المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(اختلاف الإمامية في أئمتهم) - مختصر التحفة الاثني عشرية - جـ ١

[محمود شكري الألوسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المختصر السيد محمود شكري الآلوسي

- ‌الباب الأول في ذكر‌‌ فرق الشيعةوبيان أحوالهم وكيفية حدوثهم وتعداد مكائدهم

- ‌ فرق الشيعة

- ‌(الشيعة المخلصون)

- ‌(الشيعة التفضيلية)

- ‌(الشيعة السبية)

- ‌(الشيعة الغلاة)

- ‌(فرق الشيعة الغلاة)

- ‌‌‌(السبئية)

- ‌(السبئية)

- ‌(المفضلية)

- ‌(السريغية)

- ‌(البزيعية)

- ‌(المغيرية)

- ‌(الجناحية)

- ‌(البيانية)

- ‌(المنصورية)

- ‌(الغمامية)

- ‌(الأموية)

- ‌(التفويضية)

- ‌(الخطابية)

- ‌(المعمرية)

- ‌(الغرابية)

- ‌(الذبابية)

- ‌(الذمية)

- ‌(الاثنينية)

- ‌(الخمسية)

- ‌(النصيرية)

- ‌(الإسحاقية)

- ‌(العلبائية)

- ‌(الرزامية)

- ‌(المقنعية)

- ‌(فرق الشيعة الإمامية)

- ‌(الحسنية)

- ‌(النفسية)

- ‌(الحكمية)

- ‌(السالمية)

- ‌(الشيطانية)

- ‌(الزرارية)

- ‌(البدائية، المفوضة، اليونسية)

- ‌(الباقرية)

- ‌(الحاصرية)

- ‌(الناووسية)

- ‌(العمارية)

- ‌(المباركية)

- ‌(الباطنية)

- ‌(القرامطة)

- ‌(الشمطية)

- ‌(الميمونية)

- ‌(الخلفية)

- ‌(البرقعية)

- ‌(الجنابية)

- ‌(السبعية)

- ‌(المهدوية)

- ‌(الأفطحية)

- ‌(المفضلية)

- ‌(الممطورية)

- ‌(الموسوية)

- ‌(الرجعية)

- ‌(الإسحاقية)

- ‌(الأحمدية)

- ‌(الاثنا عشرية)

- ‌(الجعفرية)

- ‌(الشيخية أو الأحمدية)

- ‌(الرشتية الكشفية)

- ‌(البابية)

- ‌(القرتية)

- ‌مكائد الرافضة

- ‌الأولى

- ‌الثانية

- ‌الثالثة

- ‌الرابعة

- ‌الخامسة

- ‌السادسة

- ‌السابعة

- ‌الثامنة

- ‌التاسعة

- ‌العاشرة

- ‌الحادية عشر

- ‌الثانية عشر

- ‌الباب الثاني في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك

- ‌في ذكر أقسام أخبارهم

- ‌(الأدلة عند الشيعة)

- ‌(في ذكر أحوال رجالهم وطبقاتهم)

- ‌الطبقة الأولى

- ‌الطبقة الثانية

- ‌الطبقة الثالثة

- ‌الطبقة الرابعة

- ‌الطبقة الخامسة

- ‌الطبقة السادسة

- ‌الطبقة السابعة

- ‌(ادعاء كل فرق الشيعة أنهم على مذهب أهل البيت)

- ‌(اختلاف أهل السنة)

- ‌الباب الثالث في الإلهيات

- ‌الباب الرابع في النبوة

- ‌الباب الخامس في الإمامة

- ‌(في إبطال ما استدل به الرافضة على مذهبهم)

- ‌(الآيات القرآنية)

- ‌(الأدلة الحديثية)

- ‌(الدلائل العقلية)

- ‌تتمة لبحث الإمامة

- ‌(كثرة اختلاف الشيعة)

- ‌(اختلاف الإمامية في أئمتهم)

- ‌الباب السادس في بعض عقائد الإمامية المخالفة لعقائد أهل السنة

- ‌العقيدة الأولى

- ‌العقيدة الثانية

- ‌العقيدة الثالثة

- ‌الباب السابع في الأحكام الفقهية

- ‌صفة الوضوء والغسل والتيمم

- ‌(مسائل تتعلق بالصلاة)

