الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مشابهتهم للمشركين)
وأما مشابهتهم للمشركين فلأنهم يعظمون قبور الأئمة ويطوفون حولها، بل ويصلون إليها مستدبرين القبلة، إلى غير ذلك من الأمور التي يستقل لديها فعل المشركين مع أصنامهم. (1) وإن حصل لك ريب من ذلك فاذهب يوم السبت (2) إلى مرقدي موسى الكاظم ومحمد الجواد رضي الله عنه فانظر ماذا ترى، ومع ذلك فهذا معشار ما يصنعون عند قبر الأمير كرم الله تعالى وجهه ومرقد الإمام الحسين رضي الله عنه، ومما لا يشك ذو عقل في إشراكهم والعياذ بالله تعالى.
(مشابهتهم للمجوس)
وأما متشابهتهم للمجوس فلأن المجوس يزعمون أن خالق الخير يزدان وخالق الشر أهرمن وكذلك الروافض يزعمون [أن] الله تعالى خالق الخير فقط، والإنسان والشيطان خالقان الشر. ولهذا قال الأئمة في حقهم «إنهم مجوس هذه الأمة» كما مر في الإلهيات. وكذلك تعظيمهم للنيروز (3) وغير ذلك، أعاذنا الله تعالى من سلوك هاتيك المسالك.
(خاتمة)
ومن استكشف عن عقائدهم الخبيثة وما انطووا عليه، علم أن ليس لهم في الإسلام نصيب، وتحقق كفرهم لديه ورأى منهم كل أمر عجيب، واطلع على كل أمر غريب، وتيقن أنهم قد أنكروا الحسي، وخالفوا البديهي الأوّلي. ولا يخطر بالهم عتاب ولا يمر على أذهانهم عذاب أو عقاب. فإن جاءهم الباطل أحبوه ورضوه، وإذا جاءهم الحق كذبوه وردوه:{مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون} ولقد غشى على
(1) هذا مشهور
(2)
هذا مشهور عندهم اليوم. خاصة زيارة الإمام يوم السبت، اليوم الذي تعظمه اليهود!
(3)
والنيروز هو عيد المجوس
قلوبهم الران فلا يعون ولا يسمعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولقد تعنتوا بالفسق والعصيان في فروع الدين وأصوله، فصدق ظن إبليس فاتبعوه من دون الله ورسوله. فيا ويلهم من تضييعهم الإسلام ويا خسارتهم مما وقعوا فيه من حيرة الشبه والأوهام. فلو التفت إلى ما هم عليه في هذا الزمان، لوجدتهم في صريح من الضلال والخسران، لأنهم إلى الحق لا يلتفتون، ولا بمثل ذلك يعبأون، بل هم بالدين يستهزئون.
ولو أنك ذكرت لهم شيئا من مثالبهم، وصرحت بشيء من عيوبهم، أخذتهم العزة بالإثم، وصار ذلك عندهم من أنكر المناكر، حيث إنهم قد فرحوا بما عندهم من الجهل، وما انطووا عليه من خبث السرائر، حتى كأنهم للدنيا خلقوا، فهم لها في جميع أحوالهم يعملون، وعلى دقائق شيء ونها بأفكارهم يغوصون، وبالمتاعب وتحمل المشاق فيها إلى الموت يترددون، لبئس ما كانوا يصنعون.
فالاشتغال بعلومهم، ورد ما ادعوه في كتبهم من أصولهم وفروعهم، أولى ممن خالف أهل الحق بإعداد العدد، وأحق من هؤلاء بما نستمده من كل برهان وسند. كيف لا وهم قد وافقونا في لباسنا، وزاحمونا في أملاكنا، ونفثوا بسحرهم في أسلاكنا، بحيث ما ألقوه من الدسائس في عباراتهم، ويذهب على كثير من الناس ما يصدر عنهم من لحن القول في محاوراتهم، حتى أن كثيرا منهم يبرأ من بدعته، ويلتزم ما التزمه أهل السنة في طريقته، بحيث تخفى حاله على كل أحد، ولا يتبين أمره إلا لمن عرف ونفذ، فيتوصل بذلك إلى شبه ودسائس يلقيها في كلامه لجل إضلال مخاطبه من حيث لا يشعر بمقصوده ولا يدرى بمرامه.
فمنهم من ألف كتابا في مناقب الإمام الشافعي وأودع فيه من الدسائس الرافضية ما يخفى إلا على المتبحر. ومنهم من ألف في مذاهب المجتهدين وذكر فيا ما يخالف مذهبهم قصدا إلى ترويج مذهبه وإبطال مذهب أئمة الدين. فهم أعداء أنبياء الله تعالى ورسله، والمحرفون لكلام الشريعة عن موضعه ومحله. ولعمر الله إن هؤلاء الطغام الحيارى أضر على عوام المسلمين من اليهود والنصارى. فالحذر الحذر منهم، والفرار الفرار منهم.
والزم أيها الأخ الطالب للنجاة من الارتباك في ورطة الشبه والتمويه، وعليك بالسلوك في طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلال وشبه
المبتدعين ولا تغتر بتوافر الملحدين، وكثرة الهالكين. وكن حريصا على التفتيش عما كان عليه الصحابة من الأحوال متبعا ما كانوا يتحرونه من الأعمال، فهم السواد الأعظم، الواقفون من الهداية المحمدية على ما لم نعلم. ومنهم يعرف الحسن من القبيح، والمرجوح من الرجيح. فمن اتبع غير سبيل المؤمنين (1)، فهو الحقيق بوعيد رب العالمين. قال تعالى تعليما لعباده وتذكيرا {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} .
ومن نظر بعين بصيرته، وأمعن الفكر في طريق الاتباع وحقيقته، فحاد وابتدع، وللهوى والأطماع اتبع، كان كحاطب ليل أو متحير يدعو على نفسه بالثبور والويل، وقال تعالى في بيان طريق الهدى وتفضيله {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} فحث سبحانه على اتباع سبيله الذي هو الكتاب والسنة، ونهى جل شانه عن اتباع السبل مبينا بأن ذلك سبب للتفرق والمحنة.
ولذلك ترى أهل السنة قد لزموا سبيلا واحدا، ولم تر منهم زائغا عما به وحائدا. وأما أهل البدع والأهواء وذوو الضلال والافتراء فقد افترقوا في سبلهم على حسب معتقداتهم الفاسدة، وتشتتوا على مقتضى آرائهم الكاسدة، فهم على ما زعموه مصرون، وكل حزب بما لديهم فرحون.
فإذا الواجب علينا معاشر أهل السنة اتباعه صلى الله عليه وسلم في جميع اقواله، والتأسي به في سائر أفعاله وأحواله، والاقتداء بما كان عليه أصحابه، فإنهم المبلغون عنه صلى الله عليه وسلم وأحبابه، لأن من اقتدى بأولئك الأعلام، فقد اقتدى به صلى الله عليه وسلم. وما أخبث رجلا ترك سبيل السنة الشارحة للكتاب، واستبدل بالنعيم المقيم العذاب {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة في الدنيا أو يصيبهم عذاب أليم} .
روى البخاري في صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل
(1) والصحابة وصفهم الله تعالى بأنهم مؤمنون حيث قال عز من قائل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}
بعد هذا الخير من شر؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، وتعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك».
فيا له من حديث اشتمل على علوم أخبر بها الصادق الأمين، وأبان عن فوائد جليلة تفيد العلم اليقين: منها حرص الصحابة رضي الله عنه على علم ما يستقيم به دينهم المتين، ومنها أن أول خير يقع في أمته فيه كدورة تذهب بصفائه، وفيه تغيير يغاير ما أمروا باقتفائه. ومنها أن يكون بعد ذلك دعاة من الأشرار، من أجابهم قذفوه والعياذ بالله تعالى في النار، فهم كذابون دجالون، ضالون مضلون.
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتوكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا يضلونكم» أخرجه الإمام مسلم وغيره. ولقد صدق عليهم قوله تعالى {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون}
ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من أدرك الزمان أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم، وهم الذين اتبعوا سنته ولازموا طريقته، فإن لم يكن لهم جماعة وكانوا غرباء فالواجب عليهم العزلة عن تلك الفرق كلها. ثم حرض صلى الله عليه وسلم على هذا الاعتزال الذي فيه سلامة الدين بقوله على سبيل المبالغة «ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يأتيك الموت» وأنت على هذا العمل، معرض عن كل ما يفسد عليك دينك الذي هو رأس مالك، صابر على تلك المعاطب والمهالك.
وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فأوصنا. قال «أوصيكم
بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة»
فقد أوصانا صلى الله عليه وسلم بلزوم سنته وسنة الخلفاء الراشدين الذين هم على طريقته. إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة والأخبار الرجيحة التي تحث على اتباع الكتاب وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنهما إلى سبيل العليم العلام.
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي وآله وصحبه أجمعين
تم بحمد الله هذا المختصر
وقد سماه علامة العراق السيد محمود شكري الألوسي رحمه الله
المنحة الإلهية
تلخيص ترجمة التحفة الاثني عشرية
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات