الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القضاء (1) وعمرة جعرانة (2) كذلك ولم يحج فيها بل رجع إلى المدينة مع وجود المهلة.
وأما ما رووا من قول عمر «وأنا أنهى عنهما» فمعناه أن الفسقة وعوام الناس لا يبالون بنهي الكتاب وهو قوله تعالى {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} وقوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله} إلا أن يحكم عليهم الحاكم والسلطان ويجبرهم على مراعاة ما أمروا به وما نهوا عنه فلذلك أضاف النهي إلى نفسه، فقد تبين لك ولله تعالى الحمد زيف أقوالهم وظهر لك مزيد ضلالهم، والحق يعلو وكلمة الصدق تسمو.
المطاعن الثالثة في حق ذى النورين وثالث العمرين رضي الله عنه
-
فمنها أن عثمان ولى وأمر من صدر منه الظلم والخيانة وارتكاب الأمور الشنيعة كالوليد ابن عقبة (3) الذي شرب الخمر وأم الناس في الصلاة وهو سكران وصلى الصبح أربع ركعات
(1) في العام السابع للهجرة بعد عام من الحديبية.
(2)
الجعرانة: عين ماء بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب، نزلها النبي صلى الله عليه وسلم عند عودته من حنين وأحرم منها صلى الله عليه وسلم بعمرة. ابن هشام، السيرة النبوية: 5/ 162؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان: 2/ 142.
(3)
الوليد بن عقبة أخو أمير المؤمنين عثمان لأمه، أمهما أروى بنت كريز، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم، عمة النبي صلى الله عليه وسلم وتوأمة أبيه. أدرك خلافة الصديق الأكبر في أول شبابه وكان محل ثقته، وموضع السر في الرسائل الحربية التي دارت بين الخليفة وقائده خالد بن الوليد في وقعة المذار مع الفرس سنة 12. ثم وجهه مددا إلى قائده عياض بن غنم الفهري (الطبري 4: 22). وفي سنة 13 كان الوليد بلي لأبي بكر صدقات قضاعة، ثم لما عزم الصديق على فتح الشام كان الوليد عنده بمنزلة عمرو بن العاص في الحرمة والثقة والكرامة فكتب إليه وإلى عمرو يدعوهما لقيادة فيالق الجهاد فسار عمرو بلواء الإسلام نحو فلسطين وسار الوليد إلى شرق الأردن (الطبري 4: 29 - 30). ثم رأينا الوليد سنة 15 أميرا لعمر بن الخطاب على بلاد بني تغلب وعرب الجزيرة يحمى ظهور المجاهدين في شمال الشام لئلا يؤتوا من خلفهم. وكان الوليد أول ناشر لدعوة الإسلام بين نصارى تغلب وبقايا إياد بحماسة وغيرة لا مثيل لها. وبهذه الثقة الكبرى التي نالها الوليد من أبي بكر وعمر ولاه عثمان ولاية الكوفة، وكان من خير ولاتها عدلا ورفقا وإحسانا، وكانت جيوشه مدة ولايته على الكوفة تسير في آفاق الشرق فاتحة ظافرة موفقة. وانظر في تاريخ الطبري (5: 60) شهادة الإمام الشعبي له في إمارته وفي جهاده وجزيل إحسانه إلى الناس. وقد عزله عثمان رضي الله عنه بعد أن حده في شرب الخمر سنة 29هـ، ويقال إن بعض أهل الكوفة تعصبوا عليه فشهدوا عليه بغير الحق، ولما قتل عثمان اعتزل الوليد الفتنة، وكان قد غزا في سنة ثمان وعشرين أذربيجان وهو أمير القوم، مات في خلافة معاوية. الاستيعاب: 4/ 1552؛ الإصابة: 6/ 614.