- ‌مسائل الصوم والاعتكاف

- ‌مسائل الزكاة

- ‌مسائل الحج

- ‌مسائل الجهاد

- ‌مسائل النكاح والبيع

- ‌مسائل التجارة

- ‌مسائل الرهن والدين

- ‌مسائل الغصب والوديعة

- ‌مسائل العارية

- ‌مسائل اللقيط

- ‌مسائل الإجارة والهبة والصدقة والوقف

- ‌مسائل النكاح

- ‌مسائل المتعة

- ‌مسائل الرضاع والطلاق

- ‌مسائل الإعتاق والأيمان

- ‌مسائل القضاء

- ‌مسائل الدعوى

- ‌مسائل الشهادة والصيد والطعام

- ‌مسائل الفرائض والوصايا

- ‌مسائل الحدود والجنابات

- ‌الباب الثامن مطاعنهم في الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة المكرمين وحضرة الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌المطاعن الأولى في حق الصديق الأجل

- ‌المطاعن الثانية في حق الفاروق رضي الله عنه

- ‌المطاعن الثالثة في حق ذى النورين وثالث العمرين رضي الله عنه

- ‌المطاعن الرابعة في حق أم المؤمنين وحبيبة حبيب رب العالمين عائشة الصديقة وزوج مفخر العوالم على الحقيقة

- ‌مطاعنهم في الصحابة رضي الله تعالى عنهم على سبيل العموم

- ‌(وقعة الجمل)

- ‌(وقعة صفين)

- ‌الباب التاسع في ذكر ما اختص بهم ولم يوجد في غيرهم من فرق الإسلام

- ‌(في ذكر بعض خرافاتهم)

- ‌(القول بالتقية)

- ‌(الأنبياء وولاية علي)

- ‌(في‌‌ مشابهتهم لليهودوالنصارى)

- ‌ مشابهتهم لليهود

- ‌(مشابهتهم للنصارى)

- ‌(مشابهتهم للصابئين)

- ‌(مشابهتهم للمشركين)

- ‌(مشابهتهم للمجوس)

- ‌(خاتمة)

- ‌خاتمة:

الفصل: ‌(اختلاف الإمامية في أئمتهم)

اختلافات فيما بينهم ولا يحسبونها في الفروع نقصانا للمختلفين فيها ولا يطاعنون ولا يعاتب فيها بعضهم بعضا. وكان كل واحد منهم في الزمن الأول يناظر ويحاجج في الفروع ويظهر مذهبه فيها ويقيم الدلائل عليه ويستنبط ويجتهد بلا مخافة ويضعف دلائل مخالفه جهرا. فأي شيء كان حاملا للأئمة على التقية في مسائل الفروع؟ ولقد ناظر الأمير في زمن الخليفة الثاني والثالث مناظرات كثيرة في بيع أمهات الأولاد وتمتع الحج ومسائل أخر حتى انجر الأمر من الجانبين إلى العنف ولم يتنفس أحد منهم ولا سيما الخليفة الثاني فإنه كان بزعم الشيعة في هذا الباب أكثر انقيادا (1) بحيث إذا ذكر أحد دليلا من الكتاب أو السنة بين يديه اعترف حتى ألزمته امرأة من نساء العوام في المغالاة بالمهر وهو صار معترفا وقائلا «كل الناس أفقه من عمر حتى المخدَّرات (2) في الحجال» (3)

وعد الشيعة هذه القصة في مطاعنه فالأمير لم يكن ليستعمل التقية في المسائل الفروعية ويترك إظهار الحكم المنزل من الله الذي كان واجبا عليه إظهاره في ذلك الحين. وأيضا إن الأئمة المتأخرين كالسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا - رضي الله تعالى عنهم - كانوا قدوة أهل السنة وأسوة لهم، وعلماؤهم كالزهري وأبي حنيفة ومالك أخذوا العلم منهم. وقد روى محدثو أهل السنة عنهم في كل فن لا سيما في التفسير أحاديث كثيرة فأي حاجة لهؤلاء الكرام أن يرتكبوا التقية مخافة هؤلاء الناس؟ وهذا الكلام وقع في البين ولنرجع إلى ما كنا فيه فنقول:

(اختلاف الإمامية في أئمتهم)

اعلم أن الإمامية قائلون بانحصار الأئمة ولكنهم مختلفون في مقدارهم فقال بعضهم خمسة (4) وبعضهم سبعة (5) وبعضهم ثمانية وبعضهم اثنا عشر (6) وبعضهم ثلاثة عشر (7) وقالت الغلاة الأئمة آلهة أولهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحسين ثم من صلح من أولاد الحسين إلى جعفر بن محمد وهو الإله الأصغر وخاتم الآلهة ثم من بعده نوابه وهم من صلح من أولاد جعفر. (8) وذهبت فرقة منهم إلى أن الإمام في هذه الأمة اثنان: محمد صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب، وغيرهما ممن كان لائقا لهذا الأمر من أولاد علي فهم نوابهما. (9) وقالت الحلولية: إن الإمام من يحل فيه الإله وجرى بينهم اختلاف فقال الكيسانية: إن الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم علي ثم محمد بن الحنفية. (10) وقالت المختارية منهم: إن الإمام بعد علي

(1) كما أورد ابن المطهر الحلي في نهج الحق: ص 277 ويأتي الرد.

(2)

قال ابن الأثير: «الخدر: ناحية في البيت يترك عليها ستر فتكون فيه الجارية خدرت فيه مخدرة» . النهاية: 2/ 13.

(3)

من روايات الإمامية كما في نهج الحق. ضعفها الهيثمي في مجمع الزوائد: 4/ 284؛ وقال عنها البيهقي هي رواية منقطعة: 7/ 244 ..

(4)

وهم الذمية. الفرق بين الفرق: ص238؛ التبصير في الدين: ص 129؛ الملل والنحل: 1/ 176؛ المواقف: ص 673.

(5)

هم فرقة السبعية من الإسماعيلية. اعتقادات فرق المسلمين: ص80؛ تلبيس إبليس: ص125؛ منهاج السنة النبوية: 3/ 481.

(6)

غالبية الشيعة اليوم.

(7)

ويسمون الجعفرية، فهم يجعلون بعد الحسن العسكري أخاه جعفرا.

(8)

مقالات الإسلاميين: ص 14؛ الفرق بين الفرق: ص 242.

(9)

يشبه قول الزيدية. الملل والنحل: 1/ 29.

(10)

مقلات الإسلاميين: ص 19؛ اعتقادات فرق المسلمين: ص 62؛ الفرق بين الفرق: ص

ص: 193

الحسن ثم الحسين ثم محمد بن الحنفية. (1) وكل فرقة من فرق الشيعة ينقلون عن إمامهم المزعوم أخبارا وروايات في أحكام الشريعة ويدعون تواترها: فالفرقة الأولى من الكيسانية تقول: إن محمد بن الحنيفة ادعى الإمامة بعد موت أبيه وقد نص أبوه على إمامته. والفرقة الثانية أعني المختارية يقولون: إن ادعاء محمد بن علي (2) للإمامة قد وقع بعد شهادة الإمام الحسين، ولكن رجع في الآخر عن تلك الدعوى وأقر بإمامة ابن أخيه علي بن الحسين - رضي الله تعالى عنهم - أجمعين. وروى الراوندي في (معجزات السجاد) (3) عن الحسين بن أبي العلاء وأبي المعزي حميد بن المثنى جميعا عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين فقال: يا علي ألست تقر أني إمام عليك؟ فقال: يا عم لو علمت ذلك ما خالفتك وإن طاعتي عليك وعلى الخلق مفروضة، يا عم أما علمت أن أبي وصى؟ وتشاجرا ساعة فقال علي بن الحسين: بمن ترضى حتى يكون حكما بيننا؟ فقال محمد: بمن شئت. فقال: ترضى أن يكون بيننا الحجر الأسود؟ فقال: سبحان الله! أدعوك إلى الناس وتدعوني إلى حجر لا يتكلم؟ فقال علي: بلى يتكلم، أما علمت أنه يأتي يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد على من أتاه بالموافاة، فندنو أنا وأنت فندعو الله عز وجل أن ينطقه سبحانه لنا أينا حجة الله على خلقه فانطلقا ووقفا عند مقام إبراهيم ودنيا من الحجر الأسود وقد كان محمد بن الحنفية قال: لئن لم يجبك إلى ما دعوتني إليه إنك إذن لمن الظالمين فقال علي لمحمد: تقدم يا عم إليه فإنك أسن مني.

