المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في أسماء الله وصفاته - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٢٨

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب ملحقات العقيدة

- ‌الأسئلة

- ‌ الإسلام والإيمان ليسا محصورين برسالة سيدنا محمد

- ‌ لم يكفر اليهود والنصارى

- ‌ يحذر من كتب الإمام النووي وابن حجر رحمهما الله تعالى، ويقول: إنهما ليسا من أهل السنة والجماعة

- ‌ التعامل مع الباطنيين وأهل البدع

- ‌ حديث «إن الله خلق آدم على صورته

- ‌ صفات السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب

- ‌ شعراء المحاورة

- ‌ نشر العزاء في الصحف ورد العزاء أيضا في الصحف

- ‌ عذاب القبر، وهل هو على الروح فقط، أو على الروح والجسد

- ‌ تفسير قول الله عز وجل: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}

- ‌نشر صور المغنين، والمطربين والممثلات

- ‌ كتب العقيدة الصحيحة التي تنصحون طلبة العلم باقتنائها وقراءتها

- ‌الأسئلة

- ‌ آخر الأنبياء

- ‌ الشهادة التي يدخل بها الإنسان إلى الإسلام

- ‌ عمل المرأة

- ‌ زيارة القبور وأضرحة الأولياء

- ‌ محاضرة في العقيدة

- ‌الأسئلة

- ‌ الزنا مع نساء الكفار ثم يتزوجون بهن، فهل تعتبر في هذه الحالة محصنة

- ‌عمل حركات معينة بالهاتف، تمكنه من الاتصال مجانا

- ‌ تحديد زمن الإمساك في رمضان

- ‌ تعامل المسلم بالربا، مع الكافر

- ‌الأسئلة

- ‌ السجود والذبح لغير الله

- ‌ أعمال الجوارح هل تعتبر كمالا للإيمان أو تعتبر كصحة للإيمان

- ‌ الإيمان الحق وصفات المؤمنين

- ‌ أهمية التوحيد

- ‌ التوحيد أصل الدين وأساس الملة

- ‌ توحيد الربوبيةأنكره شواذ لا عبرة بهم

- ‌ اشتداد غربة الإسلام في آخر الزمان

- ‌ الأدب مع الله سبحانه

- ‌ حكم الاحتجاج على ترك الأسباب بحديث السبعين ألفا

- ‌ مصير من لم تبلغه دعوة دين الإسلام

- ‌ حكم من اكتفى بقول لا إله إلا الله دون العمل بمقتضاها

- ‌ إقامة الحجة ببيان الحق بأدلته

- ‌ العذر بالجهل

- ‌ حكم العذر بالجهل في العقائد

- ‌ توضيح الشرك الأكبر

- ‌ حكم سب الدين

- ‌ حكم قضاء المرتد للعبادات بعد عودته للإسلام

- ‌ حكم تسمية الشرك الأكبر أصغر

- ‌ التفصيل في لفظ الكفر

- ‌ مسألة في البراءة من المشركين واعتقاد كفرهم

- ‌ حكم موالاة الكفار

- ‌ حكم زيارة غير المسلمين لدعوتهم للإسلام

- ‌ حكم قبول هدايا المشركين

- ‌ حكم إقامة المسلم في بلاد الكفر

- ‌مسألة في الموالاة

- ‌ لبس الصليب

- ‌نشر الكلمة الطيبة والحذر من نشر المقالات الباطلة

- ‌ تعاون المسلم مع إخوانه المسلمين على البر والتقوى

- ‌ حكم العمل في طباعة أوراق اليانصيب

- ‌ حقيقة عقيدة الخوارج

- ‌ حكم تبديع بعض أئمة أهل السنة

- ‌ بيان فرقة الأشاعرة

- ‌ التفصيل في فرق الشيعة

- ‌ مسألة في فرقة الرافضة

- ‌ الفرق بين أهل السنة والشيعة

- ‌ بيان فرقة الإسماعيلية

- ‌ حكم المعاملة مع الشيعة

- ‌ حكم مجالسة أهل البدع

- ‌ حكم توظيف المبتدعة في الوظائف الدينية

- ‌ تنبيه وتحذير على نشرة مكذوبة

- ‌ حكم عقيدة حزب البعث

- ‌ الحكم على الحجاج بن يوسف

- ‌ الحاكم إذا حكم بغير ما أنزل الله

- ‌ حكم من استحل الحكم بغير ما أنزل الله

- ‌ الهندوسية والبوذية والسيخ هل هي أديان

- ‌ الرد على نظرية أن الإنسان أصله قرد

- ‌ الرد على بعض شبه المستشرقين

- ‌باب في الرقى والتمائم

- ‌ العلاج بالرقية

- ‌ مسألة في الرقية

- ‌ حكم استعمال البخور لطرد الشياطين

- ‌ حكم تعليق التمائم

- ‌باب ما جاء في التبرك

- ‌ مسألة في التبرك

- ‌ حكم التبرك بقبره عليه الصلاة والسلام

- ‌ التبرك بالكعبة

- ‌باب ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌ حكم الذبح لغير الله

