المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حكم قراءة الفاتحة في الصلاة - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٢٩

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌باب الآنية

- ‌ حكم استعمال آنية الذهب والفضة

- ‌ حكم استعمال الذهب والفضة في الأبواب والجدران

- ‌باب الاستنجاء

- ‌ حكم من صلى وبه سلس بول ولم يستنج

- ‌ حكم الاكتفاء في الاستجمار بالمناديل ونحوها

- ‌ حكم الاستجمار مع وجود الماء

- ‌ حكم مسح أثر الغائط والبول بالورق

- ‌ حكم صلاة من كان متهاونا بالطهارة

- ‌ حكم الاستنجاء من الريح

- ‌ حكم نتر الذكر عند البول

- ‌ حكم غسل رشاش البول

- ‌باب سنن الوضوء وسنن الفطرة

- ‌ فضل السواك

- ‌ حكم التلفظبالشهادة أثناء الوضوء داخل الحمام

- ‌ حكم السلام ورده في المواضئ

- ‌ حكم التسمية والوضوء داخل الحمام

- ‌ حكم قراءة القرآن في الحمام

- ‌ وجوب إعفاء اللحيةوتحريم حلقها أو قصها

- ‌ إعفاء اللحية اقتداء برسول الله وامتثال لأمره

- ‌ حكم أخذ شعر الخدين وأعلى الحاجب للرجل

- ‌ حدود اللحية

- ‌ حكم قص وتقصير اللحية

- ‌ بيان أن شعر العارضين من اللحية

- ‌ حكم صبغ اللحية باللون الأسود

- ‌ مسألة في تحريم حلق اللحية

- ‌ حكم حلق اللحية

- ‌ حكم تقصير المرأة شعرها

- ‌ حكم وصل الشعر

- ‌ حكم قص الشعر للمرأة

- ‌ حكم وضع الحناء على اليدين والرجلين للرجل

- ‌ حكم حلق شعر العانة والإبط

- ‌ حكم إطالة الأظافر

- ‌ الختان من آكد سنن الفطرة

- ‌ حكم المضمضة من آثار الطعام قبل الصلاة

- ‌ الاستنجاء ليس من فرائض الوضوء

- ‌ حكم من صلىبالناس وهو على غير طهارة

- ‌ وجوب تعميم أعضاء الوضوء بالماء

- ‌ كيفية وضوء من كان يسبح في البحر

- ‌ مسألة في الوضوء

- ‌ حكم مسح الشعر في الوضوء بعد دهنه

- ‌ حكم قراءة القرآن بدون وضوء

- ‌ حكم قراءة الأطفالللقرآن في المصحف بدون طهارة

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌ بيان مدة المسح على الجوربين

