الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعقله، بالأعمال الصالحات، قبل أن يحال بينه وبين ذلك تارة بأسباب يبتلى بها، من مرض وغيره، وتارة بالطمع في الدنيا، وحب الدنيا، وإيثارها على الآخرة، وتزيينها من أعداء الله، والدعاة إلى الكفر والضلال.
11 -
كلمة عن
الأدب مع الله سبحانه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه أما بعد (1) :
فيسرنا أن نستضيف في بداية هذه الحلقة سماحة والدنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية والرئيس العام لرئاسة البحوث العلمية والإفتاء، ليحدثنا عن الأدب مع الله سبحانه وتعالى: مظاهره الحسنة، وما يناقضه من مظاهر سوء الأدب مع الله جل وعلا.
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
(1) لقاء قناة (اقرأ) مع سماحته بتاريخ 26\10\ 1419هـ.
فإن الواجب على جميع المكلفين هو التأدب مع الله، وذلك بإخلاص العبادة له، وترك عبادة ما سواه، والإيمان به، وبكل ما أخبر به سبحانه في كتابه العظيم، على لسان رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، عن أسمائه وصفاته وعن الآخرة، والجنة والنار والحساب والجزاء وغير ذلك، يجب على كل مكلف أن يؤمن بالله، وأن يخصه بالعبادة، وألا يشرك به شيئا سبحانه وتعالى، فأعظم الأدب توحيد الله، والإخلاص له، وأعظم سوء الأدب، الشرك بالله وصرف بعض العبادة لغيره سبحانه وتعالى، يقول الله جل وعلا:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1)، ويقول سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2)، ويقول سبحانه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3)، ويقول:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (4) . فأعظم الأدب وأهمه وأوجبه: إخلاص العبادة لله
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2)
سورة الذاريات الآية 56
(3)
سورة البينة الآية 5
(4)
سورة النحل الآية 36
وحده، وترك عبادة ما سواه، وأن يخص بالعبادة، من دعاء وخوف ورجاء وتوكل، ورغبة ورهبة وذبح ونذر، واستغاثة وغير ذلك، كما قال سبحانه:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1){لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (2) .
وبهذا يعلم أن ما يفعله الجهلة من دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم والذبح لهم، أن هذا هو الشرك الأكبر، هذا هو عبادة غير الله، وهذا داخل في قوله جل وعلا:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3)، وفي قوله سبحانه:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} (4)، وفي قوله عز وجل:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (5)، وفي قوله سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (6) .
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2)
سورة الأنعام الآية 163
(3)
سورة الأنعام الآية 88
(4)
سورة المائدة الآية 72
(5)
سورة الزمر الآية 65
(6)
سورة النساء الآية 48
فالواجب: تخليص العبادة لله وحده، وأن يخص بالعبادة من دعاء وخوف، ورجاء، وتوكل، وذبح، ونذر، وغير هذا كله لله وحده، والله يقول جل وعلا:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (1) ويقول جل وعلا: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (2) يعني من المشركين، فالواجب على جميع المكلفين أن يخصوا الله بالدعاء، وبسائر أنواع العبادة، ومن الأدب مع الله الإيمان بأسمائه وصفاته، كما قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (3) ، وأن تثبت أسماؤه وصفاته كما جاءت في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يوصف بها على الوجه اللائق بالله، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف، ولا تمثيل، بل يجب إثباتها لله، كما جاءت في القرآن، والسنة الصحيحة، على الوجه اللائق بالله، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، كالاستواء والنزول، والضحك والرضا، والغضب ونحو ذلك، يجب إثباتها لله، وأنه
(1) سورة غافر الآية 60
(2)
سورة يونس الآية 106
(3)
سورة الأعراف الآية 180
سبحانه قد استوى على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في استوائهم، كما أنه سبحانه يرضى ويغضب، ويرحم ويعطي ويمنع ويضحك، يرحم عباده جل وعلا، ويتكلم، كل ذلك على الوجه اللائق به، لا يشبه كلام عباده، ولا يشبه صفات عباده، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1)، ويقول سبحانه:{فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2) .
فدعاء غير الله من الأموات، أو الأصنام أو الكواكب أو الجن سوء أدب مع الله، وكفر به سبحانه وتعالى، وهكذا تأويل صفاته، كله من سوء الأدب مع الله، وهكذا سوء الظن به جل وعلا، كله من سوء الأدب مع الله، فالواجب على الجميع حسن الظن بالله، والاستقامة على دينه، وإخلاص العبادة له سبحانه وتعالى، والإيمان بأسمائه وصفاته، وبكل ما خبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الواجب على الجميع، وعلى الجميع اتباع القرآن الكريم، والتمسك به، والحذر مما يخالفه، مع اتباع السنة
(1) سورة الشورى الآية 11
(2)
سورة النحل الآية 74