الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
64 -
الاستغاثة بغير الله
س: لدينا عادات وتقاليد مخالفة لشريعتنا الإسلامية الغراء، ومن هذه العادات ما يلي:
يجتمع الناس يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت مرتفع وجماعي، ثم إنهم يستغيثون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأولياء الله الصالحين بهذه الألفاظ: شيء لله يا رسول الله، شيء لله يا أولياء الله الصالحين، شيء لله يا رجال الله المؤمنين أغيثونا، أعينونا، مدونا بالرعاية، وكأمثال هذه الألفاظ، ويرجو التوجيه جزاكم الله خيرا (1) .
ج: أما الاجتماع على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت جماعي أو صوت مرتفع فهذا بدعة، والمشروع للمسلمين أن يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم من دون رفع الصوت المستغرب المستنكر، ومن دون أن يكون ذلك جماعيا،
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
كل يصلي بينه وبين نفسه: اللهم صل وسلم على رسول الله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. . . إلى آخره، يصلي بينه وبين نفسه؛ لأن يوم الجمعة يشرع فيه الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أمر بهذا عليه الصلاة والسلام فقال:«إن خير أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي. قالوا: يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء (1) » ا. هـ.
فدل ذلك على مشروعية الإكثار من الصلاة والسلام عليه عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة، ويشرع لنا أن نكثر من ذلك في المسجد وفي غيره، لكن كل واحد يصلي على النبي بينه وبين نفسه الصلوات المشروعة المعروفة من دون أن يكون ذلك بصوت
(1) أخرجه النسائي في كتاب الجمعة، باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1374، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة برقم 1047، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم برقم 1636، وأحمد في أول مسند المدنيين رضي الله عنهم، مسند أوس بن أبي أوس الثقفي برقم 15729.
مرتفع يشوش على من حوله أو بصوت جماعي يتكلم جماعة جميعا، كل هذا بدعة، ولكن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين نفسه في مسجده وفي طريقه وفي بيته وفي كل مكان، وهكذا في بقية الأيام والأوقات تشرع الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (1)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا (2) » .
فالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم مشروعة للرجال والنساء جميعا في يوم الجمعة وغيره، لكن بالطريقة التي درج عليها المسلمون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، كل واحد يصلي على النبي بينه وبين نفسه من غير حاجة إلى أن يرفع صوته حتى لا يشغل من حوله ومن غير حاجة إلى أن يكون معه جماعة بصوت جماعي.
(1) سورة الأحزاب الآية 56
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 408.
أما الاستغاثة بالأنبياء أو بغيرهم من الأموات والغائبين أو الجن أو الأصنام أو غيرها من الجمادات، فهذا من الشرك الأكبر، وهو من عمل المشركين الأولين والآخرين، فالواجب التوبة إلى الله منه والتواصي بتركه، فلا يجوز أن يقول أحد: يا رجال الغيب شيء لله، أو: يا أولياء الله شيء لله، أو: يا رسول الله شيء لله، أو: أغيثونا، أو: أعينونا، أو: انصرونا، كل هذا منكر وشرك أكبر بالله عز وجل؛ لقول الله سبحانه في كتابه العظيم:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (1) ، سمى - سبحانه - دعاءهم غير الله كفرا، وحكم عليهم بعدم الفلاح، وقال:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (2){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (3) ، فسمى دعاءهم غير الله شركا، فالواجب الحذر من هذا.
(1) سورة المؤمنون الآية 117
(2)
سورة فاطر الآية 13
(3)
سورة فاطر الآية 14
والله سبحانه يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1)، ويقول - جل وعلا -:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2) .
فالله هو الذي يدعى، سبحانه وتعالى، وهو الذي يكشف الضر، وهو الذي يجلب النفع سبحانه وتعالى، فيقول المؤمن: يا رب اشفني، يا رب أعني، يا رب اهدني سواء السبيل، يا رب أصلح قلبي وعملي، يا رب توفني مسلما، تدعو ربك بذلك؛ لقوله سبحانه:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (3)، ولقوله سبحانه:{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} (4)، وقوله جل وعلا:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (5) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة (6) » .
فالمشروع للمسلمين رجالا ونساء الإكثار من الدعاء والحرص على دعاء الله جل وعلا، والضراعة إليه في جميع الحاجات
(1) سورة الجن الآية 18
(2)
سورة غافر الآية 60
(3)
سورة غافر الآية 60
(4)
سورة النساء الآية 32
(5)
سورة البقرة الآية 186
(6)
أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب منه برقم 3372.
سبحانه وتعالى، أما دعاء الأنبياء أو الأولياء أو غيرهم من الناس عند قبورهم أو في أماكن بعيدة عنهم كل هذا منكر، وهو شرك بالله عز وجل وشرك أكبر يجب الحذر منه، كهذا الذي ذكره السائل: يا عباد الله يا أنبياء الله أعينونا أغيثونا، كل هذا لا يجوز، قال الله - جل وعلا -:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (1)، وقال سبحانه:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2)، ويقول - جل وعلا - في حق نبيه عليه الصلاة والسلام:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) ، فالأمر عظيم، ويقول تعالى:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4) ، فالواجب الحذر، والواجب على كل مسلم وعلى كل من ينتسب للإسلام وعلى كل مكلف أن يعبد الله وحده، وأن يخصه بالعبادة دون من سواه، قال سبحانه:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (5)، وقال تعالى:
(1) سورة لقمان الآية 13
(2)
سورة الأنعام الآية 88
(3)
سورة الزمر الآية 65
(4)
سورة الأنعام الآية 88
(5)
سورة الإسراء الآية 23
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) ، فلا تسأل نبيا ولا وليا ولا شجرا ولا حجرا ولا صنما ولا غير ذلك في طلب حاجة من نصر ولا شفاء مريض ولا غير ذلك، بل اسأل الله حاجتك كلها، هذا هو توحيد الله وهو الدين الحق وهذا هو الإسلام، وأن تتوجه إلى الله بسؤالاتك وحاجاتك، وأن تعبده وحده بدعائك وصلاتك وصومك وسائر عباداتك، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها لا معبود حقا إلا الله، كما قال سبحانه:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (2) .
أما المخلوق وإن كان عظيما كالأنبياء، فإنه لا يدعى من دون الله، ولا يستغاث به، ولا ينذر له، ولا يذبح له، فعلى المسلم أن يفهم هذا جيدا، وعلى كل مكلف أن يفهم هذا جيدا، وأن يعلم أن هذا أمره عظيم، وأن أصل دين الإسلام وقاعدته هو إخلاص العبادة لله وحده، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود حقا إلا الله، كما تقدم.
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2)
سورة الحج الآية 62
فالله -سبحانه - هو الذي يدعى وهو الذي يسأل، كما قال تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (1)، وقال تعالى:{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} (2) ، فالخطأ في هذا أمره عظيم جدا لا يجوز التساهل فيه؛ لأنه شرك الجاهلية وشرك المشركين الأولين، ولأنه ضد الإسلام وضد لا إله إلا الله، فالواجب الحذر من هذه الشركيات، وعليك أيها السائل أن تنذر قومك وأن تبلغهم وأن ترشدهم إلى أن يتفقهوا في الدين ويتعلموا القرآن ويتدبروه، وأن يعتنوا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ويعملوا بها، ويحضروا حلقات العلم عند العلماء المعروفين بالعلم والفضل وحسن العقيدة، وأن يستمعوا إلى إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية وبرنامج نور على الدرب؛ لما في ذلك من العلم النافع والأجوبة الشرعية عما يسأل عنه المستمعون، نسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه.
(1) سورة البقرة الآية 163
(2)
سورة طه الآية 98