- ‌ شروط المسح على الجوربين

- ‌ المسح على الجورب والنعل

- ‌ مسألة في المسح على الجورب والنعل

- ‌ مسألة في المسح على الجورب

- ‌ مسألة في المسح على الشراب والكندرة

- ‌ حكم المسح على الشراب المثقوب

- ‌ حكم نقض الوضوءبأكل شحم وكرش الجزور

- ‌ حكم إزالة طلاء المناكير عند الوضوء

- ‌ حكم وضع المناكير لمدة خمسة فروض

- ‌ حكم انتقاض الوضوء بالنوم

- ‌ حكم من شكفي طهارته للصلوات الفائتة

- ‌ مسألة في لمس المرأة بعد الوضوء

- ‌ دخول المقابر لا ينقض الوضوء

- ‌باب الغسل

- ‌ من أحكام غسل الجنابة

- ‌ وجوب الغسلعلى من جامع أهله ولو لم ينزل

- ‌ مسألة في الغسل من الجنابة

- ‌ حكم الجمع بين الوضوء والغسل من الجنابة

- ‌ حكم إزالة " المناكير "للوضوء والغسل من الجنابة

- ‌ حكم قراءة القرآن للجنب

- ‌ مسألة في قراءة القرآن للجنب

- ‌ حكم لمسالجنب للثوب ونحوه قبل أن يغتسل

- ‌ حكم أخذ الجنبمن شعره وأظفاره قبل أن يغتسل

- ‌باب التيمم

- ‌ بيان كيفية التيمم

- ‌ حكم التيمم مع وجود الماء

- ‌ حكم غسل الدم الخارج من السبيلين

- ‌ حكم الصلاة في ملابس أصابها مني

- ‌ حكم من صلى بالنجاسة وهو لا يعلم

- ‌باب الحيض والنفاس

- ‌ بيان مدة الطهر في الحيض

- ‌ الفرق بين دم الحيض والاستحاضة

- ‌ حكم طهارة المرأةمن الحيض إذا كانت عادتها مبعضة

- ‌ حكم استعمالالدواء لمنع الدورة الشهرية

- ‌ حكم صلاة المرأة وهي حائض

- ‌نزول دم الحيض بعد الوضوء

- ‌ حكم الكدرة والصفرة بعد الطهر

- ‌ الإحساسبنزول دم الحيض أثناء السعي

- ‌ وجوب الغسلإذا رأت الكدرة في وقت العادة

- ‌ حكم قراءة الحائض للقرآن

- ‌ حكم قضاء المرأةلصلاة الظهر إذا طهرت وقت صلاة العصر

- ‌ النفساء إذا طهرت تلزمهاالصلاة وكذا الصيام ولو لم تكمل الأربعين

- ‌ مسألة في طهارةالمرأة من دم الحيض والنفاس

- ‌ صلاة من أسقطت جنينا دون أن يتخلق

- ‌ حكم أذان المنفرد

- ‌ مسألة في الأذان

- ‌ الترجيع في الأذان

- ‌ حكم قول: حي على خير العمل في الأذان

- ‌ حكم أداء تحية المسجد أثناء الأذان

- ‌ حكم إقامة الصلاة بدون إقامة

- ‌ حكم قول: " أقامها الله وأدامها " عند إقامة الصلاة

- ‌ حكم تارك الصلاة تهاونا وكسلا

- ‌ عقوبة تارك الصلاة وهو مؤمن بوجوبها

- ‌ حكم تارك الصلاة

- ‌ ترك الصلاة كفر يحبط العمل

- ‌ حكم من حج وهو تارك للصلاة

- ‌ حكم قضاء الصلوات الفائتة لمن تركها تهاونا

- ‌ حكم قضاء الصوم وأداء الحج عمن مات وهو متهاون بالصلاة

- ‌ حكم من صام رمضان وهو تارك للصلاة متهاونا

- ‌ حكم من ترك الصلاة كسلا متكاسلا

- ‌ حكم من يصلي أحيانا ويترك الصلاة أحيانا

- ‌ حكم تأخير صلاة الفجر لغير عذر

- ‌ حكم غيبة تارك الصلاة للتحذير منه

- ‌ حكم قول: ترك الصلاة ليس بكفر

- ‌ حكم هجر تارك الصلاة

- ‌ حكم من ترك الصلاة بحجة ارتكابه للذنوب

- ‌ حكم صلاة مرتكبي المعاصي

- ‌ من ارتد عن الإسلام ثم تاب فلا قضاء عليه للصلوات

- ‌ التكاليف الشرعية تثبت على المكلف بعد بلوغه

- ‌ الواجب على الآباء أن يلزموا أبناءهم بطاعة الله ورسوله

- ‌ حكم صلاة الطفلة دون خمار

- ‌ من بلغ الحلم وجبت عليه المحافظة على الصلاة

- ‌ وجوب تعليم الكبير الجاهل لصفة الصلاة

- ‌ حكم تعويد الأبناء للصلاة مع الجماعة

- ‌ بيان وقت الزوال

- ‌ حكم صلاة المرابط والحارس في مكانه

- ‌ وقت صلاة المرأة للظهر يوم الجمعة

- ‌ حكم تأخير الصلاة لعذر

- ‌ حكم تأخير صلاة العشاء للمنفرد

- ‌ العناية بالاستيقاظ لصلاة الفجر

- ‌ حكم الصلاة في الباخرة

- ‌ حكم إعادة صلوات أقيمت في مسجد علم انحرافه عن القبلة

- ‌ مسألة في استقبال القبلة

- ‌ حكم من صلى وليس على أحد عاتقيه ثوب

- ‌ حكم الصلاة في الملابس الضيفة

- ‌ حكم الصلاة في ثياب بنصف الكم

- ‌ حكم انكشاف الفخذ في الصلاة

- ‌ حكم الصلاة في ثياب، ملطخة بدم الهدي

- ‌ صلاة المسبل

- ‌ حكم إظهار اليدين والقدمين من المرأة في الصلاة

- ‌ تغطية الرأس للمرأة عند سجود التلاوة

- ‌ حكم صلاة المرأة بالقفازين

- ‌ حكم الصلاة بالنعال

- ‌ حكم الصلاة إذا كان الحمام في قبلة المصلي

- ‌ حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور

- ‌ حكم الصلاة في مسجد في مؤخرته قبر، بينهما حاجز

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌ نحن مأمورون أن نصلي كما صلى عليه الصلاة والسلام

- ‌ الكلام على حديث في آداب المشي إلى الصلاة

- ‌ حكم إرسال اليدين حال القيام في الصلاة

- ‌ سنية وضع اليدين في الصلاة

- ‌ السنة للمصلي أن ينظر إلى موضع سجوده حال القيام

- ‌ إحضار القلب في الصلاة سبب في الخشوع

- ‌ حكم الاستعاذة والبسملة في كل ركعة

- ‌ مسألة في الإسرار بالبسملة

- ‌ مسألة في دعاء الاستفتاح في الصلاة

- ‌ حكم قراءة المرأة في الصلاة الجهرية والسرية بصوت مسموع

- ‌ حكم قراءة الفاتحة في الصلاة

- ‌ حكم قراءة الفاتحة للمأموم

- ‌ حكم صلاة من لا يحسن الفاتحة

- ‌ حكم قول: استعنا بالله عند قوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}

