المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الخامس في الإمامة - مختصر التحفة الاثني عشرية - جـ ١

[محمود شكري الألوسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المختصر السيد محمود شكري الآلوسي

- ‌الباب الأول في ذكر‌‌ فرق الشيعةوبيان أحوالهم وكيفية حدوثهم وتعداد مكائدهم

- ‌ فرق الشيعة

- ‌(الشيعة المخلصون)

- ‌(الشيعة التفضيلية)

- ‌(الشيعة السبية)

- ‌(الشيعة الغلاة)

- ‌(فرق الشيعة الغلاة)

- ‌‌‌(السبئية)

- ‌(السبئية)

- ‌(المفضلية)

- ‌(السريغية)

- ‌(البزيعية)

- ‌(المغيرية)

- ‌(الجناحية)

- ‌(البيانية)

- ‌(المنصورية)

- ‌(الغمامية)

- ‌(الأموية)

- ‌(التفويضية)

- ‌(الخطابية)

- ‌(المعمرية)

- ‌(الغرابية)

- ‌(الذبابية)

- ‌(الذمية)

- ‌(الاثنينية)

- ‌(الخمسية)

- ‌(النصيرية)

- ‌(الإسحاقية)

- ‌(العلبائية)

- ‌(الرزامية)

- ‌(المقنعية)

- ‌(فرق الشيعة الإمامية)

- ‌(الحسنية)

- ‌(النفسية)

- ‌(الحكمية)

- ‌(السالمية)

- ‌(الشيطانية)

- ‌(الزرارية)

- ‌(البدائية، المفوضة، اليونسية)

- ‌(الباقرية)

- ‌(الحاصرية)

- ‌(الناووسية)

- ‌(العمارية)

- ‌(المباركية)

- ‌(الباطنية)

- ‌(القرامطة)

- ‌(الشمطية)

- ‌(الميمونية)

- ‌(الخلفية)

- ‌(البرقعية)

- ‌(الجنابية)

- ‌(السبعية)

- ‌(المهدوية)

- ‌(الأفطحية)

- ‌(المفضلية)

- ‌(الممطورية)

- ‌(الموسوية)

- ‌(الرجعية)

- ‌(الإسحاقية)

- ‌(الأحمدية)

- ‌(الاثنا عشرية)

- ‌(الجعفرية)

- ‌(الشيخية أو الأحمدية)

- ‌(الرشتية الكشفية)

- ‌(البابية)

- ‌(القرتية)

- ‌مكائد الرافضة

- ‌الأولى

- ‌الثانية

- ‌الثالثة

- ‌الرابعة

- ‌الخامسة

- ‌السادسة

- ‌السابعة

- ‌الثامنة

- ‌التاسعة

- ‌العاشرة

- ‌الحادية عشر

- ‌الثانية عشر

- ‌الباب الثاني في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك

- ‌في ذكر أقسام أخبارهم

- ‌(الأدلة عند الشيعة)

- ‌(في ذكر أحوال رجالهم وطبقاتهم)

- ‌الطبقة الأولى

- ‌الطبقة الثانية

- ‌الطبقة الثالثة

- ‌الطبقة الرابعة

- ‌الطبقة الخامسة

- ‌الطبقة السادسة

- ‌الطبقة السابعة

- ‌(ادعاء كل فرق الشيعة أنهم على مذهب أهل البيت)

- ‌(اختلاف أهل السنة)

- ‌الباب الثالث في الإلهيات

- ‌الباب الرابع في النبوة

- ‌الباب الخامس في الإمامة

- ‌(في إبطال ما استدل به الرافضة على مذهبهم)

- ‌(الآيات القرآنية)

- ‌(الأدلة الحديثية)

- ‌(الدلائل العقلية)

- ‌تتمة لبحث الإمامة

- ‌(كثرة اختلاف الشيعة)

- ‌(اختلاف الإمامية في أئمتهم)

- ‌الباب السادس في بعض عقائد الإمامية المخالفة لعقائد أهل السنة

- ‌العقيدة الأولى

- ‌العقيدة الثانية

- ‌العقيدة الثالثة

- ‌الباب السابع في الأحكام الفقهية

- ‌صفة الوضوء والغسل والتيمم

- ‌(مسائل تتعلق بالصلاة)

- ‌مسائل الصوم والاعتكاف

- ‌مسائل الزكاة

- ‌مسائل الحج

- ‌مسائل الجهاد

- ‌مسائل النكاح والبيع

- ‌مسائل التجارة

- ‌مسائل الرهن والدين

- ‌مسائل الغصب والوديعة

- ‌مسائل العارية

- ‌مسائل اللقيط

- ‌مسائل الإجارة والهبة والصدقة والوقف

- ‌مسائل النكاح

- ‌مسائل المتعة

- ‌مسائل الرضاع والطلاق

- ‌مسائل الإعتاق والأيمان

- ‌مسائل القضاء

- ‌مسائل الدعوى

- ‌مسائل الشهادة والصيد والطعام

- ‌مسائل الفرائض والوصايا

- ‌مسائل الحدود والجنابات

- ‌الباب الثامن مطاعنهم في الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة المكرمين وحضرة الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌المطاعن الأولى في حق الصديق الأجل

- ‌المطاعن الثانية في حق الفاروق رضي الله عنه

- ‌المطاعن الثالثة في حق ذى النورين وثالث العمرين رضي الله عنه

- ‌المطاعن الرابعة في حق أم المؤمنين وحبيبة حبيب رب العالمين عائشة الصديقة وزوج مفخر العوالم على الحقيقة

- ‌مطاعنهم في الصحابة رضي الله تعالى عنهم على سبيل العموم

- ‌(وقعة الجمل)

- ‌(وقعة صفين)

- ‌الباب التاسع في ذكر ما اختص بهم ولم يوجد في غيرهم من فرق الإسلام

- ‌(في ذكر بعض خرافاتهم)

- ‌(القول بالتقية)

- ‌(الأنبياء وولاية علي)

- ‌(في‌‌ مشابهتهم لليهودوالنصارى)

- ‌ مشابهتهم لليهود

- ‌(مشابهتهم للنصارى)

- ‌(مشابهتهم للصابئين)

- ‌(مشابهتهم للمشركين)

- ‌(مشابهتهم للمجوس)

- ‌(خاتمة)

- ‌خاتمة:

الفصل: ‌الباب الخامس في الإمامة

‌الباب الخامس في الإمامة

وفيه ست تنبيهات

التنبيه الأول: اعلم أن أول ما اختلف فيه من مسائل هذا الباب كون نصب الإمام واجبا على العباد أو على الله تعالى. فأهل السنة على الأول، والشيعة على الثاني. (1) والفطرة شاهدة للأول إذ كل فرقة تقرر لأنفسهم رئيسا من بينهم، وكذا الشرع أيضا إذ الشارع قد أوضح شرائط الإمام وأوصافه ولوازمه بوجه كلي كما هو شأنه في الأمور الجبلية كالنكاح ولوازمه مثلا. وأيضا لا معنى للوجوب عليه تعالى بل هو مناف للألوهية والربوبية كما هو مقرر في محله. (2) وأيضا كل ما يتعلق بوجود الرئيس من أمور المكلفين - من إقامة الحدود والجهاد وتجهيز الجيوش إلى غير ذلك - واجب عليهم، فلا بد وأن يكون نصب الرئيس واجبا عليهم، لأن مقدمة ما يجب على أحد واجبة عليه. ألا ترى أن الوضوء وتطهير الثوب وستر العورة واجب على المصلي كالصلاة، لا عليه تعالى، وهذا ظاهر. (3) وأيضا إن تأملنا علمنا أن نصب الإمام من قبل الباري يتضمن مفاسد كثيرة، لأن آراء العالم مختلفة وأهواء نفوسهم متفاوتة، ففي تعيين رجل لتمام العالم في جميع الأزمنة إلى منتهى بقاء الدنيا إيجاب لتهييج الفتن، وجر لأمر الإمامة على التعطيل ودوام الخوف والتزام الاختفاء كما وقع للجماعة الذين يعتقد الشيعة إمامتهم، فمع هذا قولهم «نصب الإمامة لطف» في غاية السفاهة يضحك عليه، إذ لو كان لطفا لكان بالتأييد والإظهار لا بغلبة المخالفين والانتصار، فإذا لم يكن التأييد في البين، لم يكن النصب لطفا كما يظهر لذي عينين.

وما أجاب عنه بعض الإمامية - بأن وجود الإمام لطف، وتصرفه وتمكينه لطف آخر، (4) وعدم تصرف الأئمة إنما هو من فساد العباد وكثرة الفساد، فإنهم خوفوهم ومنعوهم بحيث تركوا من خوفهم على أنفسهم إظهار الأمامة، وإذا ترك الناس نصرتهم لسوء اختيارهم فلا يلزم قباحة

(1) قال الطوسي: «الإمام لطف فيجب نصبه على الله تعالى تحصيلا للغرض» . كشف المراد في شرح صحيح الاعتقاد: ص 367. وقال المجلسي: «إن وجود الإمام لطف باتفاق جميع العقلاء، وأنه لا بد أن يكون معصوما

». بحار الأنوار: 51/ 213.

(2)

قال الآلوسي الجد في نهج السلامة إلى مباحث الإمامة: «إن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - تسارعوا إلى نصب الإمام حتى قدموه على تجهيزه ودفنه عليه الصلاة والسلام، وتبعهم عليه سائر الأمة في كل زمان، عقيب موت السلطان

» وقال «إن نصب الإمام دفع ضرر عام مظنون، وكل ضرر عام مظنون يجب على العباد دفعه إن قدروا عليه إجماعا، ولا يخفى أن بعض هذه الأوجه لا يثبت أكثر من الوجوب» .

(3)

روى ابن بابويه القمي في باب أن الإمامة عهد من الله تعالى عن علي بن فضال قال: «سأل إسماعيل بن عمار أبا الحسن الأول عليه السلام فقال له: فرض الله على الإمام أن يوصي قبل أن يخرج من الدنيا ويعهد؟، فقال: نعم، قال فريضة من الله؟ فقال نعم» . الإمامة والتبصرة: ص 37.

(4)

وإليه ذهب ابن المطهر الحلي في كتابه الألفين: ص 21.

