المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(في إبطال ما استدل به الرافضة على مذهبهم) ‌ ‌(الآيات القرآنية) وههنا - مختصر التحفة الاثني عشرية - جـ ١

[محمود شكري الألوسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المختصر السيد محمود شكري الآلوسي

- ‌الباب الأول في ذكر‌‌ فرق الشيعةوبيان أحوالهم وكيفية حدوثهم وتعداد مكائدهم

- ‌ فرق الشيعة

- ‌(الشيعة المخلصون)

- ‌(الشيعة التفضيلية)

- ‌(الشيعة السبية)

- ‌(الشيعة الغلاة)

- ‌(فرق الشيعة الغلاة)

- ‌‌‌(السبئية)

- ‌(السبئية)

- ‌(المفضلية)

- ‌(السريغية)

- ‌(البزيعية)

- ‌(المغيرية)

- ‌(الجناحية)

- ‌(البيانية)

- ‌(المنصورية)

- ‌(الغمامية)

- ‌(الأموية)

- ‌(التفويضية)

- ‌(الخطابية)

- ‌(المعمرية)

- ‌(الغرابية)

- ‌(الذبابية)

- ‌(الذمية)

- ‌(الاثنينية)

- ‌(الخمسية)

- ‌(النصيرية)

- ‌(الإسحاقية)

- ‌(العلبائية)

- ‌(الرزامية)

- ‌(المقنعية)

- ‌(فرق الشيعة الإمامية)

- ‌(الحسنية)

- ‌(النفسية)

- ‌(الحكمية)

- ‌(السالمية)

- ‌(الشيطانية)

- ‌(الزرارية)

- ‌(البدائية، المفوضة، اليونسية)

- ‌(الباقرية)

- ‌(الحاصرية)

- ‌(الناووسية)

- ‌(العمارية)

- ‌(المباركية)

- ‌(الباطنية)

- ‌(القرامطة)

- ‌(الشمطية)

- ‌(الميمونية)

- ‌(الخلفية)

- ‌(البرقعية)

- ‌(الجنابية)

- ‌(السبعية)

- ‌(المهدوية)

- ‌(الأفطحية)

- ‌(المفضلية)

- ‌(الممطورية)

- ‌(الموسوية)

- ‌(الرجعية)

- ‌(الإسحاقية)

- ‌(الأحمدية)

- ‌(الاثنا عشرية)

- ‌(الجعفرية)

- ‌(الشيخية أو الأحمدية)

- ‌(الرشتية الكشفية)

- ‌(البابية)

- ‌(القرتية)

- ‌مكائد الرافضة

- ‌الأولى

- ‌الثانية

- ‌الثالثة

- ‌الرابعة

- ‌الخامسة

- ‌السادسة

- ‌السابعة

- ‌الثامنة

- ‌التاسعة

- ‌العاشرة

- ‌الحادية عشر

- ‌الثانية عشر

- ‌الباب الثاني في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك

- ‌في ذكر أقسام أخبارهم

- ‌(الأدلة عند الشيعة)

- ‌(في ذكر أحوال رجالهم وطبقاتهم)

- ‌الطبقة الأولى

- ‌الطبقة الثانية

- ‌الطبقة الثالثة

- ‌الطبقة الرابعة

- ‌الطبقة الخامسة

- ‌الطبقة السادسة

- ‌الطبقة السابعة

- ‌(ادعاء كل فرق الشيعة أنهم على مذهب أهل البيت)

- ‌(اختلاف أهل السنة)

- ‌الباب الثالث في الإلهيات

- ‌الباب الرابع في النبوة

- ‌الباب الخامس في الإمامة

- ‌(في إبطال ما استدل به الرافضة على مذهبهم)

- ‌(الآيات القرآنية)

- ‌(الأدلة الحديثية)

- ‌(الدلائل العقلية)

- ‌تتمة لبحث الإمامة

- ‌(كثرة اختلاف الشيعة)

- ‌(اختلاف الإمامية في أئمتهم)

- ‌الباب السادس في بعض عقائد الإمامية المخالفة لعقائد أهل السنة

- ‌العقيدة الأولى

- ‌العقيدة الثانية

- ‌العقيدة الثالثة

- ‌الباب السابع في الأحكام الفقهية

- ‌صفة الوضوء والغسل والتيمم

- ‌(مسائل تتعلق بالصلاة)

- ‌مسائل الصوم والاعتكاف

- ‌مسائل الزكاة

- ‌مسائل الحج

- ‌مسائل الجهاد

- ‌مسائل النكاح والبيع

- ‌مسائل التجارة

- ‌مسائل الرهن والدين

- ‌مسائل الغصب والوديعة

- ‌مسائل العارية

- ‌مسائل اللقيط

- ‌مسائل الإجارة والهبة والصدقة والوقف

- ‌مسائل النكاح

- ‌مسائل المتعة

- ‌مسائل الرضاع والطلاق

- ‌مسائل الإعتاق والأيمان

- ‌مسائل القضاء

- ‌مسائل الدعوى

- ‌مسائل الشهادة والصيد والطعام

- ‌مسائل الفرائض والوصايا

- ‌مسائل الحدود والجنابات

- ‌الباب الثامن مطاعنهم في الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة المكرمين وحضرة الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌المطاعن الأولى في حق الصديق الأجل

- ‌المطاعن الثانية في حق الفاروق رضي الله عنه

- ‌المطاعن الثالثة في حق ذى النورين وثالث العمرين رضي الله عنه

- ‌المطاعن الرابعة في حق أم المؤمنين وحبيبة حبيب رب العالمين عائشة الصديقة وزوج مفخر العوالم على الحقيقة

- ‌مطاعنهم في الصحابة رضي الله تعالى عنهم على سبيل العموم

- ‌(وقعة الجمل)

- ‌(وقعة صفين)

- ‌الباب التاسع في ذكر ما اختص بهم ولم يوجد في غيرهم من فرق الإسلام

- ‌(في ذكر بعض خرافاتهم)

- ‌(القول بالتقية)

- ‌(الأنبياء وولاية علي)

- ‌(في‌‌ مشابهتهم لليهودوالنصارى)

- ‌ مشابهتهم لليهود

- ‌(مشابهتهم للنصارى)

- ‌(مشابهتهم للصابئين)

- ‌(مشابهتهم للمشركين)

- ‌(مشابهتهم للمجوس)

- ‌(خاتمة)

- ‌خاتمة:

الفصل: ‌ ‌(في إبطال ما استدل به الرافضة على مذهبهم) ‌ ‌(الآيات القرآنية) وههنا

(في إبطال ما استدل به الرافضة على مذهبهم)

(الآيات القرآنية)

وههنا كلام مفيد شريف، وبحيث رائق لطيف: اعلم أن الشيعة استدلوا على إثبات إمامة الأمير بلا فصل بدلائل كثيرة وتحقق بعد الفحص والتفتيش في كتبهم أن أكثرها قائمة في غير محل النزاع، وأنها مسروقة من أهل السنة. وتحقيق ذلك أن دلائلهم في هذا المطلب ثلاثة أقسام:

الأول الآيات والأحاديث الدالة على فضائل الأمير وأهل البيت، وقد استخرجها أهل السنة في مقابلة الخوارج والنواصب الذين تجاسروا على الأمير - رضي الله تعالى عنه - ونسبوا إليه ما هو بريء منه، وذكروها في معرض الرد عليهم. والشيعة قد أوردوا تلك الدلائل في إثبات إمامة الأمير - رضي الله تعالى عنه - بلا فصل، وقصدوا بذلك الرد على أهل السنة. ولما جاء المتأخرون وقد أخذوا من أهل السنة والمعتزلة شيئا من علم الأصول والكلام وحصل لهم نوع ما من الملكة والقدرة على الخصام، غيروا الأدلة التي كانت هدفا للاعتراضات والأسئلة وأصلحوها بزعمهم بعض المقدمات وزيادة ما اشتهوه من موضوع الروايات، وما دروا أن ذلك زاد في الفساد، وأبطل لهم المقصود والمراد، ورجعوا إلى ما فروا منه، ووقعوا فيما انهزموا عنه، وأكثر دلائلهم من هذا القبيل.

الثاني الدلائل الدالة على إمامة الأمير بكونه خليفة بالحق وإماما بالإطلاق في حين من الأحيان، وقد أقامها أيضا أهل السنة في مقابلة المذكورين المنكرين لإمامته، وما يستفاد منها إلا كون الأمير مستحقا للخلافة الراشدة بلا تعيين وقت ولا تنصيص باتصال زمانها بزمان النبوة أو انفصاله عنه. ولا ينبغي لأهل السنة أن يتصدوا لرد هذه الدلائل وجوابها فإنها عين مذهبهم.

الثالث الدلائل الدالة على إمامته بلا فصل مع سلب استحقاق الإمامة عن غيره من الخلفاء الراشدين، وهذه الحقيقة مختصة بمذهب الشيعة، وهم منفردون باستخراجها، وهي مخدوشة المقدمات كلها، بحيث يكذب مقدماتها الثقلان: الكتاب والعترة. فنحن نذكر في هذه الرسالة بعضها من القسمين الأولين، ونبين القسم الأخير بالاستيعاب والاستيفتاء، وننبه فيها على منشأ الغلط وموقعه لتعلم حقيقة دلائلهم.