- ‌ حكم ترك الجهر بالتأمين في الصلاة

- ‌ حكم من أدرك الإمام وهو راكع

- ‌ حكم قول (بلى) في الصلاة

- ‌ حكم قبض اليدين بعد الرفع من الركوع

- ‌ حكم قول: ربنا ولك الحمد والشكر، بعد الرفع من الركوع

- ‌ حكم قول: الله أكبر بعد الرفع من الركوع

- ‌ حكم مباشرة المصلي بوجهه لموضع السجود

- ‌ الدعاء في السجود ليس له حد محدود

- ‌ حكم جلسة الاستراحة

- ‌ حكم تحريك السبابة في الصلاة

- ‌ حكم رفع إصبعي السبابة لكلتا اليدين في الصلاة

- ‌ حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير

- ‌ مسألة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد

- ‌ حكم زيادة "وبركاته" في السلام

- ‌ حكم المصافحة بعد سلام الإمام

- ‌ حكم رد السلام بعد الصلاة

- ‌ حكم قول: (تقبل الله) بعد السلام من الصلاة

- ‌ حكم القنوت في صلاة الصبح

- ‌ حكم القنوت في النوازل

- ‌ حكم استعمال المسبحة في إتمام أذكار الصلاة

- ‌ حكم المرور بين يدي المصلي

- ‌ حكم المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام

- ‌ مسألة في المرور بين يدي المصلين

- ‌ حكم المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام والمسجد النبوي

- ‌ حكم مرور الطفل غير المميز بين يدي الصف

- ‌ بيان كيفية مكافحة الوساوس في الصلاة

- ‌ حكم صلاة المصاب بسلس البول

- ‌ حكم صلاة من شك في خروج الريح

- ‌ وجوب تعليم الجاهل أحكام الصلاة

- ‌ حكم صلاة من يدافعه الأخبثان

- ‌ حكم الاضطباع في الصلاة

- ‌ حكم صلاة من كشف إحدى كتفيه

- ‌ حكم الضحك في الصلاة

- ‌ بيان كيفية قضاء صلاة الفجر بعد طلوع الشمس

- ‌ حكم قراءة ما تيسر من القرآن بعد قراءة الفاتحة

- ‌ بيان حكم ما يفعل المصلي إذا دق جرس الباب

- ‌ حكم الحمد بعد العطاس في الصلاة

الفصل: ‌ حكم قراءة الفاتحة في الصلاة

160 -

‌ حكم قراءة الفاتحة في الصلاة

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد (1) :

فإن الله جل وعلا شرع لعباده في كل ركعة من الصلاة أن يقرءوا فاتحة الكتاب وهي أم القرآن وهي أعظم سورة في كتاب الله عز وجل كما صح بذلك الخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال «إنها أعظم سورة في كتاب الله وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم وهي الحمد (2) » . هذه السورة العظيمة اشتملت على الثناء على الله وتمجيده جل وعلا وبيان أنه سبحانه هو المستحق لأن يعبد وأن يستعان به واشتملت على تعليم العباد وتوجيه العباد إلى أن يسألوه سبحانه وتعالى الهداية إلي الصراط المستقيم فمن نعم الله العظيمة على عباده هذه السورة العظيمة وأن شرع لهم قراءتها في كل ركعة في الفرض والنفل بل جعلها ركن في الصلاة في كل ركعة لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (3) » وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: «لعلكم

(1) من دروس سماحته في المسجد الحرام، ألقاه في تاريخ 26\ 12\ 1418 هـ

(2)

صحيح البخاري فضائل القرآن (5006) ، سنن النسائي الافتتاح (913) ، سنن أبي داود الصلاة (1458) ، سنن ابن ماجه الأدب (3785) ، مسند أحمد (4/211) ، سنن الدارمي فضائل القرآن (3371) .

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات برقم 756، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة برقم 394.