ص: 116

في كونه واجبا عليه تعالى، والاستتار والخوف من سنن الأنبياء فقد اختفى صلى الله عليه وسلم في الغار خوفا من الكفار (1) - ففيه غفلة عن المقدمات المأخوذة في الاعتراض، إذ المعترض يقول: الوجود بشرط التصرف والنصرة لطف، وبدونه متضمن لمفاسد. فالواجب في الجواب التعرض لدفع لزوم المفاسد، ولم يتعرض له كما لا يخفى. وأيضا يرد على القائل بكونه لطفا آخر ترك الواجب عليه تعالى، وهذا أقبح من ترك النصب. وأيضا يقال عليه: هذا اللطف الآخر إما من لوازم النصب أو لا، فعلى الأول لزم من تركه ترك النصب لن ترك اللازم يستلزم ترك الملزوم.

وأيضا ما ذكره من تخويف الناس للأئمة غير مسلم، وهذه كتب التواريخ المعتبرة في البين. وأيضا التخويف الموجب للاستتار إنما هو إذا كان بالقتل، وهذا لا يتصور في حق الأئمة لأنهم يموتون باختيارهم كما أثبت ذلك الكليني في الكافي وبوب له. (2) وأيضا لا يفعل الأئمة أمرا إلا بإذنه تعالى، فلو كان الاختفاء بأمره تعالى وقد مضت مدة والخفاء هو الخفاء، فلا لطف بلا امتراء. (3)

وأيضا إن كان واجبا للتخويف لزم ترك الواجب في حق الذين لم يكونوا كذلك كزكريا (4) ويحيى (5) والحسين، (6) وإن لم يكن واجبا بأن كان مندوبا لزم على من اختفى ترك الواجب الذي هو التبليغ لأجل مندوب، وهو فحش. وإن كان أمر الله تعالى مختلفا بأن كان في حق التاركين بالندب مثلا وفي حق المستترين بالفرض لزم ترك الأصلح الواجب بزعم الشيعة في أحد الفريقين، وهو باطل. (7) ولا يمكن أن يقال الأصلح في حق كل ما فعل، لأنا نقول إن الإمام بوصف الأمامة لا يصح اختلاف وصفه كالعصمة، لأن اختلاف اللوازم يستلزم اختلاف الملزومات، فيلزم أن

(1) وهذا ما قاله الطوسي: «أليس النبي صلى الله عليه وآله اختفى في الشعب ثلاث سنين لم يصل إليه أحد، واختفى في الغار ثلاثة أيام ولم يجز قياسا على ذلك أن يعدمه الله تعالى تلك المدة مع بقاء التكليف على الخلق الذين بعثه لطفا لهم. ومتى قالوا: إنما اختفى بعدما دعا إلى نفسه وأظهر نبوته فلما أخافوه استتر. قلنا: وكذلك الإمام لم يستتر إلا وقد أظهر آباؤه موضعه وصفته، ودلو عليه، ثم لما خاف عليه أبوه الحسن بن علي

». كتاب الغيبة: ص 14.

(2)

في ص 62 من طبعة إيران سنة 1287 وعنوان الباب «باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم» وكتاب الكافي للكليني عند هذه الطائفة بمنزلة صحيح البخاري عند المسلمين.

(3)

وفي بخاريهم الذى يسمونه الكافي للكليني (1/ 279) ص 68 باب مستقل عنوانه «باب أن الأئمة عليهم السلام لم يفعلوا شيئا ولا يفعلونه إلا بعهد من الله وأمر لا يتجاوزونه» .

(4)

قال ابن كثير عن زكريا: اختلفت الرواية عن وهب بن منبه هل مات زكريا عليه السلام موتا أو قتلا؟ على روايتين

منها قول وهب بن منبه إنه هرب من قومه فدخل شجرة فجاؤوا فوضعوا المنشار عليهما، فلما وصل المنشار إلى أضلاعه أنَّ فأوحى الله إليه: لئن لم يسكن أنينك لأقلبن الأرض ومن عليها فسكن أنينه حتى قطع باثنين، وروي عنه ابن منبه أيضا أنه قال: إن الذي انصدعت له الأرض هو أشعيا، فأما زكريا فمات موتا. قصص الأنبياء: ص 549.

(5)

قال ابن كثير: ذكروا في مقتل يحيى عليه السلام أسبابا أشهرها: «أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق، كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه أو من لا يحل له تزويجها، فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك فبقي في نفسه منه، فلما كان بينها وبين الملك ما يحب استوهبت منه دم يحيى فوهبه لها، فبعث إليه من قتله وجاء برأسه ودمه في طست إلى عندها فيقال: إنها هلكت من فورها وساعتها» . قصص الأنبياء: ص 551.

(6)

وفي الحديث: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة يحيى وعيسى عليهما السلام» . المسند: 2/ 148؛ الطبراني، المعجم الكبير: 3/ 36؛ وصححه في صحيح الجامع 3181.

(7)

روى ابن بابويه عن عيسى الخشاب قال: «قلت للحسين بن علي عليه السلام: أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: لا ولكن صاحب هذا الأمر الطريد الشريد الموتور بأبيه المكنى بعمه يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر» . كمال الدين: ص 318؛ المجلسي بحار الأنوار: 51/ 133.

ص: 117

لا يكون أحد الفريقين إماما فلا يكون الأصلح في حقهم إلا أحد الحالين وإلا لزم اجتماع النقيضين كما أن الموضوع إذا كان مأخوذا بالوصف العنواني فثبوت المحمول له بالضرورة بشرط الوصف يكون لازما ويمتنع حمل نقيضه عليه كما لا يخفى. وأيضا نقول: الاختفاء من القتل نفسه محال لأن موتهم باختيارهم! وإن كان من خوف إيذاء البدن يلزم أن الأئمة فروا من عبادة المجاهدة وتحمل المشاق في سبيل الله تعالى وهذا بعيد عنهم ومع هذا لا معنى لاختفاء صاحب الزمان بخصوصه (1)

فإنه يعلم باليقين أنه يعيش إلى نزول عيسى ولا يقدر أحد على قتله وأنه سيملك الأرض بحذافيرها، (2) فبأي شيء يتخوف ويختفي؟ ولماذا لم يظهر الدعوة ويتحمل المشقة كما فعله سيد الشهداء؟ وما قاله المرتضي في كتابه (تنزيه الأنبياء والأئمة) من أنه فرق بين آبائه الكرام فإنه مشار إليه بأنه مهدي قائم صاحب السيف قاهر للأعداء منتقم منهم مزيل للدولة والملك عنهم فله مخافة لا تكون لغيره (3) فكلام لا لب فيه لأن خوف القتل نفسه قد غلب عليه ومع هذا معلوم له باليقين أن أحدا لن يقتله أبدا. وأيضا ألا يعلم أن المخالفين لا يقبلون من أحد دعوى المهدوية

(1) صاحب الزمان وقد يسمونه صاحب الدار هو الصبي الذي زعموا أنه إمامهم الثاني عشر ودخل السرداب صبيا في مدينة سر من رأى ومنذ أكثر من ألف سنة يدعون بأن يعجل الله فرجه ويرمزون لهذا الدعاء بهذين الحرفين (ع .. ج) أو (عج)، منتظرين خروجه من السرداب وبيده السيف فيذبح البشر جميعا وفي مقدمتهم المسلمين أهل السنة والجماعة ويمحقهم محقا وليس في الشيعة شاعر إلا له قصيدة في صاحب الزمان ساكن السرداب والدعاء بأن يعجل الله فرجه وحتى البهاء العاملي صاحب الكشكول وخلاصة الحساب له قصيدة يغني فيها على ألحان هذه الموسيقى ولهم في بلدة قم رئيس يزعمون أنه آية الله وهو يمثل خدمة صاحب الزمان ويجمع الصدقات باسمه لا لأن الإمام يحتاج إلى ما في أيدى الناس بل لأن الناس يحتاجون أن تقبل صدقاتهم منه! وقد أراد مندوب جريدة الأخبار المصرية أن يجتمع به فسافر إليه ولقي في ذلك أعظم المشقات، ومع ذلك لم يتوصل إلى رؤية صاحب هذا المقام الرفيع لأن خادم صاحب السرداب يجب أن يكون هو الآخر في سرداب!.

(2)

أخرج أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يملك سبع سنين» . سنن أبي داود، كتاب المهدي: 4/ 107، رقم 4285؛ وحسنه في صحيح الجامع 6736.

(3)

تنزيه الأنبياء: ص 181.

ص: 118

قبل ألف سنة وأن المهدي يظله السحاب لا سقف السرداب، (1) وأنه يظهر في مكة لا في سر من رأى، (2) ويدعو الناس بعد الأربعين من عمره لا في زمن الطفولة ولا في الشيخوخة. (3)

على أن السيد محمد الجنفوري (4) في الهند ولم يقتل ولم يخوف وأيضا قد كثر محبوه وناصروه في زمن الدولة الصفوية (5) أكثر من رمل الصحارى والحصى، فالاختفاء مناف لمنصب الإمامة الذي مبناه على الشجاعة والجرأة فهلا خرج وصبر واستقام إلى أن ظفر وهلا كان القوم الذين قال الله تعالى فيهم {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين}

ثم ما حكى أولا من قصة الغار واستتار سيد الأبرار من خوف الكفار (6) فكلام واقع في غير موقعه لأن استتاره عليه الصلاة والسلام لم يكن لإخفاء دعوى النبوة بل كان من جنس التورية في الحرب لأجل أن الكفار لا يطلعون على مقصده ولا يسدون الطريق عليه وهذا أيضا كان ثلاثة أيام (7) فقياس ما نحن فيه عليه غاية الحماقة والوقاحة ففرق واضح لا يخفى على من له أدنى عقل بين الاختفاء الذي كان مقدمة لظهور الدين والغلبة على الكافرين وبين الاختفاء الذي لازمه الخذلان وترك الدعوة وانتشار الطغيان. فالأول تلوح مياه الهمة من أسرته (8) وتتبلج أقمار النصرة من تحت طرته (9) بخلاف الثاني فغبار الجبن يلوح على خده والفرار عن الدعوة موسوم على حده فأي فرقة سخرها الإمام لنفسه في هذه الغيبة وأي ملك ملكه؟ ولو ابتغى صاحب الزمان فرصة ثلاثمائة سنة مكان ثلاث ليالي وعوض الغار سرداب سر من رأى وبدل المدينة المنورة دار المؤمنين قم ودار الإيمان كاشان (10) وبدل الأنصار شيعة فارس والعراق قائلا بأني في هذه الصورة أجمع الأسباب وأتخذ الأصحاب ثم خرج لكشف الغمة وإصلاح حال الأمة لتحمل أهل السنة وغيرهم هذه الشرائط. وأنى ذلك فليست هذه إمامة بل هي لعمرك قيامة.