فقال محمد للحجر: أسألك بحرمة الله وحرمة رسوله

(1) اعتقادات فرق المسلمين: ص 62؛ الملل والنحل: 1/ 147.

(2)

هو ابن الحنفية إمام الكيسانية.

(3)

فصل من كتابه الخرائج والجرائح: 1/ 255.

ص: 194

وحرمة كل مؤمن إن كنت تعلم أني حجة الله على علي بن الحسين إلا ما نطقت بالحق فلم يجبه ثم قال محمد لعلي: تقدم فاسأله فتقدم علي فتكلم بكلام خفي ثم قال: أسألك بحرمة الله وحرمة رسوله وحرمة أمير المؤمنين علي وبحرمة الحسن والحسين وفاطمة بنت محمد إن كنت تعلم أني حجة الله على عمي إلا ما نطقت بذلك وتثبت له حتى يرجع عن رأيه. فقال الحجر بلسان عربي مبين: يا محمد بن علي اسمع وأطع لعلي بن الحسين لأنه حجة الله عليك وعلى جميع خلقه، فقال ابن الحنفية عند ذلك: سمعت وأطعت وسلمت. (1)

(1) هذه الخرافة من مخترعات الخفاف الزندجي الأعور وزميله أبي المعزي وقد أرادا باختراعها أن يكذبا على التاريخ وعلى آل بيت الرسول صلى الله عليهم بأن هناك وصية بإمامة قبل زمن شيطان الطاق، والحقيقة هي أن آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدعوا ذلك ولم يعرفوه، ولكن شيطان الطاق اخترعه لهم. فقد نقل المامقاني في تنقيح المقال (ج 1 ص 470) أن إمامهم الكشي نقل في ترجمة شيطان الطاق محمد بن علي أن هذا الشيطان قال:«كنت عند أبي عبد الله (يعني جعفرا الصادق) فدخل زيد بن علي (الإمام الذى يرجع إليه مذهب الزيدية في اليمن وهو عم جعفر الصادق) فقال الإمام زيد لشيطان الطاق: يا محمد بن علي إماما مفترض الطاعة معروفا بعينه؟ قال شيطان الطاق قلت: نعم، أبوك أحدهم. قال له زيد: ويحك، وما منعه أن يقول لي؟ فوالله لقد كان يؤتي بالطعام الحار فيقعدني على فخده ويتناول البضعة فيبردها ثم يلقمنيها، أفتراه كان يشفق علي من حر الطعام ولا يشفق على من حر النار؟ قال شيطان الطاق: قلت كره أن يقول لك فتكفر فيجب عليك من الله الوعيد ولا يكون له فيك شفاعة، فتركك مرجئا لله فيه المسالة، وله فيك الشفاعة» وهكذا اخترع شيطان الطاق أكذوبة الإمامة التى صارت من أصول الديانة عند الشيعة، واتهم الإمام عليا زين العابدين بن الحسين بأنه كتم أساس الدين حتى عن ابنه الذي هو صفوة آل محمد، كما اتهم ابنه الإمام زيدا بأنه لم يبلغ درجة أخس الروافض في قابليته للإيمان بإمامة أبيه. ولو أن غير الكشي من صناديد الشيعة روى هذا الخبر لشككنا في صحته، ولكن الشيعة هم الذين يروونه، ويعلنون فيه أن شيطان الطاق يزعم بوقاحته أنه يعرف عن والد الإمام زيد ما لا يعرفه الإمام زيد من والده مما يتعلق بأصل من أصول الدين عندهم. وليس هذا بكثير على شيطان الطاق الذى روى عنه الحافظ أنه قال في كتابه عن الإمامة إن الله لم يقل {ثاني اثنين إذ هما في الغار} انظر (الفصل) لابن حزم 4:181.

