الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإلا فلها المطالبة بعد الوطء مرة تمام المهر في الشرع. ولو كان {إلى أجل مسمى} قيد العقد لم تصح المتعة إلى مدة العمر وأبدا، مع أنها صحيحة كذلك بإجماع الشيعة، وسياق قوله تعالى {ومن لم يستطع منكم طولا} الآية أيضا في باب النكاح، يعني إن لم يستطع منكم أحد أن يؤدي مهر الحرائر ونفقتهن فلينكح الإماء المسلمات، فحمل العبارة المتوسطة على المتعة بقطع الكلام من السياق والسباق تحريف صريح لكلام الله تعالى. (1)
بل إن تأمل عاقل في سياق هذه الآية يجد حرمة المتعة صريحة، لأن الله أمر فيها بالاكتفاء بنكاح الإماء في عدم الاستطاعة بطول الحرائر، فلو كان أحل المتعة في الكلام السابق لما قال بعده {ومن لم يستطع منكم طولا} لأن المتعة في صورة عدم الاستطاعة بنكاح الحرة ليست قاصرة على قضاء حاجة الجماع، بل كانت بحكم «لكل جديد لذة أطيب وأحسن» . وأية ضرورة كانت داعية إلى تحليل نكاح الإماء بهذا التقييد والتشديد وإلزام الشروط والقيود {انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} . وبالجملة إن هذه الآيات صريحة الدلالة على تحريم المتعة، وقد تبين عدم دلالة الآية التي استدل بها الشيعة على مدعاهم بل على خلافه.
مسائل الرضاع والطلاق
يقولون إن شرب الطفل اللبن خمس عشرة مرة متوالية يشبع الطفل بكل منها يثبت الحرمة، (2) وإن لم تكن متوالية لا يثبت الحرمة، وإن شبع الطفل بكل. (3) مع أن الحكم كان في الابتداء أن عشر رضعات يحرمن، ثم نسخ (4) وثبت ذلك بإجماع الأمة. (5) وأما قيد التوالي وزيادة الخمس على العشر فلم يكن في كلام الله تعالى أصلا، وإنما هذه الزيادة والقيد المذكور من مخترعاتهم، وإبقاء الحكم المنسوخ تشريع من عند أنفسهم ومخالفة لحكم الله تعالى. وهم يروون عن الأئمة أن شرب اللبن مطلقا سواء كان عشر رضعات أو أقل موجب للحرمة، (6) لأن المقام مقام احتياط، فإنه باب حرمة النكاح حتى يثبت براءة الذمة يقينا. وصرح شيخهم المقداد في (كنز العرفان) في بحث كفارة اليمين بوجوب العمل بالأحوط في أمثال هذه المواضع. (7)
ويقولون أيضا: لا يقع الطلاق إلا بلسان عربي. (8) وبطلان هذا القول أظهر من الشمس.
(1) روح المعاني: 5/ 7
(2)
روى الطوسي عن عمر بن يزيد قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: خمسة عشر رضعة لا تحرم» . تهذيب الأحكام: 7/ 314.
(3)
نقل الطوسي عن المفيد قوله: «الذي يحرم من الرضاع عشر رضعات متواليات لا يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى» . ثم روى عن الصادق أنه قال: «لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشد العظم» . تهذيب الأحكام: 7/ 312.
(4)
نسخ قراءة
(5)
روى مسلم: «كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات» وللتفاصيل الفقهية ينظر ابن حزم، المحلى: 10/ 13؛ ابن قدامة، المغني: 8/ 138؛ الكاساني، بدائع الصنائع: 4/ 7.
(6)
في رواية أخرجها الكليني عن صفوان بن يحيى قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرضاع ما يحرم منه فقال: سأل رجل أبي عليه السلام عنه فقال: واحدة ليس بها بأس وثنتان حتى بلغ خمس رضعات، قلت: متواليات أو مصة بعد مصة؟ فقال: هكذا قال له» . الكافي: 5/ 439؛ وسائل الشيعة: 20/ 381.
(7)
وحرموا ما لم يحرمه الله، فعندهم لا يحل للبالغ أن يتزوج من (القابلة) التي أشرفت على ولادته أو الزواج من ابنتها، حالها كحال الأم من الرضاعة، كما في رواية نسبها ابن بابويه إلى الصادق، من لا يحضره الفقيه: 3/ 410.
(8)
قرر ذلك ابن إدريس في السرائر: 2/ 278؛ وقال (المحقق) الحلي: «ولا يقع الطلاق بالكناية ولا بغير العربية مع القدرة على التلفظ باللفظة المخصوصة ولا بالإشارة إلا مع العجز عن النطق» . شرائع الإسلام: 3/ 17.
وإن الرجل إذا قال لامرأته «أنت طالق» أو «طلاق» ولو ألف مرة لا يقع الطلاق عندهم أبدا ما لم يقل «طلقتك» . وقد عد الشارع هاتين الصيغتين من الطلاق الصريح أيضا، وإن كان أصل وضعها للإخبار بالطلاق، كما أن «طلقتك» كذلك. وهذه الألفاظ كلها مستعارة من الإخبار للإنشاء مثل «أنت حر» أو «عتيق» مع أنهم قائلون بوقوع الطلاق فيما إذا سأل رجل آخر: هل طلقت فلانة؟ فقال: نعم. مع أن الصريح فيه كون معنى الإخبار مرادا به الإنشاء، (1) وإلا فكيف يقع في جواب الاستفهام؟
ويقولون أيضا: لا يصح الطلاق إلا بحضور شاهدين كالنكاح، (2) مع ان المعلوم قطعا من الشرع أن الإشهاد في الرجعة والطلاق مستحب لمحض قطع النزاع المتوقع، لا أن حضور الشاهدين شرط في الطلاق أو الرجعة كما في النكاح. وكان توارث جميع الأمة في حضور النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمان الأئمة على هذا، وهو أنهم لم يطلبوا حضور الشهود عند الطلاق قط. والفرق بين النكاح والطلاق بيّن، إذ الإعلان في النكاح ضروري حتى يميز عن الزنا ولا يتهم بها، فأقل حد الإعلان يثبت شاهدين كما تقرر في الشرع، بخلاف الطلاق إذ لا حاجة فيه إلى الإعلان لعدم التباسه بشيء حتى يميز، ولعدم التهمة في ترك الصحبة والجماع، فالطلاق كالبيع والإجارة وسائر العقود في إحضار الشهود لمخافة الإنكار.
ويقولون أيضا: لا يقع الطلاق بالكنايات إن كان الزوج حاضرا، مع أنه لا خلاف بين حضوره وغيبته، (3) بل هو خلاف قاعدة الشرع، فإن الشارع لم يعتبر في إيقاع الطلاق حضور الزوج وغيبته قط، بل في كل باب. فالفرق تشريع جديد من قبلهم.
ويقولون أيضا: إذا نكح المجبوب - وهو مقطوع الذكر فقط - امرأة ثم طلقها بعد الخلوة الصحيحة لا تجب العدة عليها، مع أنهم قائلون بثبوت نسب الولد بهذا الرجل إن ولد منها. (4) فاحتمال العلوق من هذا الرجل ثبت أيضا عندهم، فكيف لا تجب عليها العدة؟ فإن وجوبها إنما هو لمعرفة العلوق، ويمكن حصوله من هذا الرجل بناء على القواعد
(1) وهو ما قرره الطوسي في النهاية، ص 512؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 325.
(2)
قال ابن بابويه: «باب الطلاق اعلم أن الطلاق لا يقع إلا على طهر من غير جماع بشاهدين عدلين في مجلس واحد بكلمة واحدة، ولا يجوز أن يشهد على الطلاق في مجلس رجل، ويشهد بعد ذلك الثاني» . المقنع: ص 113.
(3)
قال الطوسي: «إذا كتب بطلاق زوجته ولم يقصد بذلك الطلاق لا يقع بلا خلاف، وإن قصد به الطلاق عندنا أنه لا يقع به شيء» . الخلاف: 2/ 449
(4)
شرائع الإسلام 3/ 132.