وقد ترك الشيخ مقداد صاحب (كنز العرفان) من المتأخرين طريق القدماء وقال: كان

(1) يعتقد الإمامية أن إمامهم الثاني عشر ما زال منذ اختفاءه منذ أكثر من مائتي وألف عام حيا يرزق، قال الكفعمي: «يستحب زيارة المهدي في كل زمان ومكان والدعاء بتعجيل فرجه (صلوات الله عليه) عند زيارته، وتتأكد زيارته في السرداب بسر من رأى

». البلد الأمين: ص 309.

(2)

في رواية نعيم بن حماد عن الزهري أنه قال: «يخرج المهدي من مكة» . الفتن: 1/ 351. وعند الإمامية أكثر من رواية في ذلك منها ما رواه محمد بن جمهور عن أبي جعفر أنه قال: «يخرج القائم بمكة» ..

(3)

ينظر السنن الواردة في الفتن: 5/ 1092؛ وما أورده نعيم بن حماد، الفتن: 1/ 365.

(4)

ذكره القنوجي في أبجد العلوم: 3/ 221.

(5)

أسسها إسماعيل الصفوي في إيران (1600 - 1620م)، الذي أظهر عقيدة الإمامية في إيران، وقتل كل من يعارضها من العلماء والعامة، قال الشوكاني:«كاد أن يدعي الربوبية وكان يسجد له عسكره ويأتمرون بأمره» ، وقال قطب الدين الحنفي الشوكاني:«قتل ألف ألف نفس بحيث لا يعهد في الجاهلية ولا في الإسلام ولا في الأمم السابقة من قتل من النفوس ما قتل الشاه إسماعيل، وقتل من أعاظم العلماء بحيث لم يبق من أهل العلم أحد في بلاد العجم وأحرق جميع كتبهم ومصاحفهم وكان شديد الرفض» ، مات سنة 931هـ/ 1620م. البدر الطالع: 1/ 271؛ أعيان الشيعة: 3/ 321.

(6)

إشارة إلى ما قاله المرتضى لتبرير اختفاء الإمام الغائب المزعوم في السرداب تأسيا باختفاء النبي صلى الله عليه وسلم في الغار. تنزيه الأنبياء: ص 184

(7)

قال الطوسي: «أليس النبي صلى الله عليه وآله اختفى في الشعب ثلاث سنين لم يصل إليه أحد، واختفى في الغار ثلاثة أيام ولم يجز قياسا على ذلك أن يعدمه الله تعالى تلك المدة مع بقاء التكليف على الخلق الذين بعثه لطفا لهم. ومتى قالوا: إنما اختفى بعدما دعا إلى نفسه وأظهر نبوته فلما أخافوه استتر. قلنا: وكذلك الإمام لم يستتر إلا وقد أظهر آباؤه موضعه وصفته، ودلوا عليه، ثم لما خاف عليه أبوه الحسن بن علي

». كتاب الغيبة: ص 15.

(8)

«أسرة الرجل: عشيرته ورهطه الأدنون لأنه يتقوى بهم» . لسان العرب: مادة أسر: 4/ 19.

(9)

حاشية الشيء. اللسان: مادة طرر: 4/ 50.

(10)

قاشان، تبعد عن قم اثنا عشر فرسخا

ص: 119

الاختفاء لحكمة استأثر بها الله تعالى في علم الغيب عنده. ويرد عليه أن هذا الدعاء مجرد يمكن أن يقال مثله في كل أمر يكون مناقضا للطف، فلا يثبت اللطف في شيء! وبه يفسد كلام الشيعة كله، لأن مبنى أدلتهم عليه، يقولون إن أمر كذا لطف واللطف واجب عليه تعالى! فليتأمل. والله سبحانه يحق الحق وهو يهدي السبيل.

التنبيه الثاني: اعلم أن قول الله تعالى {ابعث لما ملكا نقاتل في سبيل الله} وقوله تعالى {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} وقوله تعالى {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} إلى غير ذلك من الآيات يدل على أن هداية الناس والصبر على مشقة مخالطتهم من لوازم الإمامة، وكذا الجهاد في سبيل الله، والعقل يحكم بذلك. وقد قال أمير المؤمنين «لابد للناس من أمير برٍ أو فاجر. يعمل في إمرته المؤمن ويستمع فيها الكافر، ويبلغ فيها الأجل وتأمن فيها السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر ويستراح من فاجر» كذا في نهج البلاغة. ولا يمكن حمله على التقية، لما ذكره في نهج البلاغة من أنه - رضي الله تعالى عنه - قاله لما سمع قول الخوارج «لا إمارة» فلا محل للتقية في مقابلتهم، فتأمل في هذا الكلام، وتفكر في هذا المقام تر الفلاح أوضح من الصباح، وأن الحق عند أصحاب الجنة وأهل السنة. والله تعالى أعلم.

التنبيه الثالث: العدالة شرط الإمامة، لا العصمة بمعنى امتناع صدور الذنب كما في الأنبياء، خلافا للشيعة ولا سيما الإمامية والإسماعيلية قالوا: لا بد منها علما وعملا، وهو مخالف للكتاب والعترة.

أما الكتاب فقوله تعالى {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} فكان واجب الطاعة بالوحي، ولم يكن معصوما بالإجماع. (1) وقوله تعالى {إني جاعل في الأرض خليفة} فكان قبل النبوة إماما وخليفة، (2) وصدر منه ما صدر، ويدل على ذلك قوله تعالى {فعصى آدم ربه فغوى} وقوله {ثم اجتباه ربه} والاجتباء في قوله تعالى في حق يونس {فاجتباه ربه فجعله من الصالحين} الاصطفاء للدعاء وعذره

(1) قال ابن المطهر الحلي: «ذهبت الإمامية إلى أن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش من الصغر إلى الموت عمدا وسهوا، لأنهم حفظة الشرع والقوامون به حالهم كحال النبي

». نهج الحق: ص 164. وقال الميلاني: «إن كل الأدلة تدل على أنهم [أي الأئمة] معصومون من الخطأ والنسيان». العصمة: ص 38.

(2)

في رواية طويلة عن الرضا أنه قال: «إن الله عز وجل قال في كتابه: {إني جاعل في الأرض خليفة} والخليفة المجعول فيها آدم عليه السلام» . عيون أخبار الرضا: 2/ 10. وقال ابن أبي الحديد: «إن الإنسان يستحق أن يسمى خليفة الله في أرضه وهو المعنى من قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة}». شرح نهج البلاغة: 18/ 352.

ص: 120

ورده إليه لا الاستنباء، إذ قد ثبت قبل بقوله تعالى {وإن يونس لمن المرسلين إذ أبقى إلى الفلك المشحون} بخلاف ما نحن فيه، كذا قيل، فليتأمل. وأما أقوال العترة فقد أسلفنا قول الأمير «لابد للناس» الخ وأيضا روى في الكافي ما قال الأمير لأصحابه «لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست آمن أن أخطئ» (1) والحمل على المشورة الدنيوية يأباه الصدر كما لا يخفى. وأيضا روى صاحب الفصول عن أبي مخنف (2) أنه قال: كان الحسين يبدي الكراهة من صلح أخيه الحسن مع معاوية ويقول: لو جز (3) أنفي كان أحب إلي مما فعله أخي. (4) وإذا خطأ أحد المعصومين الآخر ثبت خطأ أحدهما بالضرورة لامتناع اجتماع النقيضين.

وأيضا في الصحيفة الكاملة (5) للسجاد «وقد ملك الشيطان عناني في سوء الظن وضعف اليقين، وإني أشكو سوء محاورته لي وطاعة نفسي له» فظاهر أنه - على الصدق والكذب - مناف للعصمة. (6)

ومن أدلتهم على العصمة أن الإمام لو لم يكن معصوما لزم التسلسل. بيان الملازمة أن المحوج للنصب هو جواز الخطأ للأمة، فلو جاز الخطأ عليه أيضا لافتقر إلى آخر وهكذا، فيتسلسل. (7)

ويجاب بمنع أن المحوج ما ذكر، بل المحوج تنفيذ الأحكام ودرء المفاسد وحفظ بيضة الأسلام مثلا، ولا حاجة في ذلك إلى العصمة، بل الاجتهاد والعدالة كافيان. ولما لم يكن إثم على التابع إذ ذاك استوى جواز الخطأ وعدمه. سلمنا لكن التسوية ممتنعة بل تنتهى السلسلة إلى النبي. سلمنا لكنه منقوض بالمجتهد النائب عن الإمام في الغيبة عند الإمامية، (8) وليس بمعصوم إجماعا فيلزم ما لزم، والجواب هو الجواب.

ومن الأدلة أيضا أنه حافظ للشريعة (9) فكيف الخطأ؟ ويجاب بالمنع، بل هو مروج، والحفظ بالعلماء لقوله تعالى {الربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} (10) وقوله تعالى {كونوا ربانيين بما كنتم تدرسون} . وأيضا إذا كان الحفظ بالعلماء زمن الفترة وفي الغيبة على ما في كشكول الكرامة للحلي (11) ففي الحضور كذلك. سلمنا، لكن الحفظ بالكتاب والسنة والإجماع، لا بنفسه، ويمتنع الخطأ في هذه الثلاثة،

(1) الكافي: 8/ 358؛ نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 11/ 101.

(2)

أبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد الأزدي الكوفي الأخباري، عده الطوسي من رجال علي ومن أصحاب الحسن والحسين رضي الله عنهم ا (فهرست الطوسي: ص 381)، ولكن الحلي ومحققي الإمامية قالوا إن الراجح أن الطوسي يعني أباه يحيى (الخلاصة: ص 136).

(3)

في كتب الإمامية (حزَّ).

(4)

الأربلي، كشف الغمة عن معرفة الأئمة: 2/ 35.

(5)

قال عنها الطهراني: «الصحيفة السجادية الأولى المنتهى سندها إلى الإمام زين العابدين المعبر عنها (أخت القرآن) و (إنجيل أهل البيت) و (زبور آل محمد)

وهي من المتواترات عند الأصحاب

». الذريعة: 15/ 18.

(6)

السجاد هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

(7)

قال نصير الدين الطوسي: «وامتناع التسلسل يوجب عصمته، ولأنّه حافظ للشرع، لوجوب الإنكار عليه لو أقدم على المعصية فيضاد أمر الطاعة، ويفوت الغرض من نصبه، ولانحطاط درجته عن أقل العوام» . كشف المراد في شرح صحيح الاعتقاد: ص 264.

(8)

ويسمى عند الإمامية المرجع الديني أو آية الله أو الحجة، وهو بمثابة الحكومة أو الحاكم، فقد جاء:«اتقوا الحكومة، فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين أو للنبي أو وصي نبي» . الكافي: 7/ 406؛ من لا يحضره الفقيه: 3/ 5. قال الشوشتري: «فإن المأذون من قبلهما [النبي أو الوصي] ينطبق عليه عنوان الوصي ولو عناية كوكيل الوصي، فيكون المجتهد ممن عهد إليه هذا المنصب، وظاهر الرواية المتقدمة نفي الولاية العرضية عن غير النبي والإمام عليهما السلام لا نفي الولاية الطولية الحاصلة بالأذن». منتهى الدراية: 8/ 409.

(9)

قال المجلسي: «فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول، فسدوا على نحو ما بينّا، وغُيرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان، وكان ذلك فساد الخلق أجمعين» . بحار الأنوار: 23/ 19.

(10)

قال القرطبي: «الربانيون وأحدهم رباني منسوب إلى الرب والرباني الذي يربى الناس بصغار العلم قبل كباره وكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور» . الجامع لأحكام القرآن: 4/ 122. وقال المجلسي: «الربانيون الذين علت درجتهم في العلم والأحبار العلماء الكبار {بما استحفظوا} أي بما استودعوا من كتاب الله وبما أمروا بحفظ ذلك والقيام به وترك تضييه». بحار الأنوار: 13/ 202.

(11)

جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن علي الحلي (ت 726). الذريعة: 18/ 73.

ص: 121

والآراء لا دخل لها في صلب الشريعة، فلا ضرورة في حفظها. سلمنا، ولكن ذلك منقوض بالنائب. (1) وقد يقال بأن وجود المعصوم لو كان ضروريا للأمن من الخطأ لوجب أن يكون في كل قطر بل في كل بلدة، إذ الواحد لا يكفي للجميع بل هو مستحيل بداهة لانتشار المكلفين في الأقطار، والحضور مستحيل عادة، ونصب نائب لا يفيد لجواز الخطأ وعدم إمكان التدارك لا سيما في الغيبة والوقائع اليومية إذ الإطلاق ممنوع، وعلى تسليمه الإعلام إما برسول (2) ولا عصمة، أو بكتاب والتلبيس جائز. على أن الفهم إنما هو استعمال قواعد الرأي وضوابط القياس، والكل مظنة الخطأ، فلا يحصل المقصود إلا بنصب معصوم في كل قطر وهو محال.

التنبيه الرابع: الإمام لا يلزم أن يكون منصوصا من الباري تعالى، لأن نصبه واجب على العباد كما تقدم، فتعيين الرئيس مفوض إليهم، وهو الأصلح لهم. وقالت الإمامية لا بد أن يكون منصوصا من قبله تعالى، كما أن نصبه واجب عليه تعالى. (3) وهذا مخالف للعقل والنقل. أما الأول فقد مر، وأما الثاني فلقوله تعالى {وجعلناهم أئمة} ، {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة} ، {وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض} إلى غير ذلك، ولم يكن في احد من تلك الفرق نص بل كان برأي أهل الحد والعقد، فمعنى الجعل إلقاء اختياره في قلوب مسموعي القول فينصبوه، فإن عدل فعادل وإلا فجائز. وقد قيس طالوت بعصا الملوك فساواها فملك (4) كما لا يخفى على المتتبع فافهم، والله تعالى اعلم.

التنبيه الخامس: لا يلزم أن يكون الإمام أفضل أهل العصر عنده تعالى، إذ قد خلف طالوت وداود وشمويل موجودان. نعم لا بد لأهل الحد والعقد من نصب الأفضل رياسة وسياسة لا عبادة ودراسة. والشيعة على خلاف هذا. وقد علمت ردهم إجمالا. واشترطوا ما اشترطوا لنفي الخلافة عن الثلاثة لعدم العصمة والنص، وفي الأفضلية مجال بحث. وهذه نبذة يسيرة في الرد، وسيأتي التفصيل في إثبات الخلافة إن شاء الله تعالى.

ص: 122

التنبيه السادس: وهذا أهم التنبيهات: اعلم أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا فصل أبو بكر الصديق بإجماع أهل الإسلام، وقد تفردت الشيعة بإنكار ذلك، (1) وقالوا الإمامة كذلك لعلي - رضي الله تعالى عنه -، وعند أهل الحق له بعد الثلاثة، ثم لابنه الحسن - رضي الله تعالى عنه -، والصلح لمصالح رآها وهو اللائق بذاته الكريمة لا لخوف من جند كما افترى المفترون. إذ قد ورد في كتب الشيعة خطبة يقول فيها «إنما فعلت ما فعلت إشفاقا عليكم» (2) وقد ثبت في أخرى أوردها المرتضى وصاحب الفصول أنه قال لما انبرم الصلح بينه وبين معاوية «إن معاوية قد نازعني حقا لي دونه، فنظرت الصلح للأمة وقطع الفتنة. وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني، ورأيت أن حقن دماء المسلمين خير من سفكها، ولم أرد بذلك إلا صلاحكم» (3) فهاتان الخطبتان تدلان على أن الصلح للمصلحة لا للعجز وعدم الناصر، والثانية أيضا تدل بالصراحة على إسلام الفريق الثاني، لأن المصالحة لأهل الكفر والردة لمخافة الفتنة لا تجوز، بل ترك قتالهم وغلبتهم هو الفتنة لقوله تعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين له} وأيضا قد سبق ما كان يقوله الحسين في صلح الحسن، أفنسي أن الضرورات تبيح المحظورات. ثم إظهار الكراهة لخلاف المصلحة المعقولة للكارة لا تكون قبيحة، وأيضا الاختلاف بين أكابر الدين في المصالح المنجر إلى عدم الرضا لا يقدح في أحد الجانبين، فليحفظ. ثم لا يغتر بما يقوله أهل الزور على أهل السنة من أنهم يقولونه بخلافة معاوية بعد الشهيد، وحاشا وكلا بل هم يقولون

(1) قال ابن المطهر الحلي: «ذهبت الإمامية كافة إلى أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو علي بن أبي طالب عليه السلام، وقالت السنة إنه أبو بكر بن أبي قحافة ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب، وخالفوا المعقول والنقول

»!!. نهج الحق: ص 171 وانظر منهاج السنة النبوية.

(2)

ابن شهر آشوب المازندراني، مناقب آل أبي طالب: 4/ 35.

(3)

الإربلي، كشف الغمة: 1/ 571؛ وعنه المجلسي، بحار الأنوار: 44/ 64. وأخرج المرتضى رواية قريبة في تنزيه الأنبياء: ص 171.

ص: 123

بصحة خلافته بعد صلح الحسن إلا أنه غير راشد (1)

والراشدون هم الخمسة، (2) بل قالوا إنه باغ. (3)

فإن قلت إذا ثبت بغيه لم لا يجوز لعنه؟ جوابه: إن أهل السنة لا يجوزون لعن مرتكب الكبيرة مطلقا، فعلى هذا لا تخصيص بالباغي لأنه مرتكب كبيرة أيضا، على أنه إذا كان باغيا بلا دليل، وأما كان بغيه بالاجتهاد ولو فاسد فلا إثم عليه فضلا عن الكبيرة ويشهد لهم قوله تعالى {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} . والأمر بالشيء نهى عن ضده عند الإمامية، فالنهي عن اللعن واضح. نعم ورد اللعن في الوصف في حق أهل الكبائر مثل قوله تعالى {ألا لعنة الله على الظالمين} وقوله تعالى {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} لكن هذا اللعن بالحقيقة على الوصف لا على صاحبه، ولو فرض عليه يكون وجود الإيمان مانعا والمانع مقدم كما هو عند الشيعة، (4) وأيضا وجود العلة مع المانع لا يكون مقتضيا، فاللعن لا يكون مترتبا على وجود الصفة حتى يرتفع الإيمان المانع، وقوله تعالى {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا إنك رءوف رحيم} نص في طلب المغفرة وترك العداوة بحيث جعل على الإيمان من غير تقييد، ويشهد لهم ما تواتر عن الأمير من نهي لعن أهل الشام، قالت

(1) ومعاوية نفسه رضي الله عنه يرى بدء خلافته من يوم مبايعة الحسن رضي الله عنه له بالخلافة، ومع ذلك فإنه في عشرين سنة تقدمت على ذلك مدة الخلافة الصديق والفاروق وذي النورين إلى عام الجماعة كان الحاكم المثالي في العدل والحكمة والسيرة الصالحة، ثم كان كذلك في عشرين سنة أخرى تولى فيها جميع أمور المسلمين عادلا مجاهدا فاتحا صالحا. روى الإمام الحافظ الثقة أبو بكر أحمد بن محمد بن هاني الأثرم المتوفى بعد سنة 270 وكان من أعلام المسلمين قال: حدثنا محمد بن حواش عن أبي هريرة المكتب قال: كنا عند سليمان بن مهران الأعمش (المتوفى سنة 148 في خلافة أبي جعفر المنصور) فذكر عمر ابن عبد العزيز وعدله، فقال الأعمش: فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: في حلمه؟ قال: لا والله، بل في عدله. وذكر أبو إسحاق السبيعي معاوية فقال:«لو أدركتموه أو أدركتم أيامه لقلتم كان المهدي» ..

