الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواب أنه لا يخفى على العاقل أن في هذا التقرير تحريفا لكلام الله تعالى، فإن الله قال في حق أصحاب اليمين:{ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَ} ، والثلة هي الجمُّ الغفير، (1) وليس في الآية الكريمة المذكورة بيان حقيقة المذاهب أو بطلانها، بل إنما هي لبيان قلة الشاكرين وكثرة غيرهم، وكذا في قوله تعالى:{وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} بيان قلة العاملين بجميع الأعمال الصالحة، كما يدل الكلام السابق على ذلك وهو قوله تعالى:{إلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وليس فيها بيان حقية العقائد أو بطلانها.
وعلى تقدير تسليم كون القلة والذلة موجبة للحقية يلزم أن يكون النواصب (2) والخوارج والزيدية والأفطحية وغيرهم أحق من الاثني عشرية لأنهم أقل منهم بكثير وأذل، نعم إن العزة للمؤمنين لقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} وقوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ} وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ} وقوله تعالى: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ} وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتبعوا السواد الأعظم» (3) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على كثرة أهل الحق، فبان كيدهم وخسر هنالك المبطلون.
الرابعة
ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن كبار أهل السنة وأئمتهم كأبي بكر وعمر وعثمان حرفوا القرآن، (4) وأسقطوا كثيرا من الآيات والسور التي نزلت في فضائل أهل البيت،
(1) ينظر لسان العرب، مادة ثلة: 11/ 90.
(2)
النواصب عند أهل السنة: هم المتدينون ببغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم طائفة من الخوارج. الرازي، كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية: ص 256؛ ابن منظور، لسان العرب، مادة نصب: 1/ 758. أما عند الإمامية فكل من خالفهم في العقيدة واستنكر بدعهم فهو من النواصب، كما نسبوا ذلك إلى الصادق أنه قال: «الناصب: من نصب لكم، وهو يعلم أنكم تولونا وأنتم من شيعتنا». بحار الأنوار: 8/ 369؛ العاملي، وسائل الشيعة: 9/ 486. ورجح الأعلمي قول الإمامية بأن الناصبي: «من نصب العداوة لشيعتهم وفي الأحاديث ما يصرح به
…
» ثم أورد الرواية المنسوبة للصادق. دائرة المعارف الشيعية العامة: 18/ 30 - 33.
(3)
لم يرد في الحديث لفظ اتبعوا. وقد جاء الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن ماجة في سننه أنس بن مالك: 2/ 1303. وقال البوصيري في الزوائد: في إسناده أبو خلف الأعمى
…
ضعيفّ. والحديث حسن موقوف كما قال سليم الهلالي في كتابه نصح الأمة: ص21.
(4)
وقد ألف أحد طواغيتهم واسمه حسن بن محمد تقي النوري الطبرسي كتابا في ذلك سماه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) بلغ عدد صفحاته 400 صفحة كبيرة، وفيه مئات النصوص والنقول عن كبار طواغيتهم بدعوى أن القرآن محرف. وقد ارتكب هذا الطبرسي جناية تأليف كتابه سنة 1292 هـ في المشهد المنسوب إلى أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه بالنجف وطبع في إيران سنة 1298، وفي خزانة كتب دار الفتح نسخة منه، وإن المنافقين منهم يتظاهرون بالبراءة من هذا الكتاب تقية، ولكن هذه البراءة لا تنفعهم، لأنهم يحملون منذ ألف سنة إلى الآن أوزار النصوص والنقول الموجودة في كتبهم بهذا المعنى وقد جمعت كلها في هذا الكتاب
والأمر باتباعهم والنهي عن مخالفتهم وإيجاب محبتهم، وأسماء أعدائهم والطعن فيهم واللعن عليهم، فشق عليهم ذلك ونبض عرق الحسد منهم فتجاسروا على ذلك. (1)
ومن جملة ما أسقطوه من سورة ألم نشرح (وجعلنا عليا صهرك)، وهو يدل على تخصيص علي بكونه صهرا دون عثمان، (2) ومنها (سورة الولاية) ويزعمون أنها سورة طويلة قد ذكر فيها فضائل
(1) أخرج الطبرسي وغيره عن أبي ذر: «أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع علي القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار، وعرضه عليهم لما قد أوصاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه علي عليه السلام وانصرف، ثم أحضر زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن، فقال له عمر: إن عليا جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه من فضيحة وهتك المهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر: ما حيلة دون أن نقتله ونستريح منه، فدبر في قتلهِ خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك، فلما استخلف عمر سألوا عليا عليه السلام أن يرفع إليهم القرآن فيحرّفوه فيما بينهم فقال عمر: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه، فقال: هيهات ليس إلى ذلك من سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة {إنا كنا عن هذا غافلين} أو تقولوا ما جئتنا به، إن هذا القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون الأوصياء من ولدي، فقال عمر: فهل وقتٌ لإظهاره معلوم؟ فقال عليه السلام: نعم إذا قام القائم من ولدي ويظهره ويحمل الناس عليه» . الطبرسي، الاحتجاج: 1/ 82؛ المجلسي، بحار الأنوار: 92/ 42 تفسير الصافي، المقدمة (المقدمة السادسة): 1/ 39.
(2)
روى ابن شاذان وغيره عن المقداد بن الأسود قال: «كنا مع سيدنا رسول الله وهو متعلق باستار الكعبة وهو يقول: اللهم اعضدني واشدد أزري واشرح صدري وارفع ذكري، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام وقال: اقرأ يا محمد، قال وما أقرأ قال اقرأ (ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك. الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك. مع علي بن أبي طالب صهرك» . فقرأها النبي صلى الله عليه وآله وأثبتها عبد الله بن مسعود في مصحفه، فأسقطها عثمان بن عفان حين وحد المصاحف». الفضائل: ص 151؛ المجلسي، بحار الأنوار: 36/ 116.