ص: 248

تقرءون خلف إمامكم قالوا نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة لكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها (1) » فالواجب على كل مصل أن يقرأ بها في كل ركعة في الفرض والنفل أما المأموم فعليه أن يقرأ بها في صلاته خلف إمامه فلو جهل أو نسى أو جاء والإمام راكع سقطت عنه فيحملها عنه الإمام إذا جاء والإمام راكع ودخل في الركعة أجزأته وسقط عنه وجوب قراءتها؛ لأنه لم يحضرها لما ثبت في الصحيح من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه جاء والإمام راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا بعد الصلاة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «زادك الله حرصا ولا تعد (2) » ولم يأمره بقضاء الركعة فدل على أن من أدرك الركوع أدرك الركعة وهكذا لو كان المأموم جاهلا أو نسي الفاتحة ولم يقرأها أجزأته وتحملها عنه الإمام أما من علم وذكر فالواجب عليه أن يقرأها مع إمامه كما يجب على المنفرد والإمام أن يقرأها، وهي ركن في حق المنفرد، وركن في حق الإمام وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله عز وجل: قسمت

(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب برقم 823.

(2)

أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب: إذا ركع دون الصف برقم 783.

ص: 249

الصلاة بيني وبن عبدي نصفين فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله سبحانه حمدني عبدي وإذا قال العبد الرحمن الرحيم قال الله جل وعلا أثنى علي عبدي وإذا قال العبد مالك يوم الدين قال الله سبحانه مجدني عبدي، - لأن التمجيد هو تكرار الثناء والتوسع في الثناء - فإذا قال العبد إياك نعبد وإياك نستعين يقول الله عز وجل هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل (1) » فقوله إياك نعبد حق الله فإن حق الله على عباده أن يعبدوه وإياك نستعين حق للعبد أن يستعين بالله في كل شيء يقول الله جل وعلا:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2) حق الله عليهم أن يعبدوه وفي الحديث الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (3) » هذا حق الله على العباد أن يعبدوه بطاعة أوامره وترك نواهيه ويحذروا الشرك به عز وجل وتقدم في الدرس الماضي أن

(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة برقم 395.

(2)

سورة الذاريات الآية 56

(3)

أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب إرداف الرجل خلف، برقم 5967، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة برقم 30.

ص: 250

أصل هذه العبادة وأساسها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هذا أصل العبادة وأساس العبادة توحيد الله والإيمان برسوله عليه والصلاة والسلام، فأعظم العبادة وأهمها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فعلى كل مكلف أن يتعبد عن علم ويقين وصدق أنه لا إله إلا الله والمعنى لا معبود حق إلا الله كما قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (1) وعليه أن يشهد عن علم ويقين وصدق أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب هو رسول الله حقا إلى جميع الثقلين الجن والإنس وهو خاتم الأنبياء ليس بعده نبي كما قال الله عز وجل: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (2) قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (3) فعلى كل إنسان وعلى كل مكلف من الجن والإنس أن يعبد الله وحده هذا حق الله على عباده {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (4) يجب على جميع الثقلين جنهم وإنسهم ذكورهم وإناثهم عربهم وعجمهم أغنيائهم وفقرائهم وملوكهم

(1) سورة الحج الآية 62

(2)

سورة الأعراف الآية 158

(3)

سورة الأحزاب الآية 40

(4)

سورة الفاتحة الآية 5

ص: 251

وعامتهم عليهم جميعا أن يعبدوا الله عليهم أن يعبدوا الله بأداء ما فرض وترك ما حرم، وعليهم أن يخصوه بالعبادة دون كل ما سواه {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (1) قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (2) قال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ} (3) يعني أمر ربك وأوصى ربك {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4) وفي هذه السورة يقول جل وعلا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) يعلمنا أن نقول {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (6) هذا حقه جل وعلا إياك نعبد يعني وحدك بدعائنا وخوفنا ورجائنا وصومنا وصلاتنا وذبحنا ونذرنا وغير هذا من العبادات كل لله وحده كما قال جل وعلا: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (7) فالذين يتقربون إلى الأصنام أو إلى الأموات من الأولياء وغيرهم بالدعاء أو الرجاء أو الذبح أو النذر أو الاستغاثة قد عبدوا مع الله غيره وقد أشركوا بالله غيره ونقضوا قول لا إله إلا الله وخالفوا قوله

(1) سورة البقرة الآية 163

(2)

سورة البينة الآية 5

(3)

سورة الإسراء الآية 23

(4)

سورة الإسراء الآية 23

(5)

سورة الفاتحة الآية 5

(6)

سورة الفاتحة الآية 5

(7)

سورة الحج الآية 62

ص: 252

تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) فالعبادة حق الله ليس لأحد فيها نصيب فالواجب على كل مكلف أن يعبد الله وحده والواجب على كل من لديه علم أن يعلم الناس أن يرشد الناس أن يعلم أهله ومن حوله وأن يرشد الناس إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له جل وعلا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (2) فعلى جميع المكلفين أن يعبدوا الله وأن يخصوه بالعبادة بدعائهم وذبحهم ونذرهم وصلاتهم وصومهم وغير هذا من العبادة، وبهذا نعلم أن ما يفعله بعض الجهلة عند القبور قبور الصالحين أو من يزعم أنهم صالحون من دعائهم أو الاستغاثة بهم أو النذر لهم أن هذا هو الشرك الأكبر وهذا دين الجاهلية، ويجب الحذر من ذلك، وهكذا البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها هو من وسائل الشرك وهو من عمل اليهود والنصارى فيجب الحذر من ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (3) » .

