المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومن تعصباتهم أن أهل السنة عندهم أنجس من اليهود والنصارى، - مختصر التحفة الاثني عشرية - جـ ١

[محمود شكري الألوسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المختصر السيد محمود شكري الآلوسي

- ‌الباب الأول في ذكر‌‌ فرق الشيعةوبيان أحوالهم وكيفية حدوثهم وتعداد مكائدهم

- ‌ فرق الشيعة

- ‌(الشيعة المخلصون)

- ‌(الشيعة التفضيلية)

- ‌(الشيعة السبية)

- ‌(الشيعة الغلاة)

- ‌(فرق الشيعة الغلاة)

- ‌‌‌(السبئية)

- ‌(السبئية)

- ‌(المفضلية)

- ‌(السريغية)

- ‌(البزيعية)

- ‌(المغيرية)

- ‌(الجناحية)

- ‌(البيانية)

- ‌(المنصورية)

- ‌(الغمامية)

- ‌(الأموية)

- ‌(التفويضية)

- ‌(الخطابية)

- ‌(المعمرية)

- ‌(الغرابية)

- ‌(الذبابية)

- ‌(الذمية)

- ‌(الاثنينية)

- ‌(الخمسية)

- ‌(النصيرية)

- ‌(الإسحاقية)

- ‌(العلبائية)

- ‌(الرزامية)

- ‌(المقنعية)

- ‌(فرق الشيعة الإمامية)

- ‌(الحسنية)

- ‌(النفسية)

- ‌(الحكمية)

- ‌(السالمية)

- ‌(الشيطانية)

- ‌(الزرارية)

- ‌(البدائية، المفوضة، اليونسية)

- ‌(الباقرية)

- ‌(الحاصرية)

- ‌(الناووسية)

- ‌(العمارية)

- ‌(المباركية)

- ‌(الباطنية)

- ‌(القرامطة)

- ‌(الشمطية)

- ‌(الميمونية)

- ‌(الخلفية)

- ‌(البرقعية)

- ‌(الجنابية)

- ‌(السبعية)

- ‌(المهدوية)

- ‌(الأفطحية)

- ‌(المفضلية)

- ‌(الممطورية)

- ‌(الموسوية)

- ‌(الرجعية)

- ‌(الإسحاقية)

- ‌(الأحمدية)

- ‌(الاثنا عشرية)

- ‌(الجعفرية)

- ‌(الشيخية أو الأحمدية)

- ‌(الرشتية الكشفية)

- ‌(البابية)

- ‌(القرتية)

- ‌مكائد الرافضة

- ‌الأولى

- ‌الثانية

- ‌الثالثة

- ‌الرابعة

- ‌الخامسة

- ‌السادسة

- ‌السابعة

- ‌الثامنة

- ‌التاسعة

- ‌العاشرة

- ‌الحادية عشر

- ‌الثانية عشر

- ‌الباب الثاني في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك

- ‌في ذكر أقسام أخبارهم

- ‌(الأدلة عند الشيعة)

- ‌(في ذكر أحوال رجالهم وطبقاتهم)

- ‌الطبقة الأولى

- ‌الطبقة الثانية

- ‌الطبقة الثالثة

- ‌الطبقة الرابعة

- ‌الطبقة الخامسة

- ‌الطبقة السادسة

- ‌الطبقة السابعة

- ‌(ادعاء كل فرق الشيعة أنهم على مذهب أهل البيت)

- ‌(اختلاف أهل السنة)

- ‌الباب الثالث في الإلهيات

- ‌الباب الرابع في النبوة

- ‌الباب الخامس في الإمامة

- ‌(في إبطال ما استدل به الرافضة على مذهبهم)

- ‌(الآيات القرآنية)

- ‌(الأدلة الحديثية)

- ‌(الدلائل العقلية)

- ‌تتمة لبحث الإمامة

- ‌(كثرة اختلاف الشيعة)

- ‌(اختلاف الإمامية في أئمتهم)

- ‌الباب السادس في بعض عقائد الإمامية المخالفة لعقائد أهل السنة

- ‌العقيدة الأولى

- ‌العقيدة الثانية

- ‌العقيدة الثالثة

- ‌الباب السابع في الأحكام الفقهية

- ‌صفة الوضوء والغسل والتيمم

- ‌(مسائل تتعلق بالصلاة)

- ‌مسائل الصوم والاعتكاف

- ‌مسائل الزكاة

- ‌مسائل الحج

- ‌مسائل الجهاد

- ‌مسائل النكاح والبيع

- ‌مسائل التجارة

- ‌مسائل الرهن والدين

- ‌مسائل الغصب والوديعة

- ‌مسائل العارية

- ‌مسائل اللقيط

- ‌مسائل الإجارة والهبة والصدقة والوقف

- ‌مسائل النكاح

- ‌مسائل المتعة

- ‌مسائل الرضاع والطلاق

- ‌مسائل الإعتاق والأيمان

- ‌مسائل القضاء

- ‌مسائل الدعوى

- ‌مسائل الشهادة والصيد والطعام

- ‌مسائل الفرائض والوصايا

- ‌مسائل الحدود والجنابات

- ‌الباب الثامن مطاعنهم في الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة المكرمين وحضرة الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌المطاعن الأولى في حق الصديق الأجل

- ‌المطاعن الثانية في حق الفاروق رضي الله عنه

- ‌المطاعن الثالثة في حق ذى النورين وثالث العمرين رضي الله عنه

- ‌المطاعن الرابعة في حق أم المؤمنين وحبيبة حبيب رب العالمين عائشة الصديقة وزوج مفخر العوالم على الحقيقة

- ‌مطاعنهم في الصحابة رضي الله تعالى عنهم على سبيل العموم

- ‌(وقعة الجمل)

- ‌(وقعة صفين)

- ‌الباب التاسع في ذكر ما اختص بهم ولم يوجد في غيرهم من فرق الإسلام

- ‌(في ذكر بعض خرافاتهم)

- ‌(القول بالتقية)

- ‌(الأنبياء وولاية علي)

- ‌(في‌‌ مشابهتهم لليهودوالنصارى)

- ‌ مشابهتهم لليهود

- ‌(مشابهتهم للنصارى)

- ‌(مشابهتهم للصابئين)

- ‌(مشابهتهم للمشركين)

- ‌(مشابهتهم للمجوس)

- ‌(خاتمة)

- ‌خاتمة:

الفصل: ومن تعصباتهم أن أهل السنة عندهم أنجس من اليهود والنصارى،

ومن تعصباتهم أن أهل السنة عندهم أنجس من اليهود والنصارى، حتى لو أصاب البدن شيء منهم غسلوه، مع أن المتلطخ بالغائط والعذرة عندهم ليس بنجس.

ومن تعصباتهم أنهم يرون أن الإبتداء بلعن أبي بكر وعمر بدل التسمية في كل أمر ذي بال أحب وأولى. ويقولون: كل طعام لعن عليه الشيخان سبعين مرة كان فيه زيادة البركة. (1) ولا يخفى على من له بصيرة أن هؤلاء لا إيمان لهم ولا دين، بل هم من زمرة الشياطين، {وكذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار}

(القول بالتقية)

ومن خصائصهم القول بالتقية بالمعنى الذي لا يريده أهل السنة من قوله تعالى {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة} (2)

وتحقيق ذلك على وجه البسط أن التقية محافظة النفس أو العرض أو المال من شر الأعداء. (3) والعدو قسمان: الأول من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمتاع والملك والإمارة، ومن هنا صارت (التقية) قسمين: أما القسم الأول في العداوة المبنية على اختلاف الدين فالحكم الشرعي فيه أن كل مؤمن وقع في محل لا يمكن له أن يظهر دينه لتعرض المخالفين وجب عليه الهجرة إلى محل يقدر فيه على إظهار دينه، ولا يجوز له أصلا أن يبقى هناك ويخفي دينه ويتشبث بعذر الاستضعاف، فإن أرض الله واسعة. نعم إن كان ممن له عذر شرعي في ترك الهجرة كالصبيان والنساء والعميان والمحبوسين والذين يخوفهم المخالفون بالقتل أو قتل الأولاد أو الآباء أو الأمهات تخويفا يظن معه إيقاع ما خوفوا غالبا، سواء كان هذا القتل بضرب العنق أو بحبس القوت أو بنحو ذلك، فإنه يجوز له المكث مع المخالف والموافقة بقدر الضرورة، ويجب عليه أن يسعى في الحيلة للخروج والفرار بدينه. وإن كان التخويف بفوات المنفعة أو بلحوق المشقة التي يمكنه تحملها كالحبس مع القوت والضرب غير المهلك فإنه لا يجوز له موافقتهم، وفي صورة

ص: 287

الجواز أيضا فإن موافقتهم رخصة، وإظهار مذهبه عزيمة، فلو تلفت نفسه بذلك فإنه شهيد قطعا. ومما يدل على أنها رخصة ما روي عن الحسن أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأحدهما: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، فقال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم. ثم دعا الآخر فقال له أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: إنى أصم، قالها ثلاثا وفي كل يجيبه بأني أصم، فضرب عنقه. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما هذا المقتول فقد مضى على صدقه ويقينه وأخذ بفضله، فهنيئا له، وأما الآخر فقد رحمه الله تعالى فلا تبعة عليه. (1)

وأما القسم الثاني في العداوة المبينة على الأغراض الدنيوية فقد اختلف العلماء في وجوب الهجرة وعدمه، فقال بعضهم: تجب لقوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} وبدليل النهي عن إضاعة المال. وقال قوم: لا تجب إذ الهجرة عن ذلك المقام مصلحة من المصالح الدنيوية. ولا يعود من تركها نقصان في الدين لاتحاد الملة، وعدوه القوي المؤمن لا يتعرض له بالسوء من حيث هو مؤمن. وقال بعضهم: الحق أن الهجرة هنا قد تجب أيضا إذا خاف هلاك نفسه أو أقاربه أو هتك حرمته بالإفراط، ولكن ليست عبادة وقربة حتى يترتب عليها الثواب، فإن وجوبها محض مصلحة دنيوية لذلك المهاجر لا لإصلاح الدين فيترتب عليها الثواب، وليس كل واجب يثاب عليه لأن التحقيق أن كل واجب لا يكون عبادة، بل كثير من الواجبات لا يترتب عليه ثواب كالأكل عند شدة الجوع والاحتراز عن المضرات المعلومة أو المظنونة في المرض، فهذه الهجرة في مصالح الدنيا ليست كالهجرة إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فتكون مستوجبة لفضل الله تعالى وثواب الآخرة. وعدّ قوم من باب التقية مداره الكفار والفسقة والظلمة وإلانة الكلام والتبسم في وجوههم والانبساط معهم وإعطائهم لكف أذاهم وقطع لسانهم وصيانة العرض منهم، ولا يعد ذل من باب الموالاة المنهي عنها، بل هي سنة وأمر مشروع، فقد روى الديلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن الله أمرني بمداراة الناس، كما أمرني بإقامة الفرائض» (2) وفي رواية «بعثت بالمداراة» (3) وفي الجامع «سيأتيكم ركب مبغضون،

(1) مصنف ابن أبي شيبة: 6/ 476.

(2)

ضعيف الجامع: رقم 1567.

(3)

وضعه في ضعيف الجامع: رقم 2337.

ص: 288

فإذا جاءوكم فرحبوا بهم» (1) وروى ابن أبي الدنيا (2)«رأس العقل بعد الإيمان بالله تعالى مداراة الناس» (3) وفي رواية البيهقي «رأس العقل المداراة» (4) وأخرج الطبراني «مداراة الناس صدقة» (5) وفي رواية له «ما وقى به المؤمن عرضه فهو صدقة» (6) وأخرج ابن عدي وابن عساكر «من عاش مداريا مات شهيدا، قوا بأموالكم أعراضكم، وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه» (7) وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة» ثم أذن له فألان له القول، فلما خرج قلت: يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال:«يا عائشة إن من شر الناس من يتركه الناس - أو يدعه الناس - اتقاء فحشه» (8) وفي البخاري عن أبي الدرداء «إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم» وفي رواية الكشميهني «وإن قلوبنا لتقليهم» وفي رواية ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحرمي بزيادة «ونضحك إليهم» إلى غير ذلك من الأحاديث.

ولكن لا ينبغي المداراة إلى حيث يخدش الدين ويرتكب المنكر ويسيء الظنون. هذا كله على مذهب أهل السنة، وبقي قولان لفئتين متباينتين من الناس وهم الخوارج والشيعة:

أما الخوارج فذهبوا إلى أنه لا تجوز التقية بحال، ولا يراعى المال وحفظ النفس والعرض في مقابلة الدين أصلا. ولهم تشديدات في هذا الباب عجيبة، منها أن احدا لو كان يصلي وجاء سارق أو غاصب ليسرق أو يغصب ماله الخطير لا يقطع الصلاة بل يحرم عليه قطعها، وطعنوا على بريدة الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يحافظ على فرسه في صلاته كيلا يهرب. (9) ولا يخفى أن هذا المذهب من التفريط بمكان.

وأما الشيعة فكلامهم مضطرب في هذا المقام، فقال بعضهم إنها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة، وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح، ولا تجوز في الأفعال كقتل المؤمن ولا يكون فيما يعلم أو يغلب على الظن أنه فساد في الدين. وقال المفيد: إنها قد تجب أحيانا، وقد يكون فعلها في وقت افضل من تركها، وقد يكون تركها افضل من فعلها. وقال أبو جعفر الطوسي: إن ظاهر الروايات يدل على أنها واجبة عند الخوف على النفس. (10) وقال غيره: إنها واجبة عند الخوف على المال أيضا، (11) ومستحبة لصيانة العرض

(1) ضعيف الجامع: رقم 3297.

(2)

الحافظ صاحب التصانيف المشهورة، توفي سنة 281هـ. تذكرة الحفاظ: 2/ 677؛ طبقات الحفاظ: 1/ 298.

(3)

ضعيف الجامع: رقم 3075.

(4)

ضعيف الجامع: رقم 3069.

(5)

ضعيف الجامع: رقم 5255.

(6)

ضعيف الجامع: رقم 4254.

(7)

وضعه في ضعيف الجامع: رقم 4115.

(8)

متفق عليه

(9)

أخرج البخاري عن الأزرق بن قيس قال: «كنا على شاطئ نهر بالأهواز قد نضب عنه الماء، فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس فصلى وخلى فرسه، فانطلقت الفرس فترك صلاته وتبعها حتى أدركها، فأخذها ثم جاء فقضى صلاته، وفينا رجل له رأي فأقبل يقول: انظروا إلى هذا الشيخ ترك صلاته من أجل فرس! فأقبل فقال: ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن منزلي متراخ فلو صليت وتركت لم آتِ أهلي إلى الليل، وذكر أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم فرأى من تيسيره» . صحيح البخاري، كتاب الأدب

(10)

مجمع البيان: 1/ 430.

(11)

ينظر الكاظمي، الأصول الأصلية: ص 329.

ص: 289

حتى يسن لمن اجتمع مع أهل السنة أن يوافقهم في صلاتهم وصيامهم وسائر ما يدينون به. ورووا عن بعض ائمة أهل البيت «من صلى وراء سني تقية فكأنما صلى وراء نبي» . (1) وفي وجوب قضاء تلك الصلاة عندهم خلاف. وكذا في وجوب قضاء الصوم على من أفطر تقية حيث لا يحل الإفطار قولان أيضا. (2) وفي أفضلية التقية من سني واحد صيانة لمذهب الشيعة عن الطعن خلاف أيضا. وأفتى كثير منهم بالأفضلية، ومنهم من ذهب إلى جواز - بل وجوب - إظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع، ولا يخفى أنه من الإفراط بمكان. وحملوا أكثر أفعال الأئمة - مما يوافق مذهب أهل السنة ويقوم به الدليل على رد مذهب الشيعة - على التقية، وجعلوا هذا أصلا أصيلا واستوى عليه دينهم وهو الشائع الآن فيما بينهم. (3) حتى نسبوا ذلك للأنبياء عليهم السلام، (4) وجل غرضهم من ذلك إبطال خلافة الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم، ويأبى الله تعالى ذلك، ففى كتبهم ما يبطل كون أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه ونبيه رضي الله عنه ذوى تقية، بل ويبطل أيضا فضلها الذي زعموه.

ففي كتاب (نهج البلاغة) الذي هو في زعمهم أصح الكتب بعد كتاب الله أن الأمير كرم الله تعالى وجهه قال: «علامة الإيمان إيثارك الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك» (5) وأين هذا من تفسيرهم قوله تعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} بأكثركم تقية؟ (6) وفيه أيضا أنه كرم الله تعالى وجهه قال «إني والله لو لقيتهم واحدا وهم طلاع الأرض (7) كلها ما بليت ولا استوحشت، وإني من ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربي، وإلى لقاء الله وحسن ثوابه لمنتظر راج» (8) وفي هذا دلالة على أن الأمير لم يخف وهو منفرد من حرب الأعداء وهم جموع،

(1) روى الكليني وغيره عن الحلبي عن أبي عبد الله قال: «من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف الأول» . الكافي: 3/ 380؛ ابن بابويه، الأمالي: ص 336؛ العاملي، وسائل الشيعة: 8/ 299.

(2)

قال مكرم الشيرازي: «وظاهر هذه الأحاديث رجحان الصلاة معهم مع نية الاقتداء بهم كما أن ظاهرها جواز الاكتفاء بها وعدم وجوب إعادتها» . القواعد الفقهية: 1/ 452. وينظر منتهى الدراية: 2/ 61.

(3)

وعدوا التقية ركنا من أركان الدين من تركه كان كتارك الصلاة، روى ابن بابويه وغيره عن علي بن محمد الهادي (الإمام العاشر عندهم) أنه قال:«لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا» . من لا يحضره الفقيه: 2/ 127؛ الحراني، تحف العقول: ص 483؛ العاملي، وسائل الشيعة: 10/ 131.

(4)

فمن مسلمات المذهب أن التقية جائزة على الأنبياء. روى الكليني وغيره عن أبي بصير قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: التقية من دين الله، قلت: من دين الله؟! قال: أي والله من دين الله، قال يوسف {أيتها العير إنكم لسارقون} والله ما كانوا سارقين شيئا، وقال إبراهيم: {إني سقيم} والله ما كان سقيما وما كان يكذب» . الكافي: 2/ 217؛ رجال النجاشي: ص 237؛ البرقي، المحاسن: 1/ 258.

(5)

نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 20/ 175.

(6)

حيث روى الإمامية في تفسير الآية عن أبي عبد الله أنه قال: «أعلمكم بالتقية» . الطوسي، الأمالي: ص 661؛ الطبرسي، أعلام الورى: ص 434؛ النوري، مستدرك الوسائل: 12/ 253.

(7)

طلاع الأرض: ملؤها. شرح نهج البلاغة

(8)

نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 17/ 225.

ص: 290

ومثله لا يتصور أن يتأتى منه ما فيه هدم الدين. وروى العياشي عن زرارة بن أعين عن أبي بكر بن حزم أنه قال توضأ رجل ومسح على خفيه فدخل المسجد [فصلى](1) فجاء علي كرم الله تعالى وجهه فوجأه على رقبته فقال: ويلك تصلى وأنت على غير وضوء؟ فقال: أمرني عمر، فأخذ بيده فانتهى إليه ثم قال: انظر ما يقول هذا عنك - ورفع صوته على عمر - فقال عمر: أنا أمرته بذلك. (2) فانظر كيف رفع الصوت ولم يتاقه.

وروى الراوندي شارح نهج البلاغة ومعتقد الشيعة في كتاب الخرائج والجرائح (3) عن سلمان الفارسي أن عليا بلغه عن عمر أنه ذكر شيعته فاستقبله في بعض طرق بساتين المدينة وفي يد علي قوس فقال يا عمر بلغني عنك ذكرك لشيعتي، فقال: أربع على صلعتك. فقال علي: إنك ههنا؟ ثم رمى بالقوس على الأرض فإذا هي ثعبان كالبعير فاغرا فاه وقد أقبل نحو عمر ليبتلعه، فقال عمر: الله الله يا أبا الحسن، لا عدت بعدها في شيء، فجعل يتضرع، فضرب بيده على الثعبان فعادت القوس كما كانت، فمضى عمر إلى بيته. قال سلمان: فلما كان الليل دعاني علي فقال: سر إلى عمر، فإنه حمل إليه مال من ناحية المشرق، وقد عزم أن يخبئه فقل له: يقول لك علي: أخرج ما حمل إليك من المشرق ففرقه على من هو لهم ولا تخبئه فأفضحك. قال سلمان: فمضيت إليه وأديت الرسالة، فقال: أخبرني عن أمر صاحبك من أين علم به؟ فقلت: وهل يخفى عليه مثل هذا؟ فقال: يا سليمان اقبل عني ما أقول لك، ما علي إلا ساحر، والصواب أن تفارقه وتصير من جملتنا. قلت: ليس كما قلت، لكنه

(1) زيادة من السيوف المشرقة وكتب الإمامية

(2)

أخرج الرواية العياشي في تفسيره: 1/ 297؛ الراوندي، فقه القرآن: 1/ 35؛ العاملي، وسائل الشيعة: 27/ 60.

(3)

في الأصل خرائج الجرائح

ص: 291

ورث من أسرار النبوة ما قد رأيت منه، وعنده أكثر من هذا. قال: ارجع إليه فقل: السمع والطاعة لأمرك. فرجعت إلى علي، فقال: أحدثك عما جرى بينكما؟ فقلت: أنت أعلم مني. فتكلم بما جرى بيننا ثم قال: إن رعب الثعبان في قلبه إلى أن يموت. (1)

وفي هذه الرواية ضرب عنق التقية أيضا، إذ صاحب هذه القوس تغنيه قوسه عنها ولا تحوجه أن يزوج ابنته أم كلثوم (2) من عمر خوفا منه وتقية. (3)

وروى الكليني عن معاذ بن كثير (4) عن أبي عبد الله أنه قال: إن الله عز وجل أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم كتابا، فقال جبريل: يا محمد هذه وصيتك إلى النجباء فقال: ومن النجباء يا جبريل؟ فقال: علي بن أبي طالب وولده. وكان على الكتاب خواتم من ذهب، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وأمره أن يفك خاتما منه فيعمل بما فيه، ثم دفعه إلى الحسن ففك منه خاتما فعمل بما فيه، ثم دفعه إلى الحسين ففك خاتما فوجد فيه أن أخرج قومك إلى الشهادة فلا شهادة لهم إلا معك واشتر نفسك من الله تعالى، ففعل. ثم دفعه إلى علي بن الحسين ففك خاتما فوجد فيه أن اطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين، ففعل. ثم دفعه إلى ابنه محمد بن علي ففك خاتما فوجد فيه: حدث الناس وأفتهم وانشر علوم أهل بيتك وصدق آباءك الصالحين ولا تخافن أحدا إلا الله تعالى فإنه لا سبيل لأحد عليك. ثم دفعه إلى جعفر الصادق ففك خاتما فوجد فيه: حدث الناس وأفتهم ولا تخافن إلا الله تعالى وانشر علوم أهل بيتك وصدق آباءك الصالحين فإنك في حرز وأمان، ففعل. ثم دفعه إلى موسى وهكذا إلى المهدي. (5) رواه من طريق آخر عن معاذ أيضا عن أبي عبد الله وفي الخاتم الخامس: وقل الحق في الأمن والخوف، ولا تخش إلا الله تعالى. (6) وهذه الرواية أيضا

(1) الخرائج والجرائح: 1/ 232؛ البحراني، مدينة المعاجز: 1/ 446؛ المجلسي، بحار الأنوار: 41/ 256

(2)

هي أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، ولدت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوجها عمر بن الخطاب في خلافته فولدت له زيدا ورقية. الاستيعاب: 4/ 1954؛ الإصابة: 8/ 293. روى الحاكم عن علي بن الحسين: «إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب إلى علي رضي الله عنه أم كلثوم، فقال: أنكحنيها فقال علي: إني أرصدها لابن أخي عبد الله بن جعفر، فقال: عمر أنكحنيها فوالله ما من الناس أحد يرصد من أمرها ما أرصده، فأنكحه علي، فأتى عمر المهاجرين، فقال: ألا تهنوني؟ فقالوا: بمن يا أمير المؤمنين؟ فقال: بأم كلثوم بنت علي وابنة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا ما كان من سببي ونسبي، فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم نسب وسبب». المستدرك: 3/ 153، رقم 4684؛ وبلفظ قريب أخرجه البيهقي في الكبرى: 7/ 64، رقم 13172 وهو في صحيح الجامع، برقم 4527. وأخرج الإمامية الرواية بلفظ قريب، فقد أوردها ابن البطريق، العمدة: ص 286؛ المجلسي، بحار الأنوار: 25/ 247.

(3)

ورغم اتفاق الطرفين على ثبوت هذا الزواج، إلا أن كتب الإمامية افترت لسبب لا يخفى على اللبيب القول بأن عمر تزوج من جنية تمثلت بصورة أم كلثوم أرسلها له علي رضي الله عنه؛ أورد ذلك القطب الراوندي، والرواية عن عمر بن أذينة قال:«قيل لأبي عبد الله عليه السلام: إن الناس يحتجون علينا ويقولون إن أمير المؤمنين عليه السلام زوج فلانا [أي عمر بن الخطاب رضي الله عنه] ابنته أم كلثوم، وكان متكئا فجلس وقال: أيقولون ذلك، إن قوما يزعمون ذلك لا يهتدون إلى سواء السبيل، سبحان الله ما كان يقدر أمير المؤمنين عليه السلام أن يحول بينه وبينها فينقذها، كذبوا لم يكن ما قالوا: إن فلانا [عمر رضي الله عنه] خطب إلى علي ابنته أم كلثوم، فأبى علي عليه السلام، فقال للعباس: والله لئن لم تزوجني لأنتزعن منك السقاية وزمزم، فأتى العباس عليا فكلمه، فأبى، فألح العباس، فلما رأى أمير المؤمنين عليه السلام مشقة كلام الرجل على العباس، وأنه سيفعل بالسقاية ما قال، أرسل أمير المؤمنين عليه السلام إلى جنيّة من أهل نجران يهودية يقال لها (سحيفة بنت جريرية)، فأمرها فتمثلت في مثال أم كلثوم وحجبت الأبصار عن أم كلثوم، وبعث بها إلى الرجل فلم تزل عنده حتى أنه استراب بها يوما فقال: ما في الأرض أهل بيت أسحر من بني هاشم، ثم أراد أن يظهر ذلك للناس فلما قتل حوت الميراث وانصرفت إلى نجران، وأظهر أمير المؤمنين أم كلثوم» . الخرائج والجرائح: 2/ 825؛ المجلسي، بحار الأنوار: 42/ 88. ففي هذه الرواية طعن بعلي رضي الله عنه واتهامه بالسحر والخداع وتسخير الجن ومخالفة قوله تعالى: {وأنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقا}.

(4)

معاذ بن كثير الكسائي، روايته عندهم عن الصادق، وثقه المفيد. رجال البرقي: ص 46؛ رجال الطوسي: ص 306؛ معجم رجال الحديث: 18/ 186.

(5)

الكافي: 1/ 279؛ ابن بابويه، الإمامة والتبصرة: 38 - 39؛ ابن بابويه (الصدوق)، كمال الدين: ص 232.

(6)

الكافي: 1/ 280؛ ابن بابويه، الإمامة والتبصرة: ص 39.

ص: 292

صريحة بأن أولئك ليس دينهم كما تزعمه الشيعة.

وروى سليم بن قيس الهلالي الشيعي من خبر طويل أن أمير المؤمنين قال: «لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومال الناس إلى أبي بكر فبايعوه حملت فاطمة وأخذت بيد الحسن والحسين ولم تدع أحدا من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله تعالى حقي ودعوتهم إلى نصرتي، فلم يستجب لي من جميع الناس إلا أربعة: الزبير وسلمان وأبو ذر والمقداد.» (1) وهذه تدل على أن التقية لم تكن واجبة على الإمام، لأن هذا الفعل عند من بايع أبا بكر رضي الله عنه فيه ما فيه.

وفي كتاب أبان بن عياش أن أبا بكر بعث قنفدا (2) إلى علي حين بايعه الناس ولم يبايعه علي وقال: انطلق إلى علي وقل له أجب خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلق فبلغه، فقال له: ما أسرع ما كذبتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتددتم والله ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري. (3)

وفيه أيضا: «أنه لما لم يجب علي غضب عمر وأضرب النار بباب علي وأحرقه ودخل فاستقبلته فاطمة وصاحت: يا أبتاه، يا رسول الله. فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها المبارك ورفع السوط فضرب به درعها فصاحت: يا أبتاه. فأخذ علي بتلابيب عمر وهزه ووجأ أنفه ورقبته» . (4)

وفيه أيضا أن عمر

(1) تقدم التخريج

(2)

هو قنفذ بن سعيد بن جدعان التميمي، قال ابن عبد البر: ولاه عمر رضي الله عنه مكة ثم صرفه. الاستيعاب: 3/ 1307؛ الإصابة: 5/ 445.

(3)

كتاب قيس بن سليم: ص 862؛ المجلسي، بحار الأنوار: 28/ 297؛ وأوردها الطبرسي، الاحتجاج: ص 82.

(4)

كتاب قيس بن سليم: ص 585؛ المجلسي، بحار الأنوار: 28/ 268.

ص: 293

قال لعلي: بايع أبا بكر، قال: إن لم أفعل ذلك؟ قال: إذا لأضربن عنقك. قال: كذبت والله يا ابن صهاك (1) لا تقدر على ذلك، أنت ألأم وأضعف من ذلك. (2)

فهذه الروايات تدل صريحا أن التقية بمراحل من ذلك الإمام، إذ لا معنى لهذه المناقشة والمسابة مع وجوب التقية.

وروى محمد بن سنان (3) أن أمير المؤمنين قال لعمر: يا مغرور، إنى أراك في الدنيا قتيلا بجراحة عبد أم معمر، (4) تحكم عليه جورا فيقتلك، ويدخل بذلك الجنان على رغم منك» (5)

ورورى أيضا أنه قال مرة لعمر: «إن لك ولصاحبك الذي قمت مقامه هتكا وصلبا، وتخرجان من جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصلبان على شجرة يابسة فتورق فيفتتن بذلك من ولاكما، ثم يؤتى بالنار التي أضرمت لإبراهيم ويأتي جرجيس (6) ودانيال (7) وكل نبي وصديق فتصلبان فيها فتحرقان وتصيران رمادا، ثم تأتى ريح فتنسفكما في اليم نسفا» . (8)

فانظر بالله عليك من يروي هذه الأكاذيب (9) عن الإمام كرم الله تعالى وجهه، هل ينبغي له أن يقول بنسبة التقية إليه؟ سبحان الله! إن هذا لهو العجب العجاب والداء العضال.

ومما يرد قولهم أن زكريا ويحيى والحسين ليس لهم عند الله كرامة وفضل لأنهم لم يفعلوا التقية، ويلزم أن يكون جميع المنافقين في عهده صلى الله عليه وسلم في أعلى المراتب من الكرامة.

(1) صهك الجواري السود. لسان العرب

(2)

كتاب قيس بن سليم: ص 593؛ الطبرسي، الاحتجاج: 1/ 93؛ المجلسي، بحار الأنوار: 28/ 300.

(3)

ذكره الخوئي، معجم رجال الحديث: 16/ 138.

(4)

يقصدون أبا لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة.

(5)

أبو الحسن الديلمي، إرشاد القلوب: 2/ 285؛ المجلسي بحار الأنوار: 30/ 276.

(6)

قال الطبري: «كان جرجيس فيما ذكر عبدا صالحا من أهل فلسطين ممن أدرك بقايا من حواريي عيسى عليه السلام، وكان يأكل من تجارته). ينظر تاريخ الطبري: 1/ 382.

(7)

من الأنبياء عند أهل الكتاب. تاريخ الطبري: 1/ 316؛ تفسير ابن كثير: 4/ 496.

(8)

المجلسي، بحار الأنوار: 30/ 276.

(9)

ولوضوح كذبها لم يناقشها المؤلف

ص: 294

سبحانك هذا بهتان عظيم. {ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون}

وأيضا أن التقية لا تكون إلا لخوف، والخوف قسمان:

الأول الخوف على النفس وهو منتف في حضرات الأئمة بوجهين: أحدهما أن موتهم الطبيعي باختيارهم كما أثبت هذه المسألة الكليني في (الكافي) وعقد لها بابا وأجمع عليها سائر الإمامية. (1) وثانيهما أن الأئمة يكون لهم علم بما كان ويكون، (2) فهم يعلمون آجالهم وكيفيات موتهم وأوقاته بالتفصيل والتخصيص، فقبل وقته لا يخافون على أنفسهم، ولا حاجة بهو إلى أن ينافقوا في دينهم ويغروا عوام المؤمنين.

القسم الثاني خوف المشقة والإيذاء البدني والسب والشتم وهتك الحرمة، ولا شك أن تحمل هذه الأمور والصبر عليها وظيفة الصلحاء، فقد كانوا يتحملون البلاء دائما في امتثال أوامر الله تعالى، وربما قابلوا السلاطين الجبابرة. وأهل البيت النبوي أولى بتحمل الشدائد في نصرة دين جدهم صلى الله عليه وسلم. (3) وأيضا لو كانت التقية واجبة فلم توقف إمام الأئمة كرم الله تعالى وجهه عن بيعة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة اشهر؟ وماذا منعه من أداء الواجب أول وهلة؟ (4)

ومما يرد قولهم في نسبة التقية إلى الأنبياء عليهم السلام بالمعنى الذي أرادوه قوله تعالى في حقهم {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا} وقوله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} وقوله تعالى {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يجب الصابرين} إلى غير ذلك من الآيات.

نعم لو أرادوا بالتقية المداراة التي أشرنا إليها لكان لنسبتها إلى

(1) بوب الكليني: (باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون إلا باختيار منهم. الكافي: 1/ 258؛ وللصفار: (باب في الأئمة أنهم يعرفون متى يموتون ويعلمون ذلك قبل أن يأتيهم الموت عليهم السلام. بصائر الدراجات: ص 480؛ والباب نفسه عند المجلسي في بحار الأنوار: 27/ 285.

(2)

بوب الكليني لذلك: (باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان ويكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء). الكافي: 1/ 260؛ وقلده المجلسي فكتب: (باب أنهم لا يحجب عنهم علم السماء والأرض والجنة والنار وأنه عرض عليهم ملكوت السماوات والأرض ويعلمون علم ما كان ويكون إلى يوم القيامة). بحار الأنوار: 26/ 109.

(3)

والروايات كثيرة في ذلك منها ما رواه الكليني عن أبي حمزة الثمالي قال: «قال لي أبو عبد الله عليه السلام من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد» . الكافي: 2/ 92؛ العاملي، مسكن الفؤاد: ص 47. ويمكن الاطلاع على روايات أكثر في (باب الصبر على البلاء) من كتاب العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 225 وما بعدها.

(4)

هذا من باب مجاراة الخصم، فالثابت أن عليا بايع الصديق كما بايعه الصحابة الآخرون ولم يتأخر.

ص: 295