الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا معنى قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (1)، وقوله سبحانه:{هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} (2) .
وفي صحيح مسلم عن طارق بن أشيم رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله (3) » ، وفي لفظ آخر:«من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه (4) » فجعل تحريم الدم والمال مربوطا بقوله: " لا إله إلا الله "، وتوحيده لله، وكفره بالطاغوت، فلا يحرم ماله ودمه حتى يوحد الله، وحتى يكفر بالطاغوت - أي يكفر بما عبد من دون الله - لأن الطاغوت هو ما عبد من دون الله، ومعنى الآية الكريمة:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} (5) .
(1) سورة الأنعام الآية 19
(2)
سورة إبراهيم الآية 52
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، برقم 23.
(4)
أخرجه أحمد في مسند القبائل، حديث طارق بن أشيم رضي الله عنه برقم 26671.
(5)
سورة البقرة الآية 256
والذي يعلم الكافر وما عليه من باطل ثم لا يكفره أو يشك في كفره، معناه أنه مكذب لله ولرسوله، غير مؤمن بما حكم الله عليهم من الكفر كاليهود والنصارى، فهم كفار بنص القرآن، ونص السنة، فالواجب على المكلفين من المسلمين اعتقاد كفرهم وضلالهم، ومن لم يكفرهم أو شك في كفرهم يكون مثلهم؛ لأنه مكذب لله ولرسوله شاك فيما أخبر الله به ورسوله، وهكذا من شك في الآخرة، شك هل هناك جنة أو لا، أو هل هناك نار أو لا، أو هل هناك بعث أو لا، وهل يبعث الله الموتى، فليس عنده إيمان ويقين، فهذا كافر حتى يؤمن بالبعث والنشور، وبالجنة والنار، وأن الله أعد الجنة للمتقين، وأعد النار للكافرين، فلا بد من الإيمان بهذا بإجماع المسلمين.
وهكذا من شك أن الله يستحق العبادة، يكون كافرا بالله عز وجل؛ لأن الله سبحانه يقول:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} (1)، ويقول سبحانه:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2)
(1) سورة لقمان الآية 30
(2)
سورة الإسراء الآية 23
وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1)، وقال:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (2) . والآيات في هذا كثيرة.
وهكذا من شك في الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: لا أعلم أن محمدا رسول الله أم لا؟ أي عنده شك، فيكون حكمه حكم من أنكر الرسالة أو كذب بها، يكون كافرا حتى يؤمن يقينا أن محمدا رسول الله.
وهكذا المرسلون الذين بينهم الله، كهود ونوح وصالح وموسى وعيسى من شك في رسالتهم أو كذبهم يكون كافرا، وهكذا من استهزئ بالدين أو سب الدين يكون كافرا، كما قال تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (3) .
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2)
سورة البينة الآية 5
(3)
سورة التوبة الآية 65
والذي يسب الدين ويسب الرسول مثل المستهزئ أو أقبح وأكفر.
أما من ترك الصلاة ولم يجحد وجوبها فهذا فيه خلاف بين العلماء:
1 -
منهم من كفره، وهو الصواب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (1) » وقوله: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (2) » .
2 -
وقال آخرون من أهل العلم: إنه لا يكفر بذلك؛ لأنه لم يجحد وجوبها، بل يكون عاصيا وكافرا كفرا دون كفر وشركا دون شرك، لكن لا يكون كافرا كفرا أكبر. قاله جمع من أهل
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة برقم 2621، والنسائي في كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة برقم 463، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة برقم 1079، وأحمد في باقي مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه برقم 22428.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم 82.
العلم. ومن شك في كفر هذا لا يكون كافرا؛ لأنه محل اجتهاد بين أهل العلم، فمن رأى بالأدلة الشرعية أنه كافر وجب عليه تكفيره، ومن شك في ذلك، ولم تظهر له الأدلة، ورأى أنه لا يكفر كفرا أكبر بل كفر أصغر، فهذا معذور في اجتهاده، ولا يكون كافرا بذلك.
أما من جحد وجوبها وقال: الصلاة غير واجبة، فهذا كافر عند الجميع، ومن شك في كفره فهو كافر نعوذ بالله، وهكذا من قال: إن الزكاة لا تجب أي جحد وجوبها أو صيام رمضان جحد وجوبه، فهذا يكفر بذلك؛ لأنه مكذب لله ولرسوله، ومكذب لإجماع المسلمين فيكون كافرا.
ومن شك في كفره فهو كافر بعد ما يبين له الدليل ويوضح له الأمر، يكون كافرا بذلك لكونه كذب الله ورسوله، وكذب إجماع المسلمين.
وهذه أمور عظيمة يجب على طالب العلم التثبت فيها، وعدم العجلة فيها؛ حتى يكون على بينة وعلى بصيرة، وهكذا العامة يجب عليهم في ذلك أن يتثبتوا، وألا يقدموا على شيء حتى
يسألوا أهل العلم، وحتى يتبصروا؛ لأن هذه مسائل عظيمة، مسائل تكفير وليست مسائل خفيفة.
فالواجب على طلبة العلم وعلى أهل العلم أن يوضحوا للناس الحكم بالأدلة الشرعية، والواجب على من أشكل عليه شيء ألا يعجل، وأن ينظر في الأدلة، وأن يسأل أهل العلم حتى يكون على بصيرة وعلى بينة في ذلك، والله ولي التوفيق.
25 -
حكم موالاة الكفار
س: ما هي الموالاة المنهي عنها شرعا؟ (1)
ج: محبة الكفار وإعانتهم على باطلهم، واتخاذهم أصحابا وأخدانا ونحو ذلك من كبائر الذنوب، ومن وسائل الكفر بالله. فإن نصرهم على المسلمين وساعدهم ضد المسلمين، فهذا هو التولي، وهو من أنواع الردة عن الإسلام؛ لقول الله سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (2)
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (جريدة المسلمون) .
(2)
سورة المائدة الآية 51
وقال سبحانه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} (1) الآية. وقال عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (2) . والله ولي التوفيق.
(1) سورة المجادلة الآية 22
(2)
سورة المائدة الآية 57
26 -
حكم زيارة غير المسلمين لدعوتهم للإسلام
س: لي جيران غير مسلمين، وأحب أن أدعوهم، فما أحسن طريق لذلك؟ جزاكم الله خيرا (1) .
(1) نشر في مجلة الدعوة، العدد 1445، بتاريخ 21\ 1\ 1417 هـ.
ج: عليك أن تدعوهم للإسلام بزيارتهم أو بدعوتهم عندك على طعام، فتدعوهم لنصيحتهم، فهذا ليس من المحبة وضد الإيمان إذا كان المقصود دعوتهم إلى الله، وإرشادهم وتوجيههم، وهكذا الفساق والعصاة من جيرانك أو أقاربك عندما تدعوهم لنصيحتهم وتوجيههم فهذا ليس من الموالاة وإنما المقصود من ذلك الدعوة والتوجيه.
27 -
حكم قبول هدايا المشركين
س: عندنا مسجد يبنى وبجواره نصارى، والنصارى إذا أرادوا التبرع في بناء المسجد بالمال هل على المسلمين أن يأخذوا المال منهم؟ (1) .
ج: إذا كان فيه شرط يخالف الشرع فلا، أما التبرع المجرد فإنه ليس فيه شيء، والنبي صلى الله عليه وسلم قبل كثيرا من هدايا المشركين.
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته من إحدى الجمعيات الإسلامية بلندن، أجاب عنه سماحته بتاريخ 6\2\ 1419هـ.
28 -
حكم إقامة المسلم في بلاد الكفر
س: ما هي نصيحتكم للإخوة والأخوات المقيمين في إنجلترا ولا يعملون ويتلقون معونة مالية من الحكومة؟ وأحيانا هم يحصلون على عمل ولكن لا يخبرون الحكومة فهل عملهم هذا يعتبر عملا صحيحا؟
ج: الواجب على جميع المسلمين المقيمين في بلاد الكفر، أن يهاجروا إلى البلاد الإسلامية التي تقام فيها شعائر الله إذا استطاعوا ذلك، فإن لم يتيسر ذلك فإلى البلاد التي هي أقل شرا كما هاجر جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الحبشة؛ لأن بلاد الحبشة ذاك الوقت أقل شرا مما يقع على المسلمين في مكة من الشر قبل فتح مكة، فإن لم يستطيعوا فعليهم أن يتقوا الله في محلهم، وأن يحذروا ما حرم الله عليهم، وأن يؤدوا ما أوجب الله عليهم، ولا حرج عليهم في قبول المعاونة والمساعدة من الدولة الكافرة، إذا لم يترتب على ذلك ترك واجب أو فعل محظور، وليس لهم أخذ المساعدة إلا على الطريقة الرسمية التي قررتها الدولة، وليس لهم أن يكذبوا للحصول عليها،
وعليهم جميعا أن يتقوا الله في كل شيء، وأن يحذروا ما نهى الله عنه، وأن يتفقهوا في القرآن والسنة فيما بينهم، وأن يسألوا أهل العلم عما أشكل عليهم، ولو بالمكاتبة أو من طريق الهاتف، أصلح الله أحوال المسلمين جميعا وحفظ عليهم دينهم ومنحهم الفقه فيه، وكفاهم شر أنفسهم وشر أعدائهم إنه جواد كريم.
مسألة في الموالاة
س: أب وأولاده في الجاهلية ثم تعلم أحد أولاده وعرف الحق وأخبرهم وقال هذا حرام وهذا حلال، فكان جواب الأب له: هذا وجدنا عليه آباءنا ونحن مثل قبيلة آل فلان، هل يحق للولد الموحد أن يواد والده وإخوانه الباقين أم لا؟ (1)
ج: إذا عرف الإنسان الإسلام وهداه الله لقبوله فليس له موالاة أهل الشرك ولا مودتهم، ولو كانوا أقرب قريب؛ لقوله تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} (2)
(1) من ضمن أسئلة أجاب عنها سماحته بتاريخ 12\8\ 1418هـ. بمكة المكرمة.
(2)
سورة المجادلة الآية 22
الآية من سورة المجادلة، ولكن عليه دعوتهم إلى الله وترغيبهم في الخير والصبر على ذلك لعل الله يهديهم على يده فيكون له مثل أجورهم.
29 -
تكذيب بصدور فتوى لسماحته عن جواز
لبس الصليب
الأخ الفاضل الدكتور محمد بن سعد الشويعر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، الحمد لله عز وجل الذي سخر لهذه الأمة من يرعى أبناءها ويمد يد العون لهم كلما أرادوه، ويعلم الله كم أنا مسرور عندما أجد من يهتم برسائلي في وقت قل فيه أهل الخير إلا من رحم الله.
لقد بعثت لك يا دكتور محمد مجموعة من الرسائل على فترات، وطلبت في هذه الرسائل مجلة البحوث الإسلامية وبعض الكتب، وكانت عندي بعض الأسئلة كذلك فقمتم مشكورين بالإجابة عليها خير إجابة، ولاقى هذا العمل صدى جميلا في نفسي
ونفس أصدقائي الذين أخبرتهم بذلك.
واليوم يا دكتور عندي استفسار عن أمر دار حوله جدل طويل وانقسام عظيم، وتناحر بين الأصدقاء والإخوة، وذلك عندما وصلنا شريط فيه مجموعة أسئلة طرحت على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - حفظه الله - ومن ضمن هذه الأسئلة سؤال من أخ مصري سأله فيه عن حكم لبس الصليب؟ فأجابه الشيخ بجواز ذلك مما أثار موجة عارمة بين الجميع، وشخصيا ما كدت أصدق ذلك من هول ما سمعت، وقد نصبت نفسي محامي دفاع عن الشيخ ولكن موقفي كان ضعيفا فالصوت صوت الشيخ - حفظه الله - والقاضي عياض نقل الإجماع في كتاب الشفا على كفر لابس الصليب.
فأرجو يا دكتور أن توضح لنا الأمر فهنالك الكثير من الشباب المسلم ينتظر هذه الإجابة منك كونك من المقربين للشيخ - حفظه الله - أرجو أن تشفي صدورنا ويا حبذا لو أن سماحته شخصيا - يجيبنا على هذا الاستفسار.
