المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطاعن الثانية في حق الفاروق رضي الله عنه - مختصر التحفة الاثني عشرية - جـ ١

[محمود شكري الألوسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المختصر السيد محمود شكري الآلوسي

- ‌الباب الأول في ذكر‌‌ فرق الشيعةوبيان أحوالهم وكيفية حدوثهم وتعداد مكائدهم

- ‌ فرق الشيعة

- ‌(الشيعة المخلصون)

- ‌(الشيعة التفضيلية)

- ‌(الشيعة السبية)

- ‌(الشيعة الغلاة)

- ‌(فرق الشيعة الغلاة)

- ‌‌‌(السبئية)

- ‌(السبئية)

- ‌(المفضلية)

- ‌(السريغية)

- ‌(البزيعية)

- ‌(المغيرية)

- ‌(الجناحية)

- ‌(البيانية)

- ‌(المنصورية)

- ‌(الغمامية)

- ‌(الأموية)

- ‌(التفويضية)

- ‌(الخطابية)

- ‌(المعمرية)

- ‌(الغرابية)

- ‌(الذبابية)

- ‌(الذمية)

- ‌(الاثنينية)

- ‌(الخمسية)

- ‌(النصيرية)

- ‌(الإسحاقية)

- ‌(العلبائية)

- ‌(الرزامية)

- ‌(المقنعية)

- ‌(فرق الشيعة الإمامية)

- ‌(الحسنية)

- ‌(النفسية)

- ‌(الحكمية)

- ‌(السالمية)

- ‌(الشيطانية)

- ‌(الزرارية)

- ‌(البدائية، المفوضة، اليونسية)

- ‌(الباقرية)

- ‌(الحاصرية)

- ‌(الناووسية)

- ‌(العمارية)

- ‌(المباركية)

- ‌(الباطنية)

- ‌(القرامطة)

- ‌(الشمطية)

- ‌(الميمونية)

- ‌(الخلفية)

- ‌(البرقعية)

- ‌(الجنابية)

- ‌(السبعية)

- ‌(المهدوية)

- ‌(الأفطحية)

- ‌(المفضلية)

- ‌(الممطورية)

- ‌(الموسوية)

- ‌(الرجعية)

- ‌(الإسحاقية)

- ‌(الأحمدية)

- ‌(الاثنا عشرية)

- ‌(الجعفرية)

- ‌(الشيخية أو الأحمدية)

- ‌(الرشتية الكشفية)

- ‌(البابية)

- ‌(القرتية)

- ‌مكائد الرافضة

- ‌الأولى

- ‌الثانية

- ‌الثالثة

- ‌الرابعة

- ‌الخامسة

- ‌السادسة

- ‌السابعة

- ‌الثامنة

- ‌التاسعة

- ‌العاشرة

- ‌الحادية عشر

- ‌الثانية عشر

- ‌الباب الثاني في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك

- ‌في ذكر أقسام أخبارهم

- ‌(الأدلة عند الشيعة)

- ‌(في ذكر أحوال رجالهم وطبقاتهم)

- ‌الطبقة الأولى

- ‌الطبقة الثانية

- ‌الطبقة الثالثة

- ‌الطبقة الرابعة

- ‌الطبقة الخامسة

- ‌الطبقة السادسة

- ‌الطبقة السابعة

- ‌(ادعاء كل فرق الشيعة أنهم على مذهب أهل البيت)

- ‌(اختلاف أهل السنة)

- ‌الباب الثالث في الإلهيات

- ‌الباب الرابع في النبوة

- ‌الباب الخامس في الإمامة

- ‌(في إبطال ما استدل به الرافضة على مذهبهم)

- ‌(الآيات القرآنية)

- ‌(الأدلة الحديثية)

- ‌(الدلائل العقلية)

- ‌تتمة لبحث الإمامة

- ‌(كثرة اختلاف الشيعة)

- ‌(اختلاف الإمامية في أئمتهم)

- ‌الباب السادس في بعض عقائد الإمامية المخالفة لعقائد أهل السنة

- ‌العقيدة الأولى

- ‌العقيدة الثانية

- ‌العقيدة الثالثة

- ‌الباب السابع في الأحكام الفقهية

- ‌صفة الوضوء والغسل والتيمم

- ‌(مسائل تتعلق بالصلاة)

- ‌مسائل الصوم والاعتكاف

- ‌مسائل الزكاة

- ‌مسائل الحج

- ‌مسائل الجهاد

- ‌مسائل النكاح والبيع

- ‌مسائل التجارة

- ‌مسائل الرهن والدين

- ‌مسائل الغصب والوديعة

- ‌مسائل العارية

- ‌مسائل اللقيط

- ‌مسائل الإجارة والهبة والصدقة والوقف

- ‌مسائل النكاح

- ‌مسائل المتعة

- ‌مسائل الرضاع والطلاق

- ‌مسائل الإعتاق والأيمان

- ‌مسائل القضاء

- ‌مسائل الدعوى

- ‌مسائل الشهادة والصيد والطعام

- ‌مسائل الفرائض والوصايا

- ‌مسائل الحدود والجنابات

- ‌الباب الثامن مطاعنهم في الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة المكرمين وحضرة الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌المطاعن الأولى في حق الصديق الأجل

- ‌المطاعن الثانية في حق الفاروق رضي الله عنه

- ‌المطاعن الثالثة في حق ذى النورين وثالث العمرين رضي الله عنه

- ‌المطاعن الرابعة في حق أم المؤمنين وحبيبة حبيب رب العالمين عائشة الصديقة وزوج مفخر العوالم على الحقيقة

- ‌مطاعنهم في الصحابة رضي الله تعالى عنهم على سبيل العموم

- ‌(وقعة الجمل)

- ‌(وقعة صفين)

- ‌الباب التاسع في ذكر ما اختص بهم ولم يوجد في غيرهم من فرق الإسلام

- ‌(في ذكر بعض خرافاتهم)

- ‌(القول بالتقية)

- ‌(الأنبياء وولاية علي)

- ‌(في‌‌ مشابهتهم لليهودوالنصارى)

- ‌ مشابهتهم لليهود

- ‌(مشابهتهم للنصارى)

- ‌(مشابهتهم للصابئين)

- ‌(مشابهتهم للمشركين)

- ‌(مشابهتهم للمجوس)

- ‌(خاتمة)

- ‌خاتمة:

الفصل: ‌المطاعن الثانية في حق الفاروق رضي الله عنه

‌المطاعن الثانية في حق الفاروق رضي الله عنه

فمنها وهو عمدة مطاعنهم ما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته يوم الخميس قبل الوفاة بأربعة أيام للصحابة الحاضرين في حجرته المباركة: «ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا» فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقالوا: ما له أهجر؟ استفهموه. فقال: «ذروني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه» فأمرهم بثلاث قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» . والثالثة إما أن سكت عنها، وإما أن قالها فنسيتها. (1)

وهذه رواية أهل السنة الصحيحة وزعموا أنه يستفاد منها الطعن على عمر بوجوه:

الأول أنه رد قول النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله كلها وحي لقوله تعالى {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} ورد الوحي كفر لقوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (2)

والجواب على فرض تسليم أن هذا القول صدر من الفاروق فقط أنه لم يرد قوله صلى الله عليه وسلم بل قصد راحته ورفع الحرج عنه صلى الله عليه وسلم في حال شدة المرض، إذ كل محب لا يرضى أن يتعب محبوبه ولا سيما في المرض، مع عدم كون ذلك الأمر ضروريا، ولم يخاطب بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بل خاطب الحاضرين تأدبا. وأثبت الاستغناء عن ذلك بقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} وقد نزلت الآية قبل هذه الواقعة بثلاثة أشهر، وقد انسد باب النسخ والتبديل والزيادة والنقصان في الدين، فيتمنع إحداث شيء. وتأكيد المتقدم مستغني عنه لا سيما في تلك الحالة. ولو كان بيان المصلحة رد الوحي وقول الرسول للزم ذلك على الأمير أيضا، فقد روى البخاري الذي

(1) قال سفيان بن عيينة: هذا (أي قوله فنسيتها) من قول سليمان (أي الأحوال، هو راوي الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس).

(2)

