المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأخبرهم أني من النفر الذي … لِوَلاءِ أهل البيت ليس - مختصر التحفة الاثني عشرية - جـ ١

[محمود شكري الألوسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المختصر السيد محمود شكري الآلوسي

- ‌الباب الأول في ذكر‌‌ فرق الشيعةوبيان أحوالهم وكيفية حدوثهم وتعداد مكائدهم

- ‌ فرق الشيعة

- ‌(الشيعة المخلصون)

- ‌(الشيعة التفضيلية)

- ‌(الشيعة السبية)

- ‌(الشيعة الغلاة)

- ‌(فرق الشيعة الغلاة)

- ‌‌‌(السبئية)

- ‌(السبئية)

- ‌(المفضلية)

- ‌(السريغية)

- ‌(البزيعية)

- ‌(المغيرية)

- ‌(الجناحية)

- ‌(البيانية)

- ‌(المنصورية)

- ‌(الغمامية)

- ‌(الأموية)

- ‌(التفويضية)

- ‌(الخطابية)

- ‌(المعمرية)

- ‌(الغرابية)

- ‌(الذبابية)

- ‌(الذمية)

- ‌(الاثنينية)

- ‌(الخمسية)

- ‌(النصيرية)

- ‌(الإسحاقية)

- ‌(العلبائية)

- ‌(الرزامية)

- ‌(المقنعية)

- ‌(فرق الشيعة الإمامية)

- ‌(الحسنية)

- ‌(النفسية)

- ‌(الحكمية)

- ‌(السالمية)

- ‌(الشيطانية)

- ‌(الزرارية)

- ‌(البدائية، المفوضة، اليونسية)

- ‌(الباقرية)

- ‌(الحاصرية)

- ‌(الناووسية)

- ‌(العمارية)

- ‌(المباركية)

- ‌(الباطنية)

- ‌(القرامطة)

- ‌(الشمطية)

- ‌(الميمونية)

- ‌(الخلفية)

- ‌(البرقعية)

- ‌(الجنابية)

- ‌(السبعية)

- ‌(المهدوية)

- ‌(الأفطحية)

- ‌(المفضلية)

- ‌(الممطورية)

- ‌(الموسوية)

- ‌(الرجعية)

- ‌(الإسحاقية)

- ‌(الأحمدية)

- ‌(الاثنا عشرية)

- ‌(الجعفرية)

- ‌(الشيخية أو الأحمدية)

- ‌(الرشتية الكشفية)

- ‌(البابية)

- ‌(القرتية)

- ‌مكائد الرافضة

- ‌الأولى

- ‌الثانية

- ‌الثالثة

- ‌الرابعة

- ‌الخامسة

- ‌السادسة

- ‌السابعة

- ‌الثامنة

- ‌التاسعة

- ‌العاشرة

- ‌الحادية عشر

- ‌الثانية عشر

- ‌الباب الثاني في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك

- ‌في ذكر أقسام أخبارهم

- ‌(الأدلة عند الشيعة)

- ‌(في ذكر أحوال رجالهم وطبقاتهم)

- ‌الطبقة الأولى

- ‌الطبقة الثانية

- ‌الطبقة الثالثة

- ‌الطبقة الرابعة

- ‌الطبقة الخامسة

- ‌الطبقة السادسة

- ‌الطبقة السابعة

- ‌(ادعاء كل فرق الشيعة أنهم على مذهب أهل البيت)

- ‌(اختلاف أهل السنة)

- ‌الباب الثالث في الإلهيات

- ‌الباب الرابع في النبوة

- ‌الباب الخامس في الإمامة

- ‌(في إبطال ما استدل به الرافضة على مذهبهم)

- ‌(الآيات القرآنية)

- ‌(الأدلة الحديثية)

- ‌(الدلائل العقلية)

- ‌تتمة لبحث الإمامة

- ‌(كثرة اختلاف الشيعة)

- ‌(اختلاف الإمامية في أئمتهم)

- ‌الباب السادس في بعض عقائد الإمامية المخالفة لعقائد أهل السنة

- ‌العقيدة الأولى

- ‌العقيدة الثانية

- ‌العقيدة الثالثة

- ‌الباب السابع في الأحكام الفقهية

- ‌صفة الوضوء والغسل والتيمم

- ‌(مسائل تتعلق بالصلاة)

- ‌مسائل الصوم والاعتكاف

- ‌مسائل الزكاة

- ‌مسائل الحج

- ‌مسائل الجهاد

- ‌مسائل النكاح والبيع

- ‌مسائل التجارة

- ‌مسائل الرهن والدين

- ‌مسائل الغصب والوديعة

- ‌مسائل العارية

- ‌مسائل اللقيط

- ‌مسائل الإجارة والهبة والصدقة والوقف

- ‌مسائل النكاح

- ‌مسائل المتعة

- ‌مسائل الرضاع والطلاق

- ‌مسائل الإعتاق والأيمان

- ‌مسائل القضاء

- ‌مسائل الدعوى

- ‌مسائل الشهادة والصيد والطعام

- ‌مسائل الفرائض والوصايا

- ‌مسائل الحدود والجنابات

- ‌الباب الثامن مطاعنهم في الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة المكرمين وحضرة الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌المطاعن الأولى في حق الصديق الأجل

- ‌المطاعن الثانية في حق الفاروق رضي الله عنه

- ‌المطاعن الثالثة في حق ذى النورين وثالث العمرين رضي الله عنه

- ‌المطاعن الرابعة في حق أم المؤمنين وحبيبة حبيب رب العالمين عائشة الصديقة وزوج مفخر العوالم على الحقيقة

- ‌مطاعنهم في الصحابة رضي الله تعالى عنهم على سبيل العموم

- ‌(وقعة الجمل)

- ‌(وقعة صفين)

- ‌الباب التاسع في ذكر ما اختص بهم ولم يوجد في غيرهم من فرق الإسلام

- ‌(في ذكر بعض خرافاتهم)

- ‌(القول بالتقية)

- ‌(الأنبياء وولاية علي)

- ‌(في‌‌ مشابهتهم لليهودوالنصارى)

- ‌ مشابهتهم لليهود

- ‌(مشابهتهم للنصارى)

- ‌(مشابهتهم للصابئين)

- ‌(مشابهتهم للمشركين)

- ‌(مشابهتهم للمجوس)

- ‌(خاتمة)

- ‌خاتمة:

الفصل: وأخبرهم أني من النفر الذي … لِوَلاءِ أهل البيت ليس

وأخبرهم أني من النفر الذي

لِوَلاءِ أهل البيت ليس بناقض

وقل ابن إدريس بتقديم الذي

قدمتموه على علي ما رضي (1)