ص: 138

ولا يخفى أن مقدمات تلك الدلائل ومبادئها لا بد أن تكون مسلمة الثبوت عند أهل السنة، إذ الغرض من إقامتها إلزامهم، فعلى هذا إما أن تكون تلك الدلائل من آيات الكتاب والأحاديث المتفق عليها أو الدلائل العقلية المأخوذة من المقدمات المسلمة عند الفريقين، أو من مطاعن الخلفاء الثلاثة التي يوردونها.

وأما المطاعن فسيأتي الكلام عليها في باب مفرد.

أما الأيات فمنها قوله تعالى {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون} تقرير استدلالهم بهذه الأية ما يقولون من أن أهل التفسير أجمعوا على نزولها في حق الأمير (1) إذ أعطى السائل خاتمه في حالة الركوع (2) وكلمة (إنما) مفيدة للحصر، ولفظ (الولي) بمعنى المتصرف في الأمور. وظاهر أن المراد

(1) دعوى الإجماع باطلة. وقد روى ابن جرير الطبري (6: 186) عن ابن أسحاق عن والده اسحاق بن يسار أنها نزلت في عبادة بن الصامت رضي الله عنه لبراءته من حلف بنى قينقاع لما حاربوا النبي صلى الله عليه وسلم فمشى عبادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخلع بنى قينقاع وتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم وولايتهم، ففيه نزلت الآية لأنه قال: أتولى الله ورسوله والذين أمنوا.

(2)

قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: «وأما قوله {وهم راكعون} فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله {ويؤتون الزكاة} أى في حال ركوعهم، ولو كان كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره لأنه ممدوح، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أهل الفتوى. وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرا عن علي بن أبي طالب أن هذه الأية نزلت فيه، وذلك أنه مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه (وبعد أن أستعرض روايات من يروى ذلك قال:) وليس يصح شئ منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها. ثم نقل عن الطبري أن عبد الملك سأل أبا جعفر عليه السلام عن هذه الأية: من الذين آمنوا؟ قال أبو جعفر: الذين آمنوا. قلنا: بلغتا أنها نزلت في علي بن أبي طالب، قال: علي من الذين آمنوا. فإذا كان محمد الباقر وهو حفيد علي بن أبي طالب يقول هذا، فمن الفضول التزيد عليه لشهوة تحميل الآية ما لا تحتمله من تجريح خلافة المسلمين، وإيذاء علي بن أبي طالب في إخوانه الذين عاش ومات على محبتهم وولايتهم.

ص: 139

ههنا التصرف العام في جميع المسلمين المساوي للإمام بقرينة ضم ولايته إلى ولاية الله ورسوله فثبتت امامته وانتفت إمامة غيره للحصر المستفاد وهو المدعى. (1)

أجاب عنه أهل السنة بوجوه: الأول النقض بأن هذا الدليل كما يدل على نفي إمامة الأئمة المتقدمين كما قرر يدل كذلك على سلب الإمامة عن الأئمة المتأخرين بذلك التقرير بعينه، فلزم أن السبطين ومن بعدهما من الأئمة الأطهار لم يكونوا أئمة. فلو كان استدلال الشيعة هذا يصح لفسد تمسكهم بهذا الدليل، إذ لا يخفى أن حاصل هذا الاستدلال بما يفيد في مقابلة أهل السنة مبني على كلمة الحصر، والحصر كما يضر أهل السنة يكون مضرا للشيعة أيضا، لأن إمامة الأئمة المتقدمين والمتأخرين كلهم تبطل به البتة. ومذهب أهل السنة وإن بطل بذلك لكن مذهب أهل الشيعة ازداد في البطلان أكثر منه، فإن لأهل السنة نقصان الأئمة الثلاثة، وللشيعة نقصان أحد عشر إماما، ولم يبق إماما سوى الأمير. ولا يمكن أن يقال الحصر إضافي بالنسبة إلى من تقدمه، لأنا نقول: إن حصر ولاية من استجمع هذه الصفات لا يفيد إلا إذا كان حقيقيا، بل لا يصح لعدم استجماعها فيمن تأخر عنه كما لا يخفى.

وإن أجابوا عن هذا النقص بأن المراد حصر الولاية في جنابه في بعض الأوقات - يعني في وقت إمامته لا وقت إمامة السبطين ومن بعدهما - قلنا فمذهبنا أيضا هذا أن الولاية العامة محصورة فيه وقت إمامته لا قبله وهو زمن خلافة الخلفاء الثلاثة. فإن قالوا إن الأمير لو لم يكن في عهد الخلفاء الثلاثة صاحب ولاية عامة يلزمه نقص بخلاف وقت إمامة السبطين فإنه لم يكن حيا لم تصر إمامة غيره موجبة للنقص في حقه، لأن الموت دافع لجميع الأحكام الدنيوية. قلنا: هذا استدلال آخر غير ما هو بالآية، لأن مبناه على مقدمتين: الأولى أن كون صاحب الولاية العامة في ولاية الآخر ولو في وقت من الأوقات نقص له، الثانية أن صاحب الولاية العامة لا يلحقه نقص بأى وجه وأي وقت كان. وهاتان المقدمتان أنى تفهمان من الآية؟ وتسمى هذه الصنعة في عرف المناظرة فرارا، بأن ينتقل من دليل إلى دليل آخر من غير انفصال المناقشة في مقدمات الدليل الأول فرارا أو إثباتا.

(1) هذا مع اختلاف قليل كلام ابن المطهر الحلي في نهج الحق: ص 172. وهو يلخص احتجاج الإمامية بهذه الآية، ينظر تفسير الطبرسي المسمى مجمع البيان: 2/ 209؛ والبرهان للبحراني: 2/ 315.

ص: 140

سلمنا وأغمضنا عن هذا الفرار أيضا، ولكن نقول: إن هذا الاستدلال أيضا منقوض بالسبطين، فإنهما في زمن ولاية الأمير لم يكونا مستقلين بالولاية بل كانا في ولاية الآخر وأيضا منقوض بالأمير فإنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان كذلك، فلا نقض لصاحب الولاية العامة بكونه في بعض الأوقات في ولاية الآخر، ولو كان نقصا بالغرض للحق صاحب الولاية العامة أيضا فبطل الاستدلال الذي فروا إليه بجميع المقدمات.

الجواب الثاني ذكره الشيخ إبراهيم الكردي (1) وغيره من أهل السنة أن ولاية الذين آمنوا غير مرادة في زمان الخطاب البتة بالإجماع، لأن زمن الخطاب عهد النبي صلى الله عليه وسلم والإمامة نيابة للنبوة بعد موت النبي، فلما لم يكن زمن الخطاب مرادا لا بد أن يكون ما أريد به زمانا متأخرا عن موت النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حد للتأخير سواء كان أربع سنين أو بعد أربع وعشرين، فقام هذا الدليل في غير محل النزاع ولم يحصل منه مدعى الشيعة وهو كون إمامة الأمير بلا فصل. وهذا بالنظر الإجمالي، وإن نظرنا في مقدمات هذا الدليل بالتفصيل منعنا أولا إجماع المفسرين على نزولها فيما قالوا، بل اختلف علماء التفسير في سبب نزول هذه الآية فروى أبو بكر النقاش (2) صاحب التفسير المشهور عن محمد الباقر عليه السلام أنها نزلت في المهاجرين والأنصار. وقال قائل نحن سمعنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب قال الإمام: هو منهم. (3) يعني أن أمير المؤمنين داخل أيضا في المهاجرين والأنصار ومن جملتهم. وهذه الرواية أوفق بلفظ «الذين» وصيغ الجمع في صلات الموصول وهي: {يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} . وروى جمع من المفسرين عن عكرمة أنها نزلت في شأن أبي بكر، ويؤيد هذا القول الآية السابقة الواردة في قتال المرتدين. وأما القول بنزولها في حق علي بن أبي طالب ورواية قصة السائل وتصدقه

(1) إبراهيم بن حيدر بن أحمد الكردي الشافعي، له مؤلفات عديدة، توفي سنة 1151هـ. معجم المؤلفين: 1/ 27

(2)

اشتهر بالقراءة والتفسير رغم ضعفه في الحديث. ميزان الاعتدال: 6/ 115؛ طبقات المفسرين: ص 94.

(3)

السيوطي، الدر المنثور: 3/ 106. وأخرج الطبري وأبو نعيم عن عبد الملك بن أبي سليمان قال سألت أبا جعفر محمد بن علي عن قوله: «{إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} قال: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قلت يقولون: علي؟ قال: علي منهم». تفسير الطبري: 6/ 288؛ حلية الأولياء: 3/ 185.