هذه من أهم المطاعن التي ذكرها الحلي في نهج الحق

ص: 248

هو أصح الكتب عند أهل السنة بعد القرآن بطرق متعددة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بيت الأمير والبتول ليلة وأيقظها من مضجعها وأمرهما بصلاة التهجد مؤكدا، فقال الأمير: والله ما نصلي إلا ما كتب الله علينا أي الصلاة المفروضة، وإنما أنفسنا بيد الله، يعني لو وفقنا الله لصلاة التهجد لصلينا. فرجع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب على فخذيه ويقول {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} فقد رد الأمير قول الرسول، ولكن لما كانت القرائن الحالية دالة على صدق الأمير واستقامته لم يلمه النبي صلى الله عليه وسلم. وروى البخاري أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تصالح مع قريش في الحديبية كتب الأمير كتاب الصلح وزاد لفظ «رسول الله» فامتنع الكفار عن قبوله وقالوا: لو سلمنا بهذا اللقب لما حاربناه وصددناه عن طواف البيت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن يمحو هذا اللفظ وأكد ذلك، فلم يمحه الأمير لكمال الإيمان وخالف الرسول في ذلك حتى محاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة. وقد ثبتت مخالفة الأمير أيضا في كتبهم، فقد روى محمد بن بابويه في (الأمالي) والديلمي (1) في (إرشاد القلوب) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فاطمة سبعة دراهم وقال: أعطيها عليا ومريه أن يشتري لأهل بيته طعاما فقد غلب عليهم الجوع، فأعطتها عليا وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تبتاع لنا طعاما. فأخذها علي وخرج من بيته ليبتاع طعاما لأهل بيته فسمع رجلا يقول: من يقرض الملي الوفي؟ فأعطاه درهم. (2) فقد خالف قول الرسول، وتصرف في مال الغير.

ومع ذلك فأهل السنة لا يطعنون على الأمير بمثل هذه المخالفات، بل لا يعدون ذلك مخالفة. فكيف يطعنون على عمر بما هو أخف منها. (3)

وأما قولهم إن أقوال الرسول كلها وحي فمردود، لأن أقواله صلى الله عليه وسلم لو كانت كلها وحيا فلم قال الله تعالى {عفا الله عنك لم أذنت لهم} وقال تعالى {ولا تكن للخائنين خصيما} وقال تعالى {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم} وقال تعالى في المعاتبة عن أخذ الفدية من أسارى بدر (4){لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} وأيضا يلزمهم أن الأمير أيضا قد رد

(1) هو أبو محمد الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي، قال عنه الحر العاملي:«كان فاضلا محدثا صالحا»

(2)

الأمالي: ص 470؛ إرشاد القلوب: 2/ 221؛ الفتال، روضة الواعظين: 1/ 126.

(3)

وهو التخفيف عن النبي صلى الله عليه وسلم في شدة مرضه

(4)

أخرج مسلم في قصة أسارى بدر عن عمر بن الخطاب قال: «رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان - نسيبا لعمر - فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} إلى قوله: {فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا} فأحل الله الغنيمة لهم» . صحيح مسلم: 3/ 1385، رقم 1762.

ص: 249

الوحي حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالتهجد ومحو اللفظ وابتياع الطعام مع أنهم لا يقولون بذلك.

الثاني من وجوه الطعن أنه قال «أهجر» مع أن الأنبياء معصومون من هذه الأمور فأقوالهم وأفعالهم في جميع الأحوال والأوقات كلها معتبرة وحقيقة بالاتباع.

والجواب عن هذا أنه من أين يثبت أن قائل هذا القول عمر؟ مع أنه قد وقع في أكثر الروايات «قالوا» بصيغة الجمع «استفهموه» على طريق الإنكار، فإن النبي لا يتكلم بالهذيان البتة وكانوا يعلمون أنه صلى الله عليه وسلم ما خط قط بل كان يمتنع صدور هذه الصنعة منه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخط بيمينك} ولذا قالوا فاسئلوه. وتحقيق ذلك أن الهجر في اللغة هو اختلاط الكلام بوجه غير مفهم، وهو على قسمين: قسم لا نزاع لأحد في عروضه للأنبياء عليهم السلام وهو عدم تبيين الكلام لبحة الصوت وغلبة اليبس بالحرارة على اللسان كما في الحميات الحارة، وقد ثبت بإجماع أهل السير أن نبينا صلى الله عليه وسلم كانت بحة الصوت عارضة له في مرض موته صلى الله عليه وسلم. والقسم الآخر جريان الكلام غير المنتظم أو المخالف للمقصود على اللسان بسبب الغشي العارض بسبب الحميات المحرقة في الأكثر. وهذا القسم وإن كان ناشئا من العوارض البدنية ولكن قد اختلف العلماء في جواز عروضه للأنبياء، فجوزه بعضهم قياسا على النوم، ومنعه آخرون، فلعل القائل بذلك القول أراد القسم الأول؛ يعني أن هذا الكلام خلاف عادته صلى الله عليه وسلم فلعلنا لم نفهم كلامه بسبب وجود الضعف في ناطقته، فلا إشكال. (1)

الثالث من وجوه الطعن أنه رفع الصوت وتنازع في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى {يأيها الذين أمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} . (2)

والجواب أنه من أين يثبت أن عمر أول من رفع الصوت؟ وعلى تقديره فرفع صوته إنما كان على صوت غيره من الحاضرين لا على صوت النبي صلى الله عليه وسلم المنهي عنه في الآية، والأول جائز والآية تدل عليه حيث قال {كجهر بعضكم لبعض} ، وقوله صلى الله عليه وسلم في إحدى الروايات «قوموا عني» من قبيل قلة الصبر العارضة للمريض، فإنه يضيق صدره إذا وقعت منازعة في حضوره، وما يصدر

ص: 250

من المريض في حق أحد لا يكون محلا للطعن عليه، مع أن الخطاب كان لجميع الحاضرين المجوزين والمانعين.