- ‌ حكم الصدقة والحج عمن كان يذبح لغير الله

- ‌باب ما جاء في النذر

- ‌ حكم النذر لغير الله

- ‌باب ما جاء في الاستغاثة بغير الله

- ‌ حكم دعاء الأقطاب والأوتاد والاستغاثة بهم

- ‌ الاستغاثة بغير الله

- ‌ حكم قول: مدد يا فلان

- ‌ مسألة في الاستغاثة بغير الله

- ‌باب ما جاء في التحذير من الغلو في الصالحين

- ‌ مسألة في التحذير من الغلو

- ‌ بيان أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى

- ‌باب بيان أن‌‌ دعاء أصحاب القبوريعد شركا أكبر

- ‌ دعاء أصحاب القبور

- ‌باب زيارة القبور

- ‌ مسألة في زيارة القبور

- ‌ جهل كون المسجد بني على القبر أم المسجد بني أولا

- ‌باب ما جاء في الصور

- ‌ حكم التصوير الفوتوغرافي

- ‌ مسألة في التصوير

- ‌ حكم الاحتفاظ بالصور

- ‌ حكم وضع الصورة في البيت

- ‌ حكم الاحتفاظ بالمجلات المفيدة التي تحتوي على صور

- ‌ حكم تصوير ما لا روح فيه

- ‌ حكم الرسم الكاريكاتيري

- ‌باب ما جاء في السحر

- ‌ سحر الصرف وبيان علاجه

- ‌ مسألة في السحر

- ‌ حكم الاستعانة بالقافة لاكتشاف الجرائم والضالة

- ‌باب ما جاء في التطير

- ‌ شرح حديت: " لا عدوى ولا طيرة

- ‌ حكم التشاؤم بالمسكن

- ‌باب ما جاء في التنجيم

- ‌ حكم اعتقاد أن النجوم سبب لنزول المطر

- ‌باب ما جاء في سب الدهر

- ‌ حكم سب الدهر

- ‌ مسألة في التوسل

- ‌باب في‌‌ حكم الاستهزاء والتنقص من الدين

- ‌ حكم الاستهزاء والتنقص من الدين

- ‌ مسألة في الاستهزاء بالدين

- ‌باب ما جاء في‌‌ الحلف بغير الله

- ‌ الحلف بغير الله

- ‌باب ما جاء في القضاء والقدر

- ‌ حكم الخوض في القضاء والقدر

- ‌ مسألة في القدر

- ‌ حكم لفظ: " لا قدر الله

- ‌باب ما جاء في احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌ حكم تعبيد الاسم لغير الله

- ‌ تغيير الاسم إذا كان غير شرعي

- ‌باب في أسماء الله وصفاته

- ‌ صفة النفس لله تعالى

- ‌ مسألة في صفة الذات لله تعالى

- ‌ صفة العينين لله تعالى

- ‌ معية الله لعباده

- ‌ نزول الله تعالىإلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل

- ‌ مسألة في الصفات

- ‌ حكم قول يا وجه الله

- ‌ مسالة في صفات الله عز وجل

- ‌ رؤية أهل الجنة لله تعالى

- ‌ حكم من أنكر رؤية الله في الآخرة

- ‌ حكم عبارة "والله من وراء القصد

- ‌(باب ما جاء في التوبة)

- ‌ الكبائر تكفر بالتوبة النصوح

- ‌ حكم قضاء الصلاة والصيام

- ‌ مسألة في قضاء العبادات بعد للتوبة

- ‌ توبة من كان ماله حراما

- ‌ التوبة النصوح

- ‌ حكم من أسرف على نفسه بالمعاصي

- ‌ مسألة في التوبة

- ‌ حكم الوقوع في الأخطاء التي لم يتعمدها

- ‌ علامات الخير للتائب

- ‌ الزلازل والفيضانات تقع بقضاء الله وقدره وتدبيره

- ‌ الأذكار سبب لطرد الشياطين

- ‌ التحذير من الكذب

- ‌ الوسائل المعينة على تحقيق الإخلاص

- ‌ علاج وساوس الشيطان

- ‌ صلاة التوبة

- ‌ التائب من الذنب يستتر بستر الله

- ‌ النصح واجب بين المسلمين

- ‌ شروط التوبة

- ‌ مسألة في شروط التوبة

الفصل: ‌باب في أسماء الله وصفاته

‌باب في أسماء الله وصفاته

99 -

استنكار العبد للوساوس في ذات الله - تعالى - هو صريح الإيمان

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. ن. ع. زاده الله من العلم والإيمان وجعله مباركا أينما كان، آمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فقد وصلني كتابك الكريم المؤرخ 27 \ 1 \ 1395 هـ - وصلك الله بحبل الهدى والتوفيق - وما تضمنه من السؤال عما ألقاه إليك بعض الزملاء بقوله: إنه يعترف أن الله -سبحانه - هو خالق السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل شيء، ولكنه يسأل قائلا: الله ممن تكون؟ فأجبته بقولك: كلامك الأول صحيح لا تعليق عليه، أما قولك الثاني وهو قولك:" ممن تكون الله " فلا يقوله مسلم، وينبغي أن يسعك ما وسع الصحابة رضي الله عنهم؟ فإنهم لم يسألوا مثل هذا السؤال وهم الفطاحل في العلم، وقلت له أيضا: إن الله -سبحانه - قال عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1)

(1) سورة الشورى الآية 11

ص: 378

وقوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1) إلى آخر ما ذكرت رغبتك في الإجابة عن هذه الشبهة كان معلوما.

والجواب: اعلم وفقني الله وإياك وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه أن شياطين والإنس والجن لم يزالوا ولن يزالوا يوردون الكثير من الشبه على أهل الإسلام وغيرهم؛ للتشكيك في الحق، وإخراج المسلم من النور إلى الظلمات، وتثبيت الكافر على عقيدته الباطلة، وما ذاك إلا لما سبق في علم الله وقدره السابق من جعل هذه الدار دار ابتلاء وامتحان وصراع بين الحق والباطل؛ حتى يتبين طالب الهدى من غيره، وحتى يتبين الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق، كما قال الله -سبحانه -:{الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (2) وقال - سبحانه -: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (3)

(1) سورة الحديد الآية 3

(2)

سورة العنكبوت الآية 1

(3)

سورة محمد الآية 31

ص: 379

وقال - تعالى -: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (1) وقال - سبحانه -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (2){وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} (3) فأوضح -سبحانه - في الآيات الأولى والثانية والثالثة أنه يبتلي مدعي الإيمان بشيء من الفتن؛ ليتبين صدقه في إيمانه وعدمه، كما أخبر -سبحانه - أنه فعل ذلك بمن مضى؛ ليعلم - سبحانه - الصادقين من الكاذبين، وهذه الفتنة تشمل فتنة المال والفقر والمرض والصحة والعدو، وما يلقي الشياطين من الإنس والجن من أنواع الشبه، وغير ذلك من أنواع الفتن، فيتبين بعد ذلك الصادق في إيمانه من الكاذب، ويعلم الله ذلك علما ظاهرا موجودا في الخارج بعد علمه السابق؛ لأنه -سبحانه - قد سبق في علمه كل شيء كما قال عز وجل:{لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (4)

(1) سورة الأنعام الآية 121

(2)

سورة الأنعام الآية 112

(3)

سورة الأنعام الآية 113

(4)

سورة الطلاق الآية 12

ص: 380

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء (1) » خرجه مسلم في صحيحه.

ولكنه عز وجل لا يؤاخذ العباد بمقتضى علمه السابق، وإنما يؤاخذهم ويثيبهم على ما يعلمه منهم بعد عملهم إياه ووجوده منهم في الخارج، وذكر في الآيات الرابعة والخامسة والسادسة أن الشياطين يوحون إلى أوليائهم من أنواع الشبه وزخرف القول ما يغرونهم به؛ ليجادلوا به أهل الحق، ويشبهوا به على أهل الإيمان، ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ويرضوا به، فيصولوا ويجولوا ويلبسوا الحق بالباطل؛ ليشككوا الناس في الحق، ويصدوهم عن الهدى وما الله بغافل عما يعملون، لكن من رحمته عز وجل أن قيض لهؤلاء الشياطين وأوليائهم من يكشف باطلهم ويزيح شبهتهم بالحجج الدامغة والبراهين القاطعة، فيقيموا بذلك الحجة

(1) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، برقم 2653.

ص: 381

ويقطعوا المعذرة، وأنزل كتابه -سبحانه - تبيانا لكل شيء كما قال عز وجل:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (1) وقال - سبحانه -: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (2) قال بعض السلف: هذه الآية عامة لكل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة.

وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة «أن بعض الصحابة رضي الله عنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: " يا رسول الله، إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان (3) » . قال بعض أهل العلم في تفسير ذلك: إن الإنسان قد يوقع الشيطان في نفسه من الشكوك والوساوس ما يصعب عليه أن ينطق به؛ لعظم بشاعته ونكارته، حتى أن خروره من السماء أهون عليه من أن ينطق به، فاستنكار العبد لهذه الوساوس واستفظاعه إياها ومحاربته لها هو صريح الإيمان؛

(1) سورة النحل الآية 89

(2)

سورة الفرقان الآية 33

(3)

أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، برقم 132.

ص: 382

لأن إيمانه الصادق بالله عز وجل وبكمال أسمائه وصفاته، وأنه لا شبيه له ولا ند له، وأنه الخلاق العليم الحكيم الخبير - يقتضي منه إنكار هذه الشكوك والوساوس ومحاربتها واعتقاد بطلانها.

ولا شك أن ما ذكره لك هذا الزميل من جملة الوساوس، وقد أحسنت في جوابه، ووفقت للصواب فيما رددت به عليه، زادك الله علما وتوفيقا، وأنا أذكر لك إن شاء الله في هذا الجواب بعض ما ورد في هذه المسألة من الأحاديث وبعض كلام أهل العلم عليها؛ لعله يتضح لك من ذلك وللزميل المبتلى بالشبهة التي ذكرت ما يكشف الشبهة ويبطلها، ويوضح الحق، ويبين ما يجب على المؤمن أن يقوله ويعتمده عند ورود مثل هذه الشبهة، ثم أختم ذلك بما يفتح الله علي في هذا المقام العظيم، وهو - سبحانه - ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل.

قال الإمام البخاري رحمه الله في كتابه الجامع الصحيح ص 336 من المجلد السادس من فتح الباري طبعة المطبعة السلفية في باب صفة إبليس وجنوده: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير: قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 383

«يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته (1) » . ثم رواه في كتاب الاعتصام ص 264 المجلد الثالث عشر من فتح الباري عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خلق كل شيء فمن خلق الله؟ (2) » انتهى.

وأخرج مسلم في صحيحه اللفظ الأول من حديث أبي هريرة ص 154 من الجزء الثاني من المجلد الأول من شرح مسلم للنووي، وأخرجه مسلم أيضا بلفظ آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد شيئا فليقل: آمنت بالله ورسله (3) » . ثم ساقه بألفاظ أخر

(1) صحيح البخاري بدء الخلق (3276) ، صحيح مسلم الإيمان (134) .

(2)

أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه، برقم 7296.

(3)

أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقول من وجدها، برقم 134.

ص: 384

ثم رواه من حديث أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل إن أمتك لا يزالون يقولون ما كذا ما كذا حتى يقولوا هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله (1) » .

خرج مسلم أيضا رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان (2) » . ثم رواه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة قال: تلك محض الإيمان (3) » .

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم لما ذكر هذه الأحاديث ما نصه: (أما معاني الأحاديث وفقهها: فقوله صلى الله عليه وسلم: ذلك صريح الإيمان ومحض الإيمان معناه

(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها برقم 136.

(2)

أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، برقم 132.

(3)

أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، برقم 133.

ص: 385

استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك، واعلم أن الرواية الثانية وإن لم يكن فيها ذكر الاستعظام فهو مراد وهي مختصرة من الرواية الأولى، ولهذا قدم مسلم رحمه الله الرواية الأولى وقيل معناه أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد، فعلى هذا معنى الحديث سبب الوسوسة محض الإيمان أو الوسوسة علامة محض الإيمان وهذا القول اختيار القاضي عياض، وأما قوله صلى الله عليه وسلم «فمن وجد ذلك فليقل آمنت بالله (1) » ، وفي الرواية الأخرى «فليستعذ بالله ولينته (2) » فمعناه الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه. قال الإمام المازري رحمه الله ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها، قال: والذي يقال في هذا المعنى أن الخواطر على قسمين

(1) صحيح مسلم الإيمان (134) ، سنن أبي داود السنة (4721) .

(2)

صحيح البخاري بدء الخلق (3276) ، صحيح مسلم الإيمان (134) ، مسند أحمد بن حنبل (2/331) .

ص: 386

فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع بالإعراض عنها وعلى هذا يحمل الحديث وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة فكأنه لما كان أمرا طارئا بغير أصل دفع بغير نظر في دليل إذ لا أصل له ينظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها والله أعلم.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «فليستعذ بالله ولينته (1) » فمعناه إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه وليعرض عن الفكر في ذلك وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها والله أعلم.

وقال الحافظ في الفتح في الكلام على حديث أبي هريرة المذكور في أول هذا الجواب ما نصه: قوله: "من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته" أي عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها، قال الخطابي: وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ

(1) صحيح البخاري بدء الخلق (3276) ، صحيح مسلم الإيمان (134) ، مسند أحمد بن حنبل (2/331) .

ص: 388

الشخص بالله منه وكف عن مطاولته في ذلك اندفع، قال: وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان، قال: والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور، فإذا راعى الطريقة وأصاب الحجة انقطع، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء، بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة، نعوذ بالله من ذلك. قال الخطابي: على أن قوله "من خلق ربك" كلام متهافت ينقض آخره أوله لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقا، ثم لو كان السؤال متجها لاستلزم التسلسل وهو محال، وقد أثبت العقل أن المحدثات مفتقرة إلى محدث. فلو كان هو مفتقرا إلى محدث لكان من المحدثات، انتهى. والذي نحا إليه من التفرقة بين وسوسة الشيطان ومخاطبة البشر فيه نظر؛ لأنه ثبت في مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث:«لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله (1) » فسوى في الكف عن الخوض في ذلك بين كل سائل عن ذلك من بشر وغيره. وفي رواية لمسلم عن

(1) صحيح مسلم الإيمان (134) ، سنن أبي داود السنة (4721) ، مسند أحمد (2/431) .

ص: 388

أبي هريرة قال: سألني عنها اثنان، وكان السؤال عن ذلك لما كان واهيا لم يستحق جوابا، أو الكف عن ذلك نظير الأمر بالكف عن الخوض في الصفات والذات. قال المازري: الخواطر على قسمين: فالتي لا تستقر ولا يجلبها شبهة هي التي تندفع بالإعراض عنها، وعلى هذا ينزل الحديث، وعلى مثلها ينطلق اسم وسوسة، وأما الخواطر المستقرة الناشئة عن الشبهة فهي التي لا تندفع إلا بالنظر والاستدلال، وقال الطيبي: إنما أمر بالاستعاذة والاشتغال بأمر آخر ولم يأمر بالتأمل والاحتجاج؛ لأن العلم باستغناء الله جل وعلا عن الموجد أمر ضروري لا يقبل المناظرة، ولأن الاسترسال في الفكر في ذلك لا يزيد المرء إلا حيرة، ومن هذا حاله فلا علاج له إلا الملجأ إلى الله تعالى والاعتصام به، وفي الحديث إشارة إلى ذم كثرة السؤال عما لا يعني المرء وعما هو مستغن عنه، وفيه علم من أعلام النبوة لإخباره بوقوع ما سيقع فوقع.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (بيان موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول) : ولفظ "التسلسل" يراد به التسلسل في المؤثرات - وهو أن يكون للحادث فاعل وللفاعل فاعل - وهذا

ص: 389

باطل بصريح العقل واتفاق العقلاء، وهذا هو التسلسل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يستعاذ بالله منه، وأمر بالانتهاء عنه، وأن يقول القائل «آمنت بالله ورسله (1) » كما في الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته (2) » وفي رواية: «لا يزال الناس يتساءلون، حتى يقولوا: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ قال: فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب، فقالوا: يا أبا هريرة هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ قال: فأخذ حصى بكفه فرماهم به، ثم قال: قوموا، قوموا، صدق خليلي (3) » وفي الصحيح أيضا عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله: إن أمتك لا يزالون يسألون: ما كذا؟ ما كذا؟ حتى يقولوا: هذا الله خلق الحلق، فمن خلق الله؟ (4) » .

(1) مسند أحمد (6/257) .

(2)

أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده برقم 3276، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقول من وجدها، برقم 134.

(3)

صحيح مسلم الإيمان (135) .

(4)

أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها برقم 136.

ص: 390

انتهى المقصود من كلام الشيخ رحمه الله ولعله يتضح لك أيها السائل ولزميلك الذي أورد عليك الشبهة مما ذكرنا من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم ما يزيل الشبهة ويقضي عليها من أساسها ويبن بطلانها؛ لأن الله سبحانه لا شبيه له ولا كفو له ولا ند له، وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو خالق كل شيء وما سواه مخلوق، وقد أخبرنا في كتابه المبين وعلى لسان رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم بما يجب اعتقاده في حقه سبحانه وبما يعرفنا به ويدلنا عليه من أسمائه وصفاته وآياته المتلوة وآياته المشاهدة من سماء وأرض وجبال وبحار وأنهار وغير ذلك من مخلوقاته عز وجل، ومن جملة ذلك نفس الإنسان فإنها من آيات الله الدالة على قدرته وعظمته وكمال علمه وحكمته؛ كما قال عز وجل:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (1) وقال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} (2) .

(1) سورة آل عمران الآية 190

(2)

سورة الذاريات الآية 20

ص: 391

أما كنه ذاته وكيفيتها وكيفية صفاته فذلك من علم الغيب الذي لم يطلعنا عليه، فالواجب علينا فيه الإيمان والتسليم وعدم الخوض في ذلك كما وسع ذلك سلفنا الصالح من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان فإنهم لم يخوضوا في ذلك ولم يسألوا عنه بل آمنوا بالله سبحانه وبما أخبر به عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولم يزيدوا على ذلك مع إيمانهم بأنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وعلى من وجد شيئا من هذه الوساوس أو ألقي إليه شيء منها أن يستعظمها وينكرها من أعماق قلبه إنكارا شديدا وأن يقول: آمنت بالله ورسله، وأن يستعيذ بالله من نزغات الشيطان، وأن ينتهي عنها ويطرحها؛ كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك في الأحاديث السابقة، وأخبر أن استعظامها وإنكارها هو صريح الإيمان، وعليه ألا يتمادى على السائلين في هذا الباب؛ لأن ذلك قد يفضي إلى شر كثير، وإلى شكوك لا تنتهي، فأحسن علاج للقضاء على ذلك والسلامة منه هو امتثال ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم والتمسك به والتعويل عليه وعدم الخوض في

ص: 392

ذلك وهذا هو الموافق لقول الله عز وجل: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) .

فالاستعاذة بالله سبحانه واللجوء إليه وعدم الخوض فيما أحدثه الموسوسون وأرباب الكلام الباطل من الفلاسفة ومن سلك سبيلهم في الخوض في باب أسماء الله وصفاته، وما استأثر الله بعلمه من غير حجة ولا برهان هو سبيل أهل الحق والإيمان، وهو طريق السلامة والنجاة والعافية من مكائد شياطين الإنس والجن. وفقني الله وإياك وسائر المسلمين للسلامة من مكائدهم، ولهذا لما سأل بعض الناس أبا هريرة رضي الله عنه عن هذه الوسوسة حصبهم بالحصباء ولم يجبهم على سؤالهم وقال صدق خليلي.

ومن أهم ما ينبغي للمؤمن في هذا الباب أن يكثر من تلاوة القرآن الكريم وتدبره؛ لأنه فيه من بيان صفات الله وعظمته، وأدلة وجوده وكماله ما يملأ القلوب إيمانا ومحبة وتعظيما واعتقادا جازما بأنه سبحانه هو رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق لكل شيء، والعالم بكل شيء، والقادر على كل شيء، لا إله غيره

(1) سورة الأعراف الآية 200

ص: 393

ولا رب سواه، كما ينبغي للمؤمن أيضا أن يكثر من سؤال الله المزيد من العلم النافع والبصر النافذ والثبات على الحق والعافية من الزيغ بعد الهدى، فإنه سبحانه قد وجه عباده إلى سؤاله، ورغبهم في ذلك، ووعدهم الإجابة، كما قال عز وجل:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (1) . والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وأسأل الله أن يوفقنا وإياك وزميلك وسائر المسلمين للفقه في الدين والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعا من مضلات الفتن، ومن مكايد شياطين الإنس والجن ووساوسهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.

رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

(1) سورة غافر الآية 60

ص: 394