الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من العقائد والفروع بحيث لا يبقى لهم مجال للإنكار، ولا يجدون سبيلا للفرار. والله يحق الحق وهو يهدي السبيل.
(في ذكر أحوال رجالهم وطبقاتهم)
وأما أحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم، فاعلم أن أسلاف الشيعة وأصول الضلالات كانوا عدة طبقات:
الطبقة الأولى
هم الذين استفادوا هذا المذهب بلا واسطة، من رئيس المضلين إبليس اللعين وهؤلاء كانوا منافقين، جهروا بكلمة الإسلام وأضمروا في بطونهم عداوة أهله، وتوصلوا بذلك النفاق إلى الدخول في زمرة المسلمين والتمكن من إغوائهم وإيقاع المخالفة والبغض والعناد فيما بينهم، ومقتداهم على الإطلاق (عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني) الذي كان شرا من أبليس وأعرف منه في الإضلال والتضليل، وأقدم منه في المخادعة والغرور بل شيخه في المكر والشرور، وقد مارس زمانا في اليهودية فنون الإغواء والإضلال وسعى مجتهدا في طرق الزور والاحتيال فأضل كثيرا من الناس واستزل جما غفيرا فأطفأ منهم النبراس، وطفق يغير عقائد العوام ويموه عليهم الضلالات والأوهام، فأظهر أولا محبة كاملة لأهل البيت النبوي، وحرض الناس على ذلك الأمر العلي، ثم بين وجوب لزوم جانب الخليفة الحق وأن يؤثر على غيره، وأن ما عداه من البغاة، فاستحسنه جم من العوام غفير، وقبله ناس من الجهلة كثيرون، فأيقنوا بصلاحه واعتقدوا بإرشاده ونصحه. (1)
ثم فرع على ذلك فروعا فاسدة وجزيئات كاسدة فقال: إن الأمير كرم الله وجهه هو وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضل الناس بعده وأقربهم إليه، واحتج على ذلك بالآيات الواردة في فضائله والآثار المروية في مناقبه، وضم إليها من موضوعاته وزاد عليها من كلماته وعباراته. فلما رأى أن ذلك الأمر قد استقر في أذهان أتباعه واستحكمت هذه العقيدة في نفوس أشياعه ألقى إلى بعض هؤلاء ممن يعتمد عليه أن الأمير وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن النبي عليه الصلاة والسلام استخلفه بنص صريح، وهو قوله تعالى {إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا} الآية، ولكن الصحابة قد ضيعوا وصيته صلى الله عليه وسلم وغلبوا
(1) يعترف الإمامية بأن ابن سبأ أول من أظهر الطعن بالصحابة، قال الكشي:«وذكر أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون [وصي موسى]، فقال في إسلامه في علي مثل ذلك، وكان [ابن سبأ] أول من أشهر القول بإمامة علي، وأظهر البراءة من أعدائه [أي الصحابة]، وكاشف مخالفيه وكفرهم، فمن هنا قال من خالف الشيعة عن أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهود» . تنقيح المقال: 2/ 184؛ بحار الأنوار: 25/ 287.
الأمير بالمكر والزور وظلموه فعصوا الله ورسوله في ذلك وارتدوا عن الدين - إلا القليل منهم - محبة في الدنيا وطمعا في زخرفها. (1)
واستدل على ذلك بما وقع بين فاطمة - رضي الله تعالى عنها - وبين أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - في مسألة فدك (2) إلى أن انتهى الأمر إلى الصلح ثم أوصى أتباعه بكتمان هذا الأمر وعدم نسبته إليه وقال: لا تظهروا للناس أنكم أتباعي لأن غرضي إظهار الحق والهداية إلى الطريق المستقيم دون الجاه والشهرة عند الناس. فمن تلك الوسوسة ظهر القيل والقال ووقع بين المسلمين التفرق والجدال، وانتشر سب الصحابة الكرام وذاع الطعن فيهم من أولئك الطغام، حتى إن الأمير كرم الله تعالى وجهه قد خطب فوق المنبر خطبا في ذم هؤلاء القوم وأظهر البراءة منهم وأوعد بعضهم بالضرب والجلد. فلما رأى ابن سبأ أن سهمه هذا أيضا قد أصاب هدفا واختلت بذلك عقائد أكثر المسلمين اختار أخص الخواص من أتباعه وألقى إليهم أمرا أدهى من الأول وأمر، وذلك بعد أن أخذ عليهم ميثاقا غليظا أن الأمير كرم الله تعالى وجهه يصدر منه ما لا يقدر عليه البشر من قلب العيان، والأخبار المغيبات، وإحياء الموتى، وبيان الحقائق الإلهية والكونية، وفصاحة الكلام، والتقوى، والشجاعة، والكرم، إلى غير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، فهل تعلمون منشأ هذه الأمور؟ فلما أظهروا العجز عن ذلك قال لهم: إن هذه كلها من خواص الألوهية التي تظهر في بعض المظاهر ويتجلى اللاهوت في كسوة مثل أنا حي لا يموت أنا باعث من في القبور أنا مقيم الساعة ونحوها مما صدر عنه - رضي الله تعالى عنه - في غلبة الحال كما هو شأن أولياء الله (3) فلما وصلت هذه المقالة إلى
(1) ويعترفون بدخوله على الأمير، حيث روى ابن بابويه القمي والطوسي عن أبي بصير ومحمد بن مسلم: «إن عبد الله بن سبأ قال يا أمير المؤمنين أليس الله في كل مكان؟ قال عليه السلام: بلى، قال: فلم يرفع العبد يديه إلى السماء قال: أما تقرأ: {وفي السماء رزقكم وما توعدون}
…
». من لا يحضره الفقيه: 1/ 325؛ تهذيب الأحكام: 2/ 322. وفي هذه الرواية يتضح أن هؤلاء القوم لم يكونوا زاهدين بروايات ابن سبأ إلا عندما يتعلق الأمر بنفي تهمة الرفض عنهم وبأن صاحبها هو عبد الله بن سبأ اليهودي.
(2)
(3)
لم يثبت بالطرق العلمية والتاريخية صدور هذه الكلمات عن أمير المؤمنين كرم وجهه. ولم ينقلها عنه راو واحد تقبل روايته. وأولياء الله هم القائمون بنصر الله لأن الولاية هي النصرة. والذي يدعي صفات الله يعد من أعداء الله لا من أوليائه، وسخافات الشطح لم تكن معروفة في عصر الصحابة ولا صدرت عن أحد منهم