والفرق بين تلك الثلاثة وهذه مما لا يخفى على صغار المتعلمين، إذ هذه الثلاثة في غاية من الركاكة فلا يتصور صدورها عن مثل ذلك الإمام البليغ الذي له اليد الطولى في العربية، وقد نسبوا له أيضا أبياتا أخر غير التي ذكرناها سابقا مثل قولهم:

شفيعي نبي والبتول وحيدر

وسبطاه والسجاد والباقر المجدي

وجعفر والثاوي ببغداد والرضا

وفلذته والعسكريان والمهدي (2)

ولا يخفى بطلان ما نسب إلى ذلك الإمام على من تصفح كتب التاريخ، لأن ولادة الإمام علي ابن محمد التقي كانت سنة أربع عشر ومائتين، وولادة الإمام حسن العسكري بعد ذلك بزمن طويل، ووفاة الإمام الشافعي سنة أربع ومائتين في عهد المأمون العباسي. (3) نعم إن الإمام الشافعي قد ذكر فضائل من أدركه من أئمة أهل البيت، وهكذا شأن جميع علماء أهل السنة ولله تعالى الحمد كما سبق. (4)

‌الثانية عشر

ومن مكائدهم أنهم يفترون على النبي صلى الله عليه وسلم في أنه قال: «لا تُسأل شيعة علي يوم القيامة عن صغيرة ولا كبيرة، بل تبدل سيئاتهم بالحسنات» ، (5) وأنه صلى الله عليه وسلم قال:«قال الله تعالى: لا أعذب أحدا والى عليا وإن عصاني» . (6)

فاغتر بهذا بعض الجهال فهاموا في أودية الضلال، مع أنه قال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} ، فقد كذبوا على النبي المختار، فليتبوءوا مقعدهم من النار.

(1) ليست في ديوان الشافعي

(2)

منسوبة لأبي الواثق العنبري كما في أعيان الشيعة: 2/ 442.

(3)

عبد الله المأمون بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن المنصور، الخليفة العباسي الذي تولى سنة 198هـ، اشتهر باعتنائه بالعلم والعلماء لكنه تعصب لمذهب المعتزلة في القول بخلق القرآن، وفي عهده سجن الإمام أحمد، قال ابن كثير:«وقد كان فيه تشيع واعتزال وجهل بالسنة الصحيحة» ، مات سنة 218هـ. سير أعلام النبلاء: 10/ 272؛ البداية والنهاية: 10/ 275.

(4)

ومن هذا الباب إضافتهم إلى أبيات قليلة للفرزدق في الإمام زين العابدين أبياتا من وزنها ورويها بعضها للحزين الكناني في عبد الله بن عبد الملك بن مروان وهي في حماسة أبي تمام (2: 284)، وبعضها في نقد الشعر لقدامة (19 و 27) وبعضها في مدح بعض بني مروان أيضا أوردها الجاحظ في كتاب الحيوان (3: 152 ساسي) وفي أول الجزء الثالث من البيان والتبيين. وانظر الأغاني 14: 76 - 79 بولاق. أما الأبيات للفرزدق في زين العابدين فهي ستة لا غير في ديوانه الذي أملاه محمد بن حبيب وطبع بالفطوغراف في مونخن بألمانيا سنة 1900 وقد بسطت القول فيه بمقال مطول في جريدة (الأخوان المسلمون) اليومية بعنوان «طائرات في أسراب غير أسرابها» .

(5)

روى الصفار عن أبي جعفر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي إن ربي وعدني في شيعتك خصلة، قلت: وما هي يا رسول الله؟ قال: المغفرة لمن آمن منهم واتقى، لا يغادر منهم صغيرة ولا كبيرة ولهم تبدل سيئاتهم حسنات» . بصائر الدرجات: ص 83؛ المجلسي، بحار الأنوار: 17/ 153.

(6)

أخرج الكليني عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله مثّل لي أمتي في طين وعلمني أسمائهم كما علم آدم الأسماء كلها، فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرنّ لعلي وشيعته إن ربي وعدني في شيعة علي خصلة، قيل: يا رسول الله وما هي؟ قال: المغفرة لمن آمن منهم وأن لا يغادر منهم صغيرة ولا كبيرة، ولهم تبدل السيئات حسنات» . الكافي: 1/ 443.

ص: 35

ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن فضائل أهل البيت وما روى في إمامة الأمير متفق عليه عند الفريقين، بخلاف فضائل الخلفاء الثلاثة فهي مختلف فيها، فينبغي للعاقل أن يختار ما اتفق عليه بموجب «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» . (1)

والجواب أن شبهتهم هذه كشبهة اليهود والنصارى في قولهم: إن نبوة موسى وعيسى متفق عليها عند الفريقين، بخلاف نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. والذى يزيل هذه الشبهة هو أن الأخذ بالمتفق عليه وترك المختلف فيه إنما يكون بمقتضى العقل لو لم يوجد دليل آخر، فإن وجد فلا التفات للاتفاق والاختلاف. على أن هذه الشبهة تتقلب عليه ويعود وبالها وبلاؤها على رءوسهم، كيف لا وقد تقرر عندهم من القواعد أن الروايتين عن الأئمة إن وافقت أحداهما العامة دون الأخرى فالتمسك إنما هو بالمخالفة ولو كانت ضعيفة، وهذا مصرح به في أصولهم. (2)

ومن مكائدهم أنهم ينسبون إلى الأمير من الروايات ما هو برئ منه ويحرفون ما ورد عنه، فمن ذلك (نهج البلاغة) الذي ألفه الرضي (3) وقيل أخوه المرتضى، (4) فقد وقع فيه تحريف كثير وأسقط كثير من العبارات حتى لا يكون به متمسك لأهل السنة، مع أن ذلك أمر ظاهر، بل مثل الشمس زاهر.

ومن مكائدهم أنهم ينظمون بعض الأبيات على لسان اليهود أو النصارى مما يؤذن تحقيقه مذهب التشيع، فمن ذلك ما ينسبونه إلى ابن فضلون اليهودي:

على أمير المؤمنين عزيمة

وما لسواه في الخلافة مطمع

له النسب العايى وإسلامه الذي

تقدم، بل فيه الفضائل أجمع

ولو كنت أهوى ملة غير ملتي

لما كنت إلا مسلما أتشيع (5)

وكذا ينسبون إليه هذه الأبيات:

حب علي في الورى جنة

فامحُ بها يا رب أوزاري

لو أن ذميا نوى حبه

حُصن في النار من النار (6)

إلى غير ذلك، وسيجئ منه إن شاء الله في آخر الكتاب.

ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن الشيعة أمنون من عذاب يوم القيامة ودخول النار

(1) أخرج الحديث أحمد والنسائي والحاكم

(2)

روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان، فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فذروه، فإن لم تجدوهما في كتاب الله، فاعرضوهما على أخبار العامة [أهل السنة]، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه» . المفيد، جوابات أهل الموصل: ص 47؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: 27/ 118.