ثم قال: هل أزيدكم؟ وولى معاوية الشام التي هي عبارة عن أربع ممالك فتقوى حتى أنه نازع الأمير وبغى عليه في أيام خلافته. (1) وولى عبد الله بن سعد مصر فظلم أهلها ظلما شديدا حتى اضطرهم إلى الهجرة إلى المدينة وخرجوا عليه. وجعل مروان وزيره وكاتبه فمكر في حق محمد بن أبي بكر وكتب مكان اقبلوه اقتلوه. (2) ولم يعزلهم بعد الاطلاع على أحوالهم حتى تضجرت الناس منه فآل أمره إلى أن قتل، ومن كان في هذا حاله فهو غير لائق بالإمامة. (3)
والجواب أن الإمام لابد له أن يفوض بعض الأمور إلى من يراه لائقا لما هنالك بحسب الظاهر، إذ ليس له علم الغيب، فإنه ليس بشرط في الإمامة عند أهل الحق. وقد كان عماله ظاهرا مطيعين له منقادين لأوامره. (4) وقد ثبت في التاريخ أنهم خدموا الإسلام وشيدوا الدين، فقد فتحوا بلادا كثيرة حتى وصلوا غربا إلى الأندلس وشرقا إلى بلخ (5) وكابل، (6) وقاتلوا برا وبحرا، واستأصلوا أرباب الفتن والفساد من عراق العجم وخراسان. وقد عزل بعض من تحقق لديه بعد ذلك سوء حاله كما عزل الوليد. (7) ومعاوية
(1) قال ابن تيمية في منهاج السنة (2: 219) لم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداء.
(2)
الخبر ليس في كتب التاريخ المعتبرة، ويظهر أنه من وضع الشيعة.
(3)
هذه المطاعن من كتاب الحلي منهاج الكرامة، وانظر رد ابن تيمية في منهاج السنة النبوية
(4)
وما يقال عن عمال عثمان رضي الله عنه يقال عن عمال علي رضي الله عنه، فقد ظهر الخيانة والفساد من بعض من ولاه، مثل قوله لبعض بني عمه:«فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كَلَبَ والعدوَّ قد حَرِبَ، وأمانة الناس قد خُزِيَت، وهذه الأمة قد فَنَكَتْ (أي بعدت) وشغرت (اشتدت) قلبت لابن عمك ظهر المجن، ففارقته مع المفارقين، وخلته مع الخاذلين، وخُنْتَه مع الخائنين فلا ابن عمك آسيت، ولا الأمانة أدِّيْتَ» . نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 16/ 167.
(5)
بلخ من أشهر مدن خراسان، افتتحها الأحنف بن قيس في أيام عثمان رضي الله عنه. معجم البلدان: 1/ 479.
(6)
عاصمة أفغانستان اليوم، افتتحت في زمن بني مروان وأهلها مسلمون منذ ذلك الوقت. معجم ما استعجم: 4/ 1108؛ معجم البلدان: 4/ 426.
(7)
ذكر الطبري وغيره من المؤرخين بأن عثمان عزل الوليد بن عقبة بعد هذه الحادثة سنة 30هـ وولى مكانه سعيد بن العاص. تاريخ الطبري: 4/ 271. قال الطبري في حق الوليد: «وكان أحب الناس في الناس وأرفقهم بهم، فكان كذلك خمس سنين وليس على داره باب». تاريخ الطبري: 4/ 252. قال ابن تيمية: «وعثمان رضي الله عنه لما علم أن الوليد بن عقبة شرب الخمر طلبه وأقام عليه الحد، وكان يعزل من يراه مستحقا للعزل». منهاج السنة النبوية: 6/ 241.
لم يبلغ في زمنه حتى يستحق العزل، بل قد أجرى خدمات كثيرة، كما غزا الروم وفتح منها بلادا متعددة. (1)
وأما الشكايات التي وقعت على عبد الله بن سعد فمن تزوير عبد الله ابن سبأ وتسويلاته. وبالجملة لم يكن لعثمان قصور مما هنالك، وحاله مع عماله كحال الأمير مع عمله، إلا أن عمال عثمان كانوا منقادين لأوامره ومطيعين له بخلاف عمال الأمير. ومن راجع ما سلف منا من خطب الأمير في حق أتباعه وجنده وأشياعه تبين له صدق هذا الكلام، وأن لا عتب على ذى النورين في ذلك ولا ملام. وقد كتب الأمير كرم الله تعالى وجهه إلى المنذر بن الجارود العبدي «أما بعد فصلاح أبيك غرني وظننت أنك تتبع هداه وتسلك سبيله، فإذا أنت - فيما نما إلي عنك - لا تدع لهواك انقيادا، ولا تبقى لآخرتك عتادا. تغمر دنياك بخراب آخرتك، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك» إلى آخر ما قال. (2) ومثل هذا كثير في ذلك الكتاب. فكما أن الأمير لا يلحقه طعن بسبب ما وقع
(1) لم يكن هناك من سبب لعزل معاوية، وإنما سار عثمان رضي الله عنه على سيرة عمر رضي الله عنه في ذلك، وقد قدم معاوية خدمات جليلة للإسلام في عهد عثمان رضي الله عنه تمثلت ببناء أول أسطول بحري إسلامي، والمساهمة في كسر الأسطول الرومي في البحر المتوسط. ينظر تاريخ الطبري (حوادث سنة 31هـ).
(2)
نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 18/ 54.
من عماله، كذلك عثمان. وإلا فما الفرق؟ والله سبحانه الموفق للهداية وبه نستعيذ من الضلالة والغواية.
ومنها أن عثمان أدخل الحكم (أبا مروان) بن العاص (1) المدينة وقد أخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والجواب أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أخرجه لحبه المنافقين وتهيجه الفتن بين المسلمين ومعاونته الكفار، (2) ولما زال الكفر والنفاق بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وقوي الإسلام في خلافة الشيخين لم يبق محذور من إرجاعه إليها. وقد سبق مما هو مقرر عند الفريقين أن الحكم إذا علل بعلة ثم زالت زال. وعدم إرجاع الشيخين إياه لما حصل عندهما من ظن بقائه
(1) الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، عم عثمان بن عفان، أسلم يوم الفتح، مات سنة 32هـ. الإصابة: 2/ 104. وقال ابن تيمية: «قصة نفي النبي صلى الله عليه وسلم للحكم ليست من الصحاح، ولا لها إسناد يعرف به أمرها
…
ولم تكن الطلقاء تسكن بالمدينة، فإن كان صلى الله عليه وسلم طرده فإنما طرده من مكة لا من المدينة، ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة، وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه وقالوا: ذهب باختياره، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم عزر رجلا بالنفي لم يلزم أن يبقى منفيا طول الزمان، فإن هذا لا يعرف بشيء من الذنوب، ولم تأت الشريعة بذنب يبقى صاحبه منفيا دائما». منهاج السنة النبوية: 6/ 226.
(2)
أي قبل الهجرة والفتح - إن صحت القصة.
على ما كان عليه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ارتفع ذلك عن عثمان زمن خلافته لأن الحكم كان ابن أخيه. على أن عثمان قال اعترضوا عليه بذلك: إني كنت أخذت الإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته على دخول الحكم المدينة وعدم قبول أبي بكر ذلك مني لطلبه شاهدا آخر على إذنه صلى الله عليه وسلم له بالدخول المدينة، وكذلك عمر، ولما أدت النوبة إلى عملت بما علمت. (1) وأيضا قد ثبت أن الحكم قد تاب في آخر عمره من النفاق ومما كان يفعله من التزوير والاختلاق، والله تعالى الهادي إلى طريق السداد، ومنه التوفيق والرشاد.
ومنها أن عثمان وهب لأهل بيته وأقاربه كثيرا من المال، وصرف من بيت المال مصارف كثيرة في غير محلها مما يدل على إسرافه، كما اعطى الحكم مائة ألف درهم (2) وأعطى مروان خمس إفريقية (3)[وسعيد بن] العاص (4) ثلاث مائة ألف درهم وذلك لما جاء من مكة، (5) إلى غير ذلك من الإسراف الوافر والبذل المتكاثر، ومن كان بهذه الأحوال كيف يستحق الإمامة من بين الرجال. (6)
والجواب - على فرض التسليم - أن عثمان رضي الله عنه بذل ذلك من كيسه لا من بيت المال، فإنه كان من المتمولين قبل أن يكون خليفة، ومن راجع كتب السير أقر بهذا الأمر، فقد كان رضي الله عنه يعتق في كل جمعة رقبة، ويضيف المهاجرين والأنصار، ويطعمهم في كل يوم. وقد روي عن الإمام الحسن البصري أنه قال: إنى شهدت منادي عثمان ينادي «يا أيها الناس اغدوا على أعطياتكم، فيغدون فيأخذونها وافرة، يا أيها الناس اغدوا على أرزاقكم، فيغدون فيأخذونها وافية حتى والله لقد سمعته أذناي يقول: اغدوا على كسوتكم، فيأخذون الحلل» (7) ومن راجع كتب التواريخ
(1) لم يعرف مصدر الرواية.
(2)
نقله المجلسي عن الواقدي في بحار الأنوار: 31/ 300.
(3)
ذكرها الإمامية في كتبهم نقلا عن الواقدي. المجلسي، بحار الأنوار: 31/ 221. ولا تصح تاريخيا لأن الطبري روى في قصة الخمس هذه أن عمرو بن العاص عندما كان واليا على مصر، وكان عبد الله بن سعد على جندها وأراد أن يغزو أفريقية قال له عمرو بن العاص: «إن فتح الله عليك غدا أفريقية فلك مما أفاء الله على المسلمين خمس الخمس من الغنيمة نفلا»، ولم يكن عثمان رضي الله عنه يعلم بهذا، فلما علم رد المال وعزل عمرو بن العاص لذلك. تاريخ الطبري: 2/ 597.
(4)
في المطبوع خالد بن أسيد بن العاص والصحيح سعيد بن العاص.
(5)
رواية شيعية لا أصل تاريخي لها، أخرجها الطوسي في أماليه: ص 711؛ وعنه المجلسي في بحار الأنوار: 31/ 451
(6)
الحلي، نهج الحق: ص 293.
(7)
تاريخ دمشق لابن عساكر: 39/ 227.
علم درجة سخائه رضي الله تعالى عنه، ولم ينقل عن أحد الإنفاق في سبيل الله تعالى موجب للطعن، (1) والله تعالى الهادي. (2)
ومنها أن عثمان قد عزل في خلافته جمعا من الصحابة عن مناصبهم كما عزل أبا موسى الأشعري عن البصرة (3) ونصب مكانه عبد الله بن عامر، (4) وعزل عمرو بن العاص (5) عن مصر
(1) قال الطبري في تاريخه (5: 103): كان عثمان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية، وجعل ولده كبعض من يعطي، فبدأ ببني أبى العاص فاعطي آل الحكم رجالهم عشرة آلاف عشرة آلاف، فأخذوا مائة ألف، وأعطى بني عثمان مثل ذلك، وقسم في بني العاص وبني العيص وفي بني حرب. وقد أشار عثمان إلى ذلك في خطبته المشهورة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ردا على زعماء الفتنة والبغاة عليه فقال:«وقالوا إني أحب أهل بيتي وأعطيهم، فأما حبي لهم فإنه لم يمل معهم على جور، بل أحمل الحقوق عليهم. وأما إعطاؤهم فإني إنما أعطيهم من مالي، ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس. وقد كنت اعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، وأنا يومئذ شحيح حريص، أفحين أتت على اسنان أهل بيتي وفنى عمرى وودعت الذي لى في أهلي قال الملحدون ما قالوا؟» . نعم إن عثمان يود ذوي قرابته، ومودته لهم من فضائله، وهم لذلك أهل ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما أستعان برجال من عشيرة ولا ولى عددا من فريق بقدر ما استعان برجال بني أمية وولى أموره لرجالهم. وحتى بلدة مكة ولاها لفتى من فتيانهم، وكان هو وكان بقية هؤلاء الرجال الأماجد عند حسن ظنه بهم، وكذلك كانوا مدة ابي بكر وعمر وعثمان وفي كل زمان ومكان إلا النادر منهم، وما هم بمعصومين. وهذا الخلق الكريم في مودة عثمان لذوى رحمه أثني عليه به علي فقال «إن عثمان أوصل الصحابة للرحم» وعلي أعرف الناس بابن عمه عثمان وكان عثمان وعلي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم شديدي الصلة والمحبة فيما بينهما، وكان الناس يحملون ذلك على أنهما من بني عبد مناف.
(2)
أخرج الترمذي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: «لما حصر عثمان أشرف عليهم فوق داره ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ قالوا: نعم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جيش العسرة: من ينفق نفقة متقبلة والناس مجهدون معسرون فجهزت ذلك الجيش؟ قالوا: نعم، ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن بئر رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن فابتعتها فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل؟ قالوا: اللهم نعم وأشياء عددها» كتاب المناقب. وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن سمرة قال: «جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة، قال: فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول: ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم، يرددها مرارا» .
(3)
والسبب شكاية أهل البصرة من أبي موسى، فذهبوا إلى عثمان رضي الله عنه وطلبوا أن يعزله. تاريخ الطبري: 2/ 604.
(4)
هو عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة القرشي، قال ابن حجر: وكان جودا شجاعا ولاه عثمان البصرة بعد أبي موسى الأشعري سنة 9هـ، فافتتح في إمارته خراسان كلها وسجستان وكرمان، وفي إمارته قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس، توفي سنة 75هـ. تهذيب التهذيب: 5/ 239.
(5)
الآن صار الشيعة ينتصرون لعمر بن العاص ويتوجهون له!
ونصب مكانه عبد الله بن سعد (1) مع أنه قد ارتد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولحق بمشركي مكة وأباح صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح حتى تكفله عثمان فأسلم. (2) وعزل عمار بن ياسر (3) عن الكوفة وعبد الله بن مسعود عن قضائها. (4)
والجواب أن عزل العمال ونصبهم من وظيفة الخلفاء والأئمة، ولا يلزمهم إبقاء العمال السابقين على حالهم. نعم لا ينبغي العزل من غير سبب وعزل هؤلاء كان لسبب، وقد فصل ذلك في كتب التواريخ فراجعها.
ومنها أن عثمان درأ القصاص (5) عن عبيد الله بن عمر وقد قتل الهرمزان ملك الأهواز الذي أسلم في زمن عمر بعد ان اتهمه في مشاركة من قتل عمر، (6) مع أن القاتل كان أبا لؤلؤة فقط وقد قتل أيضا جنيفة النصراني لاتهامه بذلك. وقد اجتمع الصحابة عليه ليقتص من عبيد فلم يوافقوهم وأدى ديتهم عنه فخالف حكم الله فليس يليق
(1) قال الطبري في حوادث سنة 27هـ: «لما ولي عثمان أقر عمرو بن العاص على عمله وكان لا يعزل أحدا إلا عن شكاة أو استعفاء شكاة» ، ثم جاء أهل مصر يشكون عمرو بن العاص لعثمان، فعزله وولى مكانه سعد بن عبد الله. تاريخ الطبري: 2/ 597.
(2)
والإسلام يجب ما قبله. وصار مجاهدا فاتحا وله مثل ثواب كل من أسلم على يده من سكان شمال إفريقية.
(3)
عزل عمار بن ياسر كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 22هـ كما ذكر الطبري وغيره .. ولما ولي علي رضي الله عنه لم يولِ عمارا الكوفة بل أقر أبا موسى عليها، مما يدل على صحة العزل، وقد ذكر أنه غير عالم بالسياسة. تاريخ الطبري 2/ 544.
(4)
ذكر ابن حجر عن زيد بن وهب قال: «لما بعث عثمان إلى ابن مسعود يأمره بالقدوم إلى المدينة اجتمع الناس فقالوا أقم ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه، فقال: إن له علي حق الطاعة ولا أحب أن، أكون أول من فتح باب الفتن» . الإصابة: 4/ 235.
(5)
قال القاضي أبو بكر بن العربي في (العواصم من القواصم) ص 107: كان ذلك والصحابة متوافرون والأمر في أوله وقد قيل: إن الهرمزان سعى في قتل عمر وحمل الخنجر وظهر تحت ثيابه. وفي تاريخ الطبري (5: 42) شهادة عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق على الهرمزان مروية عن سعيد بن المسيب. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (3: 200): وقد قال عبد الله بن عباس لما طعن عمر - وقال له عمر: كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة - فقال ابن عباس: إن شيء ت نقتلهم. قال ابن تيمية: فهذا ابن عباس وهو أفقه من عبيد الله بن عمر وأدين وأفضل بكثير يستأذن عمر في قتل علوج الفرس مطلقا الذين كانوا في المدينة. لما اتهموهم بالفساد، اعتقدوا جواز مثل هذا. وإذا كان الهرمزان ممن أعان على قتل عمر كان من المفسدين في الأرض المحاربين فيجب أنه يقتل يعمر بن الخطاب، فإنهم يعيدون لمقتل عمر ويسمون قاتله وهو أبو لؤلؤة (بابا شجاع الدين)
(6)
وقد غضب عثمان رضي الله عنه لتصرف عبيد الله، وعزم على معاقبته إلا إن بعض الصحابة منهم عبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص رأوا أن مصلحة المسلمين الاكتفاء بالدية لعظم المصاب ولتجنب الفتنة، كما روى ابن عساكر:«عن نافع قال: رأى عبد الرحمن بن عوف السكين التي قتل بها عمر فقال: رأيت هذه أمس مع الهرمزان وجفينه، فقلت: ما تصنعان بهذه السكين؟، فقالا: نقطع بها اللحم فإنا لا نمس اللحم، فقال له عبيد الله بن عمر: أنت رأيتها معهما قال: نعم فأخذ سيفه ثم أتاهما فقتلهما، فأرسل إليه عثمان فأتاه فقال: ما حملك على قتل هذين الرجلين وهما في ذمتنا، فأخذ عبيد الله عثمان فصرعه حتى قام الناس إليه فحجزوه عنه قال وقد كان حين بعث إليه عثمان تقلد السيف فعزم عليه عبد الرحمن أن يضعه فوضعه» . تاريخ دمشق: 38/ 61.
للإمامة.
والجواب أن القصاص لم يثبت في تلك الصور، لأن ورثة الهرمزان لم يكونوا في المدينة بل كانوا في فارس، ولما أرسل عليهم عثمان لم يحضروا المدينة خوفا كما ذكر المرتضى في بعض كتبه. (1) وشرط حضور جميع ورثة المقتول كما ذهبت إليه الحنفية، فلم يبق إلا الدية، وقد أعطاها من بيت المال لا من القاتل، ولأن بنت أبي لؤلؤة كانت مجوسية وجفنة كان نصرانيا وقد قال صلى الله عليه وسلم «لا يقتل مسلم بكافر» (2) وهذا ثابت عندهم. (3) على أنه لو اقتص عثمان من عبيد الله لوقعت فتنة عظيمة لأن بني تيم وبني عدي كانوا مانعين من القتل، وكانوا يقولون لو اقتص عثمان من عبيد الله لحاربناه، ونادى عمرو بن العاص وهو رئيس بني سهم فقال: أيقتل أمير المؤمنين أمس ويقتل ابنه اليوم؟ لا والله لا يكون هذا أبدا. (4) وهذا كما ثبت عندهم من أن الأمير لم يقتص من قتله عثمان خوفا من الفتنة. (5)
ومنها أن عثمان غير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه صلى اربع ركعات في منى مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يقصر الصلاة الرباعية في سفره دائما. وقد أنكر عليه الجماعة من الصحابة ذلك الفعل. (6)
والجواب أن عثمان ما كان إذ ذك مسافرا لأنه تزوج في مكة وتبوأ منزلا فيها وأقام في تلك البقعة المباركة، ولما طلع الأصحاب على حقيقة الحال زال عنهم الإنكار والإشكال. (7)
ومنها أن عثمان قد وهب لصحابه ورفقائه كثيرا من أراضى بين المال وأتلف حقوق المسلمين.
والجواب أنه كان يأذن لهم بإحياء أراضي الموات، ومن يحيى الموات فهي له لقوله عليه الصلاة والسلام:«موتان الأرض لله ولرسوله فمن أحيا منها شيئا فهو له» (8) ولم يهب لأحد أرضا معمورة مزروعة كا يعلم ذلك من التاريخ. (9)
(1) ذكره صاحب نهج الحق: 298. لكن في رواية للطبري في تاريخه (5: 43 - 44) عن سيف بن عمر عن أشياخه أن القماذ بن الهرمزان دعاه عثمان وامكنه من عبيد الله فقال القماذ باذ «تركته لله ولكم». وانظر تفاصيل ذلك في التعليقات على (العواصم من القواصم) ص 106 - 108.
(2)
البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه.
(3)
رواه الطوسي في الاستبصار: 4/ 170؛ ابن البطريق، العمدة: ص 314.
(4)
وردت في تاريخ الطبري دون التصريح باسم عمرو بن العاص.
(5)
قاله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 9/ 293.
(6)
قال الحلي في نهج الحق: ص 301.
(7)
أخرج أحمد في مسنده من رواية عبد الرحمن بن أبي ذباب أن عثمان قال: «يا أيها الناس إني تأهلت بمكة منذ قدمت، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تأهل ببلد فليصلِّ صلاة المقيم» .
(8)
البيهقي في السنن الكبرى: 6/ 143، رقم 11564.
(9)
قال الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة في متاب (الخراج) ص 61 صبع المطبعة السلفية: وقد اقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتألف على الإسلام أقواما وأقطع الخلفاء من بعده من رأوا أن في إقطاعه صلاحا (وضرب أبو يوسف الأمثلة على ذلك). وانظر باب القطائع ص 77 - 78 من كتاب (الخراج) ليحيى بن آدم القرشي طبع السلفية أيضا. وذكر الإمام الشعبي بعض الذين اقطعهم عثمان فقال: «واقطع الزبير، وخبابا، وعبد الله اب نمسعود، وعمار بن ياسر، ابن هبار. فإن يكن عثمان أخطأ، فالذين قبلوا منه الخطأ أخطأوا، وهم الذين أخذنا عنهم ديننا» (انظر الطبري 4: 148). وأقطع علي بن ابي طالب كردوس بن هاني (الكردوسية)، وأقطع سويدا بن غفلة أرضا لدا ذويه. فكيف ينكرون على عثمان ويسكتون عن عمر وعلي؟ وللقاضي أبي يوسف كلام سديد في هذا الموضوع في كتاب (الخراج) ص 60 - 62.
ومنها أن الصحابة كلهم كانوا راضين بقتله ويتبرأون منه حتى تركوه بعد قتله ثلاثة أيام بلا دفن. (1)
والجواب أن هذا كله كذب صريح وبهتان فضيح على الصبيان فضلا عن ذوي العرفان، (2) ألا ترى أن طلحة والزبير وعائشة الصديقة ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم قد قاتلوا لأجل طلب القصاص لعثمان، وقد ثبت في التواريخ عند الفريقين أن الصحابة كلهم لم يألوا جهدا في دفع البلوى عنه حتى استأذنوا منه في قتال المحاصرين فلم يجوز لهم، (3) وكانوا مهما تمكنوا يوصلون إليه الماء ويفرجون عنه.
(1) الحلي في نهج الحق: ص 299.
(2)
ذكر قصة التأخر القرطبي في التذكرة: ص 617. لكن الثابت أنه دفن في الليلة نفسها التي قتل فيها كما نقل الطبري في التاريخ: 2/ 689.
(3)
نقل البلاذري في أنساب الأشراف (5: 73) من حديث الإمام محمد بن سيرين أن زيد بن ثابت رضي الله عنه دخل على عثمان وقال له: إن هؤلاء الأنصار بالباب يقولون «إن شيء ت كنا أنصار الله مرتين» فقال عثمان «لا حاجة لي بذلك كفوا» . قال القاضي أبو بكر بن العربي في (العواصم من القواصم) ص 136: «إن أحدا من الصحابة لم يسع عليه ولا قعد عنه. ولو استنصر ما غلب ألف أو أربعة آلاف غرباء عشرين ألفا بلديين أو أكثر من ذلك، ولكنه ألقى بيده إلى المصيبة» .
وجاء زيد بن ثابت الأنصار وقال شبابهم له: إن شيء ت كنا أنصار الله مرتين. (1) وجاء عبد الله بن عمر مع المهاجرين وقال: إن الذين خرجوا عليك قد أمنوا سيوفنا، واستأذنه لقتالهم فلم يؤذن له. (2) وكان السبطان (3) وعبد الله بن عمر (4) وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر بن ربيعة (5) وأبو هريرة (6) وغيرهم من الصحابة معه في دار وكانوا يدافعون عنه كلما هجم عليه أهل البغي والعدوان ولم يأذن لهم ولا لأحد بقتالهم.
وقد ثبت في نهج البلاغة من كلام الأمير أنه قال «والله قد دفعت عنه» (7) إلى غير ذلك. (8) وقد شيع جنازته جماعة من الصحابة والتابعين ودفنوه بثيابه الملطخة بالدم ليلا ولم يؤخروه. وقد حضرت الملائكة جنازته لما روى الحافظ الدمشقي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «يوم موت عثمان تصلي عليه ملائكة السماء» قال الراوي: قلت يا رسول الله عثمان خاصة أو الناس عامة؟ قال: عثمان خاصة. (9)
ونسبة هجوه وبغضه إلى الصحابة كذب وزور، وذلك في غاية الظهور. فقد روى الديلمي وهو من المعتبرين عند الشيعة في (المنتقى) عن الحسن بن علي قال «ما كنت لأقاتل بعد رؤيا رأيتها: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يده على العرش، ورأيت أبا بكر واضعا يده على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيت عمر واضعا يده على منكب أبي بكر، ورأيت عثمان واضعا يده على منكب عمر، ورأيت دما دونه، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: دم عثمان يطلبه الله تعالى به». (10)
وروى ابن السمان عن قيس بن عباد قال سمعت عليا يوم الجمل يقول «اللهم إنى أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاءوني
(1) عن يحيى بن زيد بن ثابت قال: «لما حصر عثمان أتاه زيد بن ثابت فدخل عليه الدار، فقال له عثمان: أنت خارج الدار أنفع لي منك ههنا، فذب عني، فخرج فكان يذب الناس ويقول لهم فيه، حتى رجع لقوله أناس من الأنصار وجعل يقول: يا للأنصار كونوا أنصار الله مرتين انصروه، والله إن دمه» . تاريخ ابن دمشق: 19/ 320؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ: 3/ 82.
(2)
أخرج رواية قريبة ابن عساكر في تاريخ دمشق: 39/ 395.
(3)
عن عبد الله بن رباح أنه قال: «انطلقت أنا وأبو قتادة إلى عثمان حين حصره القوم فلما خرجنا من عنده استقبلت الحسن بن علي بن أبي طالب داخلا عليه فرجعنا معه لننظر ما يقول له الحسن فقال يا أمير المؤمنين مرني بأمرك فإني طوع يديك فمرني بما شيء ت فقال له عثمان ابن أخ ارجع فاجلس في بيتك حتى يأتي الله بأمره فلا حاجة لنا في إهراق الدماء» . تاريخ دمشق: 39/ 390 - 391. وفي رواية أخرى: «الحسن بن علي كان آخر من خرج من عند عثمان».
(4)
عن نافع عن ابن عمر: «أنه لبس الدرع يوم الدار مرتين وقال: والله لنقاتلن عن عثمان» . تاريخ دمشق: 39/ 394
(5)
عن يحيى بن سعيد قال سمعت: «عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول: كنت مع عثمان في الدار، فقال: أعزم على كل من رأى أن لنا عليه طاعة إلا كف يده وسلاحه، فإن أفضلكم عندي غناء من كف يده وسلاحه» . تاريخ دمشق: 39/ 398.
(6)
عن أبي هريرة قال قلت لعثمان اليوم طاب الضرب معك قال أعزم عليك لتخرجن. تاريخ دمشق: 39/ 396
(7)
شرح نهج البلاغة: 13/ 296
(8)
أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله الأنصاري: «أن عليا أرسل إليه، يعني إلى عثمان، إن معي خمسمائة دارع، فأذن لي فأمنعك من القوم فإنك لم تحدث شيئا يستحل به دمك، قال: جزيت خيرا ما أحب أن يهراق دم في سببي» . تاريخ دمشق: 39/ 398.
(9)
أخرجه: الطبراني، المعجم الأوسط: 3/ 287، رقم 3172؛ الديلمي، مسند الفردوس: 5/ 533، رقم 8999؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق: 18/ 393.
(10)
أخرجه أبو يعلى في مسنده: 12/ 138؛ ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال: 2/ 167