيد

- ‌ فضل لا إله إلا الله

- ‌باب من حقق التوحيد؛ دخل الجنة بغير حساب

- ‌ التوحيد لا يكون إلا باجتناب الشرك

- ‌باب الخوف من الشرك

- ‌مناسبة الباب للبابين قبله:

- ‌(أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)

- ‌«من مات وهو يدعو من دون الله ندا

- ‌«من لقي الله لا يشرك به شيئا

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌قول الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ}

- ‌باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب ما جاء في الرقى والتمائم

- ‌ الرقى والتمائم والتولة شرك»

- ‌ التعلق بغير الله:

- ‌ قطع التميمة من إنسان

- ‌باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما

- ‌باب ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

- ‌ الذبح لله، ولكنه في مكان يذبح فيه لغيره

- ‌«نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة

- ‌باب من الشرك النذر لغير الله

- ‌ نذر أن يطيع الله

- ‌باب من الشرك الاستعاذة بغير الله

- ‌قول الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [

- ‌باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

- ‌ الاستعاذة والاستغاثة بغير الله

- ‌ إطلاق اللسان فيما إذا رأى الإنسان مبتلى بالمعاصي

- ‌باب الشفاعة

- ‌قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ

- ‌{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ

- ‌المشركون ليس لهم حظ من الشفاعة

- ‌ الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله

- ‌مناسبة هذا الباب لما قبله:

- ‌باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد اللهعند قبر رجل صالح؛ فكيف إذا عبده

- ‌ ما جاء أن الغلو في قبور الصالحينيصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

- ‌سبب مجيء المؤلف بهذا الباب

- ‌{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [

- ‌باب ما جاء في السحر

- ‌قوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [

- ‌«حد الساحر

- ‌باب بيان شيء من أنواع السحر

- ‌ بيان حقائق هذه الأشياء مع حكمها

- ‌باب ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌باب ما جاء في النشرة

- ‌تعريف النشرة:

- ‌ ما جاء في التطير

- ‌قوله: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ

- ‌قوله: {أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ}

- ‌«الطيرة شرك

- ‌باب ما جاء في التنجيم

- ‌ تعلم منازل القمر

- ‌«ثلاثة لا يدخلون الجنة:»

الفصل: ‌ فضل لا إله إلا الله

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال:«قال موسى عليه السلام: يا رب! علمني شيئا أذكرك وأدعوك به. قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله. قال: يا رب! كل عبادك يقولون هذا؟»

ــ

قوله: «أذكرك وأدعوك به» ، صفة لشيء، وليست جواب الطلب؛ فموسى عليه السلام طلب شيئا يحصل به أمران:

1 -

ذكر الله.

2 -

دعاؤه.

فأجابه الله بقوله: «قل لا إله إلا الله» ، وهذه الجملة ذكر متضمن للدعاء؛ لأن الذاكر يريد رضا الله عنه، والوصول إلى دار كرامته، إذا؛ فهو ذكر متضمن للدعاء، قال الشاعر:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حباؤك إن شيمتك الحباء

يعني: عطاؤك.

واستشهد ابن عباس على أن الذكر بمعنى الدعاء بقول الشاعر:

إذا أثنى عليك العبد يوما

كفاه من تعرضه الثناء

قوله: " كل عبادك يقولون هذا "، ليس المعنى أنها كلمة هينة كل يقولها؛ لأن موسى عليه الصلاة والسلام يعلم عظم هذه الكلمة، ولكنه أراد شيئا يختص به؛ لأن تخصيص الإنسان بالأمر يدل على منقبة له ورفعة؛ فبين الله لموسى أنه مهما أعطي فلن يعطى أفضل من هذه الكلمة، وأن لا إله إلا الله أعظم من السماوات والأرض وما فيهن؛ لأنها تميل بهن وترجح، فدل ذلك على‌

‌ فضل لا إله إلا الله

وعظمها، لكن لا بد من الإتيان بشروطها، أما مجرد

ص: 67

«قال: يا موسى! لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة و (لا إله إلا الله) في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله» (1) رواه ابن حبان والحاكم وصححه.

ــ

أن يقولها القائل بلسانه؛ فكم من إنسان يقولها لكنها عنده كالريشة لا تساوي شيئا؛ لأنه لم يقلها على الوجه الذي تمت به الشروط وانتفت به الموانع.

قوله: "والأرضين السبع "، في بعض النسخ بالرفع، وهذا لا يصلح؛ لأنه إذا عطف على اسم أن قبل استكمال الخبر وجب النصب.

قوله: " مالت "، أي: رجحت حتى يملن.