ولا أخفيك القول أن صورة الشيخ قد اهتزت عند كثير من الشباب بعد سماع ذلك الشريط، وأن كثيرا من أصحاب النفوس المريضة انتهزوها فرصة للنيل من مكانة الشيخ وتجريحه.
فلا تبخل علينا يا دكتور بما سيكون لك في ميزان عملك إن شاء الله، بما سيقطع الطريق على مرضى النفوس، وفقكم ورعاكم الله لما فيه خير هذه الأمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المرسل ج. ع. ع. الأردن - إربد
ولقد عرضت هذه الرسالة على سماحته رحمه الله فاسترجع وحوقل، وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ثم أملى علي هذا الجواب الذي بعث للمرسل.
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ج. ع. ع. وفقه الله لما فيه رضاه وثبته على دينه آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد اطلعت على رسالتكم المؤرخة 14 ربيع الأول عام 1417 هـ الموجهة لفضيلة الدكتور محمد بن سعد الشويعر، حول الشريط المنسوب إلي وفيه فتوى عن جواز لبس الصليب، وأنني أجبت بجواز ذلك.
فأحيطكم علما أن هذا لم يصدر مني وأنه كذب علي
(1) رسالة جوابية لسماحته صدرت من مكتبه في عام 1417 هـ.
ولا أصل لذلك، جازى الله من عمله بما يستحق، وليست هذه أول كذبة يفتريها بعض المغرضين علي وعلى غيري من أصحاب الفضيلة المشايخ وغيرهم فقد سبقها كثير، ومن ذلك ما نشر عندكم في الأردن قبل شهر في صحيفة الرأي وغيرها من أني أقول بأن المرأة إذا ذهبت للعمل فهي زانية، فقد ابتسروا من كلمة لي صدرت منذ عشرين عاما ما يوافق أهواءهم، وعنوانها:(حكم مشاركة المرأة للرجل في العمل) وقد نشرت في مركز الدعوة الإسلامية بلاهور الباكستان - الطبعة الأولى في ربيع الثاني عام 1399 هـ الموافق مارس 1979 م، وضمن كتابنا مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الأول من ص (422- 432) وقد طبع هذا الجزء عام 1408 هـ الموافق 1987 م وكان إعادة نشر المقالة هو الرد على أولئك، ونرفق لكم نسخة منها.
ولذا نرجو من فضيلتكم تزويدنا بنسخة من الشريط الذي نوهتم عنه للاطلاع وإجراء ما يلزم، جعلنا الله وإياكم من المتعاونين على الحق الناصرين لدين الله المعينين على قمع البدع والأهواء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
30 -
على الصحف والكتاب أن يعتنوا ب
نشر الكلمة الطيبة والحذر من نشر المقالات الباطلة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد (1) :
فقد اطلعت على ما نشرته صحيفة الجزيرة الصادرة في 11\ 1\ 1419 هـ للأخ الكريم سمو الأمير عبد العزيز بن فهد بن فيصل بن فرحان آل سعود المتضمنة إنكاره ما حصل من كثير من الكتاب في الشاعر نزار وبيانه سوء ما صنعوا، وشرحه بعض حال نزار المذكور. ولقد أحسن وأجاد وأدى الواجب في بيان الحق والتحذير من خلافه.
وإني لأشكره كثيرا على عمله الطيب ورده على دعاة الباطل ومروجيه. ولا شك أن الشاعر المذكور - إذا كانت حاله كما قال سمو الأمير عبد العزيز - جدير بالذم والتحذير من سيرته والفرح بموته؛ لما في أشعاره من الفساد الكبير والكفر الصريح
(1) نشرت في جريدة الجزيرة بتاريخ 11\ 1\ 1419 هـ.
وتشجيع دعاة الباطل ومروجي الرذيلة.
ولا شك أن الواجب على صحفنا وكتابنا أن يتقوا الله، وأن ينصروا الحق، وأن يدعوا إليه، وأن يعتنوا بنشر الكلمات الطيبة، وأن يحذروا نشر المقالات الباطلة، والكلمات التي تنصر الباطل وتمدح أهله؛ عملا بقول الله سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} (1)، وقوله عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (2)، وقوله عز وجل:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (3){الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (4)، وقوله عز وجل:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (5)، وقوله سبحانه:{وَالْعَصْرِ} (6){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (7){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (8) .
(1) سورة الصف الآية 14
(2)
سورة محمد الآية 7
(3)
سورة الحج الآية 40
(4)
سورة الحج الآية 41
(5)
سورة المائدة الآية 2
(6)
سورة العصر الآية 1
(7)
سورة العصر الآية 2
(8)
سورة العصر الآية 3
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (1) » وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله من نبي في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوفا يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل (2) » .
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. فالواجب على المسلمين التواصي بها والعمل بها والحذر مما يخالفها، ومعلوم أن الإنكار باليد يكون لولاة الأمر وغيرهم ممن يستطيع ذلك؛ كالرجل مع أولاده وأهل بيته ورئيس الحسبة فيما جعل إليه ونحوهما.
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان برقم 49.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان برقم 49.
ونسأل الله أن يوفق جميع المسلمين وجميع ولاة أمرهم، وجميع الكتاب لكل خير، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن ينصر بهم الحق وأهله، وأن يخذل بهم الباطل وأهله إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
31 -
وجوب
تعاون المسلم مع إخوانه المسلمين على البر والتقوى
س: هل يجوز التعاون مع الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة؟ وإلى أي مدى يمكن التعاون، نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا؟
ج: يشرع التعاون مع جميع المسلمين على البر والتقوى، بل يجب ذلك مع الاستطاعة؛ لقول الله عز وجل:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1)، وقوله سبحانه:{وَالْعَصْرِ} (2){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (3){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (4) .
ومن التعاون على البر والتقوى ومن التواصي بالحق والصبر عليه، توضيح الأحكام الشرعية والتحذير من البدع، وإيضاح العقيدة الصحيحة التي درج عليها سلف الأمة من أصحاب النبي
(1) سورة المائدة الآية 2
(2)
سورة العصر الآية 1
(3)
سورة العصر الآية 2
(4)
سورة العصر الآية 3
صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان.
ومن التعاون والتواصي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهجر من يستحق الهجر؛ لقول الله عز وجل:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1)، وقوله سبحانه:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (2) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (3) » . وقوله صلى الله عليه وسلم:
(1) سورة التوبة الآية 71
(2)
سورة المائدة الآية 78
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم برقم 6011، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم برقم 2586.
«الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (1) » أخرجه مسلم في صحيحه والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة برقم 55.
32 -
حكم العمل في طباعة أوراق اليانصيب
س: يقول السائل: أنا أعمل في شركة تعمل في طباعة أوراق اليانصيب، فهل يجوز لي الاستمرار في العمل؟ أفتونا مأجورين.
ج: لا يجوز لك الاستمرار في هذا العمل، بل يجب عليك تركه؛ لقول الله عز وجل:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (1)، وقوله سبحانه:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (2) .
(1) سورة الطلاق الآية 2
(2)
سورة الطلاق الآية 4
33 -
حكم من عقد بيعة لغير ولاة الأمور
س: بعض الفرق المعاصرة تعقد البيعة لأمرائها الذين يختارونهم من أنفسهم، ويرون وجوب السمع والطاعة لهم،
وعدم نقض بيعتهم، وهم تحت ولاة الأمراء الشرعيين الذين بايعهم عموم المسلمين. هل يجوز ذلك؟ أي بمعنى أن يكون في عنق الفرد أكثر من بيعة وما مدى صحة هذه البيعات؟ (1) .
ج: هذه البيعة باطلة ولا يجوز فعلها؛ لأنها تفضي إلى شق العصا، ووجود الفتن الكثيرة، والخروج على ولاة الأمور بغير وجه شرعي. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (2) » .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية الله، فإن
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (جريدة المسلمون) .
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع برقم 2676، وابن ماجه في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين برقم 42، وأحمد في مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم برقم 16694.
أمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة (1) » .
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف (2) » .
وقال صلى الله عليه وسلم: «من رأى من أمره شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة (3) » .
والأحاديث في ذلك كثيرة جدا، كلها دالة على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر في المعروف، وعدم جواز الخروج عليهم، إلا أن يأتوا كفرا بواحا عند الخارجين عليهم فيه من الله برهان.
ولا شك أن وجود البيعة لبعض الناس يفضي إلى شق العصا، والخروج على ولي الأمر العام فوجب تركه، وحرم فعله، ثم إنه يجب على من رأى من أميره كفرا بواحا أن يناصحه حتى يدع ذلك، ولا يجوز الخروج عليه، إذا كان الخروج يترتب عليه شرا أكثر؛ لأن المنكر لا يزال
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة؛ باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية الله برقم 1839.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي برقم 4340، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية الله برقم 1840، واللفظ لمسلم.
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم برقم 1855.
بأنكر منه، كما نص على ذلك أهل العلم رحمهم الله، كشيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم رحمة الله عليهما، والله ولي التوفيق.
34 -
حقيقة عقيدة الخوارج
س: ما ردكم على من يقول: إن عقيدة الخوارج كانت عقيدة سلفية وإنهم - أي الخوارج - سلفيون؟ (1)
ج: هذا قول باطل، وقد أبطله النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الخوارج:«تمرق مارقة على حين فرقة من أمتي، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم (2) » وفي لفظ آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الخوارج: إنهم «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان (3) » .
(1) من ضمن الأسئلة الواردة لسماحته من (مجلة الدعوة) .
(2)
أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم 3611.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى: {وأما عاد فأهلكوا بريح} برقم 3344.
وقد علم من عقيدتهم أنهم يكفرون العصاة من المسلمين، ويحكمون بخلودهم في النار؛ ولهذا قاتلوا عليا رضي الله عنه ومن معه من الصحابة وغيرهم، فقاتلهم علي وقتلهم يوم النهروان، رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، والله الموفق.
35 -
حكم تبديع بعض أئمة أهل السنة
س: ما حكم تبديع جملة من أئمة أهل السنة بحجة أنهم أخطأوا في العقيدة مثل النووي وابن حجر وغيرهما؟ (1)
ج: من أخطأ لا يؤخذ بخطئه، الخطأ مردود مثل ما قال مالك رحمه الله:" ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر " يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وكل عالم يخطئ ويصيب، فيؤخذ صوابه ويترك خطؤه، وإذا كان من أهل العقيدة السلفية ووقع في بعض الأغلاط، فيترك الغلط ولا يخرج بهذا من العقيدة السلفية إذا كان معروفا باتباع السلف، ولكن تقع منه بعض الأغلاط في بعض شروح الحديث أو في بعض الكلمات التي تصدر
(1) سؤال موجه لسماحته بعد الدرس الذي ألقاه في المسجد الحرام بتاريخ 25\ 12\ 1418 هـ.
منه فلا يقبل الخطأ ولا يتبع فيه، وهكذا جميع الأئمة إذا أخطأ الشافعي أو أبو حنيفة أو مالك أو أحمد أو الثوري أو الأوزاعي أو غيرهم، يؤخذ الصواب ويترك الخطأ، والخطأ ما خالف الدليل الشرعي، وهو ما قاله الله ورسوله، فلا يؤخذ أحد من الناس إلا بخطأ يخالف الدليل، والواجب اتباع الحق، قال الله تعالى:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) .
وقد أجمع العلماء على أن كل إنسان يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالواجب اتباع ما جاء به وقبوله، وعدم رد شيء مما جاء به عليه الصلاة والسلام؛ للآية الكريمة المذكورة، وما جاء في معناها؛ ولقوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (2) .
(1) سورة الحشر الآية 7
(2)
سورة النساء الآية 59
36 -
بيان فرقة الأشاعرة
س: هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة أم لا؟ وهل نحكم عليهم من المذهب أم كفار؟ (1)
ج: الأشاعرة من أهل السنة في غالب الأمور، ولكنهم ليسوا منهم في تأويل الصفات، وليسوا بكفار بل فيهم الأئمة والعلماء والأخيار، ولكنهم غلطوا في تأويل بعض الصفات، فهم خالفوا أهل السنة في مسائل؛ منها تأويل غالب الصفات، وقد أخطأوا في تأويلها، والذي عليه أهل السنة والجماعة إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل ولا تحريف ولا تشبيه، وتمر كما جاءت مع الإيمان بأنها حق، وأنها صفات ثابتة لله سبحانه على الوجه اللائق به عز وجل، لا يشابه فيها خلقه سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2) وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (3) .
(1) من فتاوى الحج، الشريط الرابع.
(2)
سورة الشورى الآية 11
(3)
سورة الإخلاص الآية 4
37 -
التفصيل في فرق الشيعة
س: سماحة الشيخ، نحن بحاجة ماسة لمعرفة أوجه الخلاف مع الشيعة، نرجو توضيح عقائدهم نور الله بصائر الجميع؟
ج: الشيعة فرق كثيرة، وليس من السهل أن يتسع للحديث عنها الوقت القليل، وبالاختصار ففيهم الكافر الذي يعبد عليا ويقول: يا علي، ويعبد فاطمة والحسن وغيرهم، ومنهم من يقول: جبريل عليه الصلاة والسلام خان الأمانة، وأن النبوة عند علي وليست عند محمد، وفيهم أناس آخرون، منهم الإمامية - وهم الرافضة الاثنا عشرية - عباد علي ويقولون: إن أئمتهم أفضل من الملائكة والأنبياء، ومنهم أقسام كثيرة، وفيهم الكافر وفيهم غير الكافر، وأسهلهم وأيسرهم من يقول: علي أفضل من الثلاثة، وهذا ليس بكافر لكن مخطئ؛ فإن عليا هو الرابع، والصديق وعمر وعثمان هم أفضل منه، وإذا فضله على أولئك الثلاثة فإنه قد أخطأ وخالف إجماع الصحابة، ولكن لا يكون كافرا، وهم طبقات وأقسام، ومن أراد ذلك فليراجع كلام الأئمة مثل " الخطوط العريضة "
لمحيي الدين الخطيب، و " منهاج السنة " لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب أخرى ألفت في ذلك كـ " الشيعة والسنة " لإحسان إلهي ظهير، وغير ذلك كتب كثيرة في مثل هذا الباب نوعت وبينت أغلاطهم وشرهم، نسأل الله العافية، ومن أخبثهم الإمامية الاثنا عشرية والنصيرية ويقال لهم: الرافضة؛ لأنهم رفضوا زيد بن على لما أبى أن يتبرأ من الشيخين أبى بكر وعمر وخالفوه ورفضوه، فما كل من ادعى الإسلام يسلم له بأنه أصبح مسلما، من ادعى الإسلام ينظر في دعواه، فمن عبد الله وحده وصدق رسوله وتابع ما جاء به فإن هذا هو المسلم، وأما إذا ادعى الإسلام وهو يعبد الحسين ويعبد فاطمة ويعبد البدوي ويعبد العيدروس وغيرهم فهو ليس بمسلم، نسأل الله السلامة والعافية، وهكذا من سب الدين أو ترك الصلاة ولو قال: إنه مسلم، ما يكون مسلما، أو استهزأ بالدين أو استهزأ بالصلاة أو بالزكاة أو بالصيام أو بمحمد عليه الصلاة والسلام أو كذبه، أو قال: إنه جاهل أو قال: إنه ما أتم الرسالة ولا بلغ البلاغ المبين، كل هؤلاء كفرة، نسأل الله العافية.
38 -
مسألة في فرقة الرافضة
س: رجل والداه من الرافضة كيف تكون معاملتهم؟
ج: يدعوهم إلى الله وينصح لهما، ويتبرأ منهما إن علم منهما الباطل، لكن يتقي الله فيهما مثل ما قال الله - جل وعلا -:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (1) ، يعني يحسن فيهما، وينصح لهما، ويدعوهما إلى الله، ويدعو لهما الله أن يهديهما، فلا يعنف عليهما؛ لأنهما والدان وعند الله لهما حق عظيم، وهذا لو كانا كافرين يهوديين أو نصرانيين وأسلم هو فإنه يدعوهما إلى الله، ولا يعنف مثل قوله جل وعلا:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (2) ؛ لأن الوالدين ليس التعامل معهما مثل الناس الآخرين.
(1) سورة لقمان الآية 15
(2)
سورة لقمان الآية 15
39 -
الفرق بين أهل السنة والشيعة
س: ما الفرق بين أهل السنة والجماعة والشيعة؟ (1)
ج: هناك فرق بينهم، فالله ما جعل الناس سواء، لا يستوي الذين يعملون الصالحات والذين يعملون السيئات، وما يستوي الأبرار والفجار.
يجب التفريق بين الكفار والمسلمين وبين الشيعة وغيرهم، الشيعة مبتدعة وهم أقسام كثيرة: فيهم الرافضي، وفيهم النصيري، وفيهم الإسماعيلي، وفيهم أصناف أخرى وهم طبقات وأقسام، منهم عبدة أهل البيت يعبدون أهل البيت يدعونهم من دون الله يستغيثون بهم، كالرافضة والنصيرية وأشباههم، هؤلاء كفار. نسأل الله العافية.
(1) من أسئلة حج عام 1407 هـ، شريط رقم 6.
40 -
بيان فرقة الإسماعيلية
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ / م. س. إ. س. وفقه الله لما فيه رضاه ونصر به دينه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد سرني كثيرا اعتناقك مذهب أهل السنة والجماعة وترك ما عليه المكارمة الإسماعيلية من البدع والأهواء المخالفة للشرع المطهر، فالحمد لله على ذلك، وأسأل الله أن يمنحك الثبات على الحق، وأن يوفقك للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من الهداة المهتدين، وقد سررت كثيرا بزيارتك لنا في الطائف ليلة الأحد 14 \ 1 \ 1419 هـ، وقد أخبرتك بأن الواجب على كل مسلم هو التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم من دين الله وإخلاص العبادة له، والثبات على ذلك والدعوة إليه، وهو الدين الحق الذي درج عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة إلى يومنا هذا، وخلاصة ذلك
هي الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإخلاص العبادة لله وحده دون ما سواه، والحذر من كل ما يخالف شرع الله، كما قال الله عز وجل آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الناس:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1)، وقال عز وجل:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2)، وقال سبحانه:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (3) ، وأمر عباده -سبحانه - في سورة الفاتحة أن يسألوه الهداية إلى هذا الصراط المستقيم، وأخبر سبحانه في سورة الشورى أن نبيه صلى الله عليه وسلم يهدي إليه هداية البلاغ والبيان، فقال سبحانه:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (4)، وقال عز وجل:
(1) سورة آل عمران الآية 31
(2)
سورة يوسف الآية 108
(3)
سورة الأنعام الآية 153
(4)
سورة الشورى الآية 52
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (2) » . وقال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (3) » .
والخلفاء الراشدون هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وقد أجبنا على أسئلتك التي سألت عنها في رسالة مختصرة قد طبعت منذ سنوات،
(1) سورة التوبة الآية 100
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد برقم 2652، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة رضي الله عنهم ثم الذين يلونهم برقم 2533.
(3)
أخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين برقم 42.
وهي إليك برفق هذه الرسالة لتطلع عليها وتقرأها على من شئت، لعل الله يهدي بها من خالف السنة، ويجعلك من أسباب هدايتهم، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى اليهود في خيبر:«ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم (1) » متفق على صحته، وأسأل الله عز وجل أن يجعلك مباركا وأن يجعلك هاديا مهديا، وأن ينفع بك إخوانك المسلمين، وأن يثبتنا وإياك على الهدى، إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
(1) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي برقم 3701، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 2406.
41 -
حكم المعاملة مع الشيعة
س: أنا أعمل مدرسا، ولدينا مدرسون من الشيعة، وأنا أعمل معهم أريد منك النصيحة في المعاملة معهم؟ (1) . ج: تنصحهم وتوجههم إلى الخير، وتعلمهم أن الرفض لا يجوز، وأن الواجب محبة علي والترضي عنه، لكن من دون غلو، لا يقال: إنه يعلم الغيب ولا إنه معصوم، ولا يدعى مع الله ولا يستغاث به، وهكذا الحسن وهكذا الحسين وهكذا جعفر الصادق وغيرهم، تعلمهم أن هذا هو الواجب، تنصحهم فإذا أصروا على البدعة فعليك أن تهجرهم، ولو أنهم معك في العمل تهجرهم ولا ترد عليهم السلام ولا تبدأهم بالسلام.
أما إذا لم يظهروا بدعتهم ووافقوك على الظاهر، فحكمهم حكم المنافقين، تعاملهم معاملة المنافقين لا حرج، مثل ما عامل النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين في المدينة، من أظهر الإسلام وكف عن الشر يعامل معاملة المسلمين، وأمره إلى الله في الباطن.
(1) من أسئلة حج عام 1415 هـ شريط 49 \ 6
42 -
حكم مجالسة أهل البدع
س: هل يجوز مجالسة أهل البدع في دروسهم ومشاركتهم؟ (1)
ج: لا يجوز مجالستهم ولا اتخاذهم أصحابا، ويجب الإنكار عليهم وتحذيرهم من البدع، نسأل الله العافية.
(1) نشر في مجلة الفرقان، العدد 100 في ربيع الثاني 1419 هـ.
43 -
حكم توظيف المبتدعة في الوظائف الدينية
س: أناس عندنا في اليمن يبنون مساجد، وفيهم خير، ولكن لا يفقهون السنة، ويوظفون فيها أناسا مبتدعين يعني عقائدهم فاسدة، وأهل السنة يزاحمون فيها ويحتلون المساجد، فما حكم عملهم هذا؟ (1) .
ج: يكون العمل بالحكمة لا يكون بالشدة، أو بمراجعة ولاة الأمور حتى لا يكون شقاق وفتن، وحتى يوظفوا أهل السنة والجماعة ولا يكون وراء ذلك فتنة، وإذا كان قد بناها أهل البدع لا بد أن يكون هناك حيلة حتى لا يقع فتنة؛ لأنهم يقولون: نحن بنيناها لماذا تأخذونها منا تغصبونها، حطوا لكم مساجد أنتم يا أهل السنة، وعليهم أن يعالجوا الأمور بالهدوء حتى يوظف أهل السنة بالإمامة والأذان.
(1) من برنامج نور على الدرب.
44 -
تنبيه وتحذير على نشرة مكذوبة
(1)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه، أما بعد:
فقد اطلعت على نشرة يوزعها الكثير من الناس عن جهل أو قصد سيئ، قد بدأها صاحبها بقول الله تعالى:{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (2) ، وذكر بعدها آيات، ثم قال ما نصه: اهتم بإرسال هذه الآيات لتكون مجلبة خير ويمن ومال وفلاح، ثم ذكر بعد ذلك أنه تم توزيعها حول العالم، وأن من اعتنى بها ربح ربحا كثيرا، ومن أغفلها أصيب بأنواع من الحوادث، وذكر أنها تمنع المضرات وتجلب الفلاح والخير بعد أربعة أيام.
ونظرا إلى أن هذه النشرة لا أساس لها من الصحة، بل هي كذب وافتراء وقول بغير علم، واعتقاد أنها تجلب الخيرات وتدفع المضرات، وأن من اعتنى بها ربح، ومن أهملها أصيب بالحوادث - اعتقاد باطل يخل بالعقيدة ويدعو إلى تعلق القلوب بهذه النشرة وانصرافها عن الله عز وجل.
(1) نشرت في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، العدد الرابع، السنة الحادية عشرة عام 1398 هـ.
(2)
سورة الزمر الآية 66
فلهذا رأيت تحذير المسلمين منها ووصيتهم إتلافها أينما وجدت، وتنبيه إخوانهم على بطلانها، وأن اعتقاد ما فيها يخالف شريعة الله ويقدح في العقيدة؛ لأنه اعتقاد فاسد ليس له أساس من الصحة، بل هو من الكذب على الله ودعوى باطلة، وهي من جنس الوصية المنسوبة إلى خادم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن نبهنا على بطلانها، وأنها كذب لا أساس لها من الصحة ولا لما ادعاه صاحبها، فهاتان النشرتان كلتاهما من أبطل الباطل، فالواجب على كل مسلم أن يحذرهما وأن يحذر منهما غيره عملا بقول الله سبحانه:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1) وقوله سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (2) الآية.