ص: 141

بالخاتم في حالة الركوع فإنما هو الثعلبي فقط وهو متفرد به (1) ولا يعد المحدثون أهل السنة روايات الثعلبي قدر شعيرة، ولقبوه بحاطب ليل، فإنه لا يميز بين الرطب واليابس، وأكثر رواياته في التفسير عن الكلبي (2) عن أبي صالح، (3) وهي ما يروى في التفسير عندهم. (4)

وقال القاضي شمس الدين ابن خلكان (5) في حال الكلبي: إنه كان من أتباع عبد الله بن سبأ الذي كان يقول إن علي بن أبي طالب لم يمت وإنه يرجع إلى الدنيا. وينتهي بعض روايات الثعلبي إلى محمد بن مروان السدى الصغير وهو كان رافضيا غاليا يعلمونه من سلسلة الكذب والوضع. وأورد صاحب (لباب التفسير) أنها نزلت في شأن عبادة بن الصامت إذ تبرأ من حلفائه الذين كانوا هودا على رغم عبد الله بن أبي وخلافه (6) فإنه لم يتبرأ منهم ولم يترك حمايتهم وطلب الخير لهم. وهذا القول أنسب بسياق الآية فإن سياقها {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء} لأن هذه الأية بعد تلك الآية. وقال جماعة من المفسرين إنها نزلت في حق عبد الله بن سلام. (7)

ونقول ثانيا: إن لفظ «الولي» (8) تشترك فيه المعاني الكثيرة: المحب، والناصر، والصديق، والمتصرف في الأمر. ولا يمكن أن يراد من اللفظ المشترك معنى معين إلا بقرينة خارجة، والقرينة ههنا من السباق يعني ما سبق هذه الآية (9) فهو مؤيد لمعنى الناصر، لأن الكلام في تقوية قلوب المؤمنين وتسليتها وإزالة الخوف عنها من المرتدين، والقرينة من السياق - يعني ما بعد هذه الآية - معينة لمعنى المحب والصديق وهو قوله تعالى

(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (مقدمة أصول التفسير) ص 39 طبع المطبعة السلفية عند تنبيه على تفسير الرافضة هذه الآية بأن المراد بها علي بن أبي طالب: «ويذكرون الحديث الموضوع بإجماع أهل العلم وهو تصدقه بخاتمه في الصلاة» . فالقصة إذن مكذوبة على كتاب الله من أصلها بإجماع أهل العلم، وليست هذه بأول دسائسهم ولا بأخرها.

(2)

في المطبوع (الكليني)، والصحيح أنه أبو النضر محمد بن السائب الكلبي، تركه معظم المحدثين، مات سنة 147هـ. ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال: 6/ 114؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب: 9/ 157.

(3)

وكلاهما من صناديد التشيع. قال النسائي عن أبي صالح: ليس بثقة، وقال عنه ابن معين: ليس به بأس، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه تفسير. ميزان الاعتدال: 2/ 3؛ تهذيب التهذيب: 1/ 364

(4)

تفسير الثعالبي: 1/ 471، وقد نقل مفسرو الإمامية هذه الرواية عن الثعالبي: مجمع البيان: 2/ 209؛ جوامع الجامع: 1/ 337 ..

(5)

وفيات الأعيان: 4/ 310.

(6)

تفسير الطبري: 6/ 287؛ السيوطي، الدر المنثور: 3/ 98.

(7)

الدر المنثور: 3/ 105.

(8)

قال ابن منظور: «الولي هو الناصر، وقيل هو المتولي لأمور العالم المتصرف فيها

». لسان العرب: مادة ولي، 16/ 406.

(9)

أي قوله تعالى: {من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} .

ص: 142

{يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا} الآية المذكورة، لأن أحدا لم يتخذ اليهود والنصارى والكفار أئمة لنفسه، وهم ما اتخذ بعضهم بعضا إماما، وكلمة «إنما» المفيدة للحصر تقتضي هذا المعنى أيضا لأن الحصر إنما يكون فيما يحتمل اعتقاد الشركة والتردد والنزاع من المظان، ولم يكن بالإجماع وقت نزول هذه الآية تردد ونزاع في الإمامة وولاية التصرف، بل كان في النصرة والمحبة. وثالثا إن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، وهي قاعدة أصولية متفق عليها بين الفريقين، (1) فمفاد الآية حصر الولاية العامة لرجال معدودين داخل فيهم الأمير أيضا لأن صيغ الجمع وكلمة «الذين» من ألفاظ العموم أو مساوية لها باتفاق الإمامية كما ذكره المرتضى في (الذريعة)(2) وابن المطهر الحلي في (النهاية)، فحمل الجمع على الواحد متعذر، وحمل العام على الخاص خلاف الأصل ولا يصح ارتكابه بلا ضرورة.

فإن قالت الشيعة إن الضرورة متحققة ههنا إذ التصدق على السائل في حالة الركوع لم يقع من أحد غيره (3) قلنا أين ذكرت في هذه الآية هذه القصة بحيث يكون مانعا من حمل الموصول وصلاته على العموم؟ بل جملة {وهم راكعون} معطوفة على الجمل السابقة، وصلة للموصول، أي الذين هم راكعون، أو حال من ضمير يقيمون الصلاة. (4) وأيا ما كان معنى الركوع فهو الخشوع لا الركوع الاصطلاحي. فإن قالت الشيعة حمل الركوع على الخشوع حمل لفظ على غير المعنى الشرعي في كلام الشارع وهو خلاف الأصل، قلنا: لا نسلم، كيف والركوع بمعنى الخشوع مستعمل في القرآن أيضا كقوله تعالى {واركعي مع الراكعين} مع أن الركوع الاصطلاحي لم يكن بالإجماع في صلاة من قبلنا من أهل الشرائع، وقوله تعالى {وخر راكعا} وظاهر أن الركوع المصطلح ليس فيه خرور وسقوط بل هو انحناء مجرد ولا يمكن الخرور مع تلك الحالة بخلاف الخشوع. (5) وقوله تعالى {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} ، ولا يخفى أن المقصود من الآمر ليس مجرد الانحناء الذي هو ركوع اصطلاحي. ولما كان الخشوع معنى مجازيا متعارفا لهذا اللفظ جاز حمله عليه بلا ضرورة أيضا كما هو

(1) أوردها صاحب المحصول: 1/ 448 من أهل السنة وأوردها من الإمامية المرتضى في الذريعة في أصول الشيعة: 1/ 307؛ والمقتول الثاني في تمهيد القواعد: ص 216.

(2)

الذريعة في أصول الشيعة: 1/ 305.

(3)

بل ولم يقع منه أيضا بإجماع أهل العلم.

(4)

قال الآلوسي الجد: «{الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة} بدل من الموصل الأول [أي الذين آمنوا] أو صفة له باعتبار مجرى الأسماء؛ لأن الموصول إلى وصف المعارف بالجمل والوصف لا يوصف إلا بتأويل» . روح المعاني: 6/ 167.

(5)

قال النووي: الركوع في اللغة الانحناء، وقال الماوردي هو الخشوع. المجموع: 3/ 396.

ص: 143

مقرر في محله. (1) وأيضا نقول حمل {يؤتون الزكاة} علي تصدق بالخاتم على السائل كحمل لفظ الركوع على غير معناه الشرعي، فما هو جوابكم فيه فهو جوابنا في الركوع، بل ذكر الركوع بعد إقامة الصلاة مؤيد لنا ومرجح لتوجيهنا حتى لا يلزم التكرار، وذكر الزكاة بعد إقامة الصلاة مضر لكم إذ في عرف القرآن حيثما وقعت الزكاة مقرونة بالصلاة يكون المراد منها زكاة مفروضة لا التصدق مطلقا. (2) ولو حملنا الركوع على معناه الحقيقي لكان مع ذلك حالا من ضمير «يقيمون» الصلاة أيضا وعاما لجميع المؤمنين لأنه احتراز عن صلاة اليهود الخالية عن الركوع، (3) وفي هذا التوجيه غاية اللصوق بالنهي عن موالاة اليهود الوارد بعد هذه الآية.

وأيضا لو كان حالا من {يؤتون الزكاة} لما بقي صفة مدح، بل يوجب في مفهوم {يقيمون الصلاة} قصورا بينا، إذ المدح والفضيلة في صلاة كونها خالية عما لا يتعلق بها من الحركات، لأن مبناه على السكون والوقار سواء كانت تلك الحركات قليلة أو كثيرة، غاية الأمر أن الكثيرة مفسدة للصلاة دون القليلة ولكن تورث قصورا في معنى إقامة الصلاة البتة، ولا يجوز حمل كلام الله تعالى على التناقض والتخالف، ومع هذا لا دخل لهذا القيد بالإجماع لا طردا ولا عكسا في صحة الإمامة، فيتعلق حكم الإمامة بهذا القيد يلزم منه اللغو في كلام الباري تعالى كما يقال مثلا إنما يليق بالسلطنة من بينكم من له ثوب أحمر. ولو تنزلنا عن هذه كلها لقلنا: إن هذه الآية إن كانت دليلا لحصر الإمامة في الأمير تعارضها الآيات الأخر في ذلك، فيجب الاعتداد بها، كما يجب على الشيعة أيضا اعتبار تلك المعارضات في إثبات الأئمة الأطهار الآخرين، والدليل إنما يتمسك به غذ سلم عن المعارض، وتلك الآيات المعارضات هي الآيات الناصة على خلافة الخلفاء الثلاثة المحررة فيما سبق. ومن العجائب أن صاحب (إظهار الحق) قد أبلغ سعيه الغاية القصوى في تصحيح هذا الاستدلال بزعمه، وليست كلماته في هذا المقام إلا قشورا بلا لب بالمرة، فمن جملة ما قال: إن الأمر بمحبة الله ورسوله يكون بطريق الوجوب والحتم

ص: 144

لا محالة، فالأمر بمحبة المؤمنين وولايتهم المتصفين بتلك الصفات المذكورة أيضا بطريق الوجوب، إذ الحكم في كلام واحد موضوعه متحدا ومحموله متحدا أو متعددا ومتعاطفا فيما بينهما، لا يمكن أن يكون بعضه واجبا وبعضه مندوبا، إذ لا يجوز أخذ اللفظ في استعمال واحد بالمعنيين، فبهذا المقتضى تصير مودة المؤمنين وولايتهم المتصفين بتلك الصفات واجبة أيضا، وتكون مودتهم ثالثة لمودة الله ورسوله الواجبة على الإطلاق بدون قيد وجهة، فلو أخذ أن المراد بالمؤمنين المذكورين كافة المسلمين وكل الأمة باعتبار أن من شأنهم الاتصاف بتلك الصفات لا يصح، لأن معرفة كل منهم يكون متعذرا لكل واحد من المكلفين فضلا عن مودتهم، وأيضا قد تكون المعاداة لمؤمن بسبب من الأسباب مباحة بل واجبة. فالمراد به يكون المرتضى، انتهى كلامه.

