الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفين. والأصل الأصيل لذلك قتل عثمان. رضي الله عنه، وأنكر الهشامية (1) تلك الوقعتين، وإنكار ذلك مكابرة لا يلقى لها سمع، لأن الخبر متواتر في جميع مراتبه.
(وقعة الجمل)
وتلخيص الأولى أنه لما قتل عثمان رضي الله عنه عنه صبرا توجع المسلمون، فسار طلحة والزبير وعائشة - وكان قد لقيها الخبر وهي مقبلة من عمرتها - نحو البصرة، (2) فلما علم علي كرم الله وجهه بمخرجهم اعترضهم من المدينة لئلا يحدث ما يشق عصا الإسلام، ففاتوه، وأرسل ابنه الحسن وعمارا يستنفران أهل المدينة وأهل الكوفة، ولما قدموا البصرة استعانوا باهلها وبيت مالها، حتى إذا جاءهم الإمام كرم الله تعالى وجهه حاول الصلح واجتماع الكلمة وسعى الساعون بذلك، فثار قتلة عثمان وكان ما كان. (3) وانتصر علي كرم الله تعالى وجهه، وكان قتالهم من ارتفاع النهار يوم الخميس إلى صلاة العصر لعشر خلون من جمادى الآخرة. (4) ولما ظهر علي رضي الله عنه جاء إلى أم المؤمنين رضي الله عنه فقال «غفر الله لك» قالت «ولك. وما أردت إلا الإصلاح» (5) ثم أنزلها دار عبد الله بن خلف وهي أعظم دار في البصرة على صفية (6) بنت الحارث أم طلحة الطلحات. (7)
وزارها بعد ثلاث ورحبت به وبايعته وجلس عندها فقال رجل: يا أمير المؤمنين إن بالباب رجلين ينالان من عائشة فأمر القعقاع بن عمر أن يجلد كل واحد منهما مائة جلدة وأن يجردهما من ثيابهما ففعل. (8) ولما أرادت الخروج من البصرة بعث إليها بكل ما ينبغى من مركب وزاد ومتاع وأذن لمن نجا من الجيش أن يرجع إلا أن يحب المقام، وأرسل معها
(1) ليست من فرق الشيعة بل من فرق المعتزلة تنسب إلى هشام بن عمرو الفوطي الشيباني (توفي في حدود 220هـ)، قال عنه الذهبي:«صاحب ذكاء وجدال وبدعة ووبال» ، وكان من أشد الناس قولا بالقدر. الفرق بين الفرق: ص 159؛ سير أعلام النبلاء: 10/ 547.
(2)
قال الآلوسي: «كانت جماعة من كبار الصحابة كطلحة والزبير بن العوام ونعمان بن بشير ومحمود بن مسلمة وكعب بن عجرة وغيرهم يتلّهفون على عثمان، ويقولون أنه كان على الحق، ومقاتلوه على الباطل وأنه قتل مظلوما، وسمع ذلك قتلة عثمان فغاضبوا وأرادوا بهم كيدا، فلما أحسوا بذلك هرب كل منهم إلى ناحية، فهرب طلحة والزبير إلى مكة، فلما قدما إليها وجدا فيها أم المؤمنين، وكانت حاجة في السنة التي قتل فيها عثمان، فقالت: ما ورائكما؟ فقالا: إنا تحملّنا هربا من المدينة من غوغاء الأعراب، ثم قالا مع جمع آخر لها عسى أن تخرجي رجاء أن يرجع الناس إلى أمّهم وهي تمتنع عليهم ويحتجون عليها بقوله تعالى:] لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [[النساء: 114]، فأجابتهم عائشة» . السيوف المشرقة: 114/ب. وينظر تاريخ الطبري: 3/ 7؛ المنتظم لابن الجوزي: 5/ 80؛ الكامل لابن الأثير: 3/ 101.
(3)
ثبت تاريخيا أن الصلح قد حصل بين الفريقين، فقد أرسل علي رضي الله عنه القعقاع بن عمرو إلى معسكر عائشة ونجح القعقاع في إقناع طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة y بأن الاقتصاص من قتلة عثمان لا يكون إلا بعد أن تستتب الأمور وتسكن الفتنة، فقالوا له: أصبت وأحسنت، واصطلح الفريقان على ذلك، ولكن قتلة عثمان وعلى رأسهم عبد الله بن سبأ اليهودي لم يرق لهم هذا الأمر وخشوا أن يفضحوا فأحدثوا فتنة عظيمة بين الفريقين، كانت النتيجة حصول المعركة والقتال بين الطرفين، ومع ذلك لم يكن أيٌّ من الطرفين راغبا في القتال، ولكن بسبب أهل البغي والفتنة حدث هذا القتال الذي لم يستمر طويلا، رغم المبالغات التاريخية التي وردت في وصفه. ينظر: تاريخ الطبري: 3/ 29؛ المنتظم لابن الجوزي: 5/ 85.
(4)
تاريخ الطبري: 3/ 39؛ ابن الأثير، الكامل: 3/ 130.
(5)
ذكر الرواية الطبري 3/ 55 دون قولها: ما أردت إلا الإصلاح.
(6)
في المطبوع سنية
(7)
تاريخ الطبري: 3/ 55؛ الكامل في التاريخ: 3/ 141؛ البداية والنهاية: 7/ 245 ..
(8)
تاريخ الطبري: 3/ 53؛ الكامل في التاريخ: 3/ 144.
أربعين امرأة وسير معها أخاها محمدا. ولما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء علي كرم الله تعالى وجهه فوقف على الباب في الهودج فودعت الناس ودعت لهم وقالت: «يا بني لا يغتب (1) بعضكم بعضا، إنه ما كان بيني وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه لمن الأخيار» فقال علي كرم الله تعالى وجهه «صدقت، والله ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة» (2) وسار معها مودعا أميالا، وسرح بنيه معها بقية ذلك اليوم. (3) وكانت رضي الله تعالى عنها بعد ذلك إذا ذكرت ما وقع تبكي حتى تبل خمارها. (4)
ففي هذه المعاملة من الأمير كرم الله تعالى وجهه دليل على خلاف ما تزعمه الشيعة من كفرها (5) - وحاشاها رضي الله عنها وفي ندمها وبكائها على ما كان دليل على أنها لم تذهب إلى ربها إلا وهي نقية من غبار المعركة، على أن في كلامها ما يدل على أنها كانت حسنة النية في ذلك. وقال غير واحد إنها اجتهدت ولكنها أخطات في الاجتهاد ولا إثم على المجتهد المخطئ بل أجر على اجتهاده وكونها رضي الله تعالى عنها من أهل الاجتهاد مما لا ريب فيه. (6) نعم قالت الشيعة إنه يبطل اجتهادها أنه صلى الله عليه وسلم قال يوما لأزواجه كأني بإحداكن تنبحها كلاب الحوأب، (7) فإياك أن تكوني أنت يا حميراء. (8) والحوأب كجعفر منزل بين
(1) في تاريخ الطبري: (يعتَّب)
(2)
تاريخ الطبري: 3/ 61؛ المنتظم: 5/ 94.
(3)
تاريخ الطبري: 3/ 61؛ المنتظم: 5/ 94.
(4)
ابن الجوزي، المنتظم: 5/ 95.
(5)
قال المجلسي: «وبالجملة بغضها لأمير المؤمنين عليه السلام أولا وآخرا هو أشهر من كفر إبليس، وكفى حجة قاطعة عليه قتالها وخروجها عليه كما أنه كاف في الدلالة على كفرها ونفاقها» . بحار الأنوار: 28/ 146.
(6)
ينظر منهاج السنة النبوية: 4/ 316.
(7)
أخرج الإمام أحمد عن قيس بن أبي حازم قال: «لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا أني راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عز وجل ذات بينهم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب» . السلسلة الصحيحة (رقم 475)
(8)
قال ابن القيم رحمه الله: «وكل حديث فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق» . المنار المنيف: ص 60.
البصرة ومكة قيل نزلته عائشة ونبحتها كلابه فتذكرت الحديث وهو صريح في النهي ولم ترجع.
والجواب عن ذلك أن الثابت عندنا أنها لما سمعت ذلك وتحقيقه من محمد بن طلحة همت بالرجوع إلا أنها لم توافق عليه ومع هذا شهد لها مروان بن الحكم مع ثمانين رجلا من دهاقين تلك الناحية أن هذا المكان مكان آخر وليس الحوأب، (1) على أن «إياك أن تكوني يا حميراء» ليس موجودا في الكتب المعول عليها عند أهل السنة. (2) فليس في الخبر نهي صريح ينافي الاجتهاد، على أنه لو كان فلا يرد محذورا أيضا لأنها اجتهدت فسارت حين لم تعلم أن في طريقها هذا المكان، ولو أنها علمت لم يمكنها الرجوع لعدم الموافقة عليه. وليس في الحديث بعد هذا النهي أمر بشيء لتفعله، فلا جرم مرت على ما قصدته من إصلاح ذات البين المأمورة به بلا شبهة.
وأما طلحة والزبير رضي الله عنهما فلم يموتا إلا على بيعة الإمام كرم الله تعالى وجهه. أما طلحة فقد روى الحاكم (3) عن ثور بن مجزأة أنه قال: مررت بطلحة يوم الجمل في آخر رمق فقال لي: من أنت؟ قلت: من أصحاب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فقال: ابسط يدك أبايعك، فبسطت يدي فبايعني وقال: هذه بيعة علي، وفاضت نفسه. فأتيت عليا رضي الله عنه فأخبرته فقال: الله أكبر صدق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أبى الله سبحانه أن يدخل طلحة الجنة إلا وبيعتي في عنقه. (4) وأما الزبير رضي الله عنه فقد ناداه علي كرم الله تعالى وجهه وخلا به وذكره قول النبي صلى الله عليه وسلم له: لتقاتلن عليا وأنت له ظالم، فقال: لقد أذكرتني شيئا أنسانيه الدهر، لا جرم، لا أقاتلك أبدا، (5) فخرج من العسكرين نادما وقتل بوادي السباع مظلوما قتله همرو بن جرموز. (6) وقد ثبت عند الفريقين أنه (7) جاء بسيفه واستاذن على الأمير كرم الله تعالى وجهه فلم يأذن له، فقال: أنا قاتل الزبير، فقال: أبقتل ابن صفية تفتخر؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «بشر قاتل ابن صفية بالنار» . (8)
وأما عدم قتله فلقيام الشبهة
(1) لم يثبت
(2)
ورد في كتاب (الإمامة والسياسية) المنسوب خطأ إلى ابن قتيبة
(3)
في المطبوع الحكم
(4)
الحاكم، المستدرك: 2/ 421؛ البيهقي، الاعتقاد: 1/ 373.
(5)
ابن حجر، الإصابة: 2/ 557.
(6)
قتل الزبير غدرا بوادي السباع. الإصابة: 2/ 557.
(7)
لما انتهى على من حرب الجمل وسار من البصرة إلى الكوفة فدخلها يوم الاثنين 12 من رجب، وأرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية في دمشق يدعوه إلى طاعته، فجمع معاوية رءوس الصحابة وقادة الجيوش وأعيان أهل الشام واستشارهم فيما يطلب علي. فقالوا: لا نبايعه حتى يقتل قتلة عثمان، أو يسلمهم إلينا. فرجع جرير إلى علي بذلك. فأستخلف علي على الكوفة أبا مسعود عقبة بن عامر وخرج منها فعسكر بالنخيلة أول طريق الشام م العراق. وبلغ معاوية أن عليا تجهز وخرج بنفسه لقتاله فخرج هو أيضا قاصدا صفين.
(8)
أخرجه أحمد عن زر بن حبيش قال: «استأذن ابن جرموز على علي رضي الله عنه وأنا عنده فقال علي رضي الله عنه: بشر قاتل ابن صفية بالنار، ثم قال علي رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير» . المسند: 1/ 89 الحاكم، المستدرك: 3/ 414. ومن الإمامية: المفيد، الاختصاص: ص 95؛ ابن شعبة الحراني، تحف العقول: ص477.