الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفروضة، ومعنى الإمام هو هذا أن اتباعه يكون موجبا للنجاة في الآخرة، ففسد مذهب الاثني عشرية بل الإمامية كلهم فلا يصح لكل فرقة من فرق الشيعة ذلك بل لا بد لهم أن يعلموا جميع المذاهب حقا وصوابا، مع أن بين مذاهبهم كثير من التناقض والتضاد الواقع، والحكم في كلا الجانبين المتناقضين بكونهما حقا في غير الاجتهادات قول باجتماع النقيضين وهو بديهي الاستحالة.
الثاني بطريق الحل: بأن التمكن في زاوية من زوايا السفينة إنما ينجي من الغرق لو لم يخرق في زاوية أخرى منها، وإلا فيحصل الغرق قطعا. وما من فرقة من فرق الشيعة متمكنين في زاوية من هذه السفينة إلا وهم يخرقون في زاوية أخرى منها. نعم أهل السنة وإن كانوا يدورون في كل الزوايا المختلفة ويسيرون فيها، لكنهم لم يخرقوها في زاوية منها ليدخلوا من ذلك الطرف موج البحر فيغرقها. والحمد لله.
(الدلائل العقلية)
وأما الدلائل العقلية للشيعة فهي كثيرة جدا ولنذكر قاعدة يمكن الحل بها لكل دلائلهم فنقول: إن الدليل على هذا المدعى لا يخلو عن ثلاثة أقسام: لأنه إما جميع مقدماته عقلية، أو جميعها نقلية، أو بعضها عقلية وبعضها نقلية، وهذا الاصطلاح غير الاصطلاح المشهور في الكلام، فإن الدليل العقلي يطلق فيه على ما كان مركبا من العقليات الصرفة، والدليل النقلي يطلق على ما كانت إحدى مقدماته موقوفة على النقل. وهذه الأقسام الثلاثة من الدليل لابد أن تكون مأخوذة من شرائط الإمامة أو من توابعها أو من طريق تعينها. وأصل هذه الدلائل كلها هي مباحث الإمامة، ومباحثها فرع لمباحث النبوة، لأن الإمامة نيابة للنبوة، ومباحث النبوة فرع الإلهيات، لأن النبوة والرسالة من الله تعالى. فإذا فسدت أصول الشيعة ومقرراتهم في هذه المباحث الثلاثة بمخالفة الكتاب والعترة والعقل السليم صارت دلائلهم كأنها أخذت تحت المنع في ثلاث مراتب.
ولنبين هذا الاجمال بمثال واضح: مثلا مقدماتهم المأخوذة في الدلائل الكثيرة عندهم «الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه» أصله «أن نصب الإمام واجب على الله تعالى» وأصل
هذا الأصل إن بعث النبي واجب على الله» ولما أبطلنا مذهبهم في هذه المباحث بشهادة العدول - الكتاب، والعترة، والعقل السليم - لم يبق شبهة ولا شك في بطلانه. (1)
ولنذكر بعضا من دلائلهم العقلية، وإن كان يستغنى عن ذكرها بما ذكرنا. فنقول:
الأول من دلائلهم أنهم قالوا: «إن الأمام يجب أن يكون معصوما، وغير الأمير من الصحابة لم يكن معصوما، فكان هو إماما لا غيره» ، (2) وهو المدعى.
ولا يخفى أن تقرير الاستدلال ناقص لا يفيد المدعى، لأن الدعوى مركبة من ثبوت الإمامة للأمير وسلبها عن غيره. والدليل المذكور لا يلزم منه إلا سلب مفهوم كل أحد غير الأمير من الصحابة عن ذات متصفة بالإمامة فقط، وهو غير مطلوب، فالاستدلال الصحيح بعكس ترتيب هذا القياس المذكور، وضم قياس آخر إليه من الشكل الأول فيفيد مجموعهما المدعى، وهو هكذا:«لم يكن أحد غير الأمير من الصحابة معصوما، وكل إمام يجب أن يكون معصوما» على الضرب الثاني من الشكل الثاني، ونتيجة هذا القياس سالبة كلية وهي «لم يكن أحد غير الأمير منهم إماما» فيحصل منه سلب الإمامة عن غير الأمير من الصحابة. والقياس الآخر «إن الأمير كان معصوما، وكل معصوم يكون إماما، فالأمير يكون إماما» فيلزم منه ثبوت إمامته، فمجموع هذين القياسين تثبت به الدعوى وهو المطلوب. (3)
ويجاب عن الأول بمنع الكبرى أعني «كل إمام يجب أن يكون معصوما» وبمنع استثناء الأمير منهم في الصغرى، وإسنادهما أقوال الأمير الآتية، وبهذا المعنى يرد المنع على الصغرى التي جعلها المستدل كبرى قياسه، وإلا فهي مسلمة بالضرورة فلا يصح منعها، ويجاب عن الثاني بمنع الصغرى وسنده سند منع الاستثناء، وبفوات بعض الشروط من كلية كبراه لأن المعصوم عام فإن الأنبياء والملائكة وفاطمة معصومون وليسوا بأئمة بالمعنى المتنازع فيه، فحمل «الإمام» على جميع أفراده لا يمكن، وعلى بعض أفراده يجعل القضية جزئية وهي لا تصلح لكبروية الشكل الأول لاشتراط كليتها، فافهم.