وهو كما ترى يدل على مقدار فهم مدعيه، إذ مع تسليم مقدماته أين اللزوم بين الدليل والمدعى؟ وأي استلزام له بالمطلوب؟ لأن الحاصل على تقدير تعذر مودة الكل ثبوت مودة البعض مطلقا لا معينا، فكيف يتعين أن يكون الأمير مرادا بذلك البعض؟ لأن هذا التعيين وهو المتنازع فيه لم يثبت بعد بدليل، ولا يثبت بهذه المقدمات المذكورة بالضرورة، وثبوت ذلك لا يستلزم ثبوت المتعين، فاستنتاج المتعين بدليل منتج للمطلق لا يكون إلا جهلا وحماقة ظاهرة. نعم يريدون بهذه الترهات ترويج دعاويهم عند الجهلة السفهاء، ولنناقش تلك المقدمات فنقول: لا يخفى على من له أدنى تأمل أن موالاة جميع المؤمنين من جهة الإيمان عامة بلا قيد ولا جهة، وإنها في الحقيقة موالاة لإيمانهم دون ذواتهم، ولو أنه يباح أو يجب عداوة بعض لبعض بسبب من الأسباب لم يكن للموالاة الإيمانية مضرة أصلا لاختلاف الجهة. ونحن نحكّم الشيعة في هذه المسألة: إن أهل مذهبهم يتحابون فيما بينهم بجهة التشيع، وتلك المحبة عامة بدون

ص: 145

قيد وجهة، ومع هذا قد يتباغضون ويعادي بعضهم بعضا للمعاملات الدنيوية، فهل تبقى موالاة التشيع بحالها أو لا؟ ولو فهموا من هذه الآية كون هذا المعنى محذورا ومحالا لأمكن لهم أن يغمضوا أعينهم عن القرآن كله، وما يقولون في هذه الآية {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله} وأمثالها؟ ولو كانت الموالاة الإيمانية لجميع المؤمنين العامة للمطيع والعاصي ثالثة لمحبة الله ولرسوله فأية استحالة عقلية تلزمها؟ نعم إنما المحذور كون أنواع الموالاة الثلاثة في مرتبة واحدة في الاصالة، وليس الأمر كذلك، إذ محبة الله تعالى هي أصل، ومحبة رسوله بالتبع والمحبة العامة للمؤمنين بتبع التبع، لم يبق بينها مساواة أصلا، واتحاد القضية في الموضوع والمحمول ههنا ليس متحققا، أما عدم الاتحاد في المحمول فظاهر، وأما في الموضوع فلأن ما يصدق عليه وصفه بالأصالة غير ما يصدق عليه وصفه بالتبعية بناء على أن الولاية من الأمور العامة، كما بين آنفا، بل غرضه منه ترهيب عوام أهل السنة بمحض التكلم باصطلاح أهل الميزان (1) لئلا يقدحوا في كلامه وليتحترزوا عن القدح بظن أنه منطقي، ولهذا قال هو متنبها على قبحه «أو متعددا ومتعاطفا» ولكن لم يفهم من هذا القدر أن هذه المقدمة القائلة بوجوب المولاة في صورة التعدد والعطف تكون ممنوعة، لأن العطف موجب للتشريك في الحكم لا في جهة الحكم. مثاله من العقليات: إنما الموجود في الخارج الواجب والجوهر والعرض. ومن الشرعيات قوله تعالى {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} مع أن الدعوى على الرسول واجبة وعلى غيره مندوبة ولهذا قال الأصوليون: القرآن في النظم لا يوجب القرآن في الحكم، وعدوا هذا النوع من الاستدلال في المسالك المردودة.

وإن تنزلنا عن هذا أيضا فالأظهر أن اتحاد نفس وجوب المحبة ليس محذورا وإنما المحذور الاتحاد في الرتبة والدرجة في الأصالة والتبعية وهو غير لازم. وأيضا قد جعل محبة المؤمنين من حيث الإيمان موقوفة على معرفة كل

(1) أي علم المنطق

ص: 146

فرد منهم بخصوصه وليست كل كثرة تمنع أن تلاحظ بعنوان الوحدة ولو كانت غير متناهية فضلا عن غيرها. مثلا إذا قلنا: كل عدد هو نصف مجموع حاشيتيه إما فرد وإما زوج ففي هذا الحكم وقع التوجه إلى جميع مراتب الأعداد إجمالا ولا شبهة أن مراتبها غير متناهية. وفي قولنا: كل حيوان حساس وقع الحكم على جميع أفراد الحيوان مع أن أنواعه بأسرها غير معلومة لنا فضلا عن الأوصاف والأشخاص. فلا شعور لهذا القائل بالملاحظة الإجمالية التي تكون حاصلة للصبيان والعوام ولا يفرق بين العنوان والمعنون. ولو لم يقبل هذه التقريرات ولم يضع إليها لكونها من العلم المعقول فنسأل عن المسلمات الدينية ونقول: إن ترك الموالاة من الكفار بل عداوتهم كلهم أجمعين من حيث الكفر واجبة أم لا؟ فإن اختار الشق الأول يلزمه ذلك المحذور بعينه إذ معرفة كل منهم غير حاصلة فضلا عن عداوتهم وإن آثر الشق الثاني فكيف يثبت عداوة يزيد وابن زياد وأمثالهما؟ وبماذا يجيب عن الآيات القرآنية مع أن فرقة المؤمنين يكون معرفتهم وامتيازهم من جهة الإيمان حاصلة وأنواع الكفر ليست معلومة أصلا حتى يمكن لنا أن نميز أنواع الكفار فضلا عن أشخاصهم؟ وأيضا منقوض بوجوب موالاة العلوية الداخلة في اعتقادهم ومعرفة أشخاصهم وأعدادهم مع انتشارهم في مشارق الأرض ومغاربها التي ليس تعذرها أقل من تعذر موالاة المؤمنين عموما.

ومن جملة ما قال إنه يظهر من بعض أحاديث أهل السنة أن بعض الصحابة التمسوا من الرسول صلى الله عليه وسلم الاستخلاف كما ذكر في مشكاة المصابيح عن حذيفة قال: «قالوا يا رسول الله لو استخلفت؟ قال: لو استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم ولكن ما حدثكم حذيفة فصدقوه وما أقرأ كم عبد الله فاقرأوه» (1) رواه الترمذي. وهكذا استفسروا منه عليه السلام عن الحري بالإمامة عن علي قال: «قيل يا رسول الله من يؤمر بعدك؟ قال: إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا في الدنيا راغبا في الآخرة وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم وإن تؤمروا عليا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الصراط المستقيم» (2) رواه أحمد، وهذا الالتماس والاستفسار يقتضي كل منهما وقوع التردد في حضرته صلى الله عليه وسلم عند نزول الآية فلم يبطل مدلول «إنما» انتهى كلامه.

ولا يخفى على

(1) ضعيف الترمذي: 1/ 798.

(2)

الحديث موضوع حسب ابن الجوزي في العلل المتناهية: 1/ 253.

ص: 147

العاقل ما فيه من الضعف والخروج عن الجادة إذ محض السؤال والاستفسار لا يقتضي وقوع التردد. نعم لو وقع النزاع فيما بينهم بعد المشاورة في تعيين ولي الأمر وبيانه صلى الله عليه وسلم لهم لتحقق مدلول «إنما» بأن ما وفرق ما بينهما. وعلى تقدير تسليم التردد من أين لنا العلم بكونه قبل نزول الآية أو بعده، ولو كان قبل النزول فهل هو متصل أو منفصل؟ ولو كان متصلا فهل اتصاله اتفاقي أو سببي للنزول؟ وليس للاحتمالات دخل في أسباب النزول لأنه ليس بأمر عقلي فلا يمكن إثباته إلا بخبر صحيح. على أنه لم يذكر أحد من مفسري الفريقين كون التردد سببا للنزول فقد علم أنه لم يكن متصلا وهكذا الحال لو كان بعد نزول الآية. والظاهر أن الحديث الوارد ينافي كلمة «إنما» لأن جوابه صلى الله عليه وسلم حين الاستفسار عمن يليق للخلافة فكأنه قال إن استحقاق الخلافة ثابت لكل من هؤلاء الثلاثة البررة الكرام ولكن أشار صلى الله عليه وسلم إلى تقديم الشيخين بتقديمهما في الذكر فالسؤال والجواب منه صلى الله عليه وسلم ينافيان كون «إنما» في الآية مفيدة حصر الخلافة في المرتضى كرم الله تعالى وجهه. وإلا فإن كانت الآية متقدمة يلزم الرسول للقرآن وإن كانت مؤخرة كون القرآن مكذوبا للرسول صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن يدعى ههنا أن أحدهما ناسخ للآخر لأن كلا من الحديث والآية من باب الإخبار الذي لا يحتمل النسخ. وأيضا لا يعلم المتقدم منهما والعلم بتأخر الناسخ شرط في النسخ. فحينئذ إذا لم يمكن الجمع بينهما لا يعمل بهما معا. فإن قالوا إن الحديث من أخبار الآحاد فلا يصح التمسك به في مسألة الإمامة نقول وكذلك لا يجوز التمسك به في إثبات التردد والنزاع أيضا ومع هذا فإن التمسك بالآية موقوف على ثبوت التردد والنزاع فتمسك الشيعة بهذه الآية كان باطلا أيضا لأن التمسك بالآية التي تتوقف دلالتها على خبر الواحد لا يجوز في مسألة الإمامة أيضا. وأيضا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول إن الاستخلاف ترك الأصلح في حق الأمة فلو كانت آية {إنما وليكم الله} دالة على الاستخلاف الذي هو ترك الأصلح لزم صدور ترك الأصلح من الله تعالى وهو محال. فالحديث الأول أيضا لتمسكهم بهذه الآية في هذا الباب.

ص: 148

ومنها (1) قوله تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} قالت الشيعة في تقرير الاستدلال بهذه الآية: إن المفسرين أجمعوا على نزول هذه الآية في حق علي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهم - وهي تدل عل عصمتهم دلالة مؤكدة، وغير المعصوم لا يكون إماما. (2)

ولا يخفى أن المقدمات المذكورة ههنا مخدوشة كلها:

أما الأولى: - فكون (إجماع المفسرين) على ذلك ممنوعا روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم. وروى ابن جرير عن عكرمة أنه كان ينادي في السوق: إن قوله تعالى {إنما يريد الله ليذهب} الآية نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم. (3) والظاهر من ملاحظة سياق الآية وسباقها إنما هو هذا لأن أولها {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} إلى قوله {والحكمة} (4) خطاب للأزواج المطهرات وأمر ونهي لهن، فذكر حال الآخرين بجملة معترضة بلا قرينة ولا رعاية نكتة ومن غير تنبيه على انقطاع كلام سابق وافتتاح كلام جديد مخالف لوظيفة البلاغة التي هي أقصى الغاية في كلام الله تعالى فينبغي أن يعتقد تنزهه عن تلك المخالفة. وإضافة البيوت إلى الأزواج في قوله {بيوتكن} تدل على أن المراد من {أهل البيت} في هذه الآية إنما هو الأزواج المطهرات، إذ بيته صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون غير ما يسكن فيه أزواجه من البيوت. وقال عبد الله المشهدي الشيعي: إن كون البيوت جمعا في بيوتكن وإفراد أهل البيت يدل على أن بيوتهن غير بيت النبي صلى الله عليه وسلم ولو كن أهل البيت لوقع الكلام: اذكرن ما يتلى في بيتكن. انتهى كلامه. ولا يخفى ركاكة هذا الكلام وفساده لأن إفراد البيت في أهل البيت الذي هو اسم جنس ويجوز إطلاقه على كثير وقليل إنما هو باعتبار إضافته للنبي صلى الله عليه وسلم فإن بيوت الأزواج المطهرات كلهن باعتبار

ص: 149

هذه الإضافة بيت واحد وكون البيوت جمعا في {بيوتكن} باعتبار إضافتها إلى الأزواج المطهرات اللائي كن متعددات. وما قال هذا القائل بعد ذلك لا يبعد أن يقع بين المعطوف والمعطوف عليه فاصل وإن طال كما وقع قوله تعالى {قال أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل} ثم قال بعد تمام هذه الآية {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} قال المفسرون {وأقيموا الصلاة} عطف على {أطيعوا} انتهى كلامه. فهو أرك وأسخف من كلامه السابق فإن وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بأجنبي من حيث الإعراب الذي يتعلق بوظيفة النحاة يجوز بلا شبهة ولكن لا يضرنا لأن المغايرة ووقوع الأجنبي باعتبار موارد الآيات اللاحقة والسابقة تلزم فيما نحن فيه وهذا هو المنافي للبلاغة لا ذلك وما نقل عن بعض المفسرين من أن أقيموا الصلاة معطوف على أطيعوا الرسول فهو صريح الفساد إذ وقع لفظ وأطيعوا الرسول بعد أقيموا الصلاة أيضا بالعطف فلزم عطف الشيء على نفسه، إذ لا احتمال للتأكيد أصلا لوجود حرف العطف.

ثم قال كلاما أشد ركاكة من الأول وذلك قوله «إن بين الآيات مغايرة إنشائية وخبرية، لأن آية التطهير جملة ندائية وخبرية وما قبلها وما بعدها من الأمر والنهي جمل إنشائية وعطف الإنشائية على الخبرية لا يجئ فإنه ممنوع» ألا ترى أن آية التطهير ليست جملة ندائية بل النداء وقع بينهما وهو قوله سبحانه {أهل البيت} وعلى تقدير كونها ندائية كيف تكون خبرية لأن النداء من أقسام الإنشاء دون الخبر كما لا يخفى، ومع هذا أين حرف العطف في آية التطهير؟ كيف وهي تعليل للأمر بالإطاعة في قوله تعالى {وأطعن الله ورسوله} ووقوع تعليل الإنشائية بالخبرية في كل القرآن والأحاديث الشريفة وكلام البلغاء مشهور، مثل: اضرب زيدا إنه فاسق، أطعني يا غلام إنما أريد أكرمك. وإن أراد عطف {واذكرن} فما عطف عليه وهو {أطعن} و {قرن} . والأوامر الأخر السابقة كلها جمل إنشائية فلا يلزم عطف الخبر على الإنشائية. ومن هنا قلة ممارسة علمائهم لعلم العربية. وأما إيراد ضمير جمع المذكر في {عنكم} فبملاحظة لفظ الأهل، فإن العرب تستعمل صيغ التذكير في المؤنث التي يلاحظونها بلفظ التذكير إذا أرادوا التعبير عنها بتلك

ص: 150

الملاحظة وهذه قاعدة لهم في محاوراتهم وقد جاء هذا الاستعمال في التنزيل أيضا كقوله تعالى خطابا لسارة امرأة الخليل على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} وقوله {قال لأهله امكثوا} حكاية لخطاب موسى صلى الله عليه وسلم لامرأته. وما روي في سنن الترمذي والصحاح الأخر أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا هؤلاء الأربعة وأدخلهم في عباءة ودعا لهم بقوله «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» وقالت أم سلمة: أشركني فيهم أيضا، قال «أنت على خير وأنت على مكانك» . (1) فهو دليل صريح على أن نزولها كان في حق الأزواج فقط وقد أدخل النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأربعة - رضي الله تعالى عنهم - بدعائه المبارك في تلك الكرامة ولو كان نزولها في حقهم لما كانت الحاجة إلى الدعاء، ولم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل تحصيل الحاصل؟ ومن ثمة يجعل أم سلمة شريكة في هذا الدعاء وعلم في حقها هذا الدعاء تحصيل الحاصل؟ ولكن ذهب محققو أهل السنة إلى أن هذه الآية وإن كانت واقعة في حق الأزواج المطهرات فإنه بحكم «العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب» (2)

داخل في بشارتها هذه جميع أهل البيت وكان دعاؤه صلى الله عليه وسلم في حق هؤلاء الأربعة نظرا إلى خصوص السبب، (3) ويؤيده ما ورد في الرواية الصحيحة للإمام البيهقي من مثل هذه المعاملة بالعباس وأبنائه أيضا، ويفهم منه أنما كان غرضه صلى الله عليه وسلم بذلك أن يدخل جميع أقاربه في لفظة «أهل البيت» الواردة في خطاب الله تعالى: أخرج البيهقي عن أبي أسيد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب «يا أبا الفضل لا ترم منزلك أنت وبنوك غدا حتى آتيك فإن لي بكم حاجة» فانتظروه حتى جاء بعد ما أضحى فدخل عليهم فقال: السلام عليكم فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. قال: كيف أصبحتم؟ قالوا: بخير نحمد الله. فقال لهم: تقاربوا. فزحف بعضهم إلى بعض حتى إذا أمكنوا اشتمل عليهم بملاءة ثم قال «يا رب هذا عمي وصنو أبي وهؤلاء أهل بيتي استرهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه» قال فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت وقالت: آمين آمين آمين. (4) وروى ابن ماجه أيضا هذا الحديث مختصرا. (5) والمحدثون الآخرون أيضا

(1) والحديث موضوع حسب ابن الجوزي في العلل المتناهية: 1/ 253.

(2)

وهو مذهب جمهور المفسرين، ينظر البرهان في علوم القرآن: 1/ 32؛ السيوطي، الإتقان: 1/ 89 ..