(1) سورة الفاتحة الآية 5

(2)

سورة التحريم الآية 6

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم 529.

ص: 253

فالواجب عليك يا عبد الله وعليك يا أمة الله الانتباه لهذا الأمر والعلم بهذا الأمر وأن العبادة حق الله وحده ليس لأحد فيها نصيب {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) هذا حق الله أن نعبده وحده وأن نستعين به وحده فلا يجوز أن يدعى مع الله سبحانه إله آخر لا نبي ولا غيره لا محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره ولا البدوي ولا الحسين ولا علي ولا غير ذلك. العبادة حق الله وحده ليس لأحد فيها نصيب، قال تعالى:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2)، وقال سبحانه:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} (3)، يخاطب نبيه محمدا صلى الله عليه {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (4) سيد الخلق لو أشرك بالله لحبط عمله فكيف بغيره وقد عصمه الله من ذلك وحفظه وقال تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (5) .

فالشرك هو أعظم الذنوب وأسوأها وأخطرها فالواجب

(1) سورة الفاتحة الآية 5

(2)

سورة الأنعام الآية 88

(3)

سورة الزمر الآية 65

(4)

سورة الزمر الآية 65

(5)

سورة المائدة الآية 72

ص: 254

الحذر منه ومن وسائله يقول الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) من مات على التوحيد والإخلاص لله والإسلام فهو من أهل الجنة.

لكن إن كان له ذنوب وسيئات فهو على خطر قد يغفر له وقد لا يغفر له وقد يعذب بمعاصيه ولهذا قال سبحانه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (2) فإذا مات على شرب الخمر أو على عقوق الوالدين أو أحدهما أو على أكل الربا أو على ظلم الناس فهو على خطر عظيم من دخول النار وقد يغفر له وقد لا يغفر إلا أن يتوب قبل موته توبة صادقة فمن تاب تاب الله عليه وقد دلت السنة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كثيرا من العصاة يعذبون في النار على قدر معاصيهم ولا يغفر لهم وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يشفع في جماعة من العصاة فيحد الله له حدا فيخرجهم من النار ثم يشفع فيحد الله له حدا فيخرجهم من النار ثم يشفع فيحد الله له فيخرجهم من النار ثم يشفع فيحد الله له حدا فيخرجهم من النار التي دخلوها بذنوبهم ويبقى في النار بقايا من أهل التوحيد دخلوا النار بمعاصيهم فيخرجهم الله من النار بفضله ورحمته جل وعلا فاتق الله يا عبد الله واحذر السيئات احذر

(1) سورة النساء الآية 48

(2)

سورة النساء الآية 48

ص: 255

المعاصي كلها والزم التوبة دائما لعلك تنجو {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) فأنت على خطر إذا مت على معصية على الربا على الزنا على العقوق على شرب المسكر على ظلم الناس والعدوان عليهم على الغيبة والنميمة فأنت على خطر فحاسب نفسك وجاهد نفسك وبادر بالتوبة قبل أن يهجم الأجل واعرف معنى قوله سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2) وأن الواجب عليك أن تخص الله بالعبادة دون كل ما سواه فهو المستحق لأن يعبد فهو الذي يدعى ويرجى ويخاف ويتقرب إليه بالصلاة والصوم والحج والنذر والذبح والصلاة وغير ذلك، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (3) يعني ذبحي {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (4) وقال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (5){فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (6) وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (7) .

(1) سورة النساء الآية 48

(2)

سورة الفاتحة الآية 5

(3)

سورة الأنعام الآية 162

(4)

سورة الأنعام الآية 162

(5)

سورة الكوثر الآية 1

(6)

سورة الكوثر الآية 2

(7)

سورة الجن الآية 18

ص: 256

وقال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (1) وقال جل وعلا: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (2) جميع من يدعوه الناس من دون الله ما يملكون من قطمير وهو اللفافة التي على النواة {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (3)

فالواجب الحذر من دعاء غير الله أو الشرك بالله والواجب توجيه القلوب إلى الله عز وجل وإخلاص العمل لله وحده في صلاتك وصومك وسائر عباداتك فقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (4) يقول الله هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (5) حق الله {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (6) حق العبد

(1) سورة المؤمنون الآية 117

(2)

سورة فاطر الآية 13

(3)

سورة فاطر الآية 14

(4)

سورة الفاتحة الآية 5

(5)

سورة الفاتحة الآية 5

(6)

