الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنهم حماة حرم دينك وحراس أبواب شريعتك وأعظم جنودك وأنصارك. وغرضي من عرض ذلك الكتاب إلى ساحته الرفيعة العتاب، أن يذر إكسير نظره عليه، ليحل محل القبول لديه. فهناك إن شاء الله تعالى يحصل الأمل، وأحظى بما رجوته من قبول العمل وقد رتبته على تسعة أبواب، وإلى الله الزلفى وحسن المآب.
الباب الأول في ذكر
فرق الشيعة
وبيان أحوالهم وكيفية حدوثهم وتعداد مكائدهم
اعلم أن الشيعة الذين يدعون مشايعة الأمير كرم الله نعالى وجهه ومتابعته، وحبه الذي افترضه الله تعالى على عباده، أربع فرق:
(فرق الشيعة)
(الشيعة المخلصون)
الفرقة الأولى: الشيعة الأولى ويسمون «الشيعة المخلصين» أيضا، وهم عبارة عن الذين كانوا في وقت خلافة الأمير كرم الله وجهه من المهاجرين والأنصار والذين تبعوهم بإحسان، كلهم عرفوا له حقه، وأحلوه من الفضل محله ولم ينتقصوا أحدا من إخوانه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلا عن إكفاره وسبّه. بيد أن منهم من قاتل معه على تأويل القرآن كما قاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على تنزيله، فقد كان معه - رضي الله تعالى عنه - في حرب صفين (1) من أصحاب بيعة الرضوان ثمانمائة صحابي، وقد استشهد منهم تحت رايته هناك ثلاثمائة. ومنهم من تقاعد عن القتال تورعا واحتياطا لشبهة عرضت له، لكنه مع ذلك كان قائما بمحبته وتعظيمه ونشر فضائله، وذلك لا يقصر بكثير عن القتال معه. ومن مشهوري هذا الصنف عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وقد زالت شبهته بعد ذلك فندم غاية الندم على قعوده وتخلفه عن الأمير كرم الله تعالى وجهه، لكن فات ذاك، وتعذر الاستدراك. وحالت المنية، دون الأمنية. وهذا يشبه من وجه ما كان من محمد بن الحنفية - رضي الله تعالى عنه - من التوقف يوم الجمل حتى قال له الأمير كرم الله تعالى وجهه: ويحك أتتوقف وأبوك سابقك؟ (2) ومنهم من غلب عليه القضاء والقدر فوقع منه ما أدى إلى قتاله،
(1) قال ياقوت الحموي: «صفين: موضع بقرب الرقة على شاطئ الفرات من الجانب الغربي بين الرقة وبالس، وكانت وقعة صفين سنة 37هـ في غرة صفر بين علي - رضي الله تعالى عنه - ومعاوية» . معجم البلدان
(2)
تاريخ الطبري: 3/ 44
كطلحة والزبير وأم المؤمنين - رضي الله تعالى عنهم -، فهم - وإن وقع بينهم وبين الأمير ما وقع يوم الجمل - محبون له عارفون له فضله، كما أنه - رضي الله تعالى عنه - في حقهم كذلك، وليس بين ذلك وبين القتال الواقع في البين تنافٍ، لأن القتال لم يكن مقصودا، بل وقع عن غير قصد، لمكر من قتلة عثمان - رضي الله تعالى عنه - الذين كانوا بعشائرهم في عسكر الأمير، إذ غلب على ظنهم من خلوته بطلحة والزبير أنه سيسلمهم إلى أولياء عثمان، فأطاروا من نيران غدرهم شرارا، ومكروا مكرا كبارا، فأوقعوا القتال بين الفريقين، فوقع ما وقع إن شاء وإن أبى أبو الحسنين فكل من الفريقين كان معذورا، وكان أمر الله قدرا مقدورا. وسيأتي تفصيل ذلك كله في باب المطاعن إن شاء الله تعالى (1) قال الجد روَّحَ الله تعالى روحَه في كتاب (نهج السلامة (2)) بعد ذلك الكلام على أن القتال لو فرض أنه كان قصدا فهو بشبهة قوية عند المقاتل أوجبت عليه أن يقاتل. فهو بزعمه من الدين ونصرة المسلمين، وليس من الغي والاستهانة بالأمير في شيء. ومتى كان كذلك فهو لا ينافي المحبة، ولا يدنس رداء الصحبة. وقد صرح بعض العلماء أن شكوى الولد على أبيه لدين له عليه قادر على أدائه ومماطل فيه ليس من العقوق، ولا يخل بما للوالد من واجب الحقوق.
وإن أبى تعصبك هذا قلنا: إن القوم - رضي الله تعالى عنهم - كانوا من قبل ما وقع من الشيعة المخلصين الأبرار، لكن لعدم الإثم وقع منهم ما غسلوه ببرد التوبة وثلج الاستغفار، ويأبى الله تعالى أن يذهب صحابي إلى ربه، قبل أن يغسل بالتوبة والاستغفار دون ذنبه. وبنحو هذا يجاب عن أصحاب صفين، من رؤساء الفرقة الباغية على علي أمير المؤمنين. فالمتلوثة سيوفهم في تلك الفتنة من الصحابة أقل قليل، ولولا عريض
(1) أي في الباب الثامن
(2)
نهج السلامة في مباحث الإمامة لأبي الثناء شهاب الدين محمود الآلوسي مؤلف تفسير (روح المعاني). وكتابه (نهج السلامة) في الرد على الشيعة ألفه في آخر حياته وكتب منه وهو مريض عشرين كراسة ثم عاجلته المنية قبل أن يتمه.