(3)

قال ابن تيمية: «وهذا السياق يدل على أن ذلك أمر ونهى، ويدل على أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته، فإن السياق إنما هو في مخاطبتهن، ويدل على أن قوله:{ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} عمّ غير أزواجه كعلي وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم، لأنه ذكره بصيغة التذكير لما اجتمع المذكر والمؤنث، وهؤلاء خصوا بكونهم من أهل البيت من أزواجه، فلهذا خصهم بالدعاء لما أدخلهم في الكساء، كما أن مسجد قباء أسس على التقوى ومسجده صلى الله عليه وسلم أيضا أسس على التقى وهو أكمل في ذلك

». منهاج السنة النبوية: 4/ 23 - 24.

(4)

أخرجه الطبراني، المعجم الكبير: 19/ 263. قال عنه الهيثمي: «وإسناده حسن».

(5)

سنن ابن ماجه: 2/ 1222.

ص: 151

رووا هذه القصة بطرق متعددة في اعلام النبوة. وما قال عبد الله المشهدي المذكور «إن البيت بيت النبوة، ولا شك في أن أهل البيت لغة شامل الأزواج بل للخدام من الإماء اللاتي يسكن في البيت أيضا، وليس المراد هذا المعنى اللغوي الوسعة بالاتفاق، فالمراد من أهل البيت خمسة آل العبا الذين خصصهم حديث الكساء» انتهى كلامه. وفيه أن المعنى اللغوي لو كان مرادا بهذه الوسعة لا يلزم محذورا إلا ذلك العموم في العصمة الثابتة عند الشيعة بهذه الآية، ولما لم يتفق أهل السنة مع الشيعة في فهم العصمة من هذه الآية لم يتفقوا معهم في نفي هذا العموم، ولتخصيص أهل السنة العصمة بالرسول أبدلت الخمسة بالأربعة فتدبر. وأيضا عدم كون المعنى اللغوي مرادا بهذه الوسعة من أجل أن القرائن الدالة من الآيات السابقة واللاحقة معينة للمراد، وأيضا يخصص العقل هذا اللفظ باعتبار العرف والعادة بمن يسكنون في البيت لا بقصد الانتقال، ولم يكن التحول والتبدل والتحول بانتقالهم من ملك إلى ملك في الهبة والبيع والإجازة والإعتاق، وإنما يدل التخصيص فائدة أخرى ظاهرة وهي ههنا دفع مظنة عدم كون هؤلاء الأشخاص في أهل البيت نظرا إلى أن المخاطبات فيها هن الأزواج فقط.

وأما الثانية فلأن دلالة هذه الآية على العصمة مبنية على عدة أبحاث: أحدها كون كلمة {ليذهب عنكم الرجس} أي محل لها من الأعراب: مفعول له ليريد أو مفعول به؟ (1) الثاني معنى «أهل البيت» ما هو؟ (2) الثالث أي مراد من «الرجس» (3). وفي هذه المباحث كلام كثير محله في كتب التفاسير.

وبعد اللتيا (4) والتي إن كان ليذهب مفعول به وأهل البيت منحصرين في هؤلاء الأربعة والمراد من الرجس مطلق الذنوب فدلالة الآية على العصمة غير مسلمة بل هي تدل على عدمها إذ لا يقال في حق من هو طاهر إني أريد أن أطهره ضرورة امتناع تحصيل الحاصل. وغاية ما في الباب أنهم محفوظون من الذنوب بعد تعليق الإرادة بإذهابها، قد ثبت ذلك بالآية على أصول أهل السنة لا على أصول مذهب الشيعة، لأن وقوع مراد الله لزم إرادته تعالى عندهم: فرب أشياء يريد الله

(1) قال الآلوسي الجد: «واختلف في لام ليذهب فقيل زائدة وما بعدها في موضع المفعول به ليريد فكأنه قيل يريد الله إذهاب الرجس عنكم وتطهيركم وقيل للتعليل ثم اختلف هؤلاء فقيل المفعول محذوف أي إنما يريد الله أمركم ونهيكم ليذهب أو إنما يريد منكم ما يريد ليذهب أو نحو ذلك» . روح المعاني: 13/ 21 - 22.

(2)

قال الآلوسي الجد: «وأل في البيت للعهد، وقيل عوض عن المضاف إليه أي بيت النبي، والظاهر أن المراد به بيت الطين والخشب لا بيت القرابة والنسب وهو بيت السكنى لا المسجد النبوي كما قيل، وحينئذ فالمراد بأهله نساؤه المطهرات للقرائن الدالة على ذلك من الآيات السابقة واللاحقة مع أنه عليه الصلاة والسلام ليس له بيت يسكنه سوى سكناهن» . روح المعاني: 12/ 19.

(3)

قال ابن حيان: «الرجس يقع على الإثم وعلى العذاب وعلى النجاسة وعلى النقائص، فاذهب الله جميع ذلك على أهل البيت» . البحر المحيط: 8/ 478.

(4)

قال ابن منظور: «وبعد اللتيا: هذا مما يعبر به عن الدواهي» . لسان العرب: مادة نقر، 5/ 228.

ص: 152

وقوعها ويمنعه الشيطان من أن يوقع ذلك! ولو كانت إفادة معنى العصمة مقصودة لقيل هكذا: إن الله أذهب عنكم الرجس أهل البيت، الآية. وأيضا لو كانت هذه الكلمة مفيدة للعصمة ينبغي أن يكون الصحابة لا سيما الحاضرين في غزوة بدر قاطبة معصومين لأن الله تعالى قال في حقهم في مواضع من التنزيل {ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} وقال {ليطهركم به وليذهب عنكم رجس الشيطان} وظاهر أن إتمام النعمة في الصحابة كرامة زائدة بالنسبة إلى ذينك اللفظين، ووقوع هذا الاتمام أدل على عصمتهم، لأن إتمام النعمة لا يتصور بدون الحفظ عن المعاصي وشر الشيطان. فليتأمل فيه تأملا صادقا لتظهر فيه حقيقة الملازمة وبيان وجهها وبطلان اللازم مع فرض صدق المقدم، فالتخصيصات المحتملة في لفظ التطهير وإذهاب الرجس صارت هباءً منثورا.

أما الثانية فلأن «غير المعصوم لا يكون إماما» مقدمة باطلة يكذبها الكتاب وأقوال العترة. سلمنا، ولكن ثبت من هذا الدليل صحة إمامة الأمير، أما كونه إماما بلا فصل (1) فمن أين؟ إذ يجوز أن أحدا من السبطين يكون إماما قبله ولا محذور فيه، والتمسك بالقاعدة التي لم يقل بها أحد دليل العجز، إذ المعترض لا مذهب له.

ومنها (2) قوله تعالى {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} فإنها لما نزلت قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجب علينا مؤدتهم؟ قال: علي وفاطمة وأبناؤها. (3) فذكر الشيعة في تقديرها مقدمات فاسدة مؤيدة لمطلبهم وهي «أهل البيت واجبة المحبة، وكل من كان كذلك فهو واجب الإطاعة، فعلي واجب الإطاعة وهو معنى الإمام. وغير علي لا تجب فلا تجب إطاعته» . (4)

وأجيب عن هذا القياس الفاسد بأن المفسرين اختلفوا في المراد من هذه الآية اختلافا فاحشا، فالطبراني والإمام أحمد رويا عن ابن عباس هكذا، ولكن ردهما المحدثون بأن سورة الشورى بتمامها مكية، (5) ولم يكن هنالك الإمامان الحسن والحسين، وما كانت فاطمة - رضي الله تعالى عنها - متزوجة بعلي - رضي الله تعالى عنه -. وقد وقع في سند هذه الرواية بعض الغلاة من الشيعة ولعله حرف ذلك. والذي رواه البخاري عن ابن عباس أن

(1) بأن يكون فاصل قبل ولايته

(2)

أى من الاستدلالات القرآنية في مغالطات الشيعة.

(3)

قال مجيد الخليفة: وهذا الحديث لا يصح من حيث السند لوجود ثلاثة من الضعفاء فيه، فحرب بن الحسن الأزدي، ضعفه الأزدي كما في لسان الميزان: 2/ 184، وقيس بن الربيع قال عنه النسائي:«متروك الحديث» كما في الضعفاء والمتروكين: ص 88؛ ونقل ابن الجوزي عن يحيى قوله: «ليس بشيء، فقد كان يتشيع وكان كثير الخطأ في الحديث» ، الضعفاء والمتروكين: 3/ 19؛ أما حسن بن حسين الأشقر، فإنه أسوؤهم حالا، فقد اتهمه ابن عدي، وقال الذهبي:«هو رافضي» كما في المغني في الضعفاء: 1/ 170. ولذلك قال ابن تيمية: «إن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، وهم المرجوع إليهم في هذا .. ». منهاج السنة النبوية: 7/ 99، وحكم عليه بالضعف والوهن في سنده أيضا الحافظ ابن حجر عندما قال: «وإسناده ضعيف وهو ساقط لمخالفته الحديث الصحيح

»، ويعني حديث ابن عباس رضي الله عنهم االذي سيورده الآلوسي بعد قليل. فتح الباري: 8/ 564.

(4)

كذا قال ابن المطهر الحلي في مناج الكرامة

(5)

تفسير ابن كثير: 4/ 106.

ص: 153

القربى من بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم قرابة، وجزم قتادة (1) والسدي الكبير وسعيد بن جبير بأن معنى الآية: لا أسألكم على الدعوة والتبليغ من أجر إلا المودة لأجل قرابتي بكم. (2) وهذه الرواية أيضا في صحيح البخاري عن ابن عباس، (3) ومذكورة بالتفصيل أن قريشا لم يكن بطن من بطونهم إلا وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم قرابة بهم، فيذكرهم تلك القرابة وأداء حقوقها بطلبه منهم لا أقل من ترك إيذائه وهو أدنى مراتب صلة الرحم، فالاستثناء منقطع. وقد ارتضى جمع من المفسرين المتأخرين كالإمام الرازي وغيره بهذا المعنى. (4) لأن المعنى الأول ليس مناسبا لشأن النبوة بل هو من شيمة طالب الدنيا بأن يفعل شيئا ويسأل على ذلك ثمرة لأولاده وأقاربه، ولو كان للأنبياء مثل هذه الأغراض لم يبق فرق بينهم وبين أهل الدنيا ويكون ذلك موجبا لتهمتهم فيلزم نقص الغرض من بعثتهم.

وأيضا المعنى الأول مناف لقوله تعالى {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله} وقوله تعالى {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} وقوله تعالى {وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين} وغير ذلك من الآيات. (5) وأيضا حكى الله في سورة الشعراء عن أنبيائه المذكورين فيها نفي سؤال الأجر، فلو سأل خاتم الأنبياء أجرا من الأمة تكون مرتبته دون مرتبة أولئك الأنبياء، (6) وهو خلاف الإجماع.

وثانيا لا نسلم الكبرى وهي «كل واجب المحبة فهو واجب الإطاعة» وكذا لا نسلم هذه المقدمة «كل واجب الإطاعة صاحب الإمامة التي هي بمعنى الرئاسة العامة» . فأما الأول فلأنه لو كان وجوب المحبة مستلزما لوجوب الإطاعة يلزم أن يكون جميع العلويين واجبي الإطاعة، لأن شيخهم ابن بابويه ذكر في كتاب (الاعتقادات) أن الإمامية «أجمعوا» على وجوب محبة العلوية. وأيضا يلزم أن تكون سيدتنا فاطمة رضي الله عنها إمامة بهذا الدليل، وهو خلاف الإجماع. وأيضا يلزم كون من هؤلاء الأربعة إماما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والسبطين إمامين في زمن خلافة الأمير، وهو باطل بالاتفاق. وأما الثاني فلأن كل واجب الإطاعة لو كان صاحب الخلافة الكبرى يلزم أن يكون كل نبي في زمنه صاحب الخلافة الكبرى، وهذا أيضا باطل، لأن شموئيل عليه السلام كان نبيا واجب الإطاعة وكان طالوت صاحب الزعامة الكبرى بنص الكتاب.

وثالثا لا نسلم انحصار وجوب المحبة في الأشخاص

(1) تفسير ابن كثير: 4/ 79؛ الدر المنثور: 7/ 248.

(2)

تفسير ابن كثير: 4/ 79؛ الدر المنثور: 7/ 248.

(3)

صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب قوله تعالى:(إنا خلقناكم من ذكر وأنثى): 4/ 1819.

(4)

قال الرازي: «معنى الآية أني لا أسألكم على الدعوة والتبليغ إلا المودة والمحبة لأجل قربتي بكم» . التفسير الكبير: 14/ 167.

(5)

فالأنبياء لا يرجون الأجز من الخلق بل من الخالق.

(6)

قال ابن بابويه: «إن الله تعالى جعل أجر نبيه صلى الله عليه وسلم على أداء الرسالة وإرشاد البرية مودة أهل البيت عليهم السلام

». ثم أورد قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى). شرح اعتقادات الصدوق: ص 118.

ص: 154

الأربعة المذكورين، بل يجب في غيرهم أيضا. روى الحافظ أبو طاهر السلفي (1) في مشيخته عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حب أبي بكر وشكره على كل أمتي» . وروى ابن عساكر عنه نحوه. (2) ومن طريق آخر عن سهل بن سعد الساعدي نحوه. (3) وأخرج الحافظ عن عمر بن محمد بن خضر الملا في سيرته عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى فرض عليكم حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، كما فرض عليكم الصلاة والزكاة والصوم والحج» (4) وروى ابن عدي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «حب أبي بكر وعمر من الإيمان وبغضهما كفر» (5) وروى الترمذي أنه أتي بجنازة رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل عليه وقال «إنه كان يبغض عثمان، فأبغضه الله» . (6) وهذه الروايات لم يسلمها الشيعة لكونها في كتب أهل السنة فيثبت وجوب محبة الخلفاء الثلاثة بقوله تعالى {يحبهم ويحبونه} فإنه نزل في حق المقاتلين لأهل الردة بالإجماع، والخلفاء الثلاثة كانوا سادة أولئك المجاهدين وقادتهم، ومن كان الله يحبه فهو واجب المحبة. على أن قياسهم بعد تسليم صحة مقدماته لا يستلزم النتيجة المذكورة جزما، لأن صغراه «أهل البيت واجبو المحبة» وكبراه «وكل واجب المحبة واجب الإطاعة» وبعد ترتيبها على الشكل الأول حصلت النتيجة هذه «أهل البيت واجبو الإطاعة» لا تلك النتيجة. وهذه النتيجة عامة، وثبوت العام لا يستلزم ثبوت الخاص بخصوصه، والنتيجة العامة المذكورة ليست مطلوبة للمستدل ولا مدعاة بل محتملة له، والمطلوبة غير حاصلة من الدليل فالتقريب غير تام. ولو فرضنا الاستلزام لا يحصل مدعاه أيضا لأن كون الأمير إماما بلا فصل غير حاصل من الدليل، والحاصل كونه إماما مطلقا وهو غير مدعاه فلا يتم تقريبه أيضا.

ومنها آية المباهلة، وطريق تمسكهم بها أن قوله تعالى {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} الخ، لما نزل خرج النبي صلى الله عليه وسلم من منزله محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه وعلي خلفها وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمّنوا. (7) فقد علم بذلك أن المراد بأبنائنا الحسن والحسين وبأنفسنا الأمير، وإذا صار الأمير نفس الرسول. وظاهر أن المعنى الحقيقي مستحيل، فالمراد كونه مساويا له، فمن كان مساويا لنبي الزمان فهو أفضل وأولى بالتصرف بالضرورة من غيره، لأن المساوي للأفضل

(1) توفي سنة 576. تذكرة الحفاظ: 4/ 1298؛ طبقات الحفاظ: ص 469.

(2)

الحديث فيه عمر بن إبراهيم بن خالد الكردي الهاشمي مولاهم، قال عنه الدارقطني:«كذاب خبيث» ، وقال الذهبي عن هذا الحديث:«منكر جدا» . ميزان الاعتدال: 5/ 217؛ انظر تاريخ بغداد: 11/ 202؛ لسان الميزان: 4/ 280.

(3)

في سنده عمر بن إبراهيم السابق ذكره

(4)

ضعيف الجامع 2679

(5)

ضعيف الجامع: رقم 2680.

(6)

سنن الترمذي: 5/ 360، رقم 3709، وقال عنه:«هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ومحمد بن زياد صاحب ميمون بن مهران ضعيف في الحديث جدا» . ووضعه في ضعيف الجامع: رقم 2073.

(7)

بهذا اللفظ أورده ابن المطهر الحلي في نهج الحق: ص 215. لكن المشهور ما أخرجه مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا». صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب فضائل أهل البيت: 3/ 1649، رقم 2081 .. والخروج كان لللمباهلة كما صرحت رواية الترمذي. ينظر عارضة الأحوذي على صحيح الترمذي 8/ 279.

ص: 155

الأولى بالتصرف يكون مثله، فيكون إماما، إذ لا معنى للإمام إلا الأفضل الأولى بالتصرف. (1)

وفي هذا التمسك خلل بوجوه: الأول - أنا لا نسلم أن المراد بأنفسنا الأمير، بل المراد نفسه صلى الله عليه وسلم، وما قاله علماؤهم في إبطاله «إن الشخص لا يدعو نفسه» فكلام مستهجن، إذ شاع وذاع في العرف القديم والجديد أن يقال دعته نفسه إلى كذا، ودعوت نفسي إلى كذا، {فطوعت له نفسه قتل أخيه} ، وأمرت نفسي، وشاورت نفسي، إلى غير ذلك من الاستعمالات الصحيحة الواقعة في كلام البلغاء، فكان معنى {ندع أنفسنا} نحضر أنفسنا. وأيضا لو قررنا الأمير من قبل النبي لمصداق {أنفسنا} فمن نقرره من قبل الكفار لمصداق {أنفسكم} في أنفس الكفار مع أنهم مشتركون في صيغة «ندعو» ولا معنى لدعوة النبي إياهم وأبناءهم بعد قوله {تعالوا} . فعلم أن الأمير داخل في الأبناء حكما، كما أن الحسنين داخلان في الأبناء كذلك لأنهما ليسا بابنين حقيقة، ولأن العرف يعد الختن [ابنا](2) من غير ريبة في ذلك. (3)

وأيضا قد جاء لفظ النفس بمعنى القريب والشريك في النسب والدين، كقوله تعالى {يخرجون أنفسهم من ديارهم} أي أهل دينهم، {ولا تلمزوا أنفسكم} ، {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} فلما كان للأمير اتصال بالنبي صلى الله عليه وسلم وسلم في النسب والقرابة والمصاهرة واتحاد في الدين والملة وكثرة المعاشرة والألفة بحيث قال في حقه «علي مني وأنا من علي» وهذا غير بعيد، فلا يلزم المساواة كما لا يلزم في الآيات المذكورة.

الثاني - أنه لو كان المراد مساواته في جميع الصفات يلزم اشتراكه في خصائص النبوة وغيرها من الأحكام الخاصة به، وهو باطل بالإجماع لأن التابع دون المتبوع. وأيضا لو كانت الآية دليلا لإمامته لزم كون الأمير إماما في زمنه صلى الله عليه وسلم وهو باطل بالاتفاق، وإن قيدوا بوقت دون وقت فالتقييد لا دليل عليه في اللفظ فلا يكون مفيدا للمدعى، إذ هو غير متنازع فيه، لأن أهل السنة يثبتون أيضا إمامة الأمير في وقت دون وقت فلم يكن هذا الدليل قائما في محل النزاع أيضا.

(1) ابن المطهر الحلي في نهج الحق: ص 215.

(2)

زيادة من السيوف المشرقة

(3)

قال ابن تيمية في تفسير قوله تعالى: «{وأنفسنا وأنفسكم} أي رجالنا ورجالكم، أي الرجال الذين هم من جنسنا في الدين والنسب، والرجال الذين هم من جنسكم، أو المراد التجانس في القرابة فقط، لأنه قال: أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم، فذكر الأولاد وذكر النساء والرجال، فعلم انه أراد الأقربين إلينا من الذكور والإناث من الأولاد والعصبة، ولهذا دعا الحسن والحسين من الأبناء، ودعا فاطمة من النساء، ودعا عليا من رجاله، ولم يكن عنده أحد أقرب إليه نسبا من هؤلاء، وهم الذين أدار عليهم الكساء، والمباهلة إنما تحصل بالأقربين إليه

». منهاج السنة النبوية: 7/ 125.

ص: 156

ومنها قوله تعالى {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد} قالت الشيعة في تقرير الاستدلال بها: ورد في الخبر المتفق عليه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «أنا المنذر وعلي الهادى» (1) ولا يخفى ضعفه لأن هذه رواية الثعلبي، ولا اعتبار لمراوياته في التفسير (2) فكيف يستدل بها على الإمامة؟ وعلى تقدير الصحة فلا دلالة لهذه الآية على إمامة الأمير ونفيها عن غيره أصلا، لأن كون رجل «هاديا» لا يستلزم أن يكون «إماما» ولا نفي الهداية عن الغير، وإن دل بمجرد الهداية على الإمامة تكون الإمامة المصطلحة لأهل السنة وهي بمعنى القدوة في الدين مرادة، وهو غير محل النزاع، قال الله تعالى {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} (3) وقال {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} إلى غير ذلك.

ومنها قوله تعالى {وقفوهم إنهم مسئولون} قالت الشيعة (4) في الاستدلال بها: روى عن أبي سعيد الخدري مرفوعا أنه قال: وقفوهم إنهم مسئولون عن ولاية علي بن أبي طالب. (5) ولا يخفى أن نحو هذا التمسك في الحقيقة بالروايات لا بالآيات، وهذه الرواية واقعة في فردوس الديلمي (6) الجامع للأحاديث الضعيفة الواهية، ومع هذا قد وقع سندها الضعفاء والمجاهيل الكثيرون بحيث سقطت عن قابلية الاحتجاج بها، لا سيما في هذه المطالب الأصولية. ومع هذا فإن نظم الكتاب مكذب لها، لإن هذا الحكم في حق المشتركين بدليل {وما كانوا يعبدون من دون الله} والكفار والمشركون يكون السؤال لهم أولا عن الشرك وعبادة غير الله تعالى لا عن ولاية علي! وأيضا نظم الكتاب يدل على أن السؤال يكون لهم بمضمون

(1) الحديث من رواية الحسن بن الحسين العرني الكوفي، وهو من رؤساء الشيعة، قال الدارقطني:«منكر الحديث» كما في ميزان الاعتدال: 2/ 231؛ لسان الميزان: 2/ 199. وقال ابن الجوزي عن الحديث: «هو من موضوعات الرافضة». زاد المسير: 4/ 307.

(2)

تقدم أن الثعلبي حاطب ليل. وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية في ص 15 من رده على البكري على طائفة من المفسرين الذين لا يميزون بين الصحيح والضعيف والغث والسمين وذكر أسماءهم وأولهم الثعلبي ثم قال: «فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم. ولا لهم خبرة بالمروي المنقول، ولا لهم خبرة بالرواة النقلة، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف، ولا يميزون بينهما، لكن منهم من يروي الجميع ويجعل العهدة عل الناقل كالثعلبي الخ»

(3)

قال القرطبي: «أي رؤساء يقتدى بهم في الخيرات وأعمال الطاعات ومعنى بأمرنا أي بما أنزلنا عليهم من الوحي والأمر والنهي فكأنه قال يهتدون بكتابنا» . الجامع لأحكام القرآن: 11/ 305

(4)

ابن المطهر الحلي، نهج الحق: ص 181.

(5)

ليس في كتب الحديث المعتبرة

(6)

ليس فيه بل ربما ادعى ذلك الشيعة.

ص: 157

هذه الجملة الاستفهامية {ما لكم لا تناصرون} توبيخا وزجرا لا عن شيء آخر. ولهذا أجمع القراء على ترك الوقف على {مسئولون} . ولئن سلمنا صحة الرواية وفك النظم القرآني يكون المراد بالولاية المحبة، وهي لا تدل على الزعامة الكبرى التي هي محل النزاع. ولو كانت الزعامة الكبرى مرادة أيضا لم تكن هذه الرواية مفيدة للمدعى، لأن مفاد الآية وجوب اعتقاد إمامة الأمير في وقت من الأوقات وهو عين مذهب أهل السنة، وقد أورد الواحدي في تفسيره هذه الرواية وفيها المتن هكذا عن ولاية علي وأهل البيت، وظاهر أن جميع أهل البيت لم يكونوا أئمة عند الشيعة،، فتعين حمل الولاية على المحبة إذ الولاية لفظ مشترك ويتعين أحد المعنيين أو المعاني للمشترك بالقرائن الخارجية، وبالجملة إن السؤال عن محبة الأمير وإمامته قائل به أهل السنة ولا نزاع فيه بين الفريقين، وإنما النزاع في أن الأمير كان إماما بلا فصل ولم يكن أحد من الصحابة مستحقا للإمامة، ولا مساس لهذه الآية بهذا المطلب، فالتقريب غير تام.

ومنها {السابقون السابقون أولئك المقربون} قالت الشيعة: روى عن ابن عباس مرفوعا أنه قال: السابقون ثلاثة، فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب ياسين، والسابق إلى محمد صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه -. (1) ولا يخفى أن هذا أيضا تمسك بالرواية، ومدار إسناد هذه الرواية على أبي الحسن الأشقر وهو ضعيف بالإجماع، قال العقيلي: وهو شيعي متروك الحديث، (2) ولا يبعد أن يكون هذا الحديث موضوعا إذ فيه من إمارات الوضع أن صاحب ياسين لم يكن أول من آمن بعيسى بل برسله كما يدل عليه نص الكتاب، وكل حديث يناقض مدلول الكتاب في الأخبار والقصص فهو موضوع كما هو المقرر عند المحدثين. (3) وأيضا انحصار السباق في ثلاثة رجال غير معقول فإن لكل نبي سابقا بالإيمان به لا محالة. وبعد اللتيا والتى أية ضرورة أن يكون كل سابق صاحب الزعامة الكبرى وكل مقرب إماما؟ وأيضا لو كانت هذه الرواية صحيحة لكانت مناقضة للأية صراحة، لأن الله تعالى قال في حق السابقين {ثلة من الأولين وقليل من الآخرين} والثلة هو الجمع الكثير (4) ولا يمكن أن يطلق على الاثنين جمع

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: 11/ 93، رقم 11152، وأخرجه العقيلي في كتابه الضعفاء في ترجمة حسين بن حسن الأشقر: 1/ 249. وقال عنه: «وهذا لا أصل له». والحديث فيه الأشقر الذي ضعفه الجمهور، نقل ابن عدي عن السعدي أنه قال:«غالٍ من الشاتمين» أي للصحابة: الكامل في ضعفاء الرجال: 2/ 361؛ وقال ابن الجوزي: «كذاب» ، ديوان الضعفاء والمتروكين: 1/ 221؛ وقال الذهبي: «رافضي» ، المغني في الضعفاء: 1/ 170.

(2)

الضعفاء الكبير: 1/ 249.

(3)

السيوطي، تدريب الراوي: 1/ 277.

(4)

قال الآلوسي الجد: «والثلة في المشهور الجماعة كثرت أو قلت» . روح المعاني: 27/ 134. وفسر الطوسي الثلة بالجماعة في التبيان: 9/ 490.

ص: 158