قوله: " عامرهن "، أي: ساكنهن؛ فالعامر للشيء هو الذي عمر به الشيء.

قوله: " غيري "، استثنى نفسه تبارك وتعالى؛ لأن قول لا إله إلا الله ثناء عليه، والمثنى عليه أعظم من الثناء، وهنا يجب أن تعرف أن كون الله تعالى في السماء ليس ككون الملائكة في السماء؛ فكون الملائكة في السماء كون حاجي، فهم ساكنون في السماء لأنهم محتاجون إلى السماء، لكن الرب تبارك وتعالى ليس محتاجا إليها، بل إن السماء وغير السماء محتاج إلى الله تعالى؛ فلا يظن ظان أن السماء تقل الله أو تظله أو تحيط به، وعليه؛ فالسماوات باعتبار الملائكة أمكنة مقلة للملائكة، وما فوقهم منها مظل لهم، أما بالنسبة لله؛ فهي جهة لأن الله تعالى مستو على عرشه، لا يقله شيء من خلقه.

(1) ابن حبان (2324) ، والحاكم (1/528) – وصححه ووافقه الذهبي ـ، وقال الحافظ في (الفتح) : أخرجه النسائي بسند صحيح.

ص: 68

وللترمذي وحسنه عن أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا: لأتيتك بقرابها مغفرة» (1) .

ــ

قوله: «قال الله تعالى: يا ابن آدم»

" إلخ.

هذا من الأحاديث القدسية، والحديث القدسي: ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، وقد أدخله المحدثون في الأحاديث النبوية؛ لأنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبليغا، وليس من القرآن بالإجماع، وإن كان كل واحد منهما قد بلغه النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الله عز وجل.

وقد اختلف العلماء رحمهم الله في لفظ الحديث القدسي: هل هو كلام الله تعالى، أو أن الله تعالى أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم معناه واللفظ لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

على قولين:

القول الأول: أن الحديث القدسي من عند الله لفظه ومعناه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أضافه إلى الله تعالى، ومن المعلوم أن الأصل في القول المضاف أن يكون بلفظ قائله لا ناقله، لا سيما والنبي صلى الله عليه وسلم أقوى الناس أمانة وأوثقهم رواية.

القول الثاني: أن الحديث القدسي معناه من عند الله ولفظه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لوجهين:

(1) مسند الإمام أحمد (5/147)، والترمذي: كتاب الدعوات/باب غفران الذنوب، وقال:(حسن غريب) .

ص: 69

الوجه الأول: لو كان الحديث القدسي من عند الله لفظا ومعنى لكان أعلى سندا من القرآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه تعالى بدون واسطة؛ كما هو ظاهر السياق، أما القرآن؛ فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل؛ كما قال تعالى:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} [النحل: 102] وقال: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 193 - 195] .

الوجه الثاني: أنه لو كان لفظ الحديث القدسي من عند الله؛ لم يكن بينه وبين القرآن فرق؛ لأن كليهما على هذا التقدير كلام الله تعالى، والحكمة تقتضي تساويهما في الحكم حين اتفقا في الأصل، ومن المعلوم أن بين القرآن والحديث القدسي فروق كثيرة:

منها: أن الحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته، بمعنى أن الإنسان لا يتعبد لله تعالى بمجرد قراءته؛ فلا يثاب على كل حرف منه عشر حسنات، والقرآن يتعبد بتلاوته بكل حرف منه عشر حسنات.

ومنها: أن الله تعالى تحدى أن يأتي الناس بمثل القرآن أو آية منه، ولم يرد مثل ذلك في الأحاديث القدسية.

ومنها: أن القرآن محفوظ من عند الله تعالى؛ كما قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ، والأحاديث القدسية بخلاف ذلك؛ ففيها الصحيح والحسن، بل أضيف إليها ما كان ضعيفا أو موضوعا، وهذا وإن لم يكن منها لكن نسب إليها وفيها التقديم والتأخير والزيادة والنقص.

ومنها: أن القرآن لا تجوز قراءته بالمعنى بإجماع المسلمين، وأما الأحاديث القدسية؛ فعلى الخلاف في جواز نقل الحديث النبوي بالمعنى والأكثرون على جوازه.

ومنها: أن القرآن تشرع قراءته في الصلاة ومنه ما لا تصح الصلاة بدون

ص: 70

قراءته، بخلاف الأحاديث القدسية.

ومنها: أن القرآن لا يمسه إلا الطاهر على الأصح، بخلاف الأحاديث القدسية.

ومنها: أن القرآن لا يقرؤه الجنب حتى يغتسل على القول الراجح، بخلاف الأحاديث القدسية.

ومنها: أن القرآن ثبت بالتواتر القطعي المفيد للعلم اليقيني، فلو أنكر منه حرفا أجمع القراء عليه؛ لكان كافرا، بخلاف الأحاديث القدسية؛ فإنه لو أنكر شيئا منها مدعيا أنه لم يثبت؛ لم يكفر، أما لو أنكره مع علمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله؛ لكان كافرا لتكذيبه النبي صلى الله عليه وسلم

وأجاب هؤلاء عن كون النبي صلى الله عليه وسلم أضافه إلى الله، والأصل في القول المضاف أن يكون لفظ قائله بالتسليم أن هذا هو الأصل، لكن قد يضاف إلى قائله معنى لا لفظا؛ كما في القرآن الكريم؛ فإن الله تعالى يضيف أقوالا إلى قائليها، ونحن نعلم أنها أضيفت معنى لا لفظا، كما في "قصص الأنبياء" وغيرهم، وكلام الهدهد والنملة؛ فإنه بغير هذا اللفظ قطعا.

وبهذا يتبين رجحان هذا القول، وليس الخلاف في هذا كالخلاف بين الأشاعرة وأهل السنة في كلام الله تعالى؛ لأن الخلاف بين هؤلاء في أصل كلام الله تعالى؛ فأهل السنة يقولون: كلام الله تعالى كلام حقيقي مسموع يتكلم سبحانه بصوت وحرف، والأشاعرة لا يثبتون ذلك، وإنما يقولون: كلام الله تعالى هو المعنى القائم بنفسه، وليس بحرف وصوت، ولكن الله تعالى يخلق صوتا يعبر به عن المعنى القائم بنفسه، ولا شك في بطلان قولهم، وهو في الحقيقة قول المعتزلة؛ لأن المعتزلة يقولون: القرآن مخلوق، وهو كلام الله، وهولاء يقولون: القرآن مخلوق، وهو عبارة عن كلام الله، فقد اتفق الجميع

ص: 71

على أن ما بين دفتي المصحف مخلوق.

ثم لو قيل في مسألتنا الكلام في الحديث القدسي: إن الأولى ترك الخوض في هذا؛ خوفا من أن يكون من التنطع الهالك فاعله، والاقتصار على القول بأن الحديث القدسي ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه وكفى؛ لكان ذلك كافيا، ولعله أسلم والله أعلم

(فائدة) :

إذا انتهى سند الحديث إلى الله تعالى سمي (قدسيا) ؛ لقدسيته وفضله، وإذا انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم سمي مرفوعا، وإذا انتهى إلى الصحابي سمي موقوفا وإذا انتهى إلى التابعي فمن بعده سمي مقطوعا.

قوله: «بقراب الأرض» ، أي: ما يقاربها؛ إما ملئا، أو ثقلا، أو حجما.

قوله: (خطايا) ، جمع خطيئة، وهي الذنب، والخطايا الذنوب؛ ولو كانت صغيرة؛ لقوله تعالى:{بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [البقرة: 81] .

قوله: «لا تشرك بي شيئا» ، جملة "لا تشرك" في موضع نصب على الحال في التاء؛ أي: لقيتني في حال لا تشرك بي شيئا

قوله: (شيئا) نكرة في سياق النفي تفيد العموم؛ أي: لا شركا أصغر ولا أكبر.

وهذا قيد عظيم قد يتهاون به الإنسان، ويقول: أنا غير مشرك وهو لا يدري؛ فحب المال مثلا بحيث يلهي عن طاعة الله من الإشراك، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة»

" الحديث. فسمى النبي صلى الله عليه وسلم من كان هذا همه سماه: عبدا له.

ص: 72

فيه مسائل:

الأولى: سعة فضل الله. الثانية: كثرة ثواب التوحيد عند الله. الثالثة: تكفيره مع ذلك الذنوب. الرابعة: تفسير الآية التي في سورة الأنعام.

ــ

قوله: «لأتيتك بقرابها مغفرة» ، أي: أن حسنة التوحيد عظيمة تكفر الخطايا الكبيرة إذا لقي الله وهو لا يشرك به شيئا، والمغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه

مناسبة الحديث للترجمة:

أن في هذا الحديث فضل التوحيد، وأنه سبب لتكفير الذنوب؛ فهو مطابق لقوله في الترجمة:"وما يكفرمن الذنوب"

قوله: " فيه مسائل ":

الأولى: " سعة فضل الله "، لقوله:«أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» .