(2)

قال ابن تيمية: «ومنهم من يقول: بل معاوية مجتهد مخطئ، وخطأ المجتهد مغفور، ومنهم من يقول بل المصيب أحدهما لا بعينه، ومن الفقهاء من يقول كلاهما كان مجتهدا، لكن علي كان مجتهدا مصيبا، ومعاوية كان مجتهدا مخطئا، والمصيب له أجران والمخطئ له أجر، ومنهم من يقول: بل كلاهما مجتهد مصيب، بناء على قولهم كل مجتهد مصيب، وهو قول الأشعري، وكثير من أصحابه وطائفة من أصحاب أحمد وغيره» . منهاج السنة النبوية: 4/ 392.

(3)

بل قال الشيعة أكثر من ذلك، والمؤلف يخاطب الشيعة بعقليتهم ليعود بعد ذلك فينقض كل ما تظاهر به لهم. أما المنصفون من أعلام أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيقولون كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (3: 185): «لم يكن من ملوك الإسلام ملك خيرا من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيرا منهم في زمن معاوية، إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده. وإذا نسبت إلى أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل. وقد روى أبو بكر الأثرم - ورواه ابن بطة من طريقه - عن محمد بن عمر بن جبلة عن محمد بن مروان عن يونس بن عبيد البصري عن قتادة بن دعامة السدوسي أحد أعلام الإسلام في البصرة أنه قال: «لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم: هذا المهدي» .

(4)

ينظر: محسن الطباطبائي، حقائق الأصول: 1/ 191؛ والخميني في تهذيب الأصول: 1/ 227.

ص: 124

الشيعة والنهي لتهذيب الأخلاق وتحسين الكلام كما يدل قوله في هذا المقام «إني أكره لكم أن تكونوا سبابين» ، (1) وأهل السنة يقولون هو مكروه للإمام فينبغي كراهته لنا وعدم محبوبيته وجعله قربة وإن لم نعلم وجه الكراهة. وأيضا روي في نهج البلاغة عنه - رضي الله تعالى عنه - ما يدل صراحة على المقصود، وهو أنه لما سمع لعن أهل الشام خطب وقال «إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والإعوجاج والشبهة والتأويل» . (2) فإذا صحت الروايتان في كتب الإمامية حملنا الأولى على من كان يلعنهم بالوصف وهو جائز، لا مطلقا بل لمن يبلغ الشريعة كالأنبياء، إذ قد يستعمل لبيان قباحة تلك الصفات، وأما الغير في حقه مكروه، لأنه لو اعتاده لخشي في حق من ليس أهلا له، وحملت الثانية على من يلعن أهل الشام بتعيين الأشخاص غافلا عن منع الإيمان، فأعملنا الروايتين لأن الأصل في الدلائل الإعمال دون الإهمال.

وقال بعض علماء الشيعة: البغي غير موجب للعن على قاعدتنا، لأن الباغي آثم، لكن هذا الحكم مخصوص بغير المحارب للأمير، وأما هو فكافر عندنا بدليل حديث متفق عليه عند الفريقين أنه صلى الله عليه وسلم قال للأمير:«حربك حربي» (3) وأنه قال لأهل العبا: «أنا سلم لمن سالمتم حرب لمن حاربتم» (4) وحرب الرسول كفر بلا شبهة فكذا حرب الأئمة.

قال أهل السنة هذا مجاز للتهديد والتغليط، بدليل ما حكم الأمير من بقاء إيمان أهل الشام وإخوتهم في الإسلام، على أن قوله «حرب الرسول كفر» ممنوع، إذ قد حكم على آكل الربا بحرب الله ورسوله معا قال تعالى {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} وعلى قطاع الطريق كذلك قال تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية فلم لم تحكم الشيعة بكفر هؤلاء؟ (5)

هذا ولنرجع إلى ما كنا فيه، ولنورد عدة آيات قرآنية وأخبار عن العترة تدل على المرام، وتوضح المقام. وتفسد أصل الشيعة، وتبطل هذه القاعدة الشنيعة. وبالله تعالى الاستعانة والتوفيق، ومنه يرجى الوصول إلى سواء الطريق.

(1) نهج البلاغة

(2)

نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 7/ 297.

(3)

ابن بابويه، الأمالي: ص 97؛ الطوسي، الأمالي: ص 364. قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: «وما ذكره في الحديث من قوله حربك حربي لم يذكر له إسنادا فلا يقوم به حجة فكيف وهو كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث» ..

(4)

أخرجه الترمذي في كتاب الفضائل، باب فضل فاطمة رضي الله عنها: 5/ 699، رقم 3870 وقال عنه:«حديث غريب وإنما نعرفه من هذا الوجه، وصبيح مولى أم سلمة غير معروف» ؛ وأخرجه أحمد في المسند: 2/ 442، رقم 9696؛ والطبراني في المعجم الكبير: 3/ 40، رقم 2620؛ قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم، مجمع الزوائد: 9/ 169؛ والحديث قال عنه ابن الجوزي: وهذا حديث لا يصح، العلل المتناهية: 1/ 268؛ وهو في ضعيف الترمذي: ص 813. وأخرجه من الإمامية: عماد الدين الطبري، بشارة المصطفى: ص 61؛ ابن طاوس، الطرائف: 1/ 132؛ المجلسي، بحار الأنوار: 24/ 261؛ العاملي، الوسائل: 24/ 261؛

(5)

بل حكم الشيعة بأنهم عصاة لم يخرجوا عن الإسلام. ينظر الراوندي، فقه القرآن: 1/ 367؛ الكراكجي، كنز الفوائد: 1/ 158.

ص: 125

فمن الآيات قوله تعالى {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا بعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} . (1) الحاصل أن الله تعالى وعد المؤمنين الصالحين - الحاضرين وقت النزول - بالاستخلاف والتصرف، كما جعل داود عليه السلام الوارد في حقه {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض} وغيره من الأنبياء، وبإزالة الخوف من الأعداء الكفار والمشركين، وبأن يجعلهم في غاية الأمن حتى يخشاهم الكفار ولا يخشون أحدا إلا الله تعالى، وبتقوية الدين المرتضى بأن يروجه ويشيعه (2) كما ينبغي. ولم يقع هذا المجموع إلا زمن الخلفاء الثلاثة لأن المهدي ما كان موجودا وقت النزول، والأمير وإن كان حاضرا لكن لم يحصل له رواج كما هو حقه بزعم الشيعة، بل صار أسوأ وأقبح من عهد الكفار كما صرح به المرتضى في (تنزيه الأنبياء والأئمة)(3) مع أن الأمير وشيعته كانوا يخفون دينهم خائفين هائبين من أفواج أهل البغي دائما (4). وأيضا الأمير فرد من الجماعة، ولفظ الجمع حقيقة في ثلاثة أفراد ففوق، والأئمة الاخرون لم يوجد فيهم مع عدم قصورهم تلك الأمور كما لا يخفى، وخلف الوعد ممتنع اتفاقا، فلزم أن الخلفاء الثلاثة كانوا هم الموعودين من قبله تعالى بالاستخلاف وأخويه (5) وهو معنى الخلافة الراشدة المرادفة للإمامة.

وقال الملا عبد الله المشهدي في (إظهار الحق) بعد الفحص الشديد يحتمل أن يكون «الخليفة» بالمعنى اللغوي و «الاستخلاف» الإتيان بأحد بعد آخر كما ورد في حق بنى إسرائيل {عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض} والمعنى الخاص مستحدث بعد الرحلة. جوابه: أن الاستخلاف غير مستعمل في الكلام بالمعنى اللغوي،

(1) ذهب الإمامية إلى أنها نزلت بشأن الأئمة، فعن عبد الله بن سنان قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله عز وجل

الآية، قال نزلت في علي بن أبي طالب والأئمة من ولده عليهم السلام و (ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولا يشركون بي) قال: عني به ظهور القائم». كنز الدقائق: 9/ 335؛ تفسير الصافي: 3/ 443؛ البحراني، البرهان: 4/ 145؛ وروى الكليني عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية، فقال:«إنهم الأئمة عليهم السلام» . الكافي: 1/ 193.

(2)

من الشيوع والعموم

(3)

تنزيه الأنبياء: ص 135.

(4)

المؤلف يتكلم بلغة الدين يخاطبهم من الشيعة كما تقدم التنبيه على ذلك ليتمكن من نقض مزاعمهم وإبطالها.

(5)

وهما أن يمكن الله لهم دينهم الذى ارتضى لهم، أن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا.

ص: 126

والقاعدة الأصولية للشيعة أن الألفاظ القرآنية ينبغي أن تحمل على المعاني الاصطلاحية الشرعية حتى الإمكان، لا على المعاني اللغوية. وإلا فالشرعية كلها تفسد ولا يثبت حكم كما لا يخفى. وأيضا كيف يصح تمسكهم بحديث «أنت مني» الخ المنضم إليه {اخلفني في قومي} وكيف التمسك بحديثهم «يا علي أنت خليفتي من بعدي» (1)؟ ولقد سعى المدققون من الشيعة في الجواب عن هذه الآية وتوجيهها، وأحسن الأجوبة عندهم اثنان: الأول أن «من» للبيان لا للتعبيض، و «الاستخلاف» الاستيطان. قلنا: حمل «من» الداخلة على الضمير على البيان مخالف للاستعمال وبعيد عن المعنى في الآية الكريمة وإن قال به البعض، سلمنا لكن لا يضرنا لأن المخاطبين هم الموعودون بتلك المواعيد وقد حصلت لهم، إلا أن الاستخلاف غير معقول للكل حقيقة، فالحصول للبعض حصول للكل باعتبار المنافع. وأيضا قيد «اعملوا الصالحات» وكذا «الإيمان» يكون عبثا إذ الاستيطان يحصل للفاسق وكذا الكافر. وأيضا حاشا القرآن من العبث. الثاني أن المراد الأمير فقط وصيغه الجمع للتعظيم أو مع أولاده خوف. قلنا يلزم تخلف الوعد كما لا يخفى، إذ لم يحصل لأحد منهم تمكين دين وزوال خوف، والناس شاهدة على ذلك. (2)

وانظر أيها المنصف الحصيف واللوذعي الشريف إلى ما قاله الإمام مما ينحسم فيه الإشكال في هذا المقام؛ ذكر في (نهج البلاغة) للمرتضى الذي هو أصح الكتب عندهم أن عمر بن الخطاب لما استشار الأمير عند انطلاقه لقتال فارس وقد جمعوا للقتال، أجابه «إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، وهو دين الله تعالى الذي أظهره، وجنده الذي أعده وأمده،

(1) ليست في كتب أهل السنة، بل من روايات الإمامية: ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه: 4/ 179؛ المجلسي، بحار الأنوار: 18/ 178.

(2)

قال الآلوسي الجد: «أقامها بعض أهل السنة دليلا على الشيعة في اعتقادهم عدم صحة خلافة الخلفاء الثلاثة، ولم يستدل بها على صحة خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه

إن الله تعالى وعد فيها جمعا من المؤمنين الصالحين الحاضرين وقت نزولها بما وعد من الاستخلاف، وما معه ووعده سبحانه الحق، ولم يقع إلا في عهد الثلاثة، والإمام المهدي لم يكن موجودا حين النزول قطعا بالإجماع، فلا يمكن حمل الآية على وعده بذلك، والأمير كرم الله تعالى وجهه وإن كان موجودا إذ ذاك لكن لم يرج الدين المرضي، كما هو حقه في زمانه - رضي الله تعالى عنه - بزعم الشيعة، بل صار أسوأ حالا بزعمهم مما كان في عهد الكفار، كما صرح بذلك المرتضى في (تنزيه الأنبياء والأئمة عليهم السلام، بل كل كتب الشيعة تصرح بأن الأمير وشيعته كانوا يخفون دينهم ويظهرون دين المخالفين تقية، ولم يكن الأمن الكامل حاصلا في زمانه - رضي الله تعالى عنه -، فقد كان أهل الشام ومصر والمغرب ينكرون أصل إمامته ولا يقبلون أحكامه، وهم كفرة بزعم الشيعة .... فإن حمل لفظ الجمع على واحد خلاف أصولهم، إذ أقل الجمع عندهم ثلاثة أفرد، وأما الأئمة الآخرون الذين ولدوا بعد، فلا احتمال لإرادتهم من الآية إذ ليسوا بموجودين حال نزولها، ولم يحصل لهم التسلط في الأرض، ولم يقع رواج دينهم المرتضى لهم، وما كانوا آمنين بل كانوا خائفين من أعداء الدين متقين منهم، كما أجمع الشيعة، فلزم أن الخلفاء الثلاثة هم مصداق الآية فتكون خلافتهم حقة، وهو المطلوب». روح المعاني: 18/ 205.

ص: 127

حتى بلغ ما بلغ وطلع، ونحن على وعد من الله تعالى حيث قال عز اسمه {وعد الله الذين أمنوا} وتلا الآية، والله تعالى منجز وعده وناصر جنده. ومكان القيم بالأمر في الإسلام مكان النظام من الخرز فإن انقطع النظام تفرق الخرز، ورب متفرق لم يجتمع، والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع، فكن قطبا واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك. إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا يقولوا: هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك. فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين فإن الله سبحانه وتعالى هو أكرم لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكرهه. وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة» (1) انتهى بلفظه. فتدبر فقد ارتفع الإشكال واتضح الحال والحمد لله رب العالمين.

ومنها قوله تعالى {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما} المخاطب بهذه الآية بعض القبائل ممن تخلف عن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية لعذر بارد وشغل كاسد، (2) وقد أجمع الفريقان أنه لم يقع بعد نزول هذه الآية إلا غزوة تبوك، ولم يقع فيها لا القتال ولا الإسلام، فتعين الغير. والداعي ليس جناب الرسول عليه الصلاة والسلام لا محالة، فلا بد أن يكون خليفة من الخلفاء الثلاثة الذين وقعت الدعوة في عهدهم كما في عهد الخليفة الأول لمانعي الزكاة أولا وأهل الروم آخرا، وفي عهد الخليفة الثاني والثالث كما لا يخفى على المتتبع. فقد صحت خلافة الصديق لأن الله تعالى وعد وأوعد، ورتب كلا على الإطاعة والمعصية. فهلا يكون ذلك المطاع المنقاد له بالوجود إماما؟ المنصف يعرف ذلك.

وقد تخبط ابن المطهر الحلي وقال: «يجوز أن يكون الداعي

(1) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 9/ 99.

(2)

ردا على الإمامية الذين قالوا: «والصحيح أن المراد بالداعي هو النبي صلى الله عليه وآله، لأنه دعاهم بعد ذلك إلى غزوات كثيرة، وقتال أقوام ذوي نجدة وشدة، مثل أهل خيبر والطائف ومؤتة

». مجمع البيان: 5/ 115؛ كنز الدقائق: 12/ 286.

ص: 128

الرسول عليه الصلاة والسلام في تلك الغزوات التي وقع فيها القتال، ولم ينقل لنا». وإذ فتح هذا الباب يقال كذلك: يجوز عزل الأمير بعد الغدير ونصب أبي بكر وتحريض الناس على اتباعه، ولم ينقل لنا. فانظر وتعجب. وقال بعضهم: الداعي هو الأمير، فقد دعا إلى قتال الناكثين والقاسطين والمارقين. (1) ويقال فيه: إن قتل الأمير إياهم لم يكن لطلب الإسلام بل لانتظام أحوال الإمام، ولم ينقل في العرف القديم والجديد أن يقال لإطاعة الإمام (إسلام) ولمخالفته (كفر). ومع هذا نقل الشيعة روايات صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حق الأمير أنه قال: إنك يا علي تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. وظاهر أن المقاتلة على تأويل القرآن لا تكون إلا بعد قبول تنزيله، وذلك لا يعقل بدون الإسلام، بل هو عينه، فلا يمكن المقاتلة على التأويل على الإسلام بالضرورة وهو ظاهر.

ومنها قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} . مدح الله تعالى في هذه الآية الكريمة الذين قاتلوا المرتدين بأكمل الصفات وأعلى المبرات، وقد وقع ذلك من الصديق وأنصاره بالإجماع، لأن ثلاث فرق قد ارتدوا في آخر عهده عليه السلام. (2) الأولى بنو مدلج قوم أسود العنسي ذى الخمار الذي ادعى النبوة في اليمن وقتل على يد فيروز الديلمي، الثانية بنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب المقتول في أيام خلافة الصديق على يد وحشي، الثالثة بنو أسد قوم طليحة بنى خويلد المتنبئ، ولكنه آمن بعد أن أرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالدا وهرب منه إلى الشام. وقد ارتد في خلافة الصديق سبع فرق: بنو فرازة قوم عيينة بن حصن، وبنو غطفان قوم قرة بن سلمة، وبنو سليم قوم ابن عبد ياليل، وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض بني تميم قوم سجاح بنت المنذر، وبنو كندة قوم أشعث بن قيس الكندي، وبنو بكر في البحرين. وارتدت فرقة في زمن عمر - رضي الله تعالى عنه - والتحقت بالنصارى إلى الروم. وقد استأصل الصديق كل فرقة وأزعجهم واستردهم

(1) يعني من قاتل علي بن أبي طالب في خلافته، وخاصة أهل صفين كما نقل عن الإمامية، وبذلك صرح المازندراني في المناقب: 3/ 164؛ وقال أيضا: «المعني به أمير المؤمنين عليه السلام في قتال الخوارج» . متشابه القرآن: 2/ 68.

(2)

لذا قال القمي في تفسير هذه الآية: «هو مخاطبة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذين غصبوا آل محمد صلوات الله عليهم حقهم، وارتدوا عن دين الله، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه

». تفسير القمي: 1/ 170؛ وأخرجها أيضا الصافي في تفسيره: 2/ 42.

ص: 129

إلى الإسلام كما أجمع عليه المؤرخون كافة. ولم يقع للأمير ذلك، بل كان متحسرا على ما هنالك، وكم قال «ابتليت بقتال أهل القبلة» كما رواه الإمامية، وتسمية منكري الإمامة مرتدين مخالفة للعرف القديم والحديث. على أن المنكر للنص غير كافر (1) كما قال الكاشي وصاحب الكافي. (2) وانظر إلى ما قال الملا عبد الله صاحب (إظهار الحق) ما نصه:«فإن قيل فإن لم يكن النص الصريح ثابتا كما في باب خلافة الأمير فالإمامية كاذبون، وإن كان لزم أن يكون جماعة الصحابة مرتدين والعياذ بالله تعالى، أجيب أن إنكار النص الذي هو موجب للكفر إنما هو اعتقاد أن الأمر المنصوص باطل وإن كذبوا في ذلك التنصيص رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاشا. أما لو تركوا الحق مع علمهم بوجوبه للأغراض الدنيوية وحب الجاه فيكون ذلك من الفسوق والعصيان لا غير» ثم قال «فالذين اتفقوا على خلافة الخليفة الأول لم يقولوا إن النبي صلى الله عليه وسلم نص عليها لأحد أو قال بما لا يطابق الواقع فيها، معاذ الله، بل منهم من أنكر بعض الأحيان تحقق النص، وأول بعضهم كلام الرسول صلى الله عليه وسلم تأويلا بعيدا» انتهى كلامه.

وأيضا قال الأمير في بعض خطبه المروية عنه عندهم «أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل» (3) وأيضا قد منع السب كما تقدم، وسب المرتد غير منهي عنه. قطعنا النظر وسلمنا أن الأمير قاتل المرتدين، فالمقاتل لهم زمن الخليفة الأول شريك في المدح أيضا، وإلا لزم الخلف لعموم من في الشرط والجزاء كما تقرر في الأصول. والمقاتل هو (4) وأنصاره لا الأمير، إذ لم يدافع أحدا منهم ولا عساكره، إذ هم (5) غير موصوفين بما ذكر، فلكم «أنبئتُ بُسرا قد اطلع اليمن، وإني والله لا أظن هؤلاء القوم سيدالون منكم (6) باجتماعهم

(1) أي عند الشيعة. والمؤلف يخاطبهم في هذا الكتاب باسلوبهم وعقليتهم وأدلتهم وبالمسلمات عندهم.

(2)

إشارة إلى رواية الكليني عن زرارة عن أبي عبد الله أنه قال: «لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا» . الكافي: 2/ 388. وينظر ما قاله أغا العراقي في نهاية الأفكار: 3/ 190.

(3)

نهج البلاغة

(4)

أي الخليفة الأول

(5)

أي عساكر الأمير

(6)

أي سيعطيهم الله الغلبة عليكم

ص: 130

على باطلهم وتفرقكم عن حقكم. وبمعصيتكم إمامكم في الحق، وطاعتهم إمامهم في الباطل. وبأدائهم الأمانة إلى أصحابهم. وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم. فلو ائتمنت أحدكم على قعب (1) لخشيت أن يذهب بعلاقته. اللهم قد مللنهم وملوني وسئمتهم وسئموني، فأبدلني خيرا منهم وأبدلهم بي شرا مني. اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح بالماء. لوددت والله لو أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم (2)

هنالك لو دعوت أتاك منهم

فروارس مثل أرمية (3) الحميم (4)

ويقول في خطبة أخرى: أحمد الله على ما قضى من أمر، وقدر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعوت لم تجب. ثم قال بعد كلام: وإنى لصحبتكم قالٍ وبكم غير كثير

» (5) الخ. والنهج مملوء من أمثال هذه الكلمات، ومحشو من مثل هذه الشكايات. فانظر هل يمكن تطبيق الأوصاف القرآنية على هؤلاء الأقوام (6) وهل يجتمع النقيضان! (7) وكلام الله كاذب، أم كلام الإمام؟ (8)

وأيضا يستفاد من سياق الآية وسباقها أن فتنة المرتدين تدفع بسعي القوم الموصوفين ويتحقق صلاح الدين، إذ الآية سيقت لتسلية قلوب المؤمنين وتقويهم، ولإزالة خوفهم من المرتدين وفتنتهم، ولم تنته مقاتلات الأمير إلا إلى الضد كما لا يخفى.

هذا وبقيت آيات كثيرة وأدلة غزيرة تركناها اكتفاء بما ذكرناه، واعتمادا على أن المنصف يكفيه ما سطرناه.

وأما أقوال العترة فمنها ما أورده المرتضى في (نهج البلاغة) عن أمير المؤمنين من كتابه الذي كتبه إلى معاوية وهو:

«أما بعد فإن بيعتي يا معاوية لزمتك وأنت بالشام، فإنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، وعلى ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا

(1)«القعب: قدح من خشب مقعر» . لسان العرب: مادة قعب، 1/ 683.

(2)

«حي مشهور بالشجاعة» . شرح نهج البلاغة: 1/ 341.

(3)

لأرمية: «جمع رمي وهو السحاب، والحميم ها هنا وقتا الصيف، وإنما خص الشاعر هنا سحاب الصيف بالذكر لأنه أشد جفوا» . شرح نهج البلاغة: 1/ 342

(4)

تاريخ دمشق: 10/ 361؛ نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 3/ 75؛ البداية والنهاية: 8/ 12.

(5)

نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 10/ 67.

(6)

فمن هذه صفاته لا يدخل تحت قوله تعالى: {يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله حق جهاده ولا يخافون لومة لائم} فأين هم من الجهار؟ وهذه المعاناة ليست خاصة بعلي، ففي رواية أخرجها الطوسي عن أبي حمزة الثمالي قال:«قال أبو عبد الله عليه السلام لطائفة من شيعته: وأيم الله لو دعيتم لتنصرونا لقلتم لا نفعل إنما نتقي! ولكانت التقية أحب إليكم من آبائكم وأمهاتكم ولو قام القائم ما احتاج إلى مسائلتكم عن ذلك ولأقام في كثير منكم حد النفاق» . تهذيب الأحكام: 6/ 172.

(7)

يعني الأوصاف الواردة في الأية {فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه. أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين

}

(8)

أي ذم أمير المؤمنين شيعته وجنده، والوصف القرآني الوارد في الآية.

ص: 131

للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا، فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن آبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى.» (1)

ومنتهى ما أجاب الشيعة عن أمثال هذه أنه من مجاراة الخصم ودليل الزامي، وهو تحريف لا ينبغي لعاقل ولا يليق بفاضل، إذ فيه غفلة وإغماض عن أطراف الكلام الزائدة على قدر الإلزام، إذ يكفى فيه بيعة أهل الحل والعقد كما لا يخفى. وأيضا الدليل الإلزامي مسلم عند الخصم، ومعاوية لا يسلم ما ذكر، ويرشدك إلى ذلك كتبه إلى الأمير كما هو مذكور عند الإمامية وغيرهم، (2) فمذهبه كما يظهر منها أن كل مسلم قرشي مطلقا إذا كان قادرا على تنفيذ الأحكام وإمضاء الجهاد وحماية حوزة الإسلام وحفظ الثغور ودفع الشرور وبايعه جماعة من المسلمين من أهل العراق أو من أهل الشام أو من المدينة المنورة فهو الإمام. وإنما لم يتبع الأمير لاتهامه له بقتله عثمان (3) وحفظ أهل الجور والعصيان، وكان يعتقده قادرا على تنفيذ الأحكام وأخذ القصاص الذي هو من عمدة أمور شريعة سيد الأنام وذلك بزعمه ومقتضى فهمه. ومن أجلى البديهات أن بيعة المهاجرين والأنصار التي لم تكن خافية على معاوية قط لو حسبها معتدا بها لم يذكر في مجالسه ومكاتيبه قوادح الأمير، بل خطأ تلك البيعة أيضا بالصراحة كما هو معروف من مذهبه على ما لا يخفى على الخبير. فما ذكر في مقابلته من بيعة المهاجرين والأنصار دليل تحقيقي مركب من المقدمات الحقة فيثبت المطلوب.

ومنها ما في (النهج) أيضا عن الأمير «لله بلاد أبي بكر لقد قوم الأود، (4) وداوَى العلل، وأقام السنة، وخلّف البدعة، وذهب نقي الثوب قليل العيب، أصاب خيرها واتقى شرها، أدى لله طاعة واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طريق متشعبة لا يهتدي فيها الضال، ولا يستيقن المهتدي» . (5)

وقد حذف الشريف صاحب النهج حفظا لمذهبه لفظ

(1) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 12/ 3؛ تاريخ دمشق: 59/ 128.

(2)

من ذلك ما نقله المجلسي من كتاب معاوية إلى علي رضي الله عنهم اأنه قال: «فقد آن لك أن تجيب ما فيه صلاحنا وألفة بيننا

». بحار الأنوار: 32/ 538.

(3)

أي وجودهم في نطاق حكمه دون أن يقام عليهم الحد الشرعي.

(4)

الأوَد: هو العوج. شرح نهج البلاغة: 6/ 102.

(5)

نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 12/ 223. وقال ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة: «وفلان المكنى عمر بن الخطاب، وفي النسخة التي بخط الرضي أبي الحسن جامع (نهج البلاغة) وتحت فلان عمر»

ص: 132

(أبي بكر) وأثبت بدله (فلان) وتأبى الأوصاف إلا أبا بكر، ولهذا الإبهام اختلف الشراح فقال البعض هو أبو بكر وبعض هو عمر، ورجح الأكثر الأول وهو الأظهر فقد وصفه من الصفات بأعلى مراتبها، فناهيك به وناهيك بها. وغاية ما أجابوا أن مثل هذا المدح كان من الإمام لاستجلاب قلوب الناس لاعتقادهم بالشيخين أشد الاعتقاد، ولا يخفى على المنصف أن فيه (1) نسبة الكذب [إلى المعصوم](2) لغرض دنيوي مظنون الحصول، بل كان اليأس منه (3) وفي الحديث الصحيح «إذا مدح الفاسق غضب الرب» ، (4) وأيضا أية ضرورة تلجئه إلى هذه التأكيدات والمبالغات؟ وكان يكفيه أن يقول: لله بلاد فلان قد جاهد الكفر والمرتدين، وشاع بسعيه الإسلام، وقام عماد المسلمين، ووضع الجزية، وبنى المساجد، ولم تقع في خلافته فتنة ولا بقي فيها معاند. ونحو ذلك. وفرق بين هذا والسلوك في هاتيك المسالك. وأيضا في هذا المدح العظيم الكامل تضليل الأمة وترويج للباطل، وذلك محال من المعصوم، (5) بل كان الواجب عليه بيان الحال لمن بين يديه بموجب الحديث الصحيح «اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس» (6) فانظر وأنصف. وأجاب بعض الإمامية أن المراد من (فلان) رجل من الصحابة مات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واختار هذا القول الراوندي، (7) وانظر هل يمكن لغيره

(1) أي في هذا التعليل البارج من الشيعة.

(2)

زيادة من نهج السلام

(3)

أي إلا عن اعتقاد بصدق ما يقوله.

(4)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس: 3/ 230؛ وهو في السلسلة الضعيفة: 3/ 1399.

(5)

نذكر القارئ بان المؤلف يجاري القوم بما فيه إلزام لهم مما يعتقدونه ويسلمون بصحته.

(6)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 10/ 210؛ والطبراني، المعجم الكبير: 19/ 418؛ وهو في ضعيف الجامع: 1/ 104.

(7)

قال عنه الذهبي: «الملحد عدو الله

كان يلازم الرافضة والملاحدة»، مات سنة 245هـ. وفيات الأعيان: 1/ 94؛ سير أعلام النبلاء: 14/ 59.

ص: 133

- صلى الله عليه وسلم في زمنه الشريف تقويم الأود، ومداواة العلل وإقامة السنة وغيرها؟ وهل يعقل أن رجلا مات وترك الناس فيما ترك والنبي صلى الله عليه وسلم موجود بنفسه وذاته الأنيسة؟ سبحانك هذا بهتان عظيم وزور جسيم. (1)

وقال البعض: غرض الإمام من هذه العبارة توبيخ عثمان والتعريض به، فإنه لم يذهب على سيرة الشيخين. وفيه: أما أولا فالتوبيخ يحصل بدون هذه الكذبات فما الحاجة إليها؟ وأما ثانيا فسيرة الشيخين إن كانت محمودة فقد ثبتت إمامتها وإلا فالتوبيخ على عثمان بتركها لا ينبغي، وأما ثالثا فهذه من خطبات الكوفة، (2) فما الموجب لعدم الصراحة بالتوبيخ:«أنا الغريق فلا أخشى من البلل» . (3)

ومنها ما نقله علي بن عيسى الإربلي الاثنا عشري (4) في كتابه (كشف الغمة في معرفة الأئمة) أنه «سُئل الإمام أبو جعفر عن حلية السيف هل تجوز؟ فقال: نعم، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة. فقال الراوي: أتقول هذا؟ فوثب الإمام عن مكانه فقال: نعم الصديق، نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة» (5) ومن الثابت أن مرتبة الصديقية بعد النبوة، ويشهد لها القرآن، والآيات كثيرة، منها قوله تعالى {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} ولا أقل من كونها صفة مدح فوق الصالح، وإذا قال المعصوم (6) في رجل إنه صالح ارتفع عنه احتمال الجور والفسق والظلم والغضب، وإلا لزم الكذب وهو محال، فكيف يعتقد فيه غضب الإمامة وتضييع حق الأمة؟ ولعمرك المعتقد داخل في عموم هذا الدعاء، ويكفيه جزاء. وغاية ما أجابوا أنه تقية (7) وأنت تعلم أن وضع السؤال يعلم منه أن السائل شيعي، فلم التقية منه وهذا التأكيد؟ وبعضهم أنكر هذا الكلام، والنسخ شاهدة لنا وإن لم يوجد في البعض فالبعض الآخر كاف، والنسخ كثيرة والروايات في هذا الباب أكثر والله أعلم.

(1) أي لا يمكن أن يصح هذا لأحد والنبي صلى الله عليه وسلم حي.

(2)

نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 12/ 5.

(3)

بيت للمتنبي: وَالهَجْرُ أقْتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ

أنَا الغَريقُ فَما خَوْفي منَ البَلَلِ

(4)

من صناديد متعصبي الشيعة في القرن السابع الهجري، له ترجمة في روضات الجنات ص 386 الطبعة الثانية.

(5)

كشف الغمة عن معرفة الأئمة: 2/ 148. وأخرجه من أهل السنة أبو نعيم، حلية الأولياء: 3/ 185؛ وعزاه ابن حجر الهيثمي إلى الدارقطني كما في الصواعق المحرقة: ص 79.

(6)

أي في اعتقاد الخصم.

(7)

قال ذلك نور الله الشوشتري في الصوارم المهرقة: ص 236.

ص: 134

ولنذكر بعض الأدلة المأخوذة من الكتاب وأقوال العترة الأنجاب مما يوصل إلى المطلوب بأدنى تأمل:

الأول أن الله تعالى ذكر جماعة الصحابة الذين كانوا حاضرين حين انعقاد خلافة أبي بكر الصديق وممدين له وناصرين له في أمور الخلافة ملقبا لهم في مواضع من تنزيله قال تعالى {أولئك هم الفائزون} وقال تعالى {رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} (1) وقال تعالى {حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} (2) فإجماع مثل هؤلاء الأقوام على منشأ الجور والآثام محال وإلا لزم الكذب وهو كما ترى.

الثاني أن الله تعالى وصف الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - بقوله عز اسمه {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} فكيف يرتكبون ذلك فيلزم الخلف وهو محال.

الثالث أن الله تعالى قال في المهاجرين {أولئك هم الصادقون} بعد قوله سبحانه {للفقراء المهاجرين} الآية (3) وجميعهم قائلون بخلافة الصديق، ولو لم تكن حقة لزم الخلف في الآية وهو محال.

الرابع أن جماعة كثيرين من الصحابة قد وقع اتفاقهم على خلافة أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - وكل ما يكون متفقا عليه لجماعة الأمة فهو حق وخلافه باطل بما ذكره الرضى في (نهج البلاغة) مرويا عن الأمير في كلام له «الزموا السواد الأعظم فإن يد الله على الجماعة وإياكم والفرقة فإن الشاذ من الناس للشيطان كما أن الشاذ من الغنم للذئب» . (4)

الخامس أن قوما جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقتلوا آباءهم وأبناءهم وإخوانهم وأقاربهم ولم يراعوا حقهم نصرة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وقد حضروا هذه البيعة ولم يخالفوا فلا بليق بهم ما نسب. وكيف يرضى بذلك العاقل.

السادس أن أمير المؤمنين لما سئل عن أحوال الصحابة الماضين وصفهم بلوازم الولاية وقال كما في نهج البلاغة: «كانوا إذا ذكروا الله هملت (5) أعينهم حتى تبل جباههم ومادوا

(1) روى الكليني عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله قال في تفسير هذه الآية: «فبدأ بالمهاجرين الأولين على درجة سبقهم ثم ثنى بالأنصار ثم ثلث بالتابعين فوضع كل قوم على قدر درجتهم ومنازلهم» . الكافي، باب السبق إلى الإيمان: 2/ 41؛ تفسير العياشي: 2/ 105.

(2)

وفي الكافي عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله في قوله تعالى: {حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم} يعني الأمير، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان: الأول والثاني والثالث». الكافي: 1/ 426. ويعني بهم الخلفاء الثلاثة، وأخرج الرواية أيضا الحويزي في تفسيره: نور الثقلين: 5/ 22.

(3)

من سورة الحشر: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون}

(4)

نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 8/ 112.

(5)

في المطبوع ونهج السلامة (همت)، والتصحيح من نهج البلاغة.

ص: 135

كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء للثواب» وقال أيضا «كان أحب اللقاء إليهم لقاء الله وإنهم يتقلبون على مثل الجمر من ذكر معادهم» فالانكار من هؤلاء والإصرار على مخالفة الله والرسول صلى الله عليه وسلم من المحالات.

السابع ما ذكر في الصحيفة الكاملة للسجاد من الدعاء لهم ومدح متابعيهم ولا احتمال للتقية في الخلوات وبين يدي رب البريات ونصه «اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} خير جزائك الذين قصدوا سمتهم وتحروا وجهتهم ومضوا في قفو أثرهم والائتمام بهداية منارهم يدينون بدينهم على شاكلتهم (1) لم يثنهم ريب في بصيرتهم (2) ولم يختلج شك في صدورهم» إلى آخر ما قال. (3)

فالإصرار من هؤلاء الأخيار على كتمان الحق وتجويز الظلم والجور على عترة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم لا يقول به عاقل ولا يفوه به كامل.

الثامن ما أورده الكليني في الكافي في باب السبق إلى الإيمان (4) بروايات أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال «قلت له إن الإيمان درجات ومنازل يتفاضل المؤمنون فيها عند الله. قال نعم. قلت صفه لي رحمك الله حتى أفهمه، قال: إن الله سبق بين المؤمنين كما يستبق بالخيل يوم الرهان ثم فضلهم على درجاتهم في السبق إليه فجعل كل امرئ منهم على درجة سبقه ولا ينقصه فيها من حقه ولا يتقدم مسبوق سابقا ولا مفضول فاضلا تفاضل بذلك أوائل الأمة وأواخرها. ولو لم يكن للسابق إلى الإيمان فضل على المسبوق إذا للحق آخر هذه الأمة أولها، نعم ولتقدموهم إذ لم يكن لمن سبق إلى الإيمان فضل على من أبطأ عنه ولكن بدرجات الإيمان قدم الله السابقين وبالإبطاء عن الإيمان أخر الله المؤخرين، لأنا نجد من المؤمنين من الآخرين من هو أكثر علما من الأولين وأكثرهم صلاة وصوما وحجا وزكاة وجهادا وإنفاقا ولو لم تكن سوابق يفضل الله بها المؤمنين لكان الآخرون بكثرة العمل متقدمين على الأولين ولكن أبى الله

(1) في الصحيفة السجادية: (ومضوا على شاكلتهم).

(2)

في المطبوع: (يتهم ريب في قصدهم).

(3)

الصحيفة السجادية: ص 40.

(4)

ص 164 طبعة إيران سنة 1278.

ص: 136

عز وجل أن يدرك آخر درجات الإيمان أولها ويقدم فيها من أخّر الله أو يؤخر فيها من قدم الله. قلت: أخبرني عما ندب الله عز وجل المؤمنين إليه من الاستباق إلى الإيمان. فقال: قول الله عز وجل {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله} وقوله تعالى {السابقون السابقون أولئك المقربون} وقوله تعالى {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} (1) فبدأ بالمهاجرين على درجة سبقهم ثم ثنى بالأنصار ثم ثلث بالتابعين لهم بإحسان، فوضع كل قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده ثم ذكر ما فضل الله به أولياءه بعضهم على بعض فقال عز من قائل {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم فوق بعض درجات} الآية وقال تعالى {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} وقال تعالى {انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض} وقال تعالى {وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا} إلى آخر الحديث وقال في آخره «فهذا ذكر درجات الإيمان ومنازله عند الله عز وجل» . (2) فقد علم من هذا الحديث أن المهاجرين والأنصار كانوا في أعلى الدرجات من الإيمان ولم يصل غيرهم إلى ما وصلوا لقوله تعالى {أولئك المؤمنون حقا} وقوله تعالى {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} الآية. فكيف يصدر ممن كانوا كذلك الإصرار على ما لا يرضاه الله تعالى من المسالك؟

التاسع أن الأمير كرم الله تعالى وجهه قد مدح الشيخين ودعا لهما حسبما ثبت عند الفريقين وقد نقل شراح نهج البلاغة كتاب الأمير إلى معاوية وقد قال فيه بعد ما ذكر أبا بكر وعمر «لعمري إن مكانيهما لعظيم وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد رحمها الله تعالى وجزاهما بأحسن ما عملا» (3) فكيف يتصور صدور مثل ذلك عن المعصوم لو كانا غاصبين ظالمين؟ معاذ الله من ذلك، ونسأله سبحانه العصمة عما يعتقده أولئك.

هذا والكتب ملأى من أمثال هذه العبارات والأدلة القطعيات. وفيما ذكر كفاية لمن حلت بقلبه الهداية. والسلام على من اتبع الهدى، وخشي عواقب الردى.

(1) ومن رضي الله عنه لا يسخط عليه إلا عدو لله.

(2)

الكافي: 2/ 33 - 34؛ تفسير العياشي: 2/ 105.

(3)

نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 15/ 76.

ص: 137