ص: 195

والكيسانية يصدقون هذه الدعوى ولكنهم ينكرون شهادة الحجر بل يقولون بوقوع الشهادة على العكس. فإن الحجر شهد بدعاء محمد بن الحنفية واعترف علي بن الحسين بإمامته ويؤيدون ذلك بسكوت علي بن الحسين عن الإمامة بعد هذه الواقعة وشروع محمد ابن الحنفية بإرسال رسائله وكتبه إلى المختار وشيعة الكوفة الذين كانوا مشتغلين بقتال المروانية وكانوا يرسلون الهدايا والتحف والخمس إلى محمد بن علي لا إلى علي بن الحسين وما دعاهم علي بن الحسين إلى نفسه (1) وذكر القاضي نور الله التستري في (مجالس المؤمنين) أن محمد بن الحنفية لما مات اعتقد شيعته بإمامة ابنه أبي هاشم، وكان عظيم القدر، والشيعة متبعين له وأوصى محمد بن الحنفية بإمامته، فقد علم صريحا أن محمد بن الحنفية لم يرجع عن اعتقاده حتى فوض الإمامة إلى أولاده (2) وأيضا نقل القاضي كتاب محمد بن الحنفية الذي كان أرسله إلى المختار وشيعته الكوفة بهذه العبارة: أيها المختار اذهب أنت من مكة إلى الكوفة وقل لشيعتنا اخرجوا واطلبوا ثأر الإمام الحسين، وخذ البيعة من أهل الكوفة. قالوا إن أكثر أهل الكوفة قد تولوا عن سليمان بعد إظهار المختار كتاب محمد ابن الحنفية، فقال سليمان لشيعته: إن خرجتم من قبل محمد بن الحنفية فلا بأس به، ولكن إمامي علي بن الحسين. (3) انتهى كلامه. ويدل بالصراحة ما نقله القاضي من الكتاب وقوله «تولوا عن سليمان» على أن محمد بن الحنفية لم يكن رجع عن اعتقاده. وأيضا نقل القاضي (4) عن أبي المؤيد الخوارزمي الزيدي أن المختار أرسل إلى محمد بن الحنفية رءوس أمراء الشام

(1) وبهذا الخبر الثاني تعارض ما تقوله الكيسانية مع الذى تقوله الاثنا عشرية فسقطا جميعا. والخبران مخترعان من رواة كذبة لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا.

(2)

محمد بن الحنفية كان أعقل وأتقى لله من أن يدخل نفسه في هذه الفتن التى صرح هو بانها تخالف الشرع عند ما دعاه ابن مطيع في المدينة إلى أقل من ذلك (انظر البداية والنهاية للحافظ ابن كثير) ج 8 ص 233.

(3)

ينظر المجلسي في بحار الأنوار: 45/ 359.

(4)

نور الله التستري.

ص: 196

مع كتاب الفتح وثلاثين ألف دينار إلى الإمام علي بن الحسين، وقد صلى هو ركعتين شكرا على هذه الموهبة، وأمر أن يعلقوا رءوس أهل الشام، وقد منعه ابن الزبير من التعليق وأمر بدفنها فدفنوها. (1) انتهى كلامه.

فقد تبين أن المختار كان معتقدا بإمامة محمد بن علي، ولا يحمل اعتقاده على التقية إذ لا ضرورة له عليها. وينبغي أن يستمع الآن كلام القاضي نور الله الآخر، ويفهم منه المدعى، فإنه نقل في أحوال المختار عن العلامة الحلي انه قال لا كلام للشيعة في حسن عقيدته، (2) غاية الأمر أنهم كانوا يعترضون على بعض أعماله ويذكرونه بالسوء فاطلع الإمام الباقر على ذلك فمنع الشيعة من التعرض للمختار وقال:«إنه قتل قتلتنا، وأرسل نقودا كثيرة» (3) فلا بد للعاقل أن يتأمل ههنا إذ يعلم من هذا الكلام أن إنكار إمامة إمام الوقت (4) لا يكون سببا للسب والشتم في حق ذلك المنكر.