(1) قال الآلوسي الجد: «واختلف في أن مباحثها هل هي من الفقه، أو من الكلام؟ فذهبت الشيعة والخوارج إلى الثاني وذهب أهل السنة والجماعة إلى الأول، لما انهم يقولون أن النصب إنما يجب على العباد، أي عند عدم النص من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على التولية لمعين، وعند عدم العهد والوصية من السابق لغيره المعين، وإنما ذكروها في الكلام مع أنها ليست من مباحثه عندهم لما تعلق بالإمامة من التعصبات وفاسد الاعتقادات» . نهج السلامة: 13/أ.
(2)
قال الطوسي: «ويدل على إمامته أيضا أنه معصوم وغيره غير معصوم بإجماع المسلمين» . رسائل الطوسي: ص 106.
(3)
على قول الإمامية، المفيد، النكت الاعتقادية: ص 39؛ ابن المطهر الحلي، نهج الحق: ص 171.
وقال المؤلف: (1) وفي هذا الدليل تكون الصغرى والكبرى ممنوعتين، أما الصغرى فلأن الأمير نص بقوله «إنما الشورى للمهاجرين والأنصار» إلخ على أن الشورى لهم فقط، وبديهي أن الجماعة الذين جعلهم المهاجرون والأنصار خلفاء لم يكونوا معصومين، فعلم قطعا أن العصمة ليست بشرط في الإمامة أصلا. وأيضا لما سمع الأمير ما قال الخوارج «لا إمرة» قال «لابد للناس من أمير بر أو فاجر» كذا في (نهج اليلاغة).
سلمنا.، ولكن العلم بأنه معصوم لا يمكن حصوله لغير النبي، لأن أسباب العلم كلها ثلاثة أشياء: الحواس السليمة، والعقل، وخبر الصادق. ولا سبيل لأحد منها إلى تحصيله. أما الأول فظاهر إذ العصمة هي الملكة النفسانية المانعة من صدور الذنوب والقبائح غير المحسوسة، وأما الثاني فلأن العقل أيضا لا يدرك تلك الملكة إلا بطريق الاستدلال بالأفعال أحد بخصوصه وآثاره خصوصا نيات القلب ومكنونات الضمائر - من العقائد الفاسدة والحسد والبغض والعجب والرياء وغيرها من ذمائم الأخلاق - لا يمكن أولا حصوله، ولو سلمنا أنه حاصل ولكن يجوز حصول ما هو حاضر من جميع الأفعال والآثار الحسنة الباقية فإنها يمكن العلم بها، وأما ما مضى وما سيأتي من تلك الأفعال والآثار فلا سبيل لأحد إلا الله إلى العلم بها، لأن أحوال بنى آدم كثيرا ما تتغير آنًا فآنا بمكر الشيطان وإغواء النفس وقرناء السوء فيصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا. أما سمعت قصة برصيصاء الراهب (2) وبلعم بن باعورا (3) وهي كافية للعبرة في هذا الباب، والدعاء المأثور «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك» (4) دواء شاف لداء الشبهة والشك في هذا الامر. ولو فرضنا أنها علمت، ولكن كيف تدرك حقيقة العصمة التي هي امتناع صدور الذنب؟ غاية الأمر فيه أنا نعلم عدم الصدور منه وهي مرتبة المحفوظية، ولا يجزئ هذا القدر من العلم في إدراك العصمة ما لم يوجد العلم بالامتناع. واما الثالث فلأن خبر الصادق قسمان: إما متواتر،
(1) عبد العزيز الدهلوي مؤلف الأصل.
(2)
تفسير ابن كثير: 4/ 342.
(3)
تفسير الطبري: 9/ 120؛ تفسير ابن كثير: 2/ 266.
(4)
الترمذي وأحمد، صحيح الجامع: رقم 4801.
وإما خبر الله ورسوله. وظاهر أن المتواتر لا دخل له ههنا لأن المتواتر يشترط انتهاؤه إلى المحسوس في إفادة العلم الضروري، (1) فلا يكون في غير المحسوسات - مثل ما نحن فيه - مفيدا وإلا يكن خبر الفلاسفة بقدم العالم مفيدا للعلم الضروري وهو باطل بالإجماع، وخبر الله ورسوله لا يكون موجبا للعلم في هذا الباب على أصول الشيعة: أما أولا فلأن البداء في الإخبار جائز عندهم، فيجوز أن يخبر في وقت بعصمة رجل ثم بفسقه في وقت آخر، وأحد الخبرين وصل إلينا دون الآخر، وبجوز البداء في الإرادة أيضا بإجماع الشيعة (2) فيحتمل أن تتعلق الإرادة في وقت بعصمة رجل وفي وقت آخر بفسقه، فارتفع الاطمئنان بأن هذا الرجل يبقى على عصمته إلى آخر العمر. وأما ثانيا: فلأن وصول خبر الله ورسوله إلى المكلفين إما بواسطة معصوم أو بواسطة تواتر، ففي الشق الأول يلزم الدور الصريح، وفي الشق الثاني يلزم خلاف الواقع، لأن كل تواتر ليس مفيدا للعلم القطعي عند الشيعة، (3) كتواتر المسح على الخف، وغسل الرجلين في الوضوء، وإلى المرافق، وأمة هي أربى من أمة في كلمات القرآن، (4)
وصيغة التحيات في قعدة الصلاة، (5) وأمثال ذلك. فلا بد من أن يعين تواتر خاص. وذلك أيضا غير مفيد، إذ حصول العلم القطعي من التواتر يكون بناء على كثرة الناقلين وبلوغهم إلى ذلك المبلغ فقط، ولما كذب الناقلون في مادة أو مادتين ارتفع الاعتماد عن اقسامه كلها.
ولا يمكن أن تجزي هذه الوجوه في عصمة الأنبياء لأن ثبوتها بأخبارهم الصادقة، وقد ثبت صدقهم في كل ما ادعوا بظهور المعجزات الباهرة، فلا يقاس عليهم من عداهم من العباد ولو إماما فإنه أيضا تابع والتابع دون المتبوع لا محالة، فلا يستقيم بها النقض على ما قاله السائل لاختلاف المادة، مع أنه سند منع بصورة الاستدلال للاهتمام لا غير فافهم.
وأما كون الكبرى ممنوعة؛ فلأن الأمير قال لأصحابه: «لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإنني لست بفوق أن اخطئ، ولا آمن من ذلك في فِعلي» كذا في (نهج البلاغة) وظاهر أن هذا القول لا يصدر من المعصوم، خصوصا إذا كانت
(1) الجويني، البرهان: 1/ 159؛ الشوكاني، إرشاد الفحول: 1/ 88.
(2)
روى الكليني عن الفضيل عن أبي عبد الله أنه قال: «لله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء وفيما أراد لتقدير الأشياء» . الكافي 1/ 149.
(3)
كذا قرر السلطان في حاشيته: ص 322.
(4)
تقدم الكلام على هذه المسائل ..
(5)
إشارة إلى نفي الشيعة لصيغة التحيات رغم تواترها عند أهل السنة، فروى ابن بابويه عن الصادق أنه قال: «أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين، بقوله (تبارك اسمك وتعالى جدك) وهذا شيء قالته الجن بجهالة، فحكاه الله عنها، وبقوله (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) يعني في التشهد الأول، وأما الثاني بعد الشهادتين فلا بأس به
…
». من لا يحضره الفقيه: 1/ 401.
واقعة في آخر الكلام «إلا أن يلقي الله في نفسي (1) ما هو أملك به مني» (2) فإنه دليل صريح على عدم العصمة. لأن المعصوم يملكه الله نفسه كما ورد في الحديث «إنه كان أملكهم لأربه» . (3) وأيضا مروي في دعاء الأمير «اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك ثم خالفه قلبي» كذا أورده الرضى في (نهج البلاغة). (4)
الدليل الثاني: (5) أن الإمام لا بد من أن لا يرتكب الكفر قط، لقوله تعالى {لا ينال عهدي الظالمين} والكافر ظالم لقوله تعالى {والكافرون هو الظالمون} ولقوله تعالى {إن الشرك لظلم عظيم} وغير الأمير من الصحابة كلهم كانوا عبدوا الأصنام في الجاهلية فيكون هو إماما دون غيره. (6)
ولا يذهب على العارف أن هذا الدليل - مع كونه ناقصا مثل ما مر - فاسدة بالمرة، فلا بد أن يغير بوجه آخر صحيح. وذلك أن يقال: لم يكن أحد من الصحابة غير الأمير مؤمنا من بدء التكليف، وكل إمام يجب أن يكون مؤمنا كذلك. والقياس الآخر: إن الأمير كان مؤمنا كذلك، وكل من يكون مؤمنا كذلك فهو إمام، ويجاب عن الأول بمنع الكبرى، وسنده الإجماع على عدم الاشتراط في الإمامة بهذا الشرط، وعن الثاني بالنقض لأنه يلزم منه أن يكون كل من هو كذلك من آحاد الأمة إماما، ولا أقل من لزوم إمامة نحو عبد الله بن عباس رضي الله عنهم ا، لا يقال اشتراط العصمة يدفعه لأنا نقول إن ذلك الاشتراط بعد تسليمه لا يعتبر في هذا الدليل فالتعدد باطل، بل الثاني يصير حشوا محضا أولا فالانتقاض ضروري لا مرد له.
وقال المؤلف: وأجيب بأن هذا الشرط لم يذكره في بحث الإمامة أحد من أهل السنة والشيعة، ولكن خرط الشيعة هذا الشرط حين عمدوا إلى نفي الخلافة عن الخلفاء الثلاثة، ولهذا لم يذكر في آية ولا حديث، بل من أسلم بعد كفره مائة سنة ومن كان مسلما من سبعين بطنا متساويان في الدين والإسلام، ولم يعتبر هذا الشرط فإنه لغو وحشو، والتمسك بآية
(1) في النهج: (إلا أن يكفي الله من نفسي).
(2)
نهج البلاغة: (بشرح ابن أبي الحديد): 11/ 101.
(3)
متفق عليه.
(4)
نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 6/ 176.
(5)
من أدلتهم العقلية.
(6)
هذا ادعاء الإمامية، قال الحسن الديلمي:«ومن فضائله عليه السلام أنه نشأ وربي في الإيمان ولم يدنس بدنس الجاهلية بخلاف غيره من سائر الصحابة» . إرشاد القلوب: 2/ 229.
{لا ينال عهدي الظالمين} ههنا ليس إلا من المغالطة، إذ مفاد الاية أن الرياسة الشرعية لا تنال الظالم، (1) لأن العدالة في جميع المناصب الشرعية - من الإمامة الكبرى والقضاء والاحتساب والإمارة وغيرها - شرط لتحقيق فائدة ذلك المنصب، ونصب الظالم في أي رياسة موجب لفسادها، فبين الكفر والظلم والإمامة منافاة، ولا يجتمع التنافيان في وقت واحد في ذات أصلا، وهذا هو مذهب جميع أهل السنة أن الإمام لا بد أن يكون وقت الإمامة مسلما عادلا، لا أنه لم يكن قبل الإمامة كافرا وظالما، ومن كفر أو ظلم ثم تاب عنه من بعد ذلك وأصلح فلا يصح أن يطلق عليه أنه كافر أو ظالم أصلا في لغة وعرف وشرع، إذ قد تقرر في الأصول أن المشتق فيما قام به المبدأ في الحال حقيقة وفي غيره مجاز، ولا تكون المجاز أيضا مطرودا بل حيث يكون متعارفا ينبغي أن يطلق هنالك، كما تقرر في محله أن المجاز لا يطرد وإلا لجاز «نخلة» لطويل غير الإنسان، و «صبي» لشيخ، وهي سفسطة قبيحة، (2) كذا النائم للمستيقظ والفقير للغني والجائع للشبعان والحي للميت وبالعكس. وقد روى الزاهدي في حديث طويل أن أبا بكر قال للنبي صلى الله عليه وسلم بمحضر من المهاجرين والأنصار «وعيشك يا رسول الله، إني لم أسجد للصنم قط، فنزل جبريل وقال: صدق أبو بكر» وكذلك ذكر أهل السير والتواريخ في أحوال أبي بكر أنه لم يسجد لصنم قط، فصحت إمامته بملاحظة هذا الشرط أيضا وصارت إجماعا والحمد لله.
الدليل الثالث: أن الإمام لابد أن يكون منصوصا عليه، ولا يوجد نص في غير الأمير، فغيره لا يكون إماما بل هو الإمام. (3)
والجواب بعد أن نذكر ما اسلفنا في تصحيح الدليل الأول من عكس الترتيب وضم قياس آخر معه أن المقدمتين ممنوعتان: أما منع الصغرى فلما مر من قول الأمير: إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اختاروا رجلا وسموه إماما كان لله رضًا. وأما منع الكبرى فلأنه لو وجد النص في علي، فإما في القرآن أو الحديث فقد مر الأمران جميعا.
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 2/ 108.
(2)
السفسطة: «تمويه بحجة باطل بقضية أو قضايا فاسدة تقود إلى الباطل» . الإحكام لابن حزم: 1/ 37.
(3)
الحلي في نهج الحق: ص 171.
ولأنه لو وجد النص لكان متواترا إذ لا عبرة للآحاد في الأصول، ولا أقل من أن يعرفه أهل بيته، وهم قد أنكروه، (1) ولأنه لو وجد النص في الإمام لوجد في كل الأئمة، وقد اختلف أولاد كل إمام بعد موته في دعوى الإمامة، (2) ولأنه لو وجد النص لما وقع الاختلاف بينهم، ولأنه لو وجد النص فإما أن يبلغه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدد التواتر أو لا، وعلى الأول إما أن يكتموه عند الحاجة إلى إظهاره أو يظهروه، ولا سبيل إلى الثاني بالإجماع، والأول يرفع الأمان عن التواتر ويستلزم كذب المتواترات، وإن لم يبلغه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدد التواتر لم تلزم الحجة فيه على المكلفين فتنتفي فائدة النص، بل يلزم ترك التبليغ في حق النبي وهو محال.
الدليل الرابع: أن الأمير كان متظلما ومتشكيا من الخلفاء الثلاثة دائما في حياته، وبين أنه مظلوم ومقهور، وما ذاك إلا لغصب الإمامة منه فتكون الإمامة حقه دون غيره، إذ الأمير صادق بالإجماع. (3)
وأنت تعلم أن هذا الدليل غير مذكور بتمامه، فإن كبراه مطوية وهي «وكل من كان كذلك فهو إمام» فيلوم من بعد تسليمه أن يكون كل من أوذوا وظلموا حقيقة أئمة، وهذا خلف، واعتبار القيود الأخر يبطل التعدد ويجعله حشوا.
وأجيب عن هذا الدليل بمنع صحة تلك الروايات، لأن أهل السنة لم يثبت عندهم إلا روايات الموافقة والمناصحة والثناء بالجميل ودعاء الخير فيما بينهم والمعاونة والإمداد ونحوها. وأكثر روايات الإمامية في هذا الباب موافقة لروايات كما تقدم نقله عن الأمير في نهج البلاغة في قصة عمر، ومن ثنائه عليهم بالخير في حياتهم وبعد موتهم، وارتضائه بأعمالهم وشهادته لهم بالنجاة والفوز. وروايات أهل السنة في هذا الباب أكثر من أن تحصى. ولنذكر منها هنا رواية واحدة رواها الحافظ أبو سعيد ابن السمعان (4) في (كتاب الموافقة)
(1) تقدم هذا عن الحسن المثنى
(2)
وفرق الشيعة قد اختلفت كثيرا في أئمتها، فكل فرقة تدعي أن إمامها الحق وغيره باطل.
(3)
بحار الأنوار: 28/ 372.
(4)
أعلام النبلاء: 18/ 55؛ طبقات الحفاظ: ص 430؛ شذرات الذهب: 3/ 273.
وغيره من المحدثين عن محمد بن عقيل بن أبي طالب أنه لما قبض أبو بكر الصديق وسجي عليه ارتجت المدينة بالبكاء كيوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء علي باكيا مسترجعا وهو يقول «اليوم انقطعت خلافة النبوة» فوقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر مسجى فقال «رحمك الله أبا بكر، كنت إلف رسول الله وأنيسه ومستروحه وثقته وموضع سره ومشاورته، كنت أول قومه إسلاما وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله، وأعظمهم غناء في دين الله عز وجل، وأحوطهم لرسول الله وأشفقهم عليه، وأحدبهم الإسلام، وأمنهم على أصحابه، وأحبهم صحبة، وأكثرهم مناقب، وأفضلهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم هديا وسمتا ورحمة وفضلا وخلقا، وأشرفهم عنده منزلة وأكرمهم عليه، وأوثقهم عنده. جزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله وعن المسلمين خيرا. كنت عنده بمنزلة السمع والبصر، صدّقت رسول الله حين كذبه الناس فسماك الله في تنزيله صديقا فقال عز وجل {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} فالذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم، وصدق أبو بكر. وأسيته حين بخلوا، وقمت معه عند المكاره حين عنه قعدوا وصحبته في الشدة أحسن الصحبة ثاني الاثنين وصاحبه في الغار والمنزل عليه السكينة ورفيقه في الهجرة وخليفته في دين الله عز وجل. أحسنت الخلافة حين ارتد الناس وقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبي. نهضت حين وهن أصحابك وبرزت حين استكانوا وقويت حين ضعفوا ولزمت منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ كنت خليفته حقا ولم تنازع ولم تقذع برغم المنافقين وكيد الكافرين وكره الحاسدين وضغن الفاسقين وزيغ الباغين قمت بالأمر حين فشلوا ونظفت حين تعتعوا ومضيت نفوذا إذ وقفوا فاتبعوك فهدوا وكنت أخفضهم صوتا وأعلاهم قوة وأقلهم كلاما وأصوبهم منطقا وأطولهم صمتا وأبلغهم قولا وأكبرهم رأيا وأشجعهم وأعرفهم بالأمور وأشرفهم عملا. كنت والله للدين يعسوبا حين نفر الناس عنه وآخرا حين فشلوا. كنت للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا تحملت أثقال ما ضعفوا عنه ورعيت ما أهملوه وحفظت ما أضاعوا وعلوت إذ هلعوا وصبرت إذ جزعوا وأدركت أوطار
ما طلبوا ورجوا. أرشدتهم برأيك فظفروا ونالوا بك ما لم يحتسبوا وجليت عنهم فأبصروا.
كنت على الكافرين عذابا واصبا وللمؤمنين رحمة وأنسا وخصبا، فطرت والله بعبابها وفزت بجنابها وذهت بفضائلها وأدركت سوابقها لم تفلل حجتك ولم نضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك ولم يزغ قلبك كنت كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف. كنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن الناس عليه في صحبتك وذات بلدك. وكما قال ضعيفا في بدنك قويا في أمر الله متواضعا في نفسك عظيما عند الله جليلا في أعين المؤمنين كبيرا في أنفسهم لم يكن لأحد فيك مغمز ولا لقائل فيك مهمز ولا لأحد فيك مطمع. الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ بحقه والقوي العزيز عندك ضعيف حتى تأخذ منه الحق. والقريب والبعيد عندك سواء. أقرب الناس إليك أطوعهم لله وأتقاهم له شأنك الحق والصدق والرفق وقولك حكم وجزم وأمرك حلم وحزم ورأيك علم وعزم حتى بلغت والله بهم السبيل وسهلت العسير وأطفأت النيران واعتدل بك الدين وقوي الإيمان وثبت الإسلام والمسلمون وظهر أمر الله ووكره الكافرون، فسبقت والله سبقا بعيدا وأتعبت من بعدك إتعابا شديدا وفزت بالخير فوزا مبينا فجللت عن البكاء وعظمت رزيتك وهدت مصيبتك الأنام فإنا لله وإنا إليه راجعون». (1)
وهذه خطبة واحدة من الأمير في مدح أبي بكر، ولو أحصينا جميع خطب الأمير وكلماته في فضائل أبي بكر وعمر ومدحهما المروية في كتب أهل السنة بالطرق الصحيحة لبلغت مفردا كنهج البلاغة بل أطول منه.
فإن قلت إن روايات الشيعة في باب تظلم الأمير وشكايته إن كانت كلها موضوعة من رؤسائهم فإن مما يستبعده العقل أن جمعا كثيرا اجتمعوا على الافتراء على الأمير فلا بد من منشأ للغلط فذلك المنشأ ما هو؟ قلت: إن رواتهم كما كذبوا على الأئمة كانوا يكذبونهم كما ورد ذلك عنهم فيما تقدم، وكذبوا عليهم أيضا في المطاعن على الصحابة. وغاية ما في الباب أن مكذبات تلك الروايات وصلت إلى الشيعة أيضا بطرقهم الأخر ومكذبات روايات المطاعن على الصحابة ما وصلت من
(1) ابن عساكر، تاريخ دمشق: 30/ 438 - 440.
طرق الشيعة إليهم أو وصلت ولم يفهموا منها التكذيب الصريح لتلك الروايات كما نقل من الصحيفة الكاملة ونهج البلاغة. ولما اجتمعت فرق الشيعة على بغض الصحابة واعتقاد السوء في حقهم لم يرووا ما يكذب تلك الروايات ولم يظهروه بل قصدوا تأييد كذب أوائلهم حيث صار هذا التأييد أهم المطلوب عندهم فمن ثمة صار هذا الكذب إجماعيا لهؤلاء الفرق وأما الأكاذيب الأخر التي في العقائد الإلهية فرواها بعضهم وكذبها بعضهم.
الدليل الخامس: أن الأمير ادعى الإمامة وأظهر المعجزة على وفق دعواه كقلع باب خيبر (1) وحمل الصخرة العظيمة ومحاربة الجن ورد الشمس بعد غروبها (2) فكان في دعواه صادقا فكان إماما. (3)
وهذا الطريق في تقرير الكلام مأخوذ من استدلال أهل السنة في إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم ولكن بينهما مشابهة في صورة الكلام دون صحة المقدمات فإنها ممنوعة منعا ظاهرا. أما أولا فلأن ذكر المعجزة في إثبات الإمامة إنما هو خطأ محض فكيف يسلم؟ إذ المعجزة لإثبات النبوة دون الإمامة وغيرها من المناصب الشرعية كالقضاء والإفتاء والاجتهاد وسلطنة الناحية وإمارة العسكر والوزارة وأمثالها. ووجهه أن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لما كانت من قبل الله تعالى بلا واسطة لم يمكن إثبات نبوته بدون تصديق الله تعالى بخلق المعجزة على يده حين التحدي بخلاف هذه المناصب فإنها تثبت بقول النبي أو بتفويضها إلى الأمة. وأيضا دلالة المعجزة منحصرة في حق الأنبياء عليهم السلام فلو استدل أحد من غيرهم بها لم يكن استدلاله معتبرا في الشرع. ولما كانت الإمامة متعينة بتعيين النبي أو باختيار أهل الحل والعقد لم يجز أن تكون المعجزة دليلا عليها. على أن روايات الإمامية
(1) تاريخ الطبري: 2/ 137؛ ورواها الخطيب البغدادي عن جابر بن عبد الله: «أن عليا حمل باب خيبر يوم افتتحها، وأنهم جربوه بعد ذلك فلم يحمله إلا أربعون رجلا» . تاريخ بغداد: 11/ 327؛ قال الذهبي: «هذا حديث منكر» . ميزان الاعتدال: 5/ 139؛ قال السخاوي: «وطرقه كلها واهية، ولذا أنكره بعض العلماء» . كشف الخفاء: 1/ 438.