(3)

هو محمد بن الحسين بن موسى العلوي، المشهور بالشريف الرضي، ولد وتوفي ببغداد، قال عنه ابن حجر:«كان مشهورا بالرفض» ، وإليه ينسب تأليف كتاب نهج البلاغة العاري من الأسانيد، مات في سنة 406هـ. تاريخ بغداد: 2/ 246؛ لسان الميزان: 5/ 141.

(4)

هو علي بن الحسين بن موسى بن محمد العلوي الشريف المرتضى، المتكلم الشيعي المعتزلي، صاحب التصانيف، عاش في بغداد، توفي سنة 436هـ. تاريخ بغداد: 11/ 402؛ لسان الميزان: 4/ 223

(5)

نسب الأبيات ابن شهر آشوب المازندراني إلى بعض النصارى في كتابه مناقب آل أبي طالب: 2/ 27؛ وأخرجها ابن طاووس في الطرائف: 2/ 555.

(6)

ومن كذبهم أن المازندراني نسب هذه الأبيات إلى الإمام أحمد في فضائل الصحابة والديلمي في مسند الفردوس قال: قال: عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حب علي براءة من النار وأنشد

». ثم أورد هذه الأبيات في كتابه مناقب آل أبي طالب: 3/ 9؛ وأوردها أيضا البيضاني في الصراط المستقيم: 2/ 50 وعنهما المجلسي في بحار الأنوار: 39/ 358 وليست في كتب السنة التي زعموا ..

ص: 36

وكل ما في القرآن من الوعيد فهو لغيرهم. (1) ولا يخفى أن عقيدتهم هذه تشبه عقيدة اليهود حيث قالوا {لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} ، {نحن أبناء الله وأحباؤه} ويردهم قوله تعالى {من يعمل سوءا يجز به} وغير ذلك من الآيات والأحاديث المتفق على صحتها عند الفريقين. (2)

ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن أهل السنة يختارون مذهب أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد ويؤثرونه على مذهب الأئمة الأطهار مع أنهم أحق بالأتباع، لأنهم تربوا في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل البيت أدرى بما فيه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إنى تارك فيكم الثَّقَلَين ما إن تمسكتم بها لن تضلوا بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (3) وقال صلى الله عليه وسلم «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق» (4) ولأن كمالهم وعلمهم وتقواهم من المتفق عليه عند الفريقين، فهم بالاتباع أحق، وبالاقتداء أليق. والجواب أن الإمام نائب النبي وخليفة لا صاحب المذهب، لأن المذهب طريق الذهاب الذي فتح على بعض الأمة فهم أحكام الشريعة من أصولها، ولذا احتمل الصواب والخطأ، والإمام عندكم معصوم عن الخطأ كالنبي فلا يتصور نسبة المذهب إليه، ومن ثم كان نسبة المذهب إلى الله تعالى والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام من فضول الكلام، ومعدودا من جملة الأوهام. بل فقهاء الصحابة رضى الله تعالى عنهم أفضل عند أهل السنة من الأئمة الأربعة، ومع ذلك لا يعدونهم أصحاب مذاهب، بل إنما يجعلون أقوالهم وأفعالهم مدارك الفقه ودلائل الحكام، وواسطة في أخذ شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام.

على أن أهل السنة هم المقتدون بالأئمة الأطهار، فإن أئمة مذاهبهم قد أخذوا العلم من أولئك الأخيار، فرتبتهم عند أهل السنة رتبة النبي والأصحاب الكبار، ولكن لا ينسبون أنفسهم إليهم، ولا يدعون أخذ العلم عنهم كما هو حالهم مع الصحابة. وتحقيق هذا المطلب أن منصب الإمام إصلاح العالم في أمر المعاش والمعاد كما هو شأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فالأئمة في زمنهم اشتغلوا في ألهم من بيان ما يحصل به الشفاء من

(1) أورد ذلك ابن المطهر في كتابه منهاج الكرامة بقوله: «إن الإمامية جازمون بحصول النجاة لهم ولأئمتهم قاطعون بذلك وبحصول ضدها لغيرهم وأهل السنة لا يجيزون ولا يجزمون بذلك لا لهم ولا لغيرهم فيكون اتباع أولئك أولى» . ونقله عنه ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: 3/ 485

(2)

وقد رد ابن تيمية في منهاج السنة: 3/ 486 عليه وأوفى. ثم قال: «ففي الجملة لا يدعون علما صحيحا إلا وأهل السنة أحق به وما ادعوه من الجهل فهو نقص وأهل السنة أبعد عنه والقول بكون الرجل المعين من أهل الجنة قد يكون سببه إخبار المعصوم وقد يكون سببه تواطؤ شهادات المؤمنين الذين هم شهداء الله في الأرض» . منهاج السنة النبوية: 3/ 497.

(3)

رواه الترمذي 5/ 662 عن أبي سعيد الخدري وقال: هذا حديث حسن غريب وابن أبي شيبة 6/ 309 والطبراني في المعجم الصغير 1/ 232 وهو ضعيف بهذا اللفظ، قال ابن الجوزي في العلل المتناهية 1/ 269:«هذا حديث لا يصح أما عطية فقد ضعفه أحمد ويحيى وغيرهما وأما ابن عبد القدوس قال يحيى ليس بشيء رافضي خبيث وأما عبد الله بن داهر فقال أحمد ويحيى ليس بشيء ما يكتب منه إنسان فيه خير» .

(4)

تقدم ضعفه

ص: 37

الأمراض النفسانية ورفع المهلكات، وأحالوا الأحكام الشرعية إلى تلاميذهم وأصحابهم. فتوجهوا إلى إقامة تلك الأحكام، كما توجه الأئمة إلى العبادات والرياضات وتصفية القلوب وتعيين الأذكار وتعليم الأدعية وتهذيب الأخلاق، وإرشادهم إلى المعارف الإلهية بأخذها من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقل عنهم دقائق علم الطريقة وغوامض أسرار الحقيقة، ويشير حديث الثقلين إلى ذلك، لأن كتاب الله تعالى يكفى في تعليم ظاهر الشريعة، ولا حاجة لمن له معرفة بالأصول والفقه في فهم الأحكام الشرعية منه إلى إرشاد إمام، وإنما الحاجة إليه لتعليم الأسرار الإلهية، ولهذا لم نر أحدا منهم صنف كتابا في أصول أو فروع باتفاق الفريقين، بل انتشرت روايات المسائل والأحكام عنهم في أصحابهم وصارت قواعد الاستنباط مهجورة فلابد لها من يجمعها ويحرزها ويمهد قواعد الاجتهاد ومراسمه.

والشيعة وإن كانوا يدعون ظاهرا أتباع الأئمة ولكنهم في الحقيقة يقلدون في المسائل غير المنصوصة عن الأئمة علماءهم ومجتهديهم كابن عقيل (1) والسيد المرتضى والشيخ (2) والشهيد (3) ويأخذون بأقوالهم ولو كانت مخالفة للروايات الصحيحة عن الأئمة كما سيجئ إن شاء الله تعالى من ذلك في المسائل الفقهية.

فإذا جاز عندهم تقليد مجتهديهم فيما يخالف الروايات الثابتة عن الأئمة فأي محذور يلزم أهل السنة في أخذهم بأقوال المذاهب الأربعة والاقتداء بهم مع موافقتهم لما عليه الأئمة من الأصول والقواعد، ولا محذور في المخالفة في بعض الفروع، كما أن محمد بن الحسن (4) وأبا يوسف (5) قد خالفا مقتداهما أبا حنيفة في كثير من المسائل، ومع ذلك فهما من أتباعه، وما قاله ابن الأثير الجزري (6) صاحب (جامع الأصول) أن الإمام على الرضا كان مجددا لمذهب الإمامية في القرن الثالث فمراده أن الإمامية يوصلون إليه مذهبهم المدون في ذلك القرن ويعلمونه مأخذ مذهبهم، كما ان ابن مسعود من الصحابة وعلقمة من التابعين كانا بانيين لمذهب أبي حنيفة، وأن نافعا والزهري من التابعين وابن عمر من الصحابة كانوا بانين لمذهب مالك، مع أن ما ذكره ابن الأثير بناه على زعم الإمامية ومعتقدهم بناء على ما صرح به من أنه

(1) هو أبو محمد الحسن بن علي بن عيسى بن أبي عقيل العماني الحذاء، قال عنه النجاشي:«فقيه متكلم ثقة، له كتب في الفقه والكلام» ، وقال عنه العاملي:«هو من قدماء الأصحاب، ويعبر عنه وعن ابن الجنيد بالقديمين، وهما من أهل المائة الرابعة» . رجال النجاشي: 1/ 153؛ أعيان الشيعة: 5/ 158.

(2)

الشيخ عند الإمامية محمد بن الحسن بن علي، أبو جعفر الطوسي، قال عنه السبكي:«فقيه الشيعة ومصنفهم» ، قال ابن المطهر الحلي: «شيخ الإمامية ورئيس الطائفة جليل القدر عظيم المنزلة ثقة عين صدوق عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول والكلام

قال ابن النجار أحرقت كتبه عدة بمحضر من الناس في رحبة جامع النصر واستتر خوفا على نفسه بسبب ما يظهر عنه من انتقاص السلف» توفي سنة 460هـ. رجال النجاشي: 2/ 332؛ الخلاصة: ص 148؛ لسان الميزان: 5/ 135؛ أعيان الشيعة: 9/ 159.

(3)

هو أبو عبد الله محمد بن مكي العاملي الجزيني، له مصنفات كثيرة، حبس سنة في قلعة الشام، ثم قتل بالسيف وصلب ثم رجم ثم أحرق في دولة السلطان برقوق، بفتوى من العلماء، بسبب مقالاته الشنيعة التي بثها بين الناس، فشهد عليه جماعة وقتل سنة 786هـ، وتسميه الإمامية (الشهيد الأول). أمل الآمل: 1/ 181؛ تنقيح المقال: 3/ 191؛ معجم المؤلفين: 12/ 48.

(4)

أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، تلميذ أبي حنيفة، فقيه مشهور، توفى سنة 189هـ. تاريخ بغداد: 2/ 172؛ لسان الميزان: 5/ 121.

(5)

أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش الأنصاري، الإمام المجتهد العلامة قاضي القضاة؛ قال ابن معين:«ما رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث ولا أحفظ ولا أصح رواية من أبي يوسف» ، توفي سنة 182هـ. تاريخ بغداد: 14/ 242؛ سير أعلام النبلاء: 8/ 536.

(6)

أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، محدث ولغوي وأصولي، ولد ونشأ في جزيرة ابن عمر سنة 555هـ، وانتقل إلى الموصل، وكان نسابة إخباريا عارفا بالرجال، لا سيما الصحابة، توفي سنة 606 هـ. وفيات الأعيان: 4/ 141؛ السيوطي، طبقات الحفاظ: 2/ 495.

ص: 38

يذكر مجددي كل مذهب على زعم أصحابه ومعتقدهم والله تعالى أعلم.

ومن مكائدهم أنهم يذكرون في كتب التواريخ حكايات موضوعة وخرافات شنيعة مما يؤيد عقائدهم الفاسدة ويروج مذاهبهم الكاسدة. فمن ذلك حكاية حليمة السعدية (1) مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قالوا: إنها قدمت على الحجاج الثقفي (2) في العراق فقال لها الحجاج: جاء بك الله إلي وقد كنت أردت أن أكلفك بالحضور لأنتقم منك. فسألته حليمة عن السبب، فقال: سمعت أنك تفضلين عليا على أبي بكر وعمر، فأطرقت رأسها ساعة ثم رفعته وقالت: أيها الحجاج، والله إنى لا أفضله على أبي بكر وعمر وحدهما إذ أي كمال وفضل لهما!؟ بل أفضله على آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلاة والسلام. فاشتد إذ ذاك غضب الحجاج وقال: لئن لم تثبتي هذه الدعوى لأقطعنك إربا إربا لتكوني عبرة لمن يعتبر. فقالت حليمة: أصغ إلى مقالتي واسمع دليلي وحجتي. فقال لها الحجاج: فيم تفضلين عليا على آدم وقد خلقه الله تعالى بيده ونفخ فيه من روحه وأسكنه الجنة وأمر الملائكة بالسجود له وكرمه بانواع الكرامات؟ فقالت حليمة بما قال الله تعالى {وعصى آدم ربه فغوى} وقد وصف عليا وأثنى عليه في سورة «هل أتى» بقوله تعالى {إنما وليكم الله ورسوله} الآية، ولم يسبقه أحد بالتصديق في الصلاة حيث أعطي الفقير خاتمه وهو فيها. (3)

فقال الحجاج صدقت، فبأي دليل تفضلين عليا على نوح؟ فقالت: لأن زوجة علي فاطمة البتول سيدة نساء العالمين بضعة خير الخلق أجمعين زوجت تحت سدرة المنتهى بشهادة الملائكة المكرمين وإخبار الروح الأمين، وزوجة نوح كانت كافرة كما نطق به القرآن! فقال الحجاج: بما تفضلين عليا على إبراهيم خليل الرحمن؟ فقالت: إن إبراهيم قال {رب أرني كيف تحيي الموتى. قال أولم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} وقال علي على رءوس الأشهاد: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا. (4) ثم قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان جالسا وحوله المؤمنون والمنافقون فقال: أيها المؤمنون قد وضع لي المنبر ليلة أسرى بي فجلست عليه وجاء أبي إبراهيم فصعد المنبر وجلس عليه دون درجة

(1) كذا في الأصل، وفي كتب الإمامية: حرة بنت حليمة السعدية. لا ترجمة لها، لكن أمها - إن صح الخبر - حليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم. الاستيعاب: 4/ 1812؛ الإصابة: 7/ 584.

(2)

وسف بن عمر الثقفي المعروف بالحجاج، كان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء وفصاحة وبلاغة وتعظيم للقرآن، قال عنه الذهبي:«كان ظلوما جبارا ناصبيا خبيثا سفاكا للدماء» ، ولي ولاية العراق عشرين سنة لبني أمية، مات سنة 127هـ. وفيات الأعيان: 7/ 101؛ سير أعلام النبلاء: 4/ 343.

(3)

إشارة إلى الأثر المروي عن عمار بن ياسر قال: «وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه ذلك، فنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه» . أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط: 6/ 218. وأخرجه الطبري عن السدي عن علي رضي الله عنه في تفسيره: 6/ 228. وقال ابن كثير عن طرقه: «وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها» . التفسير: 2/ 72 واستعرض الطرق ابن تيمية وبين أنها ضعيفة واهية ثم قال: «أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه وأن عليا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع» . منهاج السنة النبوية: 7/ 11 ..

(4)

لم يخرجه أحد من أهل السنة بسند معتبر، لكن نسبها أبو نعيم إلى عبد الله بن سهل في الحلية: 10/ 202؛ ونبه القاري إلى ذلك في المصنوع: ص 149؛ أما الشيعة الإمامية فينسبونها إلى علي رضي الله عنه فأوردها عنه الرضي في نهج البلاغة (بشرح ابن حديد): 7/ 113، ثم نقلها أمثال المازندراني، في مناقب آل أبي طالب: 1/ 318؛ والخوارزمي، المناقب: ص 376. ومن نقلها من متأخري علماء أهل السنة فإنما نقلوها لشهرتها بين الإمامية، كما فعل السندي في حاشيته على سنن النسائي: 8/ 96.

ص: 39

واحدة من مجلسي، وجاء الأنبياء الآخرون أيضا وسلموا علي، حتى جئ بابن عمى علي ابن أبي طالب راكبا على ناقة من نوق الحنة وفي يده لواء الحمد وكان حوله جماعة وجوههم كالبدر مشرقة منورة فسألتي إبراهيم عن هذا الفتى أهو من النبيين؟ قلت: ما هو نبي بل هو ابن عمي علي بن أبي طالب، فسأل إبراهيم: من هؤلاء القوم الحافون من حوله؟ قلت: أولئك شيعته ومحبوه. فدعا إبراهيم حينئذ: رب أجعلني من شيعة علي، يدلك على ذلك قوله تعالى {وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم} فقال الحجاج: صدقت. فبم تفضلينه على سليمان. فقالت حليمة: إن سليمان طلب من ربه الملك والجاه والدنيا حيث قال {رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} والأمير قد طلق الدنيا حيث قال: إليك عني يا دنيا، طلقتك ثلاثا لا رجعة بعدها، حبلك على غاربك، غري غيري، ولا حاجة لي فيك». (1) قال الحجاج: صدقت، فيم تفضلينه على موسى؟ فقالت: إن موسى قد فر من مصر إلى مدين خوفا من فرعون، قال تعالى {فخرج منها خائفا يترقب} والأمير قد رقد ليلة الهجرة على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلب مطمئن، ولو كان معه شئ من الخوف لما نام. فقال: صدقت.

ففيم تفضلينه على عيسى؟ فقالت: إن عيسى يحبس يوم الحشر في موقف الحساب فيسأله الله تعالى: هل إنه كان السبب في اتخاذ إله غير الله وعبادة غيره سبحانه ليعتذر حينئذ بما يعتذر؟ يدل على ذلك قوله تعالى {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لى به علم إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب. ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم} الآية، والأمير لما قالت السبئية إنه إله غضب عليهم وأجلاهم وهددهم حتى اشتهر في مشارق الأرض ومغاربها وأظهر منهم البراءة فقال الحجاج: صدقت. وأمر لها بألف دينار وقرر لها وظيفة في كل سنة. ثم قالت يا حجاج استمع نكتة ولطيفة أخرى. إن مريم لما أخذها المخاض وقد كانت في بيت المقدس أمرها الله تعالى

ص: 40

بخروجها عنه إلى الصحراء ووضع حملها تحت جذع النخلة كي لا يتلوث بيت المقدس بنفاسها. ولما أخذ المخاض أمير المؤمنين فاطمة بنت أسد (1) أوحى إليها الله: ادخلي في الكعبة وشرفي بيتي بولادة هذا المولود الشريف. فأنصف الأن، من الأفضل والأشرف من هذين المولودين؟ فدعا الحجاج لحليمة بالخير، وودعها معززة محترمة. (2) انتهت هذه الحكاية المكذوبة والقصة الأعجوبة.

ولا يخفى ما فيها من بطلان حتى على الصبيان، حيث إن حليمة كما لا يخفى على من تصفح كتب التواريخ والسير لم تدرك زمن الخلفاء الراشدين، بل قد اختلف المؤرخون في كونها أدركت زمن البعثة وآمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأيضا إن الحجاج مشهور بسفك الدماء ظلما ولا سيما أهل البيت ومن له تعلق بهم لأنه كان من النواصب المظهرين لعداوة الأمير كرم الله تعالى وجهه وذريته الطاهرين - رضي الله تعالى عنهم -، ولذا قتل كثيرا من علماء أهل السنة بسبب محبتهم لأولئك الكرام، وقد أهان كثيرا من الصحابة الكرام وأهان أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) ولا يتمكن أحد من الحضور لديه من غير أن يطلب حضوره، فعلى فرض أن حليمة أدركت زمنه كيف يمكنها الوصول إليه حتى تشد الرحال للحضور بين يديه؟ ومع ذلك لم ينقل عن أحد رجوع ذلك الظالم عن بغض الأمير الذي يرى ذلك سببا لنيله الجاه الخطير. ثم إنا إذا رجعنا إلى ما نسبوه إلى حليمة من الشبهات، وهاتيك الدلائل الواهيات، وجدناها كسراب بقيعة، لا يخفى ما فيها من الأمور الشنيعة، وذلك من وجوه: أما أولا فلأن تفضيل الأمير على الأنبياء، ولا سيما على أولي العزم خلاف ما عليه العقلاء من سائر ملل الأنام فضلا عن ملة الإسلام، فإن المولى لا يصل إلى مرتبة النبي في كل شريعة من الشرائع، ونصوص الكتاب تنادى على تفضيل الأنبياء على جميع خلق الله. (4)

وأما ثانيا: فإن تلك الاحتجاجات مبنية على ملاحظة مناقب الأمير مع زلات الأنبياء، ولو لوحظت مع كمالاتهم ومناقبهم لخفيت على الناظرين، وغابت عن أعين المبصرين. ويلزم عليهم أن الأمير بل وأبا ذر وعمارا وسلمان وغيرهم من الصحابة الكرام أفضل من النبي عليه الصلاة والسلام إذا نظر ما ورد في حقهم من الآيات المشعرة بمدحهم مع ما ورد من معاتباته - عليه

(1) فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية والدة علي وإخوته، أسلمت وهاجرت وتوفيت بالمدينة، قال ابن سعد:«كانت امرأة صالحة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل في بيتها» . طبقات ابن سعد: 8/ 222؛ الإصابة: 8/ 60.