ولا شك أن هاتين النشرتين من المنكر الذي يجب النهي عنه، ويجب على ولاة الأمور البحث عن مروجهما وعقابه بما يردعه وأمثاله. ونسأل الله أن يوفقنا والمسلمين للفقه في الدين والثبات عليه وإنكار ما خالفه، وأن يعيذنا جميعا من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، كما نسأله سبحانه أن يكبت أعداء الإسلام أينما كانوا ويبطل كيدهم، إنه
(1) سورة المائدة الآية 2
(2)
سورة التوبة الآية 71
سميع قريب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
45 -
حكم عقيدة حزب البعث
س: هل نكفر رئيس العراق وحزبه البعثي لاعتقادهم بذلك أم لا؟ (1)
ج: البعثيون كلهم كفار، سواء رئيس العراق أو غيره؛ لأنهم يرفضون الشريعة ويعادونها.
(1) نشر في مجلة الفرقان، العدد 100، في ربيع الثاني 1419 هـ.
46 -
الحكم على الحجاج بن يوسف
س: هل الحجاج بن يوسف كافر أم ظالم؟ (1)
ج: عاص ظالم وليس بكافر.
(1) نشر في مجلة الفرقان، العدد 100، في ربيع الثاني 1419 هـ.
47 -
التفصيل في
الحاكم إذا حكم بغير ما أنزل الله
س: سماحة الشيخ - لو سمحت - الحكام الذين لا يطبقون شرع الله في بلاد الله، هل هؤلاء كفار على الإطلاق مع أنهم يعلمون بذلك؟ وهل هؤلاء لا يجوز الخروج عليهم؟ وهل
موالاتهم للمشركين والكفار في مشارق الأرض ومغاربها يكفرهم بذلك؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل عند أهل العلم، وعليهم أن يناصحوهم ويوجهوهم إلى الخير، ويعلموهم ما ينفعهم، ويدعوهم إلى طاعة الله وطاعة رسوله وإلى تحكيم الشريعة، وعليهم المناصحة؛ لأن الخروج يسبب الفتن والبلاء وسفك الدماء بغير حق، ولكن على العلماء والأخيار أن يناصحوا ولاة الأمور ويوجهوهم إلى الخير، ويدعوهم إلى تحكيم شريعة الله، لعل الله يهديهم بأسباب ذلك، والحاكم بغير ما أنزل الله يختلف، فقد يحكم بغير ما أنزل الله ويعتقد أنه يجوز له ذلك، أو أنه أفضل من حكم الله، أو أنه مساو لحكم الله، هذا كفر، وقد يحكم وهو يعرف أنه عاص ولكنه يحكم لأجل أسباب كثيرة، إما رشوة، وإلا لأن الجند الذي عنده يطيعونه، أو لأسباب أخرى، هذا ما يكفر بذلك مثل ما قال ابن عباس: كفر دون كفر وظلم دون ظلم. أما إذا استحل ذلك ورأى أنه يجوز الحكم بالقوانين وأنها أفضل من حكم الله، أو مثل حكم الله، أو أنها جائزة، يكون عمله هذا ردة عن الإسلام حتى لو كان ليس
(1) من أسئلة حج عام 1408 هـ، الشريط الثالث.
بحاكم، حتى لو هو من أحد أفراد الناس.
لو قلت: إنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله فقد كفرت بذلك، ولو أنك ما أنت بحاكم، ولو أنك ما أنت الرئيس.
الخروج على الحكم محل نظر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:«إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان (1) » وهذا لا يكون إلا إذا وجدت أمة قوة تستطيع إزالة الحكم الباطل. أما خروج الأفراد والناس العامة الذين يفسدون ولا يصلحون فلا يجوز خروجهم، هذا يضرون به الناس ولا ينفعونهم.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: '' سترون. . . '' برقم 7056.
48 -
حكم من استحل الحكم بغير ما أنزل الله
س: هل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله يرى تكفير الحكام على الإطلاق؟ (1)
ج: يرى تكفير من استحل الحكم بغير ما أنزل الله فإنه يكون بذلك كافرا.
(1) نشر في مجلة الفرقان، العدد 100، في ربيع الثاني 1419 هـ.
هذه أقوال أهل العلم جميعا: من استحل الحكم بغير ما أنزل الله كفر، أما من فعله لشبهة أو لأسباب أخرى لا يستحله يكون كفرا دون كفر.
49 -
الهندوسية والبوذية والسيخ هل هي أديان
س: عرض التلفزيون مساء الجمعة 4 صفر هجري برنامج العالم الفطري، وكانت الحلقة عن الهند.
وفي مستهل مقدمته قال: حقا إن الهند تسمى بلاد الأديان، ففيه نجد الهندوسية، البوذية، السيخ. . إلخ. فأرجو منكم إيضاح الآتي:
- هل الأديان التي ذكرها مقدم البرنامج كما يدعي حقا أديان؟
- وهل هي منزلة ومرسلة من عند الله؟ (1)
ج: كل ما يدين به الناس ويتعبدون به يسمى دينا، وإن كان باطلا كالبوذية والوثنية واليهودية والهندوسية والنصرانية
(1) نشر في كتاب فتاوى إسلامية من جمع محمد المسند، ج 1 ص 36.
وغيرها من الأديان الباطلة. قال الله سبحانه في سورة الكافرون: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (1) ، فسمى ما عليه عباد الأوثان دينا، والدين الحق هو الإسلام وحده، كما قال الله عز وجل:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (2) . وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) . وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (4) .
والإسلام هو عبادة الله وحده دون كل ما سواه، وطاعة أوامره وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما كان وما يكون، وليس شيء من الأديان الباطلة منزلا من عند الله ولا مرضيا له، بل كلها محدثة غير منزلة من عند الله. والإسلام هو دين الرسل جميعا، وإنما اختلفت شرائعه؛ لقوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (5) .
(1) سورة الكافرون الآية 6
(2)
سورة آل عمران الآية 19
(3)
سورة آل عمران الآية 85
(4)
سورة المائدة الآية 3
(5)
سورة المائدة الآية 48
50 -
الرد على نظرية أن الإنسان أصله قرد
س: من المعروف أن بعض الناس يظنون بأن أصلهم حيوان لموافقتهم النظرية الغربية، فما رأيكم في ذلك؟ (1)
ج: نظرية دارون تقول: الإنسان أصله قرد، وإن ابن آدم حيوان ينطق وكلنا حيوان، فالله خلق لابن آدم حياة وجعل له عقلا ونطقا، ولكن هذه النظرية الخبيثة باطلة بإجماع أهل العلم، فالقردة أمة من الأمم، والكلاب أمة من الأمم، والخنازير أمة من الأمم، والقطط أمة من الأمم، وهكذا الأسود والنمور والفهود وغيرهما، أما الإنسان فهو حيوان مستقل ناطق عاقل، خلقه الله من ماء مهين، وأبونا آدم عليه الصلاة والسلام خلقه الله من طين، فهو حيوان مستقل وأمة من الأمم قائمة وهم بنو آدم، والجن أيضا أمة قائمة خلقوا من مارج من نار، وكل نوع من الحيوان أمة قائمة حتى النمل أمة.
(1) من أسئلة حج عام 1407 هـ، الشريط رقم 1.
51 -
الرد على بعض شبه المستشرقين
س: يدعي المستشرقون أن الإسلام أبقى على شيء من الوثنية، وذلك مثل تقبيل الحجر الأسود، فكيف ترد عليهم؟ (1)
ج: ليست هذه وثنية؛ هذا أمر وضعه الله لنا لحكمة بالغة، وليس لنا في هذا تشبه بالجاهلية ولا تعبد بالعبادة الجاهلية، والله يوجه أمره لعباده بما يشاء سبحانه وتعالى، فإذا أمرهم بشيء صار شرعا مستقلا ليس له تعلق بالجاهلية، فقد كان من أمور الجاهلية أمور طيبة أقرها الإسلام، وكان من أمور الجاهلية الدية مائة من الإبل وأقرها الإسلام، وكان من أمور الجاهلية القسامة وأقرها الإسلام، وكذلك تقبيل الحجر واستلامه، وهذا فيه تعظيم الله وطلب مرضاته، وليس التبرك بالحجر أو الطلب للحجر، ولكنه طاعة لله في استلام الحجر والركن اليماني، والله امتحن عباده بذلك هل يطيعون أم يعصون، فإذا أمرهم الله بشيء امتثلوا،
(1) من أسئلة حج عام 1407 هـ، الشريط السابع.
واستلام الحجر الأسود والركن اليماني أقر الله ذلك فيهم ابتلاء وامتحانا هل يسمعون ويطيعون؟ هل يمتثلون ما شرع الله لهم أم لا؟ فلهذا لما قبل عمر رضي الله عنه الحجر الأسود قال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك.
كما كان من أمر الجاهلية إكرام الضيف، وبقي في الإسلام إكرام الضيف، وكل هذا وغيره من مكارم الأخلاق التي يحبها الله وحث عليها رسوله صلى الله عليه وسلم، وجميع الخصال الطيبة من أمر الجاهلية قد بقيت في الإسلام وأقرها الإسلام.
باب في الرقى والتمائم
52 -
العلاج بالرقية
س: امرأة تعاني من مرض خبيث وتعالجه بعلاج له آثار جانبية كتساقط الشعر، فضلا عن أنه لا يقضي على المرض كليا، وقد نصحها زوجها بالرقية عند بعض المرقين الذي اشترط ترك العلاج الطبي والاستمرار على الرقية، فهل إذا استمرت على الرقية وتركت الأدوية تكون تركت الأخذ بالأسباب؟ على الرغم من أن الرقية قد تم العلاج بها حالات مماثلة وشفيت بإذن الله؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: إذا كان الواقع هو ما ذكر في السؤال فالرقية كافية، والحمد لله.
(1) نشر في مجلة الدعوة، العدد 1687، بتاريخ 29 ذي الحجة 1419 هـ.
53 -
حكم خنق الراقي للمريض المصاب بالمس
س: هل يجوز للذي يعالج المرضى بقراءة القرآن الكريم أن يضرب ويخنق ويتحدث مع الجن؟ (1)
ج: هذا قد وقع شيء منه من بعض العلماء السابقين مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فقد كان يخاطب الجني ويخنقه ويضربه حتى يخرج، أما المبالغة في هذه الأمور مما نسمعه عن بعض القراء فلا وجه لها.
(1) نشر في جريدة عكاظ، العدد (11714) بتاريخ 26 \ 5 \ 1419 هـ.
54 -
مسألة في الرقية
س: فضيلة الشيخ - حفظكم الله - كنت مع أحد الأصدقاء، فقال لي: إذا أردت كشف شيء مفقود عن طريق كتاب الله الكريم افعل الآتي:
1 -
تأتي بكتاب الله عز وجل وتفتح الكتاب على سورة الكهف وبالضبط على الآية
{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} (1) إلى آخر الآية.
2 -
تأتي بمفتاح باب، شرط أن يكون باتجاه القبلة.
3 -
تضع المفتاح على السطر الذي فيه الآية في سورة الكهف.
4 -
تأتي بقطعة قماش نظيفة وتشهد على الكتاب وتجعله حرا.
5 -
تقرأ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثلاث مرات، وتقول: اللهم إني أسألك بحق اسمك العظيم، وأسألك بحق كتابك العظيم، وأسألك بحق نبيك محمد صلى الله عليه وسلم الكريم، أن تخفي لنا الباطل وتظهر لنا الحق، اللهم إن كان فلان ابن فلان قد أخذ الغرض من بيت فلان أن تجعل هذا الكتاب يبرم. علما - حفظكم الله - بأنه وقع سرقة في أحد البيوت، فعملوا بهذا، فأشر المؤشر على السارق، فأخرجت النقود منه، ويقول: إن هذا العمل ليس خارجا عن آيات الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فنرجو الجواب على هذا العمل بالتفصيل وجزاكم الله خيرا. (2)
(1) سورة الكهف الآية 49
(2)
نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1660) بتاريخ 4 جمادى الآخرة 1419 هـ.
ج: هذا العمل بدعة وباطل، ولا أصل له في الشرع المطهر، فالواجب تركه والتحذير منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » متفق على صحته، وفي رواية لمسلم رحمه الله:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » ، والله ولي التوفيق.
(1) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم 1718.
55 -
حكم استعمال البخور لطرد الشياطين
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم سمو الأمير ع. م. س. وفقه الله لما فيه رضاه، وزاده من العلم والإيمان.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1) :
فقد وصلني كتابكم الكريم المرفق المشتمل على ثلاثة
(1) صدر من مكتب سماحته برقم 237 خ وتاريخ 7 \ 1 \ 1419 هـ.
أسئلة وهذا جوابها: الثاني: يقوم بعض الناس باستخدام بخور يباع عند العطارين يسمى " نقض " يدعون أنها تطرد الشياطين؟
ج: لا أعلم لهذا العمل أصلا شرعيا، والواجب تركه؛ لكونه من الخرافات التي لا أصل لها، وإنما تطرد الشياطين بالإكثار من ذكر الله، وقراءة القرآن، والتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك (1) » ، «وقال له رجل: يا رسول الله، ماذا لقيت البارحة من لدغة عقرب. فقال له صلى الله عليه وسلم: " أما إنك لو قلت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من قال حين يصبح: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره برقم 2708.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره برقم 2709.
حتى يمسي، ومن قالها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح (1) » .
وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر إخواننا للعلم النافع والعمل به، إنه سميع قريب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى برقم 3388، وأبو داود في كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح برقم 5088، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى برقم 3869، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه برقم 529.
56 -
حكم تعليق التمائم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. ع. غ. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1) :
فقد وصل إلي كتابكم المؤرخ 7 \ 2 \ 1390 هـ، وصلكم
(1) صدر من مكتب سماحته برقم 986 وتاريخ 7 \ 6 \ 1390 هـ.
الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أن امرأة كلفتك أن تسأل عن جواز تعليق التمائم عليها وعلى أطفالها؛ لحفظ الطفل من الشيطان أو القرينة لكون أطفالها يموتون كان معلوما.
والجواب: لا يجوز تعليق التمائم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له (1) » وفي رواية أخرى: «من تعلق تميمة فقد أشرك (2) » .
والتمائم هي التي يسميها بعض الناس حرزا، ويسميها بعضهم حجابا، ويسميها بعضهم جامعة، وهي محرمة مطلقا سواء كانت من القرآن الكريم أو غيره.
والواجب على المرأة المذكورة التوكل على الله والاعتماد عليه، ومن أخلص التوكل على الله فإن الله حسبه، ومعلوم أن موت أطفالها بقدر الله وليس بسبب شيطان ولا قرينة، والأجل محدد كما قال الله سبحانه:{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} (3)
(1) أخرجه أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني برقم 16951.
(2)
أخرجه أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني برقم 16969.
(3)
سورة الأعراف الآية 34
فأرجو إشعارها بذلك ووعظها وإرشادها إلى ترك التعلق بالأسباب الواهية المفضية إلى الشرك، وفي الأسباب المشروعة كفاية، وهي ما شرع الله من التعوذات الشرعية، والدعوات الطيبة، والأدوية المباحة، والرقية الشرعية، وما أشبه ذلك من الأسباب المشروعة والمباحة.
وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
باب ما جاء في التبرك
57 -
مسألة في التبرك
س: هل ثبت في السنة أن البركة الذاتية قد تكون لغير الأنبياء؟ (1)
ج: لا نعلم شيئا في هذا إلا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن الله جعل في جسمه وعرقه ومس جسده بركة خاصة به عليه الصلاة والسلام، ولا يقاس عليه غيره من العلماء وغيرهم، وما يفعله بعض الناس من التبرك ببعض الناس فهو غلط لا وجه له، وليس عليه دليل، إنما هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله جعل في عرقه بركة، وفي ريقه وفي وضوئه وفي شعره عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا وزع شعره بين الناس في حجة الوداع، وأمر الصحابة أن يأخذوا من فضل وضوئه ومن عرقه عليه الصلاة والسلام لما جعل الله فيه من البركة، ولا يقاس عليه غيره؛ ولهذا لم يتبرك الصحابة بالصديق ولا بعمر ولا بعثمان ولا بعلي وهم
(1) سؤال موجه إلى سماحته بعد الدرس الذي ألقاه في المسجد الحرام بتاريخ 25 \ 12 \ 1418 هـ.
أفضل الناس بعد الأنبياء، فدل ذلك على أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، أما ما يفعله بعض الناس من التبرك ببعض العلماء أو ببعض العباد أو ببعض جدران الكعبة أو بكسوة الكعبة، فكل هذا لا أصل له، بل يجب منعه.
58 -
حكم التبرك بقبره عليه الصلاة والسلام
س: هل التبرك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم جائز؟ (1)
ج: لا يجوز، بل هو بدعة ومن وسائل الشرك، فالتبرك بزيد، أو عمرو، أو بجدران الكعبة، أو بما يشبهه، أو بالأسطوانات، هذه بدعة قد تفضي إلى الشرك إذا ظن أن البركة تحصل منها، أما إذا ظن أنها مشروعة فهذه بدعة، والواجب ترك ذلك، وإنما شرع التبرك به صلى الله عليه وسلم في حياته، وكذلك شرع الله التبرك بماء زمزم الذي جعله الله مباركا.
لكن يجب على المؤمن التمسك بشريعة الرسول صلى الله عليه وسلم والحذر مما خالفها، والله ولي التوفيق.
(1) سؤال موجه لسماحته بعد كلمة ألقاها في المسجد الحرام بتاريخ 25 \ 12 \ 1418 هـ.
59 -
التبرك بالكعبة
س: هل من خصائص مكة أو الكعبة التبرك بأحجارها أو آثارها؟ (1)
ج: ليس من خصائص مكة أن يتبرك الإنسان بأشجارها وأحجارها، بل من خصائص مكة ألا يعضد ولا يحش حشيشها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك إلا الإذخر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم استثناه؛ لأنه يكون للبيوت وقيون الحدادين، وكذلك اللحد في القبر فإنه تسد به شقوق اللبنات، وعلى هذا فنقول: إن حجارة الحرم أو مكة ليس فيها شيء يتبرك به بالتمسح به أو بنقله إلى البلاد أو ما أشبه ذلك.
(1) نشر في جريدة المدينة، العدد 13127 بتاريخ 12 \ 12 \ 1419 هـ.
باب ما جاء في الذبح لغير الله
60 -
حكم الذبح لغير الله
س: ما القول فيمن ذبح في أحد قبب الأولياء، أي: بقعة يوجد بها قبر من مات من المسلمين؟ وهل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه بذلك؟ (1)
ج: إن كان الذابح ذبح لصاحب القبر فهذا شرك أكبر، فإن الذبح عبادة، والعبادة حق من حقوق الله الخاصة به، ومن صرف شيئا مما يستحقه الله إلى غيره فهو مشرك كافر، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2){لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (3) .
وإذا كان الذبح لله عند هذا القبر فلا يجوز؛ لأنه بدعة ومن وسائل الشرك، والوسائل لها حكم الغايات في المنع. والله الموفق.
(1) صدر من مكتب سماحته برقم (1986) وتاريخ 20 \ 6 \ 1398 هـ.
(2)
سورة الأنعام الآية 162
(3)
سورة الأنعام الآية 163
61 -
حكم الصدقة والحج عمن كان يذبح لغير الله
س: سائل يقول: إن والده يذبح لغير الله فيما قيل له عن ذلك، ويريد الآن أن يتصدق عنه ويحج عنه، ويعزو سبب وقوع والده في ذلك إلى عدم وجود علماء ومرشدين وناصحين له، فما الحكم في ذلك كله؟ (1)
ج: إذا كان والده معروفا بالخير والإسلام والصلاح، فلا يجوز له أن يصدق من ينقل عنه غير ذلك ممن لا تعرف عدالته، ويسن له الدعاء له والصدقة عنه حتى يعلم يقينا أنه مات على الشرك، وذلك بأن يثبت لديه بشهادة الثقات العدول اثنين أو أكثر أنهم رأوه يذبح لغير الله من أصحاب القبور أو غيرهم، أو سمعوه يدعو غير الله، فعند ذلك يمسك عن الدعاء له، وأمره إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن الله له، مع أنها ماتت في الجاهلية على دين
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1648) بتاريخ 8 ربيع الأول 1419 هـ.
الكفار، ثم استأذن ربه أن يزورها فأذن له، فدل ذلك على أن من مات على الشرك ولو جاهلا لا يدعى له، ولا يستغفر له، ولا يتصدق عنه، ولا يحج عنه، أما من مات في محل لم تبلغه دعوة الله، فهذا أمره إلى الله سبحانه، والصحيح من أقوال أهل العلم أنه يمتحن يوم القيامة، فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار؛ لأحاديث صحيحه وردت في ذلك.
باب ما جاء في النذر
62 -
حكم النذر لغير الله
س: هذا يسأل يقول: إن أباه كان يتعاطى أمور الشرك؛ يسأل الأموات، وينذر لهم، ويستغيث بالأموات، فهل يدعو له؟ (1)
الجواب: من مات على الشرك لا يدعى له، والله يقول - جل وعلا -:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (2) ، فالرجل ينهى عن الاستغفار لوالديه إذا كانا ماتا على الكفر، والنبي صلى الله عليه وسلم لما مات أبو طالب على الكفر أراد أن يستغفر له، فنهاه الله عن ذلك. فعليك يا عبد الله ألا تستغفر له، وألا تدعو له ولا عليه، أمره إلى الله ما دام مات على عبادة القبور؛ يسأل الأموات ويستغيث بهم ويطلبهم المدد وينذر لهم، هذا شرك أكبر كالذي يعبد الأصنام، نعوذ بالله من ذلك.
(1) من أسئلة حج 1408 هـ الشريط الثاني.
(2)
سورة التوبة الآية 113
باب ما جاء في الاستغاثة بغير الله
63 -
حكم دعاء الأقطاب والأوتاد والاستغاثة بهم
س: سؤال من الأخ: ع. م. ح من اليمن يقول فيه:
يوجد في بلادنا أناس متمسكون بأوراد ما أنزل الله بها من سلطان، منها ما هو بدعي، ومنها ما هو شركي، وينسبون ذلك إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره، ويقرءون تلك الأوراد في مجالس الذكر أو في المساجد بعد صلاة المغرب زاعمين أنها قربة إلى الله، كقولهم: بحق الله رجال الله أعينونا بعون الله وكونوا عوننا بالله، وكقولهم: يا أقطاب، ويا أوتاد، ويا أسياد أجيبوا يا ذوي الإمداد، فينا واشفعوا لله هذا عبدكم واقف، وعلى بابكم عاكف، ومن تقصيره خائف، أغثنا يا رسول الله وما لي غيركم مذهب، ومنكم يحصل المطلب، وأنتم خير أهل الله، بحمزة سيد الشهداء، ومن منكم لنا مدد، أغثنا يا رسول الله، وكقولهم: اللهم صل على من جعلته سببا لانشقاق أسرارك الجبروتية وانفلاقا لأنوارك الرحمانية، فصار
نائبا عن الحضرة الربانية، وخليفة أسرارك الذاتية، نرجو بيان ما هو بدعة وما هو شرك، وهل تصح الصلاة خلف الإمام الذي يدعو بهذا الدعاء؟ (1)
ج: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد: فاعلم - وفقك الله - أن الله سبحانه إنما خلق الخلق وأرسل الرسل - عليهم الصلاة والسلام - ليعبد وحده لا شريك له دون ما سواه، كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2)، والعبادة هي طاعته سبحانه وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بفعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسوله. عن إيمان بالله ورسوله وإخلاص لله في العمل كما قال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (3) ، أي أمر وأوصى بأن يعبد وحده، وقال تعالى:
(1) نشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ص 182 عندما كان سماحته رئيسا للجامعة.
(2)
سورة الذاريات الآية 56
(3)
سورة الإسراء الآية 23
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1){الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (2){مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (3){إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (4) ، أبان سبحانه بهذه الآيات أنه هو المستحق لأن يعبد وحده ويستعان به وحده، وقال عز وجل:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (5)، وقال سبحانه:{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (6)، وقال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (7) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على وجوب إفراد الله بالعبادة، ومعلوم أن الدعاء بأنواعه من العبادة، فلا يجوز لأحد من الناس أن يدعو إلا ربه ولا يستعين ولا يستغيث إلا به؛ عملا بهذه الآيات الكريمات وما جاء في معناها. وهذا فيما عدا الأمور العادية والأسباب الحسية التي يقدر عليها المخلوق الحي الحاضر، فإن تلك ليست من العبادة، بل يجوز بالنص والإجماع أن يستعين الإنسان بالإنسان الحي القادر في الأمور العادية التي يقدر عليها، كأن يستعين
(1) سورة الفاتحة الآية 2
(2)
سورة الفاتحة الآية 3
(3)
سورة الفاتحة الآية 4
(4)
سورة الفاتحة الآية 5
(5)
سورة الزمر الآية 2
(6)
سورة غافر الآية 14
(7)
سورة الجن الآية 18
به أو يستغيث به في دفع شر ولده أو خادمه أو كلبه وما أشبه ذلك، وكأن يستعين الإنسان بالإنسان الحي الحاضر القادر أو الغائب بواسطة الأسباب الحسية كالمكاتبة ونحوها في بناء بيته، أو إصلاح سيارته، أو ما أشبه ذلك، ومن هذا الباب قول الله عز وجل في قصة موسى عليه الصلاة والسلام:{الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) ، ومن ذلك استغاثة الإنسان بأصحابه في الجهاد والحرب ونحو ذلك، فأما الاستغاثة بالأموات والجن والملائكة والأشجار والأحجار فذلك من الشرك الأكبر، وهو من جنس عمل المشركين الأولين مع آلهتهم كالعزى واللات وغيرهما، وهكذا الاستغاثة والاستعانة بمن يعتقد فيهم الولاية من الأحياء فيما لا يقدر عليه إلا الله، كشفاء المرضى وهداية القلوب ودخول الجنة والنجاة من النار وأشباه ذلك، والآيات السابقات وما جاء في معناها من الآيات والأحاديث كلها تدل على وجوب توجيه القلوب إلى الله في جميع الأمور وإخلاص العبادة لله وحده؛ لأن العباد خلقوا لذلك، وبه أمروا كما سبق في الآيات، وكما في
(1) سورة القصص الآية 15
قوله سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (1)، وقوله سبحانه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2) الآية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ رضي الله عنه:«حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (3) » متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه:«من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار (4) » رواه البخاري، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: " إنك تأتي أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله (5) » وفي لفظ: «فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله
(1) سورة النساء الآية 36
(2)
سورة البينة الآية 5
(3)
أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب إرداف الرجل خلف، برقم 5967، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة برقم 30.
(4)
رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله:(ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا) برقم 4497.
(5)
أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة، برقم 1458، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام برقم 19.
إلا الله وأني رسول الله (1) » وفي رواية للبخاري: «فادعهم إلى أن يوحدوا الله (2) » وفي صحيح مسلم عن طارق بن أشيم الأشجعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله عز وجل (3) » .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهذا التوحيد هو أصل دين الإسلام، وهو أساس الملة، وهو رأس الأمر، وهو أهم الفرائض، وهو الحكمة من خلق الثقلين والحكمة من إرسال الرسل جميعا عليهم الصلاة والسلام كما تقدمت الآيات الدالة على ذلك، ومنها قوله سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4)، ومن الأدلة على ذلك أيضا قوله عز وجل:
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء برقم 1496.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم برقم 7372.
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ولفظه: '' من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله. . . '' الحديث برقم 23.
(4)
سورة الذاريات الآية 56
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (1)، وقوله سبحانه:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2)، وقال عز وجل عن نوح وهود وصالح وشعيب - عليهم الصلاة والسلام - إنهم قالوا لقومهم:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (3) ، وهذه دعوة الرسل جميعا كما دلت على ذلك الآيتان السابقتان.
وقد اعترف أعداء الرسل بأن الرسل أمروهم بإفراد الله بالعبادة وخلع الآلهة المعبودة من دونه، كما قال عز وجل في قصة عباداتهم قالوا لهود عليه الصلاة والسلام:{أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} (4)، وقال سبحانه وتعالى عن قريش لما دعاهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى إفراد الله بالعبادة وترك ما يعبدون من دونه من الملائكة والأولياء والأصنام والأشجار وغير ذلك:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (5)
(1) سورة النحل الآية 36
(2)
سورة الأنبياء الآية 25
(3)
سورة الأعراف الآية 59
(4)
سورة الأعراف الآية 70
(5)
سورة ص الآية 5
وقال عنهم - سبحانه - في سورة الصافات: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (1){وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (2) والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة.
ومما ذكرناه من الآيات والأحاديث يتضح لك - وفقني الله وإياك للفقه في الدين والبصيرة بحق رب العالمين - أن هذه الأدعية وأنواع الاستغاثة التي بينتها في سؤالك كلها من أنواع الشرك الأكبر؛ لأنها عبادة لغير الله وطلب لأمور لا يقدر عليها سواه من الأموات والغائبين، وذلك أقبح من شرك الأولين؛ لأن الأولين إنما يشركون في حال الرخاء، وأما في حال الشدائد فيخلصون لله العبادة؛ لأنهم يعلمون أنه سبحانه هو القادر على تخليصهم من الشدة دون غيره، كما قال - تعالى - في كتابه المبين عن أولئك المشركين:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (3) ، وقال سبحانه وتعالى
(1) سورة الصافات الآية 35
(2)
سورة الصافات الآية 36
(3)
سورة العنكبوت الآية 65
يخاطبهم في آية أخرى في سورة سبحان: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} (1)، فإن قال قائل من هؤلاء المشركين المتأخرين: إننا لا نقصد أن أولئك ينفعون بأنفسهم، ويشفون مرضانا بأنفسهم، أو يعينونا بأنفسهم، أو يضرون عدوا بأنفسهم، وإنما نقصد شفاعتهم إلى الله في ذلك.
فالجواب أن يقال لهم: إن هذا هو مقصد الكفار الأولين ومرادهم، وليس مرادهم أن آلهتهم تخلق أو ترزق أو تنفع أو تضر بنفسها، فإن ذلك يبطله ما ذكره الله عنهم في القرآن، وإنما أرادوا شفاعتهم وجاههم وتقريبهم إلى الله زلفى، كما قال سبحانه وتعالى في سورة يونس عليه الصلاة والسلام:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (2)، فرد الله عليهم ذلك بقوله سبحانه:{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (3) ،
(1) سورة الإسراء الآية 67
(2)
سورة يونس الآية 18
(3)
سورة يونس الآية 18
فأبان سبحانه أنه لا يعلم في السماوات ولا في الأرض شفيعا عنده على الوجه الذي يقصده المشركون، وما لا يعلم الله وجوده لا وجود له؛ لأنه -سبحانه - لا يخفى عليه شيء. وقال -تعالى - في سورة الزمر:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (1){إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (2){أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (3) ، فأبان سبحانه أن العبادة له وحده، وأنه يجب على العباد إخلاصها له جل وعلا؛ لأن أمره للنبي صلى الله عليه وسلم بإخلاص العبادة له أمر للجميع.
ومعنى الدين هنا هو العبادة، والعبادة هي طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم كما سلف، ويدخل فيها الدعاء والاستغاثة والخوف والرجاء والذبح والنذر، كما يدخل فيها الصلاة والصوم وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله. ثم قال عز وجل بعد ذلك:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (4)، أي يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى
(1) سورة الزمر الآية 1
(2)
سورة الزمر الآية 2
(3)
سورة الزمر الآية 3
(4)
سورة الزمر الآية 3
الله زلفى، فرد الله عليهم بقوله -سبحانه -:{إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (1) ، فأوضح - سبحانه - في هذه الآية الكريمة أن الكفار ما عبدوا الأولياء من دونه إلا ليقربوهم إلى الله زلفى.
وهذا هو مقصد الكفار قديما وحديثا، وقد أبطل الله ذلك بقوله:{إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (2) ، فأوضح - سبحانه - كذبهم في زعمهم أن آلهتهم تقربهم إلى الله زلفى وكفرهم بما صرفوا لها من العبادة، وبذلك يعلم كل من له أدنى تمييز أن الكفار الأولين إنما كان كفرهم باتخاذهم الأنبياء والأولياء والأشجار والأحجار، وغير ذلك من المخلوقات شفعاء بينهم وبين الله، واعتقدوا أنهم يقضون حوائجهم من دون إذنه سبحانه ولا رضاه، كما تشفع الوزراء عند الملوك، فقاسوه عز وجل على الملوك والزعماء، وقالوا: كما أنه من له حاجة إلى الملك والزعيم يتشفع إليه بخواصه ووزرائه، فهكذا نحن نتقرب إلى الله بعبادة أنبيائه وأوليائه. وهذا من أبطل
(1) سورة الزمر الآية 3
(2)
سورة الزمر الآية 3
الباطل؛ لأنه سبحانه لا شبيه له ولا يقاس بخلقه، ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، ولا يأذن في الشفاعة إلا لأهل التوحيد، وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وهو أرحم الراحمين، لا يخشى أحدا ولا يخافه؛ لأنه -سبحانه - هو القاهر فوق عباده والمتصرف فيهم كيف يشاء، بخلاف الملوك والزعماء، فإنهم ما يقدرون على كل شيء، ولا يعلمون كل شيء؛ فلذلك يحتاجون إلى من يعينهم على ما قد يعجزون عنه من وزرائهم وخواصهم وجنودهم، كما يحتاجون إلى تبليغهم حاجات من لا يعلمون حاجته؛ ولأن الملوك والزعماء قد يظلمون ويغضبون بغير حق، فيحتاجون إلى من يستعطفهم ويسترضيهم من وزرائهم وخواصهم، أما الرب عز وجل فهو -سبحانه - غني عن جميع خلقه، وهو أرحم بهم من أمهاتهم، وهو الحاكم العدل، يضع الأشياء في مواضعها على مقتضى حكمته وعلمه وقدرته، فلا يجوز أن يقاس بخلقه بوجه من الوجوه.
ولهذا أوضح -سبحانه - في كتابه أن المشركين قد أقروا بأنه الخالق الرازق المدبر، وأنه هو الذي يجيب المضطر ويكشف السوء
ويحيي ويميت، إلى غير ذلك من أفعاله سبحانه، وإنما الخصومة بين المشركين وبين الرسل في إخلاص العبادة لله وحده، كما قال عز وجل:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (1)، وقال تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (2) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وسبق ذكر الآيات الدالة على أن النزاع بين الرسل وبين الأمم إنما هو في إخلاص العبادة لله وحده، كقوله سبحانه:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3) الآية. وما جاء في معناها من الآيات، وبين سبحانه في مواضع كثيرة من كتابه الكريم شأن الشفاعة، فقال تعالى في سورة البقرة:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (4)، وقال في سورة النجم:
(1) سورة الزخرف الآية 87
(2)
سورة يونس الآية 31
(3)
سورة النحل الآية 36
(4)
سورة البقرة الآية 255
{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} (1)، وقال في سورة الأنبياء في وصف الملائكة:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (2) ، وأخبر عز وجل أنه لا يرضى من عباده الكفر، وإنما يرضى منهم الشكر، والشكر هو توحيده والعمل بطاعته، فقال تعالى في سورة الزمر:{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} (3) الآية.
روى البخاري في صحيحه عن أبى هريرة رضي الله عنه أنه قال: «يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: " من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه - أو قال - من نفسه (4) » وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله
(1) سورة النجم الآية 26
(2)
سورة الأنبياء الآية 28
(3)
سورة الزمر الآية 7
(4)
أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب الحرص على الحديث، برقم 99.
من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا (1) » والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وجميع ما ذكرنا من الآيات والأحاديث كله يدل على أن العبادة حق لله وحده، وأنه لا يجوز صرف شيء منها لغير الله، لا للأنبياء ولا لغيرهم، وأن الشفاعة ملك الله عز وجل، كما قال سبحانه:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (2) الآية. ولا يستحقها أحد إلا بعد إذنه للشافع ورضاه عن المشفوع فيه، كما قال تعالى:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (3) وقال تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} (4) الآية. والظلم عند الإطلاق هو الشرك، كما قال تعالى:{وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (5)، وقال تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (6) .
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة برقم 4307.
(2)
سورة الزمر الآية 44
(3)
سورة المدثر الآية 48
(4)
سورة غافر الآية 18
(5)
سورة البقرة الآية 254
(6)
سورة لقمان الآية 13
أما ما ذكرته في السؤال من قول بعض الصوفية في المساجد وغيرها: اللهم صل على من جعلته سببا لانشقاق أسرارك الجبروتية وانفلاقا لأنوارك الرحمانية، فصار نائبا عن الحضرة الربانية وخليفة أسرارك الذاتية. . . إلخ، فالجواب:
أن يقال: إن هذا الكلام وأشباهه من جملة التكلف والتنطع الذي حذر منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في الصحيح، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «" هلك المتنطعون " قالها ثلاثا (2) » .
قال الإمام الخطابي رحمه الله: المتنطع المتعمق في الشيء المتكلف البحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم.
وقال أبو السعادات بن الأثير: هم المتعمقون المغالون في الكلام المتكلمون بأقصى حلوقهم، مأخوذ من النطع هو الغار الأعلى في الفم، ثم استعمل في كل تعمق قولا وفعلا.
(1) صحيح مسلم العلم (2670) ، سنن أبي داود السنة (4608) ، مسند أحمد (1/386) .
(2)
أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب هلك المتنطعون، برقم 2670. (1)
وبما ذكره هذان الإمامان وغيرهما من أئمة اللغة، يتضح لك ولكل من له أدنى بصيرة أن هذه الكيفية في الصلاة والسلام على نبينا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من جملة التكلف والتنطع المنهي عنه، والمشروع للمسلم في هذا الباب أن يتحرى الكيفية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الصلاة والسلام عليه، وفي ذلك غنية عن غيره، ومن ذلك ما روى البخاري ومسلم في الصحيحين واللفظ للبخاري، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه «أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله، أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: " قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد (1) » .
وفي الصحيحين عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه «أنهم
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم 3370.
قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: " قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد "(1) » . وفي صحيح مسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: «قال بشير بن سعد: يا رسول الله أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ فسكت ثم قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم (2) » .
فهذه الألفاظ وأشباهها وغيرها مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم هي التي ينبغي للمسلم أن يتعلمها في صلاته وسلامه
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:(واتخذ الله إبراهيم خليلا) برقم 3369، ومسلم في كتاب الصلاة، باد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 407.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 405.
على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بما يليق أن يستعمل في حقه، كما أنه هو أعلم الناس بما ينبغي أن يستعمل في حق ربه من الألفاظ، أما الألفاظ المتكلفة والمحدثة والألفاظ المحملة لمعنى غير صحيح كالألفاظ التي ذكرت في السؤال فإنه لا ينبغي استعمالها؛ لما فيها من التكلف، ولكونها قد تفسر بمعان باطلة، مع كونها مخالفة للألفاظ التي اختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرشد إليها أمته، وهو أعلم الخلق وأنصحهم وأبعدهم عن التكلف، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، وأرجو أن يكون فيما ذكرناه من الأدلة في بيان حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك والفرق بين ما كان عليه المشركون الأولون والمشركون المتأخرون في هذا الباب، وفي بيان كيفية الصلاة المشروعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاية ومقنع لطالب الحق. أما من لا رغبة له في معرفة الحق فهذا تابع لهواه، وقد قال الله عز وجل:{فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (1)
(1) سورة القصص الآية 50
فبين - سبحانه - في هذه الآية الكريمة أن الناس بالنسبة إلى ما بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق قسمان: أحدهما: مستجيب لله ولرسوله، والثاني: تابع لهواه، وأخبر -سبحانه - أنه لا أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله، فنسأل الله عز وجل العافية من اتباع الهوى، كما نسأله -سبحانه - أن يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من المستجيبين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم والمعظمين لشرعه، والمحذرين من كل ما يخالف شرعه من البدع والأهواء، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
64 -
الاستغاثة بغير الله
س: لدينا عادات وتقاليد مخالفة لشريعتنا الإسلامية الغراء، ومن هذه العادات ما يلي:
يجتمع الناس يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت مرتفع وجماعي، ثم إنهم يستغيثون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأولياء الله الصالحين بهذه الألفاظ: شيء لله يا رسول الله، شيء لله يا أولياء الله الصالحين، شيء لله يا رجال الله المؤمنين أغيثونا، أعينونا، مدونا بالرعاية، وكأمثال هذه الألفاظ، ويرجو التوجيه جزاكم الله خيرا (1) .
ج: أما الاجتماع على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت جماعي أو صوت مرتفع فهذا بدعة، والمشروع للمسلمين أن يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم من دون رفع الصوت المستغرب المستنكر، ومن دون أن يكون ذلك جماعيا،
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
كل يصلي بينه وبين نفسه: اللهم صل وسلم على رسول الله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. . . إلى آخره، يصلي بينه وبين نفسه؛ لأن يوم الجمعة يشرع فيه الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أمر بهذا عليه الصلاة والسلام فقال:«إن خير أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي. قالوا: يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء (1) » ا. هـ.
فدل ذلك على مشروعية الإكثار من الصلاة والسلام عليه عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة، ويشرع لنا أن نكثر من ذلك في المسجد وفي غيره، لكن كل واحد يصلي على النبي بينه وبين نفسه الصلوات المشروعة المعروفة من دون أن يكون ذلك بصوت
(1) أخرجه النسائي في كتاب الجمعة، باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1374، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة برقم 1047، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم برقم 1636، وأحمد في أول مسند المدنيين رضي الله عنهم، مسند أوس بن أبي أوس الثقفي برقم 15729.
مرتفع يشوش على من حوله أو بصوت جماعي يتكلم جماعة جميعا، كل هذا بدعة، ولكن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين نفسه في مسجده وفي طريقه وفي بيته وفي كل مكان، وهكذا في بقية الأيام والأوقات تشرع الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (1)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا (2) » .
فالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم مشروعة للرجال والنساء جميعا في يوم الجمعة وغيره، لكن بالطريقة التي درج عليها المسلمون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، كل واحد يصلي على النبي بينه وبين نفسه من غير حاجة إلى أن يرفع صوته حتى لا يشغل من حوله ومن غير حاجة إلى أن يكون معه جماعة بصوت جماعي.
(1) سورة الأحزاب الآية 56
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 408.
أما الاستغاثة بالأنبياء أو بغيرهم من الأموات والغائبين أو الجن أو الأصنام أو غيرها من الجمادات، فهذا من الشرك الأكبر، وهو من عمل المشركين الأولين والآخرين، فالواجب التوبة إلى الله منه والتواصي بتركه، فلا يجوز أن يقول أحد: يا رجال الغيب شيء لله، أو: يا أولياء الله شيء لله، أو: يا رسول الله شيء لله، أو: أغيثونا، أو: أعينونا، أو: انصرونا، كل هذا منكر وشرك أكبر بالله عز وجل؛ لقول الله سبحانه في كتابه العظيم:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (1) ، سمى - سبحانه - دعاءهم غير الله كفرا، وحكم عليهم بعدم الفلاح، وقال:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (2){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (3) ، فسمى دعاءهم غير الله شركا، فالواجب الحذر من هذا.
(1) سورة المؤمنون الآية 117
(2)
سورة فاطر الآية 13
(3)
سورة فاطر الآية 14
والله سبحانه يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1)، ويقول - جل وعلا -:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2) .
فالله هو الذي يدعى، سبحانه وتعالى، وهو الذي يكشف الضر، وهو الذي يجلب النفع سبحانه وتعالى، فيقول المؤمن: يا رب اشفني، يا رب أعني، يا رب اهدني سواء السبيل، يا رب أصلح قلبي وعملي، يا رب توفني مسلما، تدعو ربك بذلك؛ لقوله سبحانه:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (3)، ولقوله سبحانه:{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} (4)، وقوله جل وعلا:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (5) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة (6) » .
فالمشروع للمسلمين رجالا ونساء الإكثار من الدعاء والحرص على دعاء الله جل وعلا، والضراعة إليه في جميع الحاجات
(1) سورة الجن الآية 18
(2)
سورة غافر الآية 60
(3)
سورة غافر الآية 60
(4)
سورة النساء الآية 32
(5)
سورة البقرة الآية 186
(6)
أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب منه برقم 3372.
سبحانه وتعالى، أما دعاء الأنبياء أو الأولياء أو غيرهم من الناس عند قبورهم أو في أماكن بعيدة عنهم كل هذا منكر، وهو شرك بالله عز وجل وشرك أكبر يجب الحذر منه، كهذا الذي ذكره السائل: يا عباد الله يا أنبياء الله أعينونا أغيثونا، كل هذا لا يجوز، قال الله - جل وعلا -:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (1)، وقال سبحانه:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2)، ويقول - جل وعلا - في حق نبيه عليه الصلاة والسلام:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) ، فالأمر عظيم، ويقول تعالى:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4) ، فالواجب الحذر، والواجب على كل مسلم وعلى كل من ينتسب للإسلام وعلى كل مكلف أن يعبد الله وحده، وأن يخصه بالعبادة دون من سواه، قال سبحانه:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (5)، وقال تعالى:
(1) سورة لقمان الآية 13
(2)
سورة الأنعام الآية 88
(3)
سورة الزمر الآية 65
(4)
سورة الأنعام الآية 88
(5)
سورة الإسراء الآية 23
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) ، فلا تسأل نبيا ولا وليا ولا شجرا ولا حجرا ولا صنما ولا غير ذلك في طلب حاجة من نصر ولا شفاء مريض ولا غير ذلك، بل اسأل الله حاجتك كلها، هذا هو توحيد الله وهو الدين الحق وهذا هو الإسلام، وأن تتوجه إلى الله بسؤالاتك وحاجاتك، وأن تعبده وحده بدعائك وصلاتك وصومك وسائر عباداتك، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها لا معبود حقا إلا الله، كما قال سبحانه:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (2) .
أما المخلوق وإن كان عظيما كالأنبياء، فإنه لا يدعى من دون الله، ولا يستغاث به، ولا ينذر له، ولا يذبح له، فعلى المسلم أن يفهم هذا جيدا، وعلى كل مكلف أن يفهم هذا جيدا، وأن يعلم أن هذا أمره عظيم، وأن أصل دين الإسلام وقاعدته هو إخلاص العبادة لله وحده، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود حقا إلا الله، كما تقدم.
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2)
سورة الحج الآية 62
فالله -سبحانه - هو الذي يدعى وهو الذي يسأل، كما قال تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (1)، وقال تعالى:{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} (2) ، فالخطأ في هذا أمره عظيم جدا لا يجوز التساهل فيه؛ لأنه شرك الجاهلية وشرك المشركين الأولين، ولأنه ضد الإسلام وضد لا إله إلا الله، فالواجب الحذر من هذه الشركيات، وعليك أيها السائل أن تنذر قومك وأن تبلغهم وأن ترشدهم إلى أن يتفقهوا في الدين ويتعلموا القرآن ويتدبروه، وأن يعتنوا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ويعملوا بها، ويحضروا حلقات العلم عند العلماء المعروفين بالعلم والفضل وحسن العقيدة، وأن يستمعوا إلى إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية وبرنامج نور على الدرب؛ لما في ذلك من العلم النافع والأجوبة الشرعية عما يسأل عنه المستمعون، نسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه.
(1) سورة البقرة الآية 163
(2)
سورة طه الآية 98
أما سؤال الحي الحاضر والاستعانة به فيما يقدر عليه مباشرة أو من طريق الكتابة ونحوها كالهاتف، فلا بأس بذلك؛ لقول الله عز وجل في قصة موسى عليه الصلاة والسلام في سورة القصص:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) ، وهذا أمر لا خلاف فيه بين أهل العلم، والحمد لله.
(1) سورة القصص الآية 15
65 -
حكم قول: مدد يا فلان
س: من يقول: مدد يا فلان ويقول: أنا لا أطلب منه المدد. هل هذا تلفظ يكفر بهذا؟ (1)
ج: نعم هذا عمل قريش، يقولون:{هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (2)، هؤلاء ما قالوا: إنهم ينفعونا أو يضرونا، أو: إنهم أربابنا هم الذين ينفعونا أو يضرونا، قالوا:{هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (3)، وقالوا:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (4)، ما قالوا: لينفعونا أو يضرونا.
(1) من أسئلة حج عام 1408، الشريط الثاني.
(2)
سورة يونس الآية 18
(3)
سورة يونس الآية 18
(4)
سورة الزمر الآية 3
س: ما هي النصيحة التي تقدمها لطالب العلم للمعاملة مع هؤلاء الذين قد نصطدم بهم كثيرا؟
ج: تنصحهم بالرفق، وتدعوهم إلى الله بالرفق، وتبين لهم الشرك والتوحيد بالرفق؛ لعل الله يهديهم بأسبابك.
س: وإن لم يتقبلوا النصحية؟
ج: تهجرهم وتتبرأ من أعمالهم، إلا إذا طمعت فيهم فكررت النصح؛ لعل الله يهديهم بأسبابك، وإذا صبرت جزاك الله خيرا.
66 -
مسألة في الاستغاثة بغير الله
س: الاستغاثة بغير الله في بلد مثل سائر البلاد الإسلامية هل فيه عذر بالجهل؟ (1)
ج: ما نعلم فيه عذرا بالجهل، أصبحت بلادا إسلامية فيها مسلمون وفيها العلماء وفيها كليات الشريعة، لماذا لا يسأل حتى يتبصر في دينه؟ وينبغي في مثل هذا ألا يعذر، ينبغي أن يتكلم عليه
(1) من أسئلة حج عام 1408 هـ، الشريط الثالث.
من عنده علم ويزجره، ويستتاب إن كان هناك من يقوم بهذا الأمر، يستتاب فإن تاب وإلا وجب قتله ردة.
67 -
حكم قول " استعنت ببعض الثقات "
س: يقول شخص: " كلفوني بعمل خيري فاستعنت ببعض الثقات " فهل في قوله: " استعنت ببعض الثقات " محذور شرعي، مع أن نيته أنهم يعينونه ويساعدونه حسب قدرتهم؟ وجزاكم الله خيرا (1) .
ج: لا حرج في هذا اللفظ إذا كان المستعان به حيا حاضرا قادرا، أو بالمكاتبة، أو عن طريق الهاتف، وإنما تمنع الاستعانة بالأموات والغائبين بغير واسطة حسية كالكتابة والهاتف، وهكذا الاستعانة بالجمادات كالأصنام والأشجار والنجوم؛ لأن ذلك من الشرك، والله ولي التوفيق.
(1) نشر في مجلة الدعوة، العدد 1658، بتاريخ 19 \ 5 \ 1419 هـ.
باب ما جاء في التحذير من الغلو في الصالحين
68 -
مسألة في التحذير من الغلو
س: ما رأيكم في الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول بعضهم: إنه الأول والآخر والظاهر والباطن، فما رأيكم في مثل هذا الاعتقاد فيه صلى الله عليه وسلم؟
ج: الأول والآخر والظاهر والباطن هو الله عز وجل، يقول سبحانه في سورة الحديد:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه:«اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر (2) » رواه الإمام مسلم في صحيحه.
(1) سورة الحديد الآية 3
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، برقم 2713.
فمن قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، فهو كافر؛ لكونه وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأسماء أربعة مختصة بالله عز وجل لا يستحقها غيره. وهذا لا يقوله عاقل يفهم ما يقول، الأول والظاهر هو الله وحده سبحانه، وهو الذي قبل كل شيء وبعد كل شيء سبحانه وتعالى. وهو الظاهر فوق جميع خلقه، والباقي بعدهم، والذي يعلم أحوالهم، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم إلا ما علمه الله، وقد توفي عليه الصلاة والسلام، ووجد بعد أن كان معدوما، وجد في مكة بين أمه آمنة وأبيه عبد الله، وكان عدما قبل ذلك، ثم وجد من ماء مهين، وغيره من البشر كذلك، فالذي يقول: إنه الأول والآخر والظاهر والباطن، فهو ضال ومرتد إن كان مسلما.
69 -
بيان أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى
س: يقول السائل: علم الغيب يقتصر على المولى عز وجل دون سواه، وهناك آيات قرآنية تؤكد انفراد المولى عز وجل دون غيره بذلك، ولكن نجد في كثير من الكتب عند اطلاعنا عليها أنه يكتب في نهاية الحديث أو العبارة أو الصفحة
: " والله ورسوله أعلم ". فما معنى ذلك؟ هل أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب في حياته ومماته أيضا؟ (1) نرجو من سماحتكم إجابتنا وإفادتنا والاستدلال إذا أمكن بالقرآن الكريم، وجزاكم الله خيرا.
ج: علم الغيب إلى الله عز وجل وليس عند الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره شيء من علم الغيب، فهو مختص بالله عز وجل، كما قال الله سبحانه وتعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (2)، وقوله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الأعراف:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (3)، ويقول سبحانه وتعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} (4) .
فالغيب عند الله عز وجل ومختص به سبحانه وتعالى، يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، يعلم
(1) من ضمن أسئلة أجاب عنها سماحته في تاريخ 11 \ 9 \ 1408 هـ.
(2)
سورة النمل الآية 65
(3)
سورة الأعراف الآية 188
(4)
سورة الأنعام الآية 59
ما يكون في الآخرة وما في الجنة والنار، ويعلم الناجين من الهالكين، ويعلم أهل الجنة ويعلم أهل النار، ويعلم كل شيء سبحانه وتعالى، والرسل إنما يعلمون ما جاءهم به الوحي، فما أوحى الله به إليهم يعلمونه، كما قال سبحانه وتعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} (1){إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (2) .
فالله يوحي إلى الرسل ما شاء كما أوحى إلى نبينا صلى الله عليه وسلم أشياء كثيرة من أمر الآخرة وأمر القيامة وأمر الجنة والنار، وما يكون في آخر الزمان من الدجال ومن المسيح، وأمر الكعبة، ويأجوج ومأجوج، وغير ذلك مما يكون آخر الزمان، كل هذا من علم الغيب، أوحى الله به إلى نبيه صلى الله عليه وسلم وعلمنا إياه وصار معلوما للناس، وهكذا ما يعمله الناس من أمور الغيب عند وقوعه في بلادهم أو في غير بلادهم ويكون معلوما لهم بعد وقوعه وكان لا يعلم لهم قبل ذلك، أما ما يقع في كتب بعض أهل العلم من قولهم:" الله ورسوله أعلم " فهذا فيما يتعلق بأمور الشرع وأحكام الشرع ومرادهم في حياته، يعلم هذه الأشياء عليه الصلاة والسلام.
(1) سورة الجن الآية 26
(2)
سورة الجن الآية 27
أما بعد وفاته فلا يعلم ما يكون في العالم ولا يدري عما يحدث في العالم؛ لأنه بموته انقطع علمه بأحوالنا عليه الصلاة والسلام، إنما تعرض عليه من أمته الصلاة والسلام عليه؛ حيث قال:«صلوا علي؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم (1) » حديث صحيح.
أما أمور الناس وحوادث الناس وما يقع منهم من أغلاط وظلم أو حسنات، كل هذا لا يعلمه الرسول ولا غيره ممن مضى ممن مات، ولا يعلمه من يأتي، وقد يعلمه من حوله من الناس لمطالعتهم إياه ولمشاهدتهم أعمالهم من جلسائهم وأهل بلادهم.
والمقصود أن علم الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وما أوحاه الله إلى الرسل هو من علم الغيب الذي أطلعهم عليه سبحانه وتعالى في حياتهم، وهم أطلعوا الناس عليه وعلموه للناس، وقد صح عن رسول الله أنه قال:«يذاد أناس عن حوضي يوم القيامة، فأقول: يا رب أمتي (2) » وفي لفظ يقول: «أصحابي أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا
(1) أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب زيارة القبور برقم 2042، وأحمد في باقي مسند المكثرين، باقي المسند السابق برقم 8586.
(2)
صحيح البخاري المساقاة (2367) ، صحيح مسلم الطهارة (249) ، سنن ابن ماجه الزهد (4306) ، مسند أحمد (2/467) ، موطأ مالك الطهارة (60) .
مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي (1) » .
فبين صلى الله عليه وسلم أنه لا يعلم ما أحدث الناس بعده، وفي لفظ آخر:«يذاد أناس عن حوضي فأقول: يا رب أمتي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال عيسى ابن مريم: " (3) » .
فهو صلى الله عليه وسلم يعلم ما أوحاه الله إليه، وما كان عند الله من الغيب لا يعلمه سواه سبحانه وتعالى، وبعد موته لا يعلم حوادث الناس عليه الصلاة والسلام.
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء برقم 249.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله (واذكر في الكتاب مريم) برقم 3447، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة، برقم 2860.
(3)
سورة المائدة الآية 117 (2){وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}
باب بيان أن
دعاء أصحاب القبور
يعد شركا أكبر
70 -
دعاء أصحاب القبور شرك أكبر
س: يقولون: إن الذين يذهبون للقبور ويدعون أصحابها فعلهم فعل شرك وهم ليسوا بمشركين، فهل هذا صحيح؟ (1)
ج: ليس بصحيح، أصحاب القبور الذين يذهبون إلى القبور ويدعونها من دون الله ويستغيثون بها من دون الله هذا الشرك الأكبر، هذا عمل كفار قريش وغيرهم عند اللات والعزى وأشباههما، وهذا هو الشرك الأكبر، فالواجب تحذيرهم وإنذارهم وأن يتوبوا إلى الله من ذلك ويجددوا إسلامهم.
(1) من أسئلة حج عام 1418 هـ، الشريط السادس.
باب زيارة القبور
71 -
حكم من يطوف حول القبر ويستغيث به
س: وقع خلاف بين شخصين حول تكفير من يطوف حول القبر ويستغيث به، فمنهم من يقول: إن هذا الفعل فعل شرك ولا خلاف، ولكن يعذر صاحب هذا الفعل لجهله بأمور التوحيد، والآخر يقول: يكفر ذلك الشخص الذي يستغيث بغير الله، ولا يعذر بسبب الجهل بأمور التوحيد، ولكن يعذر في الفرعيات والأمور الفقهية، والسؤال هو: أي الرأيين صواب وأيهما خطأ؟ (1)
ج: الصواب قول من قال: إن هذا لا يعذر؛ لأن هذه أمور عظيمة وهي من أصول الدين، وهو أول شيء دعا النبي صلى الله عليه وسلم قبل الصلاة والصوم والزكاة وغير ذلك، فأصول الدين لا يعذر فيها بالجهل لمن هو بين المسلمين ويسمع القرآن ويسمع الأحاديث. الاستغاثة بأصحاب القبور والنذر لهم ودعاؤهم وطلبهم
(1) من برنامج (نور على الدرب) شريط رقم (10) .
الشفاء والمدد، كل هذا من أعظم الشرك بالله عز وجل.
والله -سبحانه - يقول في كتابه العظيم: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (1) فسماهم كفارا بذلك.
وقال عز وجل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (2){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (3) سبحانه وتعالى سمى دعاءهم إياهم شركا، والله يقول - جل وعلا -:{فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (4) .
ويقول - سبحانه -: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (5) .
(1) سورة المؤمنون الآية 117
(2)
سورة فاطر الآية 13
(3)
سورة فاطر الآية 14
(4)
سورة الجن الآية 18
(5)
سورة يونس الآية 106