(1) ينظر بحار الأنوار: 45/ 386.

(2)

الخلاصة: ص 169.

(3)

عن أبي عبد الله أنه قال: «لا تسبوا المختار فإنه قتل قتلتنا، وطلب بثأرنا، وزوج أراملنا، وقسم فينا المال على العسرة» . رجال الكشي: ص 125؛ رجال ابن أبي داود: ص 513.

(4)

هو عند الإمامية الإمام المعصوم حاضرا كان أم غائبا.

ص: 197

(1)

بل يلاحظ محبته لأهل بيت الرسول، وجهاده أعداء الله، وإذلال الكفرة والانتقام منهم (2) وإعلاء كلمة الله تنجيه وتوجب فلاحه، وما يصدر منه من الشنائع يجب علينا أن نستره ونستغفر الله له. وهذا هو مذهب أهل السنة في حق من ينكر إمامة إمام وقته ولكنه متصف بهذه الصفات المذكورة.

وقالت (الزيدية): إن الإمام بعد الإمام الحسين زيد بن علي، ولا يقولون بإمامة علي بن الحسين لأن الخروج بالسيف شرط للإمامة عندهم، والسكوت والتقية منافيان لها ويررون أن زيد بن علي نقل عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين نصوصا وبشارات في حق إمامته، وكان زيد بن علي منكرا لجميع معتقدات الإمامية كما روى الزيدية والإمامية معا إنكاره. (3)

و (الباقرية) يعتقدون أن الإمام الباقر مهدي موعود، وحي لا يموت.

وكذلك (الناووسية) في حق الإمام الصادق، ويروون نصا صريحا بزعمهم عن الصادق وهو قوله «لو رأيتم رأسي تدهده - أي تدحرج - عليكم من هذا الجبل فلا تصدقوا، فإن صاحبكم صاحب السنين» .

وروى (المهدوية) من الإسماعيلية في حق إسماعيل بن جعفر نصه بالتواتر أن هذا الأمر في الأكبر، ما لم تكن به عاهة. ويكذبون الإمام الكاظم في دعوى الإمامة ويذكرونه بالسوء فإنه أنكر النص المتواتر بزعمهم كأبي بكر في حق علي.

وقالت (القرامطة) صار محمد إماما بعد أبيه إسماعيل.

(1) والواقع أن إمامة الوقت لم تكن اخترعت بعد، والإمام الباقر وأبوه علي زين العابدين عاشا وماتا وهما لا يعرفان أنفسهما أنهما إماما الوقت، وكل ما يعرفانه أنهما من بيت النبوة وأن الإمامة تستمد من بيعة المسلمين لمن بايعونه، بل إن جدهما أمير المؤمنين عليا نفسه لما بويع يوم الخميس 24 ذي الحجة سنة 35 (كما ورد في تاريخ الطبري ج 6 ص 157) ارتقى في يوم الجمعة 25 منه أعواد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:«أيها الناس عن ملأ وأذن. إن هذا أمركم، ليس لأحد حق إلا أن أمرتم. وقد افترقنا في الأمس على أمر (أي على البيعة له) فإن شئتم قعدت لكم، وإلا فلا أجد على أحد.» فهو يعلن على رءوس الأشهاد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى منبره وبعد البيعة له أنه لا يستمد الخلافة من حق يدعيه ولا من شئ سبق، بل يستمدها من البيعة إذا أرتضها الأمة، وإلا فإنه - كإخوانه الثلاثة الذين سبقوه - أرفع من أن يجعلها أكبر همه وغرض نفسه. هذا هو الذي وقع، وهذه الحقائق صدرت من فم علي بن أبي طالب نفسه، ومن سنة 35 إلى اليوم الذى تحاور فيه الإمام زيد بن علي بن الحسين مع شيطان الطاق لم يخطر على بال أحد من آل البيت رضي الله عنهم لا علي، ولا الحسن، ولا الحسين، ولا علي بن الحسين، ولا محمد بن الباقر، ولا غيرهم - أن هناك إمامة لآل البيت كما اخترعها شيطان الطاق فأساء بذلك إلى الإسلام وإلى آل البيت، وإلى أمة محمد جميعا، فالله حسبه.

(2)

المؤلف يستعمل أسلوب الشيعة ويتكلم بلغتهم لإلزامهم وإقامة الحجة عليهم.

(3)

رووا أن شيطان الطاق قال: «إن زيد بن علي بن الحسين بعث إليه وهو مختفٍ قال فأتيته فقال لي: يا أبا جعفر ما تقول إن طرقك طارق منا أتخرج معه؟ قال فقلت له: إن كان أبوك أو أخوك خرجت معه، قال فقال لي: فإني أريد أن أخرج أجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي، قال قلت: لا أفعل جعلت فداك قال فقال لي: أترغب بنفسك عني؟ قال فقلت له: إنما هي نفس واحدة، فإن كان لله عز وجل في الأرض معك حجة فالمتخلف عنك ناج والخارج معك هالك، وإن لم يكن لله معك حجة فالمتخلف عنك والخارج معك سواء، قال: يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي علي فيلقمني اللقمة ويبرد لي اللقمة الحرة حتى تبرد من شفقته عليّ، ولم يشفق عليّ من حر النار إذ أخبرك بالدين ولم يخبرني

». الكافي: 1/ 174؛ الاحتجاج: ص 376. وهذا يعارض رواية الحجر الأسود لأنه ينفي الإمامة عن علي بن الحسين أيضا وبعد خروجه

ص: 198

و (الأفطحية) يعتقدون أن عبد الله بن جعفر إمام بلا فصل بعد أبيه لكونه شقيقا لإسماعيل، ولما مات إسماعيل بحضور أبيه وكان النص في حقه بعد موت أبيه أصاب ذلك الشقيق مضمون ذلك النص ميراثا لا غيره من بني العلات، (1) وكانت أم إسماعيل وعبد الله فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فهذان الأخوان كانا سيدين حسينين من الطرفين.

وقالت (الموسوية) إن الإمام بعد الصادق موسى الكاظم.

وقالت (الممطورية) هو حي لا يموت وهو القائم المنتظر، ويروون عن الأمير نصا متواترا في هذا المدعى أنه قال «سابعهم قائمهم!» . و (الاثنا عشرية) معتقدون الإمامية إلى الإمام العسكري بالاتفاق. ثم اختلفوا فقالت (الجعفرية) بإمامة جغفر بن علي، ويقولون: إن الإمام العسكري لم يخلف أبنا، بدليل أن تركته قد ورثها أخوه جعفر كما ثبت بالإجماع، ولو كان له ولد لم يصب جعفر ميراثه. وقيل كان للإمام العسكري ولد صغير مات في زمن أبيه. وروى الكليني عن زرارة أبن أعين عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لا بد للغلام من غيبة. قلت: ولم؟ قال: يخاف! قلت: وما يخاف؟ فأومأ بيده إلى بطنه. (2) وفهم بعض الاثني عشرية معنى الإشارة «أن الناس كانوا يشكون في ولادته: سيقول بعض منهم سقط حمله، وبعض يقولون لم يكن حمل أيضا» (3) ولكن لا يخفى على العاقل أن إشارة الإمام إلى بطنه في جواب «ما يخاف؟» تأبى هذا المعنى صريحا، لأن الجنين لا يكون له خوف، ولو وجد الخوف لا يندفع باختلاف الناس. (4)

هذا بالجملة، إنما المقصود من بيان اختلاف فرقتهم وادعاء كل منهم التواتر على

(1)«بنو العلات: بنو رجل واحد من أمهات شتى» . لسان العرب: مادة علل، 11/ 470.

(2)

الكافي: 1/ 342.

(3)

ينظر كلام ابن طاوس في جمال الأسبوع: ص 520.

(4)

أخرج ابن بابويه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا بد للغلام من غيبة، فقيل له: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل» . علل الشرائع: 1/ 243.

ص: 199