(2)
في الكشف الحثيث لإبراهيم بن محمد الطرابلسي: 1/ 44 قال: «أحمد بن داود روى حديثا في رد الشمس لعلي رضي الله عنه من حديث أسماء بنت عميس قال ابن الجوزي: أحمد بن داود ليس بشيء قال الدارقطني: متروك الحديث كذاب وقال ابن حبان كان يضع الحديث» . وقال العجلوني في كشف الخفاء: 1/ 516 «حديث رد الشمس لعلي رضي الله عنه قال الإمام أحمد لا أصل له أما ابن الجوزي فأورده في الموضوعات» وأوردها من الإمامية المازندراني، مناقب آل أبي طالب: 2/ 143؛ القطب الراوندي، الخرائج والجرائح: 1/ 224؛ النوري، مستدرك الوسائل: 3/ 350؛ المجلسي، بحار الأنوار: 83/ 317.
(3)
هذه الخوارق المنسوبة إلى أمير المؤمنين قد نبه حفاظ الحديث على ضعفها ووضعها منهم السخاوي في المقاصد وملا علي القاري في موضوعاته لذلك لا يصح الاستدلال بها. وأمير المؤمنين أهل لكل كرامة ولكن صحة الروايات ضرورية لقبول الأخبار.
مكذوبة لقول من يقول بادعاء الأمير للإمامة في خلافة الخلفاء الثلاثة وكذلك ما يقولون من وجوب التقية ومن أن الرسول أوصى الأمير بالسكوت كما تقدم. وظهور خوارق العادات والكرامات من الأمير مسلم الثبوت ولكن ليس ذلك مخصوصا فيه لصدور مثل ذلك من الخلفاء الثلاثة والصحابة الآخرين وصلحاء الأمة أيضا. (1) على أن قلعة لباب خيبر وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار المعجزة قبل الدعوى غير محتاج إليه ولا تثبت به الدعوى. ومحاربة الجن لا أثر لها في كتب أهل السنة بل هي مروية بمحض رواية الشيعة هكذا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة بني المصطلق أخبره جبريل في أثناء الطريق بأن الجن اجتمعت في البئر الفلانية وتريد أن تكيد لعسكركم فأرسل النبي الأمير عليهم فقتلهم! (2) فلو صحت هذه الرواية يكون ذلك من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم. وكذا رفع الصخرة العظيمة ليس موجودا في كتب أهل السنة، بل ذكر في كتب الشيعة أن الأمير لما توجه إلى صفين عطش يوما أصحابه في أثناء المرور بفقد الماء فأمر الأمير بأن يحفروا موضعا قرب صومعة راهب فظهرت في أثناء الحفر صخرة عظيمة عجزوا عن نقلها فأخبروا بها الأمير فنزل فرفعها من هنالك ورماها إلى مسافة بعيدة وظهرت تلك الصخرة عين الماء فشرب أهل العسكر فلما شاهد راهب تلك الصومعة هذا الأمر أسلم وقال: نحن وجدنا في الكتب القديمة أن رجلا كذا وكذا ينزل قرب هذا الدير ويرفع هذه الصخرة ويكون على الدين الحق. (3) وبالجملة إن ثبتت هذه الكرامة تكون كسائر كراماته - رضي الله تعالى عنه -، وليست دعوى الإمامة مذكورة هنا، ولم تقع هذه القصة في مقابلة أهل الشام أيضا. وأما رد الشمس فأكثر محدثي أهل السنة كالطحاوي وغيره صححوه وعدوه من معجزات النبي بلا شبهة إذ أرجع الشمس بعد غروبها ليحصل وقت صلاة العصر للأمير بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولتكون صلاته أداء. (4) وأين كانت في ذلك دعوى الإمامة؟ ومن كان حينئذ منكرا ومقابلا له!
(1) قال الطحاوي: (ونؤمن بما جاء من كرامتهم وصح عن الثقات من رواياتهم) وقال ابن أبي العز شارحا: «فالمعجزة في اللغة تعم كل خارق للعادة، وكذلك الكرمة في عرف أئمة أهل العلم المتقدمين، ولكن كثير من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما فيجعلون المعجزة للنبي والكرامة للولي، وجماعها الأمر الخارق للعادة» . شرح العقيدة الطحاوية: ص 424.
(2)
من رواية طويلة أوردها المفيد ونسبها لابن عباس في الإرشاد: 1/ 339؛ ونقلها عنه المازندراني في مناقب آل أبي طالب: 2/ 87؛ والمجلسي في بحار الأنوار: 63/ 86.
(3)
أوردها الإمامية: ابن رستم الطبري، المسترشد: ص 201؛ المازندراني، مناقب آل أبي طالب: 2/ 291؛ القطب الراوندي، الخرائج والجرائح: 1/ 220 البحراني، مدينة المعاجز: 1/ 485.
(4)
إشارة إلى ما أخرجه الطبراني من حديث أسماء بن عميس قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ورأسه في حجر علي فلم يصلِ العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله e: اللهم إن عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك فأردد عليه الشمس، فقالت أسماء فرأيتها طلعت بعدما غربت» . المعجم الكبير 24/ 151؛ وقد ضعفه العلماء وحكم عليه ابن الجوزي والقاري بالوضع (المصنوع: ص 265) فقال ابن الجوزي: «هذا حديث موضوع بلا شك
…
ثم قال ومن تغفيل واضع هذا الحديث أنه نظر إلى صورة فضيلة ولم يتلمح الفائدة فإن صلاة العصر بغيبوبة الشمس صارت قضاء فرجوع الشمس لا يعيدها أداء». الموضوعات: 1/ 356 - 357. يؤكد ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس». المسند: 2/ 325. وصححه ابن حجر في فتح الباري: 6/ 221. وينظر منهاج السنة النبوية: 8/ 165
(1)
الدليل السادس أن الشيعة قالوا: ما روى أحد من الموافق والمخالف ما يوجب الطعن والقدح في الأمير، بخلاف الخلفاء الثلاثة فإن الموافق والمخالف رويا القوادح الكثيرة في حقهم بحيث يسلب استحقاق الإمامة عنهم، فالأمير الذي هو سالم عن قوادح الإمامة يكون متعينا لها.
ولا يخفى أن هذا الدليل - على ما بيناه في تصحيح دلائلهم سابقا - ليس على ما ينبغي من طريق القياس الذي يستدل به على المطلوب، فإن ما ذكره المدعي ههنا إنما هو بيان لإثبات الصغرى في كلا القياسين اللذين يستدل بمجموعهما على المطلوب، وهما هذا: أن كلا من الخلفاء الثلاثة دون الأمير مقدوح فيه ومطعون عليه بما يسلب عنهم استحقاق الإمامة، وكل من كان كذلك فليس إماما، والأمير سالم من ذلك، وكل من كان كذلك فهو إمام، لأن كلا من الموافق والمخالف روى في حقهم ولم يروا في حقه القوادح الموجبة لسلب استحقاق الإمامة.
ويجاب بأنا لا نسلم السلامة من القوادح ولا الطعن بها في حقه وحقهم مطلقا، ولا رواية الموافق تلك القوادح أيضا، ولا سلب ما روى المخالف الاستحقاق عنهم، ولا كونها حقه، وكل ذلك ممنوع منعا ظاهرا، لأن الخلفاء الثلاثة كما روى المخالفون (2)(وهم الشيعة وإخوانهم، لا الموافقون الذين هم أهل السنة وأمثالهم) القوادح الباطلة في حقهم، كذلك رواها في حق الأمير مخالفوه من الخوارج وغيرهم، دون من يوافقونه من أهل السنة والشيعة، فلا سلامة ولا قدح من كل وجه، ولا ضير بالقوادح الباطلة من المخالف في الجانبين، فقد تبين أن حالة كحالهم مطلقا. وأما كبرى القياسين
(1) الظاهر في مسألة رد الشمس أن الشيعة سمعوا من علماء أهل السنة احتجاجهم بأن ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يعد من المعجزات المحمدية، فتمادوا بعد ذلك في اختراع أن الشمس ردت لعلي مرتين. ولما كان الإمام ابن حزم يناظر الرهبان الاسبانيين في صحة الأناجيل احتجوا عليه بأن الشيعة يطعنون في صحة القرآن، فروى في كتابه (الفصل في الملل والنحل) ج 2 ص 78 طبعة 1321 أنه قال لهم:«إن الروافض ليسوا من المسلمين، وأقلهم غلوا يقولون إن الشمس ردت على علي بن أبي طالب مرتين، فقوم هذا أقل مراتبهم في الكذب، أيستشفع منهم كذب يأتون به؟!»
(2)
المخالفون عند الإمامية كل من خالف عقيدتهم في الاعتقاد بالأئمة الاثني عشر وبالأخص أهل السنة. قال ابن بابويه: «لا يصح إيمان المخالفين بالبعث والنشور والحساب والثواب والعقاب
…
ولا يكون الإيمان صحيحا من مؤمن إلا من آمن بالمهدي القائم عليه السلام والأئمة عليهم السلام»، وقال الطوسي:«إن المخالف لأهل الحق كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار» . تهذيب الأحكام: 1/ 335.