سورة الفاتحة الآية 5

ص: 257

وحاجة العبد عليه أن يستعين بالله في كل شيء وفي حديث ابن عباس يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله (1) » فالعبد في غاية الفقر والحاجة إلى الله عز وجل فعليه أن يستعين بربه في كل شيء وعليه أن يسأله حاجته {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (2){إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} (3) فأنت في أشد الضرورة إلى ربك فاضرع إليه واسأله حاجاتك واحذر الشرك به خص ربك بالعبادة واحذر أن تشرك بالله شيئا لا في ذبحك ولا في نذرك ولا في صومك ولا في صلاتك ولا في دعائك ولا في غير ذلك فالعبادة حق الله يجب إخلاصها لله وحده وإياك أن تغتر بما فعله الجهال في كثير من البلدان من العكوف على القبور ودعاء أصحابها والاستغاثة بها هذا هو الشرك الذي نهى الله عنه وهو الذي بعث الله الرسل بإنكاره {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (4)

(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم بداية مسند عبد الله بن العباس برقم 2664، والترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب منه برقم 2516.

(2)

سورة فاطر الآية 15

(3)

سورة فاطر الآية 16

(4)

سورة النحل الآية 36

ص: 258

بعث الله الرسل

ص: 258

جميعا بإنكار الشرك والدعوة إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له جل وعلا فاحذر يا عبد الله أن تقع فيما وقع فيه المشركون من عبادة أصحاب القبور أو الأشجار أو الأصنام أو الكواكب أو الجن كل ذلك شرك به فمن دعا الجن من دون الله أو دعا الكواكب أو الأصنام أو استغاث بالأموات أو بالغائبين فقد أشرك بالله ووقع في قوله جل وعلا: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (1) ثم احذر أيضا من وسائل الشرك كالصلاة عند القبور واتخاذ المساجد عليها واتخاذ القباب عليها كل هذا من وسائل الشرك.

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا ولما قيل له عن كنائس النصارى وما يفعلون فيها قال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك

(1) سورة المائدة الآية 72

(2)

أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1390، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم 529.

ص: 259

شرار الخلق عند الله (1) » فبين أن من اتخذ المساجد على القبور والصور على القبور أنهم شرار الخلق عند الله.

فالواجب الحذر من هذه الأعمال السيئة من أعمال اليهود والنصارى والمشركين ويجب أن تخص الله بالعبادة أينما كنت، تعبده وحده بدعائك وخوفك ورجائك وصلاتك وصومك وذبحك ونذرك وغيره كله لله وحده {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (2) ويقول سبحانه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4){أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (5) ثم يقول سبحانه بعد ذلك: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (6){صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (7) يعلم عباده أن يدعوه

(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة برقم 434، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم 528.

(2)

سورة النساء الآية 36

(3)

سورة البينة الآية 5

(4)

سورة الزمر الآية 2

(5)

سورة الزمر الآية 3

(6)

سورة الفاتحة الآية 6

(7)

سورة الفاتحة الآية 7

ص: 260

بهذا الدعاء «فإذا قال العبد: اهدنا الصراط المستقيم يقول الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل (1) » هكذا جاء في الحديث الصحيح فجدير بك يا عبد الله أن تصدق في هذا الدعاء وأن تخلص في هذا الدعاء وأن يكون قلبك حاضرا حين تقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (2) ومعنى اهدنا يعني أرشدنا يا ربنا، ودلنا، وثبتنا ووفقنا. تسأل ربك أن يهديك هذا الصراط وأن يرشدك إليه وأن يعلمك إياه وأن يثبتك عليه. ما هو الصراط المستقيم هو دين الله هو توحيد الله والإخلاص له وطاعة أوامره وترك نواهيه هذا هو الصراط المستقيم وهو عبادة الله وهو الإسلام والإيمان والهدى وهو الصراط المستقيم وهو العبادة التي أنت مخلوق لها {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (3) هذه العبادة هي الصراط المستقيم {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (4) .

والإسلام هو الصراط والمستقيم وهو الإيمان بالله ورسوله وتوحيد الله وطاعته وترك معصيته هذا هو الصراط

(1) صحيح مسلم الصلاة (395) ، سنن الترمذي تفسير القرآن (2953) ، سنن النسائي الافتتاح (909) ، سنن أبي داود الصلاة (9999) ، سنن ابن ماجه الأدب (3784) ، مسند أحمد (2/460) ، موطأ مالك النداء للصلاة (189) .

(2)

سورة الفاتحة الآية 6

(3)

سورة الذاريات الآية 56

(4)

سورة آل عمران الآية 19

ص: 261

المستقيم أن تعبد الله وحده دون كل ما سواه قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} (1) لما ذكر الشرك والتوحيد والمعاصي في قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (2){وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (3) ثم قال بعد هذا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} (4) فصراط الله أداء أوامره وترك نواهيه هذا صراط الله المستقيم وأعظمها توحيده والإخلاص له وأعظم المناهي هو الشرك به فصراط الله المستقيم توحيده والإخلاص له وترك الإشراك به وأداء ما أمر وترك ما نهى. هذا هو صراط الله

(1) سورة الأنعام الآية 153

(2)

سورة الأنعام الآية 151

(3)

سورة الأنعام الآية 152

(4)

سورة الأنعام الآية 153

ص: 262

المستقيم {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} (1) يعني الزموه واستقيموا عليه {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} (2) وهي البدع والمعاصي التي ينهى الله عنها، وقد ثبت «عنه صلى الله عليه وسلم أنه خط خطا مستقيما فقال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله فقال: هذه السبل وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه (3) » فالسبل هي البدع والمعاصي والمنكرات التي حرمها الله على عباده. فالواجب الحذر منها، والصراط المستقيم هو توحيد الله وطاعته وهو الإسلام والإيمان وهو الهدى وهو العبادة التي أنت مخلوق لها، صراط واضح وهو توحيد الله وطاعة أوامره وترك نواهيه والوقوف عند حدوده هذا صراط الله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (4) والمستقيم الذي ليس فيه عوج قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (5) صراط الله فالرسول بعثه الله ليهدي إلى صراط مستقيم وهكذا الرسل جميعا كلهم بعثوا ليهدوا إلى

(1) سورة الأنعام الآية 153

(2)

سورة الأنعام الآية 153

(3)

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه برقم 4423.

(4)

سورة الفاتحة الآية 6

(5)

سورة الشورى الآية 52

ص: 263

الصراط المستقيم يعني يدعون الناس إلى الصراط المستقيم وهو توحيد الله وطاعة أوامره وترك نواهيه والوقوف عند حدوده هذا صراط الله المستقيم وربنا يرشدنا في كل صلاة في كل ركعة أن نقول اهدنا الصراط المستقيم يعني اهدنا يا ربنا الصراط المستقيم الذي شرعته لنا وبعثت به أنبياءك وخلقتنا له، نطلب منك أن تهدينا له وأن ترشدنا له وأن تثبتنا عليه، ثم فسره فقال:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (1) هذا صراط الله المستقيم صراط المنعم عليهم ومن هم المنعم عليهم هم الرسل وأتباعهم وعلى رأسهم إمامهم وخاتمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وهذا صراطهم صراط الله المستقيم توحيد الله وطاعة أوامره وترك نواهيه هذا الصراط المستقيم وهذا هو صراط المنعم عليهم وهم الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة والصراط المستقيم: هو العلم والعمل، العلم بما شرع الله والعمل بذلك هذا هو الصراط المستقيم العلم بما شرع الله وبما أوجب الله على عباده والعمل بذلك أن تعلم حق الله عليك وأن تعلم ما أوجب الله عليك وأن تعلم ما حرم الله عليك وأن تستقيم على أداء ما أمرك الله به وعلى ترك ما حرم الله عليك هذا هو صراط الله المستقيم الذي تطلب

(1) سورة الفاتحة الآية 7

ص: 264

ربك في كل ركعة أن يهديك صراطه المستقيم {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (1) غير صراط المغضوب عليهم وهم اليهود وأشباههم الذين عرفوا الحق وحادوا عنه وتكبروا عن اتباعه وغير طريق الضالين وهم النصارى وأشباههم الذين تعبدوا على الجهالة والضلالة فصراط المنعم عليهم هم أهل العلم والعمل، الذين عرفوا الحق وفقهوه وعملوا به، وأما المغضوب عليهم فهم الذين عرفوا الحق وحادوا عنه كاليهود وأشباههم وعلماء السوء الذين يعرفون الحق ويحيدون عنه ولا يدلون إليه، والضالون هم النصارى وأشباههم ممن جهل الحق ولم يبال بدين الله بل اتبع هواه.

فأنت يا عبد الله تسأل ربك، أن يهديك طريق المنعم عليهم وهم الرسل وأتباعهم وأن يجنبك طريق المغضوب عليهم والضالين وهذه دعوة عظيمة فأعظم دعوة أن تسأل ربك الهداية إلى صراطه المستقيم وهو صراط المنعم عليهم لا صراط المغضوب عليهم ولا صراط الضالين احمد ربك على هذه النعمة العظيمة واحرص على هذا الدعاء وأحضر قلبك عند هذا الدعاء في الصلاة وغيرها، هذا الدعاء العظيم الذي أنت في أشد الضرورة إليه {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (2) أحضر قلبك واصدق

(1) سورة الفاتحة الآية 7

(2)

سورة الفاتحة الآية 6

ص: 265

في هذا الطلب في الصلاة وغيرها تسأل ربك تضرع إليه أن يهديك صراطه المستقيم وأن يثبتك عليه حتى تكون من أتباعه والسالكين عليه غير المغضوب عليهم وغير الضالين، لأن اليهود تعبدوا على خلاف العلم وتابعو أهواءهم حسدا وبغيا وهم يعرفون أن محمدا رسول الله وأن بعثه بالحق ولكن حادوا عن الحق تكبرا وتعاظما وإيثارا للدنيا على الآخرة وحسدا، والنصارى جهال يغلب عليهم الجهل والضلال وهم أقرب إلى الخير من اليهود ولهذا يسلم منهم الجم الغفير في كل وقت، أما اليهود فيندر أن يسلم منهم أحد، أما النصارى فكثيرا ما يسلمون في كل وقت، لأن قلوبهم أقرب إلى الخير من قلوب اليهود قال تعالى:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} (1) فالنصارى أقرب وقلوبهم ألين من قلوب اليهود لأن علتهم الجهل والضلال فإذا عرفوا وبين لهم رجع كثير منهم إلى الحق أما علة اليهود فليست الجهل، بل علتهم الحسد والبغي وعلتهم مخالفة الحق على بصيرة فعلتهم خبيثة وهي التكبر عن اتباع الحق والحسد لأهل الحق ولهذا قل

(1) سورة المائدة الآية 82

ص: 266

وندر من يسلم منهم نعوذ بالله من ذلك.

فأنت يا عبد الله احمد ربك أن هداك لهذا الصراط وأن علمك إياه وأن شرع لك أن تطلبه في صلواتك وفي خارج الصلاة تقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (1) وهذا الصراط هو دين الله وهو الإسلام وهو الإيمان والهدى وهو العبادة التي أنت مخلوق لها وهو العلم والعمل أن تعلم ما شرعه الله لك وما خلقك لأجله وتعمل بطاعة الله وتحذر معاصي الله وتقف عند حدود الله ترجو ثواب الله وتخشى عقاب الله هذا الصراط المستقيم وأساسه وأعظمه وأوله وأفرضه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هذا هو الأساس هذا هو الأصل هذا هو أعظم واجب هذا هو الركن الأول ثم الصلاة ثم الزكاة ثم الصوم ثم الحج كما تقدم في الدرس الماضي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت (2) » هذه هي أركان الإسلام الظاهرة وما سواها من

(1) سورة الفاتحة الآية 6

(2)

أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب بني الإسلام على خمس برقم 8، ومسلم في كتاب الإيمان، باب أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم 16.

ص: 267

الأوامر تابع لذلك ويجب مع هذه الأوامر ترك المناهي الحذر من المناهي خوفا من الله وتعظيما لله وإخلاصا له هذا هو دين الله وأساسه توحيده والإخلاص له والإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ثم أداء الفرائض وترك المحارم والوقوف عند الحدود وهذا هو الصراط المستقيم يجب على كل مسلم من الذكور والإناث على كل جن وإنس على جميع الثقلين يجب عليهم أن يثبتوا على هذا الصراط وأن يستقيموا عليه وأن يسألوا الله الهداية له وأن يحذروا مخالفته فهو صراط الله وهو دين الله وهو العلم والعمل، العلم بما شرع الله واتباعه، وأساسه توحيد الله والإخلاص له والإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ثم أداء الفرائض وترك المحارم والوقوف عند الحدود والمحبة في الله والبغضاء في الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر كله داخل في هذا، كله داخل في الصراط المستقيم قال تعالى:{وَالْعَصْرِ} (1){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (2){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3) هؤلاء هم أهل الصراط المستقيم الذين آمنوا بالله ورسوله وأخلصوا لله العمل وصدقوا وتفقهوا في الدين وعملوا بطاعة الله وتركوا معصيته وتواصوا بالحق وتواصوا

(1) سورة العصر الآية 1

(2)

سورة العصر الآية 2

(3)

سورة العصر الآية 3

ص: 268

بالصبر هؤلاء هم أهل الصراط المستقيم هم المنعم عليهم وهم المذكورون في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1) هؤلاء هم أهل الصراط المستقيم وماذا وعدهم؟ قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2) فالله وعدهم الجنة والسعادة هذا هو جزاؤهم في الدنيا الرحمة يرحمهم بالتوفيق والهداية والتسديد وفي الآخرة بإدخالهم الجنة والرضى عنهم هذا جزاء أهل الصراط المستقيم فاحرص يا عبد الله واحرصي يا أمة على الاستقامة على الصراط احرصوا والزموا هذا الصراط الزموه واستقيموا عليه عن حب وعن رغبة وعن محبة وعن صدق وعن إخلاص لله وعن موالاة لأولياء الله ومعاداة لأعداء الله وصبر على طاعة الله وكف عن محارم الله وتواص بالحق وتعاون على البر والتقوى وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر هكذا المؤمنون هكذا الصادقون هكذا

(1) سورة التوبة الآية 71

(2)

سورة التوبة الآية 72

ص: 269