الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مزعوماتهم هو أن يستدل بذلك على كذبهم وافترائهم؛ إذ لو تواتر خبر إحدى فرقهم أيضا لم يقع الاختلاف قط بينهم، ولم ينازع محمد بن الحنفية السجاد ولم يحكما الحجر الأسود! ولم يقع تنازع بين زيد بن علي والإمام الباقر، وبين جعفر بن علي وبين محمد المهدي، فإن أهل البيت أدرى بما فيه. ومن هذا ينبغي للعاقل أن يتفطن لكذب جميع فرقهم، فإن هذه كلها افتراءات لهم قرروا - على وفق مصلحة الوقت - إماما بزعمهم وأخذوا يدعون إليه ليأخذوا بهذه الذريعة الخمس والنذور والتحف والهدايا من أتباعهم باسم إمامهم المزعوم ويتعيشوا بها، ومتأخروهم قد قلدوا أوائلهم بلا دليل وسقطوا في ورطة الضلال {إنهم ألفوا آباءهم ضالين، فهم على آثارهم يهرعون} .
الباب السادس في بعض عقائد الإمامية المخالفة لعقائد أهل السنة
العقيدة الأولى
مذهب أهل السنة أن الله تعالى لا يجب عليه بعث العباد بحيث يكون تركه قبيحا عقليا. نعم ولكن البعث والحشر والنشر متحتم الوقوع ألبتة لوعده تعالى بذلك حتى لا يلزم خلف الوعد. وقالت الإمامية بوجوب البعث عليه تعالى وجوبا عقليا، والآيات الكثيرة التي هي دالة على أن البعث المعاد متعلقان بوعده تعالى، وما وقع في آخر تلك الآيات من نحو قوله تعالى {إن الله لا يخلف الميعاد} مكذبة تكذيبا صريحا لعقيدتهم هذه، وقد سبق أن الوجوب على الله تعالى لا معنى له أصلا.
العقيدة الثانية
مذهب أهل السنة أن الأموات لا رجعة لهم في الدنيا قبل يوم القيامة. وقالت الإمامية قاطبة وبعض الفرق الأخرى من الروافض أيضا برجعة بعض الأموات، (1) فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم والوصي والسبطين وأعداءهم - يعني الخلفاء الثلاثة
(1) قال ابن بابويه: «إن الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية انّ الله تعالي يعيد عند ظهور لمهدي قوما ممن كان تقدم موته من شيعته وقوما من أعدائه» . وقال المفيد: «اتفقت الامامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة» . نجم الدين الطبرسي، الرجعة: ص 4.
ومعاوية ويزيد ومروان وابن زياد وأمثالهم - وكذا الأئمة الآخرين وقاتليهم يحيون بعد ظهور المهدي، ويعذب قبل حادثة الدجال كل من ظلم الأئمة ويقتص منهم، ثم يموتون ثم يحيون يوم القيامة.
وهذه العقيدة مخالفة صريحا للكتاب، فإن الرجعة قد أبطلت في أيات كثيرة منها قوله تعالى {قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت، كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} ولا يخفى أن مناط التمسك ومحطه إنما هو قوله {من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} (1) فلا يمكن للشيعة أن يقولوا إن الرجعة تستحيل للعمل الصالح لا للقصاص وإقامة الحد والتعزير لما وقع المنع من الرجعة آخر الآية مطلقا. وقال الشريف المرتضى في (المسائل الناصرية): (2) إن أبا بكر وعمر يصلبان على شجرة في زمن المهدي، قيل: إن تلك الشجرة تكون رطبة قبل الصلب فتصير يابسة بعده، فهذا الأمر سيضل به جمع، وهم يقولون: إن هذين البريئين قد ظلما، ولذا صارت الشجرة الخضراء يابسة. وقيل تكون تلك الشجرة يابسة قبل الصلب ثم تصير رطبة خضراء بعد الصلب، وبهذا السبب يهتدي خلق كثير. (3)
والعجب ان هؤلاء الكذابين مختلفون بينهم في هذا الكذب أيضا، فقال جابر الجعفي (4) هو من قدماء هذه الفرقة: إن أمير المؤمنين يرجع إلى الدنيا ودابة الأرض المذكورة في القرآن عبارة عنه. (5) معاذ الله من سوء الأدب.
والزيدية
(1) ينظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 12/ 149.
(2)
تصنيف علي بن الحسين بن موسى الموسوي (ت 436هـ)،
(3)
من حديث طويل عند ابن رستم الطبري يقول فيه المهدي: «وأجيء إلى يثرب فأهدم الحجرة [أي التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه] وأخرج من بها وهما طريان [يعني أبا بكر وعمر رضي الله عنهم ا] فأمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين يصلبان عليها، فتورقان من تحتهما فيفتتن الناس بهما أشد من الأولى
…
». الطبري، دلائل الإمامة: 297؛ المجلسي، بحار الأنوار: 53/ 104.
(4)
جابر بن يزيد بن الحرث الجعفي الكوفي، تركه النسائي، وقال يحيى:«لا يكتب حديثه ولا كرامة» ، ونقل عباس الدوري عن زائدة:«بأنه كان كذابا» ، مات سنة 128هـ. ميزان الاعتدال: 2/ 103.
(5)
أخرج القمي عن أبي عبد الله قال: «انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد، قد جمع رملا ووضع رأسه عليه، فحركه برجله ثم قال: قم يا دابة الله، فقال رجل من أصحابه يا رسول الله: أيسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة، وهو دابة الأرض الذي ذكر الله تعالى في كتابه {وإذا وقع عليهم القول أخرجنا لهم دابة من الأرض} فذكر الآية» . تفسير القمي: 2/ 130؛ وأخرجه الصافي في تفسيره: 4/ 74؛ والمجلسي في بحار الأنوار: 39/ 59.
كافة منكرون للرجعة إنكارا شديدا، وقد ذكر في كتبهم رد هذه العقيدة بروايات الأئمة وكفى الله المؤمنين القتال. وقد قال الله تعالى {وهو الذي أحياكم} أي أنشأكم من العدم الفطري {ثم يميتكم} عند انقضاء آجالكم {ثم يحييكم} أي يوم القيامة للجزاء. (1) وقال {وكنتم أمواتا فأحياكم} في الدنيا {ثم يميتكم} بعد انقراض آجالكم {ثم إليه ترجعون} . (2)
والدليل العقلي الموافق لأصول الإمامية على بطلان هذه العقيدة أنهم لو عذبوا بسوء أعمالهم بعد ما رجعوا في الحياة الدنيا ثم يعاد عليهم العذاب في الأخرة لزم الظلم الصريح، فلا بد أن يكونوا في الآخرة معذبين، فحصل لهم تخفيف عظيم عن العذاب المستمر الدائم وراحة أبدية، وذلك مناف لغلط الجناية وعظم الجرم، قال الله تعالى {ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} . والدليل الآخر على بطلانها أن الخلفاء الثلاثة لم يرتكبوا ما يوجب تعذيبهم إلا غصب الخلافة وبعض حقوق أهل البيت على زعم الشيعة، وذلك الغصب بعد تسليمه غايته أن يكون فسقا كما عليه متأخروهم أو كفرا كما زعم متقدموهم، ولا شيء من الكفر والفسق يوجب الرجعة في الدنيا بعد الموت قبل البعث، وإلا يلزمهم أن يعتقدوا رجعة الكفرة والفسقة من أهل الأديان كلهم أجمعين، ولا اختصاص لهذا الكفر والفسق بالرجعة، وإلا يلزمهم أن يقولوا بكونها أكبر من الشرك بالله تعالى والكفر به - نعوذ بالله من ذلك - ومن تكذيب الأنبياء وقتلهم بغير حق وإيذائهم ونحوها - معاذ الله من كلها. وهذه اللوازم باطلة محضا عندهم، فقد تبين للعارف المنصف أن هذه العقيدة الخبيثة باطلة على أصولهم والقول بها ضلالة. وأيضا لو كان المقصود من تعذيبهم في الدنيا إيلامهم وإيذائهم يكون ذلك حاصلا لهم في عالم القبر أيضا، فالإحياء عبث والبعث قبيح يجب تنزيه الله تعالى عنه. وإن كان المقصود إظهار جنايتهم عند الناس فقد كان الأولى بذلك الإظهار لمن كانوا معتقدين بحقية خلافتهم وناصرين لهم في زمنهم، فكان لا بد حينئذ أن يؤتى السبطان القدرة على الانتقام منهم حتى لا تضل بقية الأمة ويتبرأوا من أفعالهم. وهذا القدر في تأخير الانتقام بعد ما يمضي أكثر
(1) ابن كثير، التفسير: 3/ 234.
(2)
ينظر روح المعاني للآلوسي: 1/ 214.
الأمة ويأتي آخرون لم يطلعوا على فساد أعمالهم وبطلان أحوالهم أصلا خلاف الحكمة والصلاح، فقد لزم منه ترك الأصلح. وليت هذه الأمور تقع في اليوم الآخر (1) حتى يطلع كل من الأولين والآخرين على هذا الجزاء والقصاص فيكون لها وجه في الجملة، بخلاف وقوعها قبله إذا مضى أكثر عمر الأمة وبقيت الدنيا قليلا فإن بعض الناس الذين يحضرون ذلك الوقت إن أطلعوا على جنايتهم وذنوبهم فلا فائدة فيه، لأنه لم يكن في ذلك الوقت من يعرف أبا بكر وعمر ومعاوية فيميز أحدهم عن الآخر، بل ينشأ الاحتمال عند كلهم أن عدة ناس سموهم بأساميهم كيزيد وشمر (2) المجعولين في الأيام العشرة من المحرم للقتل توطئة لتشفية قلوبهم.
ولو كان يكفي قول المهدي والأئمة الآخرين إن فلانا أبو بكر وفلانا عمر فلماذا لا يقبل قولهم في بطلان أمر خلافتهم وغضبهم وظلمهم وتعذيبهم في البرزخ - معاذ الله - حتى يحتاج إلى أحيائهم؟ وأيضا يلزم على هذا التقدير أن النبي صلى الله عليه وسلم والوصي والأئمة لابد لهم أن يذوقوا موتا آخر زائدا على سائر الناس للزوم تعاقبه للحياة الدنيا، وظاهر أن الموت أشد آلام الدنيا، فلم يجوز الله سبحانه إيلام أحبائه عبثا؟ وأيضا إذا أحيي هؤلاء الظلمة سيعلمون بالقرائن أنهم أحيوا للتعذيب والقصاص، وأنهم كانوا على الباطل والأئمة على الحق فيتوبون بالضرورة توبة نصوحا إذ التوبة مقبولة في الدنيا ولو بعد الرجعة فكيف يمكن حينئذ تعذيبهم؟ وأيضا يلزم على هذا التقدير إهانة الأمير والسبطين، فإنهم كانوا عند الله أذل من كل ذليل حتى أن الله تعالى لم ينتقم من أعدائهم ولم يجعلهم قادرين عليهم إلا بعد مضي ألف وعدة مئات من السنين إذ يظهر المهدي لإغاثتهم بواسطته وينتقم من أعدائهم ويجعلهم قادرين عليهم! وبالجملة فإن مفاسد هذه العقيدة أزيد من أن تحيط بها الكتابة والعبارة.
(1) والذين يكذبون على الله، ويخترعون هذه السخافات مستبعد عليهم أن يكونوا مؤمنين باليوم الآخر، وكيف يؤمن باليوم الآخر من ينتسب إلى الإسلام ويكون في قلبه كل هذا الحقد الفاجر على مثل أبي بكر وعمر اللذين لم تنجب الإنسانية بعد أنبياء الله من بلغ شانهما؟
(2)
شمر بن ذي الجوشن (شراحبيل) بن قرط الضبابي الكلابي، شهد صفين مع علي ثم شارك في قتل الحسين وبعدها قام بالكوفة، وقتله أعوان المختار سنة 66هـ. الكامل في التاريخ: 4/ 92؛ ميزان الاعتدال: 1/ 449.