(2)

أورد الرواية بطولها ابن شاذان فقال: «مما روي عن جماعة ثقات أنه لما وردت حرة بنت حليمة السعدية .. » ، الفضائل: ص 136 - 138؛ البيضاني، الصراط المستقيم: 1/ 230.

(3)

روى الأعمش قال: «شكونا الحجاج بن يوسف، فكتب أنس إلى عبد الملك: إني خدمت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين، والله لو أن اليهود والنصارى أدركوا رجلا خدم نبيهم لأكرموه» . تهذيب الكمال: 3/ 373؛ سير أعلام النبلاء: 3/ 402.

(4)

أما عند الإمامية فعلي رضي الله عنه أفضل من جميع الأنبياء، والروايات في ذلك كثيرة، منها ما رواه القمي عن جابر عن أبي عبد الله:«قال: قلت: لم سميت فاطمة الزهراء، زهراء؟ فقال: لأن الله عز وجل خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها، وغشيت أبصار الملائكة، وخرت الملائكة لله ساجدين، وقالوا: إلهنا وسيدنا، ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري، وأسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضله على جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري، يهدون إلى حقي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي» . الإمامة والتبصرة: ص 126.

ص: 41

الصلاة والسلام - في عدة مواضع، ولا يقول ذلك عاقل فضلا عن فاضل. وأما ثالثا فلأن آدم أبو البشر وأصل لنوع الإنسان، فكل ما يحصل لأولاده من الفضائل والأعمال الصالحة فهي عائدة إليه. نعم إن بعض أولي العزم كنبينا ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، فضلوا عليه لخصوصيات أكرمهم الله تعالى بها ذكرها سبحانه في كتابه العزيز وخطابه الوجيز. وأما رابعا فلأن الأزواج لا دخل لهن في المفاضلة، لأن الأمور العارضة لا دخل لها في الفضل الذاتي والكمال الحقيقي، وإنما المناط الأمور الذاتية والصفات الحقيقية، فتفضيل زوجة علي كرم الله تعالى وجهه على زوجة نوح عليه الصلاة والسلام غير مستلزم لتفضيل علي عليه. ألا ترى أن زوجة فرعون كانت أفضل من زوجة نوح ولوط، وكذا زوجة الأمير أفضل من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولا قائل بالتفضيل. وأما خامسا فلأن حديث «لو كشف لي الغطاء ما أزددت يقينا» موضوع لا أصل له في كتب الحديث الصحيحة عند الفريقين. وعلى فرض تسليم صحته فهو غير مفيد للتفضيل أيضا لأن معناه: لو رفعت الأحجبة وسبحات الجلال عن وجه الواجب جل شأنه لا أزداد على اليقين الحاصل لي بوجوده وصفاته الكاملة بملاحظة الآيات على وحدانيته وكمال قدرته وإحاطة علمه. والخليل عليه السلام كان أعلى كعبا من الأمير في ذلك. وفي تفسير هذه الآية عدة أجوبة عن ذلك، ولا سيما في تفسير العلامة الجد عليه الرحمة عند الكلام على هذه الآية، فراجعه. (1)

وأما سادسا: فلأن عروج الأمير غير ثابت في كتبهم الصحيحة، بل الثابت خلافه، فقد روى ابن بابويه القمي (2) في كتاب (المعراج) (3) في ضمن حديث طويل عن أبي ذر أن ملائكة السماء قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إذا رجعت إلى الأرض فأقرأ على علي منا السلام. (4) وقال أيضا في الكتاب المذكور: والصحيح أن أمير المؤمنين ما كان ليلة المعراج مع النبي صلى الله عليه وسلم بل كان في الأرض، ولكن ارتفعت الأحجبة عن بصره فرأى وهو في الأرض ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في السماء. (5)

وأما سابعا: فلأن الأمير كان يعلم أنه صبي، وعداوة الكفار له ليست بالذات فلا طمع لهم في قتله ومع ذلك فقد أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الكفار لن يضروه، (6) فزيادة إيمانه بذلك القول كانت

(1) قال الآلوسي الجد: «إن السؤال لم يكن عن شك في أمر ديني والعياذ بالله، ولكنه سؤال عن كيفية الإحياء ليحيط علما بها، وكيفية الإحياء لا يشترط في الإيمان الإحاطة بصورتها، فالخليل عليه السلام طلب علم ما لا يتوقف الإيمان على علمه، ويدل على ذلك ورود السؤال بصيغة كيف وموضوعها السؤال عن الحال، ونظير هذا أن يقول القائل كيف يحكم زيد في الناس فهو لا يشك أنه يحكم فيهم ولكنه سأل عن كيفية حكمه المعلوم ثبوته» . روح المعاني: 3/ 26.

(2)

محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، أبو جعفر نزيل الري، قال عنه النجاشي:«شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان» ، وقال عنه الذهبي: «رأس الإمامية

صاحب التصانيف السائرة بين الرافضة، يقال له ثلاث مائة مصنف»، مات سنة 381هـ. رجال النجاشي: 2/ 311؛ سير أعلام النبلاء: 16/ 303؛ فهرست الطوسي: ص 93.

(3)

ذكره صاحب الذريعة: 21/ 236.

(4)

أوردها فرات القمي في تفسيره: ص 372؛ الحسيني، تأويل الآيات الظاهرة: ص 831؛ المجلسي، بحار الأنوار: 17/ 101.

(5)

وإن اختلف الإمامية في ذلك، ففي رواية نسبها الطوسي لأبي بريدة الأسلمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أتاني جبريل فأسري بي إلى السماء، فقال: أين أخوك؟ قلت: ودعته خلفي، قال: ادع الله أن يأتيك به، فدعوت الله فإذا أنت معي، وكشط لي عن السماوات السبع والأرضين السبع حتى رأيت سكانها وعمارها وموضع كل ملك منها، فلم أر ما هنالك» . الأمالي: ص 641. وأخرجها القطب الراوندي في الخرائج والجرائح: 2/ 866.

(6)

روى ابن إسحاق في سيرته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب عندما أوصاه بالنوم في فراشه: «نمْ على فراشي وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم» . السيرة النبوية: 3/ 8.

ص: 42

سببا لأطمئنانه، بخلاف موسى فإنه ما كان له شئ من ذلك، بل كان الغالب على ظنه حسب العادة أن فرعون يقتله بدل القبطي إذا رآه، وأنه أحس بمشاورة رؤساء القبط على قتله بإخبار العدول ولم يوح إليه ما يزيل خوفه، ولما تكفل له جل شأنه من مكر فرعون ذهب إليه وقال ما قال مما تعجز عنه الأبطال، وأقام مع ذلك الكافر أربعين عاما في بلدة واحدة. أما ثامنا: فلأن سليمان عليه السلام كما صرح به المرتضى في كتابه (تنزيه الأنبياء والأئمة)(1) إنما طلب ذلك الملك ليكون معجزة على نبوته، وشرط المعجزة أن لا يكون للغير قدرة عليها، ولأنه يمكن أن يكون الله تعالى قد أخبره بأن حصول ذلك الملك له يكون أصلح في الدين بكثرة الطاعات والمبرات وفعل الخيرات، وإذا كان الأمر كذلك فلا منقصة ولا محذور على سليمان عليه السلام، ولا مزية عليه للأمير في تطليقه الدنيا. على أن طلب على أن طلب الملك لا ينافي التطليق ألا ترى إلى الأمير كرم الله وجهه أنه طلب الخلافة بعد ذلك وسعى لها سعيها حتى وقعت حروب كثيرة بسبب ذلك لأن مثل هؤلاء الرجال إنما يطلبون المال والملك للجهاد في الدين وقتال أعدائه سبحانه وقصد استئصالهم وترويج أحكام الشريعة، فإن ترك الدنيا مطلقا ليس بمحمود في الدين المحمدي ولو كان على إطلاقه موجبا للتفضيل يلزم أن يكون الرهبان وأمثالهم أفضل من سليمان ويوسف عليهما السلام معاذ الله تعالى من ذلك.

وأما تاسعا فلأن تعزير الأمير للغالين في محبته لا يوجب تفضيله على عيسى عليه السلام لأن المغالين في محبة الأمير كرم الله تعالى وجهه قد أظهروا الكفر والفسوق بمرأى منه ومسمع فتمكن من الانتقام منهم فعمل ما عمل به، وغلاة عيسى عليه السلام الذين كانوا قائلين بالتثليث ظهروا بعد أن رفع إلى السماء ولا إشكال في قوله تعالى {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} لأنه عليه السلام قد رد عليهم ما زعموه ووبخهم غاية التوبيخ على ما اعتقدوه، ومن أين لهم أن عيسى عليه السلام يُسأل والأمير كرم الله تعالى وجهه لا يسأل وقد قال تعالى {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول

ص: 43

أأنتم أضللتم عبادي أم هم ضلوا السبيل} فيجيبون الله تعالى على ما يدل عليه قوله سبحانه: {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء} ولا يلحقهم نقص من ذلك السؤال إذ القصد تبكيت الكفرة وإلزام أهل الضلال. وقد سأل سبحانه الملائكة مثل ذلك مع أنهم معصومون ليسوا بمحل للعتاب، قال تعالى {ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون}. وأما عاشرا فلأن ما ذكر في ولادة عيسى غلط محض وكذب صريح لأن الأصح أن مولده بيت لحم وفلسطين وقيل مصر وقيل دمشق ولم يقل أحد المؤرخين إن مريم قد جاءها المخاض في المسجد الأقصى ولئن سلم ذلك فمن أين علم أنها أخرجت بالوحي؟ بل إنها لما حملت بعيسى عليه السلام من غير أب كرهت إظهار الولادة منفردة ولذا تمنت الموت كما قال تعالى:{فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} وأما القول بأنه قد أوحي إلى فاطمة بنت أسد بأن تضع في الكعبة فقول يضحك الثكلى وتضع منه الحبلى، والصحيح في ذلك أن عادة الجاهلية أن يفتح باب الكعبة في البوم الخامس عشر من رجب ويدخلون جميعهم للزيارة وكانت العادة أن النساء يدخلن قبل الرجال بيوم أو يومين وقد كانت فاطمة قريبة الوضع فاتفق أن ولدت هناك لما أصابها من شدة المزاحمة والمجاذبة وقد ورد في كتب الشيعة أن أبا طالب لما يئس من ولادتها لما زادت المدة المعلومة لما عراها من المرض أدخلها الكعبة للاستشفاء فرحمها الله تعالى بالولادة فيها ورووا عن زين العابدين أنه قال: أخبرتني زيدة بنت عجلان الساعدية عن أم عمارة بنت عباد الساعدية أنها قالت: كنت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيبا فقلت له: ما شأنك؟ قال إن فاطمة بنت أسد في شدة من الطلق وإنها لا تضع ثم إنه أخذ بيدها وجاء بها إلى الكعبة فدخل بها وقال: اجلسي على اسم الله فجلست وطلقت طلقة فولدت غلاما نظيفا فسماه أبو طالب عليا. (1) انتهى.

على أن ولادة الأمير في الكعبة لو أوجبت تفضيله على عيسى عليه السلام لأوجبت تفضيله على النبي صلى الله عليه وسلم

(1) أخرجها عن العمدة، المجلسي، بحار الأنوار: 35/ 30.

ص: 44

ولا قائل بذلك من الفريقين ولأوجبت تفضيل حكيم بن حزام بن خويلد (1) ابن أخي أم المؤمنين خديجة - رضي الله تعالى عنها - على سائر الأنبياء إذ قد ولد في الكعبة أيضا. (2) وبطلان ذلك غير خفي على أحد والله يبدي الحق ويهدي إلى سواء السبيل.

ومن مكائدهم أنهم يقولون: أهل السنة رووا في كتبهم الصحيحة ما يزري بشأن النبي صلى الله عليه وسلم من تركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم الغيرة حيث يروون عن عائشة أنها قالت «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون بالدرق والحراب يوم العيد» . (3) فإن في هذه الرواية إراءة اللعب وتقرير الحبشة عليها في المسجد ونظر زوجة الرسول إلى غير المحارم وأن أهل السنة يروون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أتعجبون من غيرة سعد وأنا أغير منه والله أغير مني» (4) وأدنى الناس لا يرضى برؤية زوجته إلى الأجانب ونظرها إلى لعبهم ولهوهم فضلا عن سيد الكونين صلى الله عليه وسلم.