الثانية: كثرة ثواب التوحيد عند الله، لقوله:«مالت بهن لا إله إلا الله» .

الثالثة: تكفيره مع ذلك للذنوب، لقوله:«لأتيتك بقرابها مغفرة» ؛ فالإنسان قد تغلبه نفسه أحيانا؛ فيقع في الخطايا، لكنه مخلص لله في عبادته وطاعته؛ فحسنة التوحيد تكفر عنه الخطايا إذا لقي الله بها.

الرابعة: تفسير الآية التي في سورة الأنعام، وهي قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} ؛ فالظلم هنا الشرك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألم تسمعوا قول الرجل الصالح: إن الشرك لظلم عظيم» .

ص: 73

الخامسة: تأمل الخمس اللواتي في حديث عبادة. السادسة: أنك إذا جمعت بينه وبين حديث عتبان وما بعده؛ تبين لك معنى قول: "لا إله إلا الله"، وتبين لك خطأ المغرورين. السابعة: التنبيه للشرط الذي في عتبان. الثامنة: كون الأنبياء يحتاجون للتنبيه على فضل (لا إله إلا الله) .

ــ

الخامسة: تأمل الخمس اللواتي في حديث عبادة:

1-

2- الشهادتان.

3-

أن عيسى عبد الله، ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه.

4-

أن الجنة حق.

5-

أن النار حق.

السادسة: أنك إذا جمعت بينه وبين حديث عتبان، وحديث أبي سعيد، وحديث أنس؛ تبين لك معنى قوله: لا إله إلا الله، وتبين لك خطأ المغرورين، لأنه لا بد أن يبتغي بها وجه الله، وإذا كان كذلك؛ فلا بد أن تحمل المرء على العمل الصالح.

السابعة: التنبيه للشرط الذي في حديث عتبان، وهو أن يبتغي بقولها وجه الله، ولا يكفي مجرد القول؛ لأن المنافقين كانوا يقولونها ولم تنفعهم.

الثامنة: كون الأنبياء يحتاجون للتنبيه على فضل لا إله إلا الله، فغيرهم من باب أولى.

ص: 74

التاسعة: التنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات، من أن كثيرا ممن يقولها يخف ميزانه. العاشرة: النص على أن الأرضين سبع كالسماوات.

ــ

التاسعة: التنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات، مع أن كثيرا ممن يقولها يخف ميزانه، فالبلاء من القائل لا من القول؛ لأنه قد يكون اختل شرط من الشروط؛ أو وجد مانع من الموانع؛ فإنها تخف بحسب ما عنده، أما القول نفسه؛ فيرجح بجميع المخلوقات.

العاشرة: النص على أن الأرضين سبع كالسماوات، لم يرد في القرآن تصريح بذلك، بل ورد صريحا أن السماوات سبع بقوله تعالى:{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ} [المؤمنون: 86]، لكن بالنسبة للأرضين لم يرد إلا قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] ؛ فالمثلية بالكيفية غير مرادة لظهور الفرق بين السماء والأرض في الهيئة، والكيفية، والارتفاع، والحسن؛ فبقيت المثلية في العدد.

أما السنة؛ فهي صريحة جدا بأنها سبع؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع شبرا من الأرض؛ طوقه يوم القيامة من سبع أرضين» . (1)

وقد اختلف في قوله صلى الله عليه وسلم: «من سبع أرضين» ؛ كيف تكون سبعا؟

فقيل: المراد: القارات السبع، وهذا ليس بصحيح؛ لأن هذا يمتنع بالنسبة

(1) البخاري: بلفظ (من ظلم قيد شبر. . .) : كتاب المظالم/ باب إثم من ظلم شيئاً من الأرض، ومسلم: كتاب المساقاة/ باب تحريم الظلم وغصب الأرض

ص: 75

الحادية عشرة: أن لهن عمارا. الثانية عشرة: إثبات الصفات خلافا للأشعرية. الثالثة عشرة: أنك إذا عرفت حديث أنس؛ عرفت أن قوله في حديث عتبان: «فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله؛ يبتغي بذلك وجه الله» ؛ أن ترك الشرك، ليس قولها باللسان. الرابعة عشرة: تأمل الجمع بين كون عيسى ومحمد عبدي الله ورسوليه.

ــ

لقوله: «طوقه من سبع أرضين» ، وقيل: المراد المجموعة الشمسية، لكن ظاهر النصوص أنها طباق كالسماوات، وليس لنا أن نقول إلا ما جاء في الكتاب والسنة عن هذه الأرضين؛ لأننا لا نعرفها.

الحادية عشرة: أن لهن عمارا، أي: السماوات، وعمارهن الملائكة.

الثانية عشرة: إثبات الصفات خلافا للأشعرية، وفي بعض النسخ خلافا للمعطلة، وهذه أحسن؛ لأنها أعم، حيث تشمل الأشعرية والمعتزلة والجهمية وغيرهم؛ ففيه إثبات الوجه لله سبحانه بقوله:«يبتغي وجه الله» ، وإثبات الكلام بقوله:«وكلمته ألقاها» ، وإثبات القول في قوله:«قل لا إله إلا الله» .

الثالثة عشرة: أنك إذا عرفت حديث أنس؛ عرفت أن قوله في حديث عتبان: «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» أن ترك الشرك. وفي بعض النسخ: إذا ترك الشرك. أي. أن قوله: «حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك» (يعني: ترك الشرك) " وليس مجرد قولها باللسان؛ لأن من ابتغى وجه الله في هذا القول لا يمكن أن يشرك أبدا.

الرابعة عشرة: تأمل الجمع بين كون كل من عيسى ومحمد عبدي الله

ص: 76

الخامسة عشرة: معرفة اختصاص عيسى بكونه كلمة الله. السادسة عشرة: معرفة كونه روحا منه. السابعة عشرة: معرفة فضل الإيمان بالجنة والنار. الثامنة عشرة: معرفة قوله «على ما كان من العمل» .

ــ

ورسوليه. عبدي: منصوب على أنه خبر كون؛ لأن كون مصدر كان وتعمل عملها.

وعيسى ومحمد: اسم كون.

وتأمل الجمع من وجهين:

الأول: أنه جمع لكل منهما بين العبودية والرسالة.

الثاني: أنه جمع بين الرجلين؛ فتبين أن عيسى مثل محمد، وأنه عبد ورسول، وليس ربا ولا ابنا للرب سبحانه.

وقول المؤلف: "تأمل"؛ لأن هذا يحتاج إلى تأمل.

الخامسة عشرة: معرفة اختصاص عيسى بكونه كلمة الله، أي: أن عيسى انفرد عن محمد في أصل الخلقة؛ فقد كان بكلمة، أما محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد خلق من ماء أبيه.

السادسة عشرة: معرفة كونه روحا منه، أي: أن عيسى روح من الله، و"من" هنا بيانية أو للابتداء، وليست للتبعيض؛ أي: روح جاءت من قبل الله وليست بعضا من الله، بل هي من جملة الأرواح المخلوقة.

السابعة عشرة: معرفة فضل الإيمان بالجنة والنار، لقوله في حديث عبادة:«وأن الجنة حق، والنار حق» ، والفضل أنه من أسباب دخول الجنة.

الثامنة عشرة: معرفة قوله: «على ما كان من العمل» ، أي: على ما كان

ص: 77

التاسعة عشرة: معرفة أن الميزان له كفتان. العشرون: معرفة ذكر الوجه.

ــ

من العمل الصالح ولو قل، أو على ما كان من العمل السيئ ولو كثر، بشرط أن لا يأتى بما ينافي التوحيد ويوجب الخلود في النار، لكن لا بد من العمل.

ولا يلزم استكمال العمل الصالح كما قالت المعتزلة والخوارج، ولم تذكر أركان الإسلام هنا؛ لأن منها ما يكفر الإنسان بتركه، ومنها ما لا يكفر؛ فإن الصحيح أنه لا يكفر إلا بترك الشهادتين والصلاة، وإن كان روي عن الإمام أحمد أن جميع أركان الإسلام يكفر بتركها؛ لكن الصحيح خلاف ذلك.

التاسعة عشرة: معرفة أن الميزان له كفتان، أخذها المؤلف من قوله: «لو أن السماوات

إلخ، وضعت في كفة ولا إله إلا الله في كفة» ، والظاهر أن الذي في الحديث تمثيل، يعني أن قول: لا إله إلا الله أرجح من كل شيء، وليس في الحديث أن هذا الوزن في الآخرة، وكأن المؤلف رحمه الله حصل عنده انتقال ذهني؛ فانتقل ذهنه من هذا إلى ميزان الآخرة.

العشرون: معرفة ذكر الوجه، يعني: وجه الله تعالى وهو صفة من صفاته الخبرية التي مسماها بالنسبة لنا أبعاض وأجزاء؛ لأن من صفات الله تعالى ما هو معنى محض، ومنه ما مسماه بالنسبة لنا أبعاض وأجزاء، ولا نقول بالنسبة لله تعالى أبعاض؛ لأننا نتحاشى كلمة التبعيض في جانب الله تعالى الله.

ص: 78