الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 -
حكم من اكتفى بقول لا إله إلا الله دون العمل بمقتضاها
س: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، هل هذا حديث، وما معناه؟ وهل يكتفي الإنسان بقول: لا إله إلا الله دون العمل بمقتضاها؟ (1) .
ج: جاء في ذلك أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن من قال: لا إله إلا الله صدقا من قلبه دخل الجنة، وفي بعضها خالصا من قلبه، وفي بعضها:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (2) » وفي بعضها يقول عليه الصلاة والسلام: «أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة
(1) نشر في (جريدة المسلمون) العدد (711) بتاريخ 28 جمادى الأولى 1419 هـ.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} برقم 25، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله برقم 21.
ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله (1) » .
والأحاديث كلها يفسر بعضها بعضا، والمعنى أن من قال: لا إله إلا الله صادقا من قلبه مخلصا لله وحده، وأدى حقها بفعل ما أمر الله، وترك ما حرم الله، ومات على ذلك دخل الجنة، وعصم دمه وماله حال حياته، إلا بحق الإسلام.
فالواجب على جميع المسلمين أن يتقوا الله ويخلصوا له العبادة، وأن يؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله إلى جميع الثقلين، الجن والإنس، وأنه خاتم الأنبياء ليس بعده نبي، وعليهم مع ذلك أن يؤدوا فرائض الله، وأن يدركوا محارم الله، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه، وأن يتبرءوا من كل ما يخالف ذلك من جميع أديان المشركين. فمن مات على ذلك دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومن أتى شيئا
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} برقم 25، ومسلم كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله برقم 22.
من المعاصي كالزنا وشرب الخمر وأكل الربا وعقوق الوالدين وغير ذلك من المعاصي، ومات على ذلك ولم يتب فهو تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له فضلا منه وإحسانا من أجل توحيده وإيمانه بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وسلامته من الشرك، وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها، ثم يخرجه الله من النار، بعد التطهير والتمحيص ويدخله الجنة؛ لقول الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) فأخبر سبحانه أنه لا يغفر الشرك لمن مات عليه، وأما ما دونه فهو معلق بمشيئة الله، فقد يعفو له سبحانه عنه فضلا ورحمة منه بدون شفاعة أحد، وقد يغفر له سبحانه بشفاعة الأنبياء والصالحين والأفراط وغيرهم ممن يأذن الله لهم بالشفاعة من المؤمنين كما قال تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (2)، وقال سبحانه في حق الملائكة:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (3) وقال عز وجل:
(1) سورة النساء الآية 48
(2)
سورة البقرة الآية 255
(3)
سورة الأنبياء الآية 28
{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} (1) وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يشفع يوم القيامة لكثير من العصاة من أمته الذين دخلوا النار بذنوبهم، عدة شفاعات، فيحد الله له حدا في كل شفاعة، فيخرجهم من النار، وتشفع الملائكة، والأنبياء والصالحون والأفراط، بعد إذنه سبحانه لهم، ويبقى في النار بقية من العصاة لم تشملهم الشفاعة، فيخرجهم الله سبحانه من النار بفضله ورحمته، ولا يبقى في النار إلا الكفار، فإنهم يخلدون فيها أبد الآباد، كما قال الله عز وجل في حقهم:{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (2) وقال سبحانه في حقهم: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (3)، وقال سبحانه في حقهم:{كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} (4) .
(1) سورة النجم الآية 26
(2)
سورة البقرة الآية 167
(3)
سورة المائدة الآية 37
(4)
سورة الإسراء الآية 97
وقال عز وجل في حقهم: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} (1)، وقال سبحانه وتعالى في حقهم أيضا:{لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} (2){وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} (3) فيرد عليهم سبحانه بقوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} (4) .
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهذا الذي ذكرناه هو قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، نسأل الله أن يجعلنا منهم، والله ولي التوفيق.