الرابع من أوجه الطعن أنه أتلف حق الأمة، إذ لو كتب الكتاب المذكور لحفظت الأمة من الضلالة ولم ترهم في كل واد يهيمون، ووبال جميع ذلك على عمر. (1)

والجواب أنه إنما يتحقق الإتلاف لو حدث حكم من الله تعالى نافع للأمة ومنعه عمر. وقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم} الاية تدل على عدم الحدوث، بل لم يكن الكتاب إلا لمصالح الملك وتأكيد ما بلغه، وإلا فلا يتصور منه صلى الله عليه وسلم أن يقول أو يكتب في هذا الوقت الضيق ما لم يكن قاله قط مع أن زمن نبوته امتد ثلاثا وعشرين سنة. وكيف يمتنع عن ذلك بمجرد منع عمر، ولم يقله لأحد بعد ذلك مع عدم وجود عمر. فإنه صلى الله عليه وسلم قد عاش بعد ذلك خمسة أيام باتفاق الفريقين. (2)

فإن قيل: لو لم يكن ما يكتب أمرا دينيا فلم قال «لن تضلوا بعدي» ؟ قلنا: للضلال معان، والمراد ههنا عدم الخطأ في تدبير الملك وهو إخراج المشركين من جزيرة العرب، وإجازة الوفد بنحو ما كان يجيزهم، وتجهيز جيش أسامة منه، لا الضلالة والغواية عن الدين. فقد تبين لك بطلان ما طعنوا به، وأظهر لك فساده وقبيح كذبه. والحمد لله رب العالمين. (3)

(1) نهج الحق: ص 332.

(2)

قال الخطابي: «لم يتوهم عمر الغلط فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد كتابته، بل امتناعه محمول على أنه لما رأى ما هو فيه من الكرب وحضور الموت خشي أن يجد المنافقون سبيلا إلى الطعن فيما يكتبه، وإلى حمله على تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف الاتفاق، فكان ذلك سبب توقف عمر لا أنه تعمد مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا جواز وقوع الغلط عليه حاشا وكلا» . فتح الباري: 8/ 134

(3)

وقد نبه السيد الحاج عمر نائب القضاء للدولة العثمانية في مدينة بغداد عند طبع هذا المختصر في الهند سنة 1315 على أن جميع روايات هذا الحديث مروية عن ابن عباس، وأنه كان عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم صغير السن، ولذلك نقلت عنه الواقعة بألفاظ مختلفة.

ص: 251

ومنها أن عمر قصد إحراق بيت سيدة النساء، وضربها على جنبها الشريف بقبضة سيفه حتى وضعت حملها بسبب ذلك. (1)

والجواب أن هذه القصة محض هذيان وزور من القول وبهتان. ولذا قد أنكر صحتها أكثر الإمامية وأن روايتها عندهم غير صحيحة ولا مرضية. (2) مع أن فعل عمر هذا لو فرض وقوعه فهو أقل مما فعله الأمير كرم الله تعالى وجهه مع أم المؤمنين عائشة الصديقة، مع أنه لم يلحقه طعن من ذلك عند الفريقين بناء على حفظ الانتظام في أمور الدنيا والدين:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا (3)

ومنها أن عمر أنكر موت الرسول صلى الله عليه وسلم وحلف أنه لم يمت، حتى قرأ أبو بكر قوله تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون} . (4)

والجواب أن ذلك من شدة دهشته بموت الرسول وكمال محبته له صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق له في ذلك الحين شعور بشيء، وكثيرا ما يحصل الذهول بسبب تفاقم المصائب وتراكم الشدائد، لأن النسيان والذهول من اللوازم البشرية. ألا ترى أن يوشع - مع كونه نبيا معصوما - نسي أن يخبر موسى بفقد الحوت مع المكتل. بل إن موسى عليه السلام مع كونه من أولي العزم - قد نسي معاهدته مع الخضر على عدم السؤال ثلاث مرات. وقال تعالى في حق آدم {فنسي ولم نجد له عزما}

وقد روى أبو جعفر الطوسي عن عبيد الله الحلبي (5) أن الإمام أبا عبد الله عليه السلام كان يسهو في صلاته ويقول في سجدتي السهو «بسم الله وبالله، وصلى الله على محمد وآله وسلم» (6) فأي ذنب لابن الخطاب بدهشته من هذا الأمر العظيم وأي طعن عليه بسبب ما حصل له من فقد محبوبه صلى الله عليه وسلم؟ فتبا لكم أيها الفرقة الضالة فقد نال الشيطان من عقولكم حتى صرتم شياطين أمثاله.

ومنها أن عمر كان لا يعلم بعض المسائل الشرعية التي هي شرط في الإمامة والخلافة؛ كأمره برجم الحامل من الزنا، فرده الأمير وقال له: إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها، فندم حينئذ وقال:«لولا علي لهلك عمر.» (7) وكما أراد رجم أمرأة مجنونة

(1) هذه القصة ثابتة عند الإمامية وتقول بأن عمر بن الخطاب أراد أن يحرق بيت فاطمة رضي الله عنها، وكان في البيت علي والحسن والحسين رضي الله عنهم، ولم يحرك علي رضي الله عنه ساكنا بل أخذ مربوطا من رقبته - وفق رواية الإمامية - بحبل أسود كي يبايع أبا بكر الصديق، والذي اشترك في هذه العملية ضده هم خيار الصحابة وكان يترأسهم بزعمهم عمر بن الخطاب، والرواية طويلة ينظر تفاصيها عند المفيد، الاختصاص: ص 185؛ الطبرسي، الاحتجاج: ص 83؛ ابن أبي الحديد في شرحه: 2/ 19؛ العياشي في تفسيره: 2/ 307؛ المجلسي، بحار الأنوار: 53/ 18. وغيرهم.

(2)

لأن الرواية تطعن بالأمير بأنه جبان تخاذل في الدفاع عن حرمة أهله - حاشاه من ذلك - فهي لا تطعن بعمر فقط بل بعلي أيضا.

(3)

ديوان الشافعي

(4)

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/ 197.

(5)

في الأصل عبد الله

(6)

الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 196؛ الكليني، الكافي: 3/ 356

(7)

لا يصح فليس له سند في كتب أهل السنة: أخرجه ابن قتيبة وابن عبد البر بلا سند، ومع ذلك ذكرها الإمامية كثيرا.

ص: 252

فرده الأمير بقوله صلى الله عليه وسلم «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق» ، وكإتمامه عدد الضربات في حد ابنه أبي شحمة بعد أن مات في أثناء الحد، مع أن الميت غير معقول، وكعدم علمه بحد شرب الخمر حتى قرره بمشورة الصحابة ورأيهم.

والجواب عن الأول أن عمر رضي الله عنه لم يكن على علم بحمل المرأة لأن هذا أمر لا يدرك بالبصر إلا بعد تمام مدة الحمل وما يقاربه، والأمير كان مطلعا على ذلك وأخبر بحملها فنبه عمر إلى ذلك فشكره، والقضاء على ظاهر الحال لا يوجب النقص في الإمامة، بل ولا في النبوة. ألا ترى أن موسى عليه السلام أخذ برأس أخيه الكبير ولحيته مع أنه نبي وأهانه حين لم يطلع على حقيقة الآمر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، وإن بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار» ، (1) وقد روي عند الفريقين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا بإقامة الحد على امرأة حديثة بنفاس فلم يقم عليها الحد خشية أن تموت، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:«أحسنت، دعها حتى ينقطع دمها» (2) فقد تبين أن عدم الاطلاع على حقيقة الحال غير الجهل بالمسائل الشرعية. وعن الثاني أن عمر رضي الله عنه لم يكن واقفا على جنونها أيضا، فقد روى الإمام أحمد عن عطاء بن السايب عن أبي ظبيان الحصين بن جندب الجنبي أن امرأة أتوا بها مأخوذة إلى عمر بجريمة الزنا فحكم برجمها بعدما ثبت، فقادوها للرجم، فإذا علي لاقاهم في الطريق فسألهم: أين تذهبون بهذه المرأة؟ فقالوا: إن الخليفة أمر برجمها لثبوت الزنا عنده، فأخذها الأمير من أيديهم وجاء بها إلى عمر وقال: هذه المرأة مجنونة من بني فلان أنا أعلمها كما هي، وقال «رفع القلم عن المجنون حتى يفيق» فمنع عمر من رجمها. (3) فقد علم أن عمر كان يعلم أن المجنونة لا ترجم، ولكن لم يكن له علم بجنونها.

وعن الثالث: بأنه كذب وبهتان ولم يصح عند الفريقين، بل الثابت في الروايات الصحية أن المحدود بقى حيا بعد الحد، نعم قد غشي عليه أثناء الحد، ولذا توهم الناس موته. (4)

وعن الرابع أن عدم العلم بشيء لم يحدث من قبل ولم يعين في الشرع حكمه ليس محلا للطعن، لأن العلم تابع المعلوم، وحد شارب الخمر لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم معينا ومقررا، بل كانوا يضربون

(1) متفق عليه

(2)

أخرج أحمد عن علي رضي الله عنه: «إن خادما للنبي صلى الله عليه وسلم أحدثت فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقيم عليها الحد، فأتيتها فوجدتها لم تجف من دمها فأتيته فأخبرته، فقال: إذا جفت من دمها فأقم عليها الحد أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم» ورواه أبو داود والنسائي؛ ومن الإمامية ابن حيوان، دعائم الإسلام: 2/ 453؛ النوري، مستدرك وسائل الشيعة: 18/ 17.

(3)

المسند: 1/ 140، رقم 1183؛ الحاكم، المستدرك: 4/ 430.

(4)

فالرواية الصحيحة عن ابن عمر أنه قال: «شرب أخي عبد الرحمن بن عمر وشرب معه أبو سروعة عقبة ابن الحارث وهما بمصر في خلافة عمر، فسكرا فلما أصبحا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر فقالا: طهرنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه، فقال عبد الله فذكر لي أخي أنه سكر فقلت: ادخل الدار أطهرك ولم أشعر أنهما أتيا عمروا فأخبرني أخي أنه قد أخبر الأمير بذلك، فقال عبد الله: لا يحلق القوم على رؤوس الناس ادخل الدار أحلقك، وكانوا إذ ذاك يحلقون مع الحدود فدخل الدار، فقال عبد الله: فحلقت أخي بيدي، ثم جلدهم عمرو، فسمع بذلك عمر فكتب إلى عمرو: أن أبعث إلي بعبد الرحمن على قتب ففعل ذلك، فلما قدم على عمر جلده وعاقبه لمكانه منه، ثم أرسله فلبث شهرا صحيحا، ثم أصابه قدره فمات فيحسب عامة الناس إنما مات من جلد عمر، ولم يمت من جلد.» . أخرجها عبد الرزاق، المصنف: 9/ 232 - 233.

ص: 253

الشارب بالنعال والجرائد والأسواط، وقد خمن الصحابة ذلك من زمن أبي بكر بأربعين ضربة، (1) وقد تعدد شرب الخمر في خلافة عمر فجمع الصحابة كلهم وشاورهم في ذلك فقال الأمير وعبد الرحمن بن عوف ينبغي أن يكون كحد القذف ثمانين جلدة، لأن السكران يزول عقله بالسكر فربما يسب أحدا ويشتمه، فارتضى جميع الصحابة ذلك الاستنباط وأجمعوا عليه، وقد ذكر هذه القصة ابن المطهر الحلي أيضا في (منهاج الكرامة)(2) وبما ذكرنا من أن عمر زاد حد الخمر بقول الأمير اندفع الخامس.

هذا مع أن معرفة جميع الأحكام الشرعية بالفعل ليست شرطا للإمامة، بل ولا النبوة، فقد كانت توحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الأحكام الشرعية على حسب الوقائع، والإمام يعلم بعض الأحكام بالاجتهاد، وربما يخطئ فيه، كما روى الترمذي عن عكرمة أن عليا أحرق قوما ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال:«لو كنت أنا لقتلتهم» ، فبلغ ذلك عليا فقال:«صدق ابن عباس» ، (3) والله تعالى الهادي.

ومنها أن عمر درأ حد الزنا عن المغيرة بن شعبة مع ثبوته بالبينة وهي أربعة رجال، ولقن الرابع كلمة تدرأ الحد فقد قال له لما جاء للشهادة: أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين. (4)

والجواب أن درء الحد إنما يكون بعد ثبوته، ولم يثبت لعدم شهادة الرابع كما ينبغي، وتلقينه الشاهد كذب وبهتان من أهل العدوان، إذ قد يثبت في التواريخ المعتبرة كتاريخ البخاري وابن الأثير وغيرهما أنه لما جاء الرابع وهو زياد ابن ابيه قالوا له: أتشهد كأصحابك؟ قال: أعلم هذا القدر، إني رأيت مجلسا ونفسا حثيثا وانتهازا ورأيته مستبطنها - أى مخفيها تحت بطنه - ورجلين كأنهما أذنا حمار، فقال عمر: هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا. (5) وقد وقع ذلك بمحضر الأمير وغيره من الصحابة. فأين التلقين يا أرباب الزور المفترين؟ ولفظ «أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين» (6) إنما قاله المغيرة في ذلك الحين كما هو حال الخصم مع الشهود، ولا سيما إذا كان يترتب عليه

(1) روى البخاري عن أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين» . كتاب الحدود، باب ضرب شارب الخمر

(2)

ونقله عنه ابنه المعروف عندهم بفخر المحققين فقال في حد شارب الخمر: «هو ثمانون جلدة، رجلا كان أو امرأة حرا كان أو عبدا» . شرائع الإسلام: 4/ 319.

(3)

سنن الترمذي كتاب الحدود، باب المرتد: 4/ 59 رقم 1458.

(4)

المجلسي، بحار الأنوار: 30/ 651؛ المشهدي، الصوارم المهرقة: ص 136.

(5)

تاريخ الطبري: 2/ 494؛ تاريخ اليعقوبي: 2/ 146؛ ابن الجوزي، المنتظم: 4/ 232؛ البداية والنهاية: 7/ 82.

(6)

ليس في كتب أهل السنة بل في كتب الإمامية: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 12/ 227؛ المجلسي، بحار الأنوار: 30/ 648.

ص: 254

حكم موجب لهلاكه.

على أن عمر لو درأ الحد لكان فعله لفعل المعصوم، (1) فقد روى ابن بابويه في (الفقيه) أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام وأقر بالسرقة إقرارا موجبا للقطع، فلم يقطع يده، (2) والله تعالى الهادي.

ومنها أن عمر لم يعط أهل البيت سهمهم من الخمس الثابت بقوله تعالى {واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} فقد خالف حكم الله تعالى. (3)

والجواب أن فعل عمر موافق لفعل النبي صلى الله عليه وسلم. وتحقيقه أن أبا بكر وعمر كانا يخرجان سهم ذوي القربى من الخمس ويعطيانه لفقرائهم ومساكينهم (4) كما كان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وعليه الحنفية (5) وجمع كثير من الإمامية. (6) وذهب الشافعية إلى أن لهم خمس الخمس يستوى فيه غنيهم وفقيرهم، ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ويكون بين بني هاشم والمطلب دون غيرهم. (7) والأمير أيضا عمل كعمل عمر فقد روى الطحاوي والدارقطني عن محمد بن إسحق أنه قال: سألت أبا جعفر محمد [بن علي] بن الحسين [بن علي بن أبي طالب](8): إن أمير المؤمنين على بن أبي طالب لما ولى أمر الناس كيف كان يصنع في سهم ذوي القربى؟ فقال: سلك به والله مسلك أبي بكر وعمر. (9) إلى غير ذلك من رواياتهم، فإذا كان فعل عمر موافقا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم والأمير كيف يكون محلا للطعن؟ ومن يضلل الله فلا هادي له، نسأله تعالى السلامة من الغباوة والوله.

ومنها أن عمر أحدث في الدين ما لم يكن منه كصلاة التراويح وإقامتها بالجماعة، فإنها بدعة كما اعترف هو بذلك، وكل بدعة ضلالة. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد عليه» . (10)

والجواب أنه قد ثبت عند أهل السنة بأحاديث مشهورة متواترة أنه صلى الله عليه وسلم صلة التراويح بالجماعة مع الصحابة ثلاث ليالي من رمضان جماعة ولم يخرج في الليلة الرابعة وقال «إني خشيت أن تفرض عليكم» (11) فلما زال هذا المحذور بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أحيى عمر هذه السنة السنية. (12) وقد ثبت في أصول الفريقين أن «الحكم إذا

(1) أي في ادعاء الخصوم.

(2)

من لا يحضره الفقيه: 4/ 62؛ وأخرجه أيضا الطوسي، تهذيب الأحكام: 10/ 127.

(3)

من المطاعن التي ألفها الحلي في نهج الحق: ص 279.

(4)

يدل على ذلك ما أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «سمعت عليا يقول: ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس، فوضعته مواضعه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أبي بكر وحياة عمر، فأتي بمال فدعاني [أي عمر بن الخطاب] فقال: خذه، فقلت لا أريده: قال: خذه فأنتم أحق به، قلت: قد استغنينا عنه، فجعله في بيت المال» . السنن، كتاب الخراج والإمارة، باب قسم الخمس، فكان عليا من يوزع الخمس في عهد الشيخين رضي الله عنهم.

(5)

ينظر السرخسي، المبسوط: 10/ 8؛ شرح فتح القدير: 5/ 504.

(6)

الكيدري، إصباح الشيعة: ص 127؛ العاملي، اللمعة الدمشقية: 2/ 79.

(7)

النووي، روضة الطالبين: 2/ 322؛ الشربيني، مغني المحتاج: 3/ 94

(8)

ما بين المعقوفتين زيادة من السيوف المشرقة

(9)

شرح معاني الآثار: 3/ 234؛ البيهقي، السنن الكبرى: 6/ 343.

(10)

الحديث متفق عليه

(11)

أحمد والترمذي وابن ماجه

(12)

فهي ليست بدعة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلها.

ص: 255

كان معللا بعلة نص الشارع يرتفع ذلك الحكم إذا زالت العلة» (1) وأعترف عمر بكونها بدعة حيث قال «نعمت البدعة هي» فمراده أن المواظبة عليها بالجماعة شيء حديث لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وما ثبت في زمن الخلفاء الراشدين والأئمة المطهرين مما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم لا يسمى بدعة، ولو سميت بدعة فهي حسنة، والحديث مخصوص بإحداث ما لم يكن له أصل في الشرع. (2)

ومعلوم أن الشيعة لم يعتقدوا بدعية صلاة الشكر يوم قتل عمر رضي الله عنه، وهو اليوم التاسع من ربيع الأول، وتعظيم النيروز، (3) وتحليل فروج الجواري، وحرمان بعض الأولاد من بعض التركة، (4) إلى غير ذلك من الأمور التي لم تكن في زمنه صلى الله عليه وسلم بناء على زعمهم أن الأئمة أحدثوها. أما أن لا يعتقد أهل السنة بدعية ما أحدثه عمر فلأنه عندهم كالأئمة عند الشيعة لقوله صلى الله عليه وسلم «ومن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليك بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ» والله سبحانه الهادي.

ومنها أن عمر منع من متعة النساء ومتعة الحج، مع أن كلتا المتعتين كانتا في زمنه صلى الله عليه وسلم، فنسخ حكم الله تعالى وحرم ما أحله سبحانه، بدليل ما ثبت عند أهل السنة من قوله «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا أنهى عنهما» . (5)

والجواب أن أصح الكتب عند أهل السنة الصحاح الست، وأصحها البخاري ومسلم، وقد روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني أنه صلى الله عليه وسلم قد حرم

(1) الآمدي، الإحكام: 3/ 256؛ الرازي، المحصول: 3/ 538. ومن كتب الإمامية: أوثق المسائل: ص 148؛ مفاتيح الأصول: ص 314.

(2)

ينظر ما قاله ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم

(3)

عيد مجوسي ليس في شيء من دين الإسلام

(4)

تقدم تقرير هذه المسائل

(5)

الحديث أخرجه أحمد عن جابر قال: «متعتان ينفذ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنهانا عنهما عمر رضي الله عنه فانتهينا» . المسند: 3/ 325، رقم 14519؛ الطحاوي، شرح معاني الآثار: 2/ 146.

ص: 256

هو المتعة بعد ما كان أحلها ورخصها لهم ثلاثة أيام، (1) وجعل تحريمها إذ حرمها مؤبدا إلى يوم القيامة. ومثل هذه الرواية في الصحاح الأخر، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب أهل السنة رواية الأئمة عن الأمير بتحريمها. (2) فإن ادعت الشيعة أن ذلك كان في غزوة خيبر ثم أحلت في غزوة الأوطاس (3) فمردود، لأن غزوة جيبر كانت مبدأ تحريم لحوم الحمر الأهلية لا متعة النساء، فقد روى جمع من أهل السنة عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما عن الأمير كرم الله تعالى وجهه أنه قال:«أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي بتحريم المتعة» (4) فقد علم أن تحريم المتعة كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين، فالذى بلغه النهي امتنع عنها ومن لا فلا، ولما شاع في عهد عمر ارتكابها أظهر حرمتها وأشاعها وهدد من كان يرتكبها. وآيات الكتاب شاهدة على حرمتها وقد سبق ذلك في المسائل الفقهية فتذكر فما في العهد من قدم.

والجواب عن متعة الحج - أعنى تأدية أركان العمرة مع الحج في سفر واحد في أشهر الحج قبل الرجوع إلى بيته - أن عمر لم يمنعها قط، ورواية التحريم عنه افتراء صريح. نعم إنه كان برى إفراد الحج والعمرة أولى من جمعها في إحرام واحد وهو القران، أو في سفر واحد وهو التمتع، وعليه الإمام الشافعي وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وