الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله
وقول الله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} الآية [التوبة: 108] .
ــ
هذا الانتقال من المؤلف من أحسن ما يكون؛ ففي الباب السابق ذكر الذبح لغير الله؛ فنفس الفعل لغير الله.
وفي هذا الباب ذكر
الذبح لله، ولكنه في مكان يذبح فيه لغيره
، كمن يريد أن يضحي لله في مكان يذبح فيه للأصنام؛ فلا يجوز أن تذبح فيه؛ لأنه موافقة للمشركين في ظاهر الحال، وربما أدخل الشيطان في قلبك نية سيئة؛ فتعتقد أن الذبح في هذا المكان أفضل، وما أشبه ذلك، وهذا خطر.
* * *
قوله: {لَا تَقُمْ فِيهِ} ، ضمير الغيبة يعود إلى مسجد الضرار، حيث بني على نية فاسدة، قال تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة: 107] ، والمتخذون هم المنافقون، وغرضهم من ذلك:
1 -
مضارة مسجد قباء: ولهذا يسمى مسجد الضرار.
2 -
الكفر بالله: لأنه يقرر فيه الكفر - والعياذ بالله -؛ لأن الذين اتخذوه هم المنافقون.
3 -
التفريق بين المؤمنين: فبدلا من أن يصلي في مسجد قباء صف أو صفان يصلي فيه نصف صف، والباقون في المسجد الآخر، والشرع له نظر في
اجتماع المؤمنين.
4 -
الإرصاد لمن حارب الله ورسوله يقال: إن رجلا ذهب إلى الشام، وهو أبو عامر الفاسق، وكان بينه وبين المنافقين الذين اتخذوا المسجد مراسلات، فاتخذوا هذا المسجد بتوجيهات منه، فيجتمعون فيه لتقرير ما يريدونه من المكر والخديعة للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال الله تعالى:{وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى} [التوبة: 107] ؛ فهذه سنة المنافقين: الأيمان الكاذبة.
إن: نافية، بدليل وقوع الاستثناء بعدها، أي: ما أردنا إلا الحسنى، والجواب عن هذا اليمين الكاذب:{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: 107] .
فشهد الله تعالى على كذبهم؛ لأن ما يسرونه في قلوبهم ولا يعلم ما في القلوب إلا علام الغيوب؛ فكأن هذا المضمر في قلوبهم بالنسبة إلى الله أمر مشهود يرى بالعين؛ كما قال الله تعالى في سورة المنافقين: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] .
وقوله: {لَا تَقُمْ فِيهِ} ، لا: ناهية، وتقم: مجزوم بلا الناهية، وعلامة جزمه السكون، وحذفت الواو؛ لأنه سكن آخره، والواو ساكنة؛ فحذفت تخلصا من التقاء الساكنين.
قوله: أبدا إشارة إلى أن هذا المسجد سيبقى مسجد نفاق.
قوله: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} ، اللام: للابتداء، ومسجد: مبتدأ وخبره: {أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} ، وفي هذا التنكير تعظيم للمسجد، بدليل قوله:{أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} [التوبة: 108] ؛ أي جعلت التقوى أساسا له، فقام عليه.
وهذه الأحقية ليست على بابها، وهو أن اسم التفضيل يدل على مفضل ومفضل عليه اشتركا في أصل الوصف؛ لأنه لا حق لمسجد الضرار أن يقام
فيه، وهذا (أعني: كون الطرف المفضل عليه ليس فيه شيء من الأصل الذي وقع فيه التفضيل) موجود في القرآن كثيراَ؛ كقوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان:24] .
قوله: فيه، أي: في هذا المسجد المؤسس على التقوى.
قوله: {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} ، بخلاف من كان في مسجد الضرار؛ فإنهم رجس؛ كما قال الله تعالى في المنافقين:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ} [التوبة: 95] .
قوله: {يَتَطَهَّرُوا} ، يشمل طهارة القلب من النفاق والحسد والغل وغير ذلك، وطهارة البدن من الأقذار والنجاسات والأحداث.
قوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} ، هذه محبة حقيقية ثابتة لله عز وجل تليق بجلاله وعظمته، ولا تماثل محبة المخلوقين، وأهل التعطيل يقولون: المراد بالمحبة: الثواب أو إرادته؛ فيفسرونها إما بالفعل أو إرادته، وهذا خطأ.
وقوله: {الْمُطَّهِّرِينَ} أصله المتطهرين، وأدغمت التاء بالطاء لعلة تصريفية معروفة.
* وجه المناسبة من الآية:
أنه لما كان مسجد الضرار مما اتخذ للمعاصي ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين؛ نهى الله رسوله أن يقوم فيه، مع أن صلاته فيه لله؛ فدل على أن كل مكان يعصى الله فيه أنه لا يقام فيه، فهذا المسجد متخذ للصلاة، لكنه محل معصية؛ فلا تقام فيه الصلاة.
وكذا لو أراد إنسان أن يذبح في مكان يذبح فيه لغير الله كان حراما؛ لأنه يشبه الصلاة في مسجد الضرار.