(1) سورة النبأ الآية 30
(2)
سورة فاطر الآية 36
(3)
سورة فاطر الآية 37
(4)
سورة فاطر الآية 37
15 -
شهادة أن لا إله إلا الله تقتضي القول والعمل
س: هل " لا إله إلا الله " قول باللسان أو قول يحتاج إلى عمل؟ (1) .
ج: هذه الكلمة هي أعظم الكلام الذي يتكلم به الناس وأفضل الكلام، وهي قول وعمل، ولا يكفي مجرد القول، ولو كفى مجرد القول لكان المنافقون مسلمين؛ لأنهم يقولونها، وهم مع هذا كفار، بل في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم يقولونها باللسان من دون عقيدة ولا إيمان، فلا بد من قولها باللسان مع اعتقاد القلب وإيمان القلب بأنه لا معبود حق إلا الله.
ولا بد أيضا من أداء حقها بأداء الفرائض، وترك المحارم؛ لأن هذا من حق لا إله إلا الله، قال عليه الصلاة والسلام:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (2) » .
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط الرابع عشر.
(2)
صحيح البخاري الإيمان (25) ، صحيح مسلم الإيمان (22) .
وفي لفظ آخر: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل (1) » متفق على صحته.
فالحاصل أنه لا بد من قول مع يقين، ومع علم ومع عمل، لا مجرد القول باللسان، فإن اليهود يقولونها، والمنافقون يقولونها، ولكن لا تنفعهم؛ لما لم يحققوها بالعمل والعقيدة، فلا بد من العقيدة بأنه لا معبود بحق إلا الله، وأن ما عبده الناس من أصنام ومن أشجار أو أحجار أو قبور أو أنبياء أو ملائكة أو غيرهم فإنه باطل، وأن هذا شرك بالله عز وجل، والإيمان حق لله وحده، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود حق إلا الله، كما قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} (2)، وقال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3)، وقال سبحانه:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (4)
(1) صحيح البخاري الإيمان (25) ، صحيح مسلم الإيمان (21) ، سنن ابن ماجه الفتن (3927) .
(2)
سورة لقمان الآية 30
(3)
سورة البينة الآية 5
(4)
سورة الفاتحة الآية 5
وقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1)، وقال سبحانه:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (2)، وقال عليه الصلاة والسلام:«من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه (3) » ، وفي لفظ آخر عند مسلم:«من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه (4) » . فدل على أنه لا بد من التوحيد والإخلاص لله.
ولما بعثا النبي صلى الله عليه وسلم معاذا رضي الله عنه إلى اليمن معلما ومرشدا وأميرا وقائدا، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«ادعهم إلى أن يوحدوا الله (5) » ، وفي لفظ آخر: «ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2)
سورة الزمر الآية 2
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، برقم 23.
(4)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، برقم 23.
(5)
أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم برقم 7372.
تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم. . . (1) » الحديث.
فالخلاصة أنه لا بد من الإيمان بها قولا وعملا مع النطق، فيشهد أن لا إله إلا الله عن علم ويقين وإخلاص وصدق ومحبة لما دلت عليه من التوحيد، وانقياد لحقها وقبول لذلك، وبراءة مما عبد من دون الله تعالى. هكذا يكون الإيمان بهذه الكلمة، يقولها عن يقين وأنه لا معبود بحق إلا الله، وعن علم ليس فيه جهل ولا شك، وعن إخلاص في ذلك لا رياء ولا سمعة، وعن محبة لما دلت عليه من التوحيد والإخلاص، وعن صدق، لا كالمنافقين يقولونها باللسان ويكذبونها في الباطن.
ومع قبول لما دلت عليه من التوحيد وانقياد لذلك، ومحبة لذلك، والتزام به مع البراءة من كل ما يعبد من دون الله، والكفر بكل ما يعبد من دون الله، كما قال سبحانه:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (2)
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة برقم 1395، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام برقم 19.
(2)
سورة البقرة الآية 256