والجواب أن هذه القصة وقعت قبل نزول آية الحجاب، وكان النساء من أمهات المؤمنين وغيرهن يخرجن إذ ذاك بلا حجاب ويخدمن الأزواج ولو بحضور الأجانب باتفاق الفريقين حتى روي أن فاطمة - رضي الله تعالى عنها - كانت تغسل الجراح التي أصابته عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد بمحضر سهل وجماعة من الصحابة والشيء قبل تحريمه لا يكون فعله موجبا للطعن فقد صح عند الفريقين أن سيد الشهداء حمزة وأبا طلحة الأنصاري وجماعة من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - شربوا الخمر قبل تحريمها وسكروا ووقع بينهم ما وقع ورآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلك الحالة وسكت ولم ينكر عليهم. وأيضا أن عائشة - رضي الله تعالى عنها - إذ ذاك صبية غير مكلفة فلو نظر مثلها إلى لهو فأي محذور؟ ولا سيما إذا كانت متسترة وأيضا أن لهو الحبشة ولعبهم كان لتعلم الحرب والقتال حتى روي أن الملائكة يحضرون مثل هذا اللعب فالنظر إليه ليس بحرام. وأما ما نقل من زجر عمر بن الخطاب الحبشة عن ذلك لما ظن أن فعل ذلك بحضور النبي عليه الصلاة والسلام من سوء الأدب ولهذا قال صلى الله عليه وسلم له «دعهم يا عمر» امتنع عن الإنكار. والعجب من الشيعة أنهم يعدون أمثال ذلك من قلة الغيرة والعياذ بالله تعالى

(1) حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسدي، تأخر إسلامه حتى الفتح، شهد حنينا وأعطي من غنائمها، وكان من العلماء بأنساب قريش وأخبارها، مات سنة 50هـ. الاستيعاب: 1/ 362؛ الإصابة: 2/ 112.

(2)

عن الزبير بن بكار كما في الإصابة: 2/ 112.

(3)

عن عائشة رضي الله عنها قالت: «إن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه، فقال: يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى وقالت عائشة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني، وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعهم أمنا بني أرفدة يعني من الأمن» . متفق عليه.

(4)

قال سعد بن عبادة: «لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته مصفح فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتعجبون من

». الحديث فذكره، متفق عليه.

ص: 45

وهم يرون عن الأئمة المعصومين وأهل البيت الطاهرين حكايات تقشعر منها جلود المؤمنين وتمجها أسماع المسلمين فقد ثبت في كتبهم الصحيحة أن أبا عبد الله عليه السلام قال لأصحابه وشيعته: «إن خدمة جوارينا لنا، وفروجهن لكم حلال» وذكر مقداد (1) صاحب كنز العرفان (2) الذي هو أجل المفسرين عندهم في تفسير قوله تعالى {هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين} أن لوطا النبي عليه السلام أراد بذلك الإتيان من غير الطريق المعهود بين الناس. (3) فيا ويلهم من هذا الافتراء وسحقا لهم بسبب هذه المقالة الشنعاء.

ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن أهل السنة يجوزون اللعب بالشطرنج مع أن كل لعب ولهو مذموم في الشرع. (4)

الجواب أن الأئمة الثلاثة أعني أبا حنيفة (5) ومالكا (6) وأحمد (7) كلهم قائلون بحرمته مطلقا ويروون آثارا على حرمته. وللإمام الشافعي فيه قولان: قول أنه مكروه بشرط أن لا يؤخر الصلاة عن الوقت المستحب ولا تترك السنن والآداب لأجله وأن لا يكون اللعب على شيء وأن لا يفوت ما يجب من خدمة الوالدين وتفقد أحوال العيال وعيادة المرضى واتباع الجنائز وأن لا يقع في اللعب نزاع وجدال وأيمان كاذبة وأن لا يكون ما يلعب به مصورا بصور الحيوانات فإن فقد شيء من هذه الشروط فهو حرام قطعا فمن أصر على فعله مع حرمته فقد ارتكب الكبيرة. (8) والقول الثاني أنه حرام كما عليه الجمهور وقد صح عن الشافعي أن رجع كما نص عليه الغزالي (9) ولكن في شروح المنهاج (10) وفتح الوهاب (11) والأنوار (12) وفتح المعين (13) وغيرهما الفتوى على القول الأولى من كونه مكروها بالشروط وحراما بفقد شرط منها. على أن لو سلمنا أن أهل السنة يجوزون اللعب به فهو من القسم المباح، إذ فيه تشحيذ الذهن، وتعليم بمخادعات الحرب وطرق الاحتراز عن مكائد الأعداء، فحكمه حكم الملاعب المباحة كالمسابقة بالخيل ورمي السهام، ونحو ذلك. والله أعلم.

ومن مكائدهم أنهم يقولون إن أهل السنة يجوزون التغني، مع أنه قد ورد النهي عنه في أحاديث كثيرة.

والجواب أن هذا محض أفتراء، وكلام أشبه شئ بالهراء. فإن الغناء عند جميع أهل السنة حرام، قال سيد الطائفة جنيد البغدادي قدس سره: إنه بطالة.

(1) هو المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري، أبو عبد الله الحلي، من تلامذة المقتول الأول محمد بن مكي، مات سنة 826هـ. روضات الجنات: ص 127؛ تنقيح المقال: 3/ 345؛ معجم المؤلفين: 12/ 418.

(2)

سماها صاحب الذريعة (كنز العرفان في فقه القرآن). الذريعة: 18/ 158.

(3)

وعمدة المقداد ما نسب الإمامية إلى الأئمة، فقد روى الطوسي والعياشي عن الرضا عليه السلام:«أنه سئل عن إتيان الرجل المرأة في خلفها؟ قال: أحلته آية من كتاب الله قول لوط هؤلاء بناتي هن أطهر لكم، وقد علم أنهم لا يريدون الفرج» . تفسير العياشي: 2/ 157؛ تهذيب الأحكام: 7/ 414.

(4)

من اختراعات ابن المطهر الحلي في كتابه نهج الحق: ص 568 - 569.

(5)

نقل ذلك ابن نجيم في البحر الرائق: 8/ 215؛ الدر المختار: 6/ 394.

(6)

ينظر الثمر الداني: ص 715؛ التاج والإكليل: 6/ 152.

(7)

ينظر المغني: 10/ 171؛ المبدع: 10/ 231.

(8)

ينظر روضة الطالبين: 3/ 352؛ مغني المحتاج: 4/ 428.

(9)

إحياء علوم الدين: 3/ 274.

(10)

المنهاج هو (منهاج الطالبين) للنووي

(11)

كتاب (فتح المعين بشرح قرة العين) في فقه الشافعية، من تصنيف زين الدين بن عبد العزيز المليباري

(12)

كتاب (الأنوار لعمل الأبرار) في فقه الشافعية، تصنيف جمال الدين يوسف بن إبراهيم الأردبيلي الشافعي (ت 799هـ). كشف الظنون: 1/ 195.

(13)

كتاب فتح الوهاب بشرح منهاج الطلاب، في فقه الشافعية، تصنيف زكريا بن محمد الأنصاري (ت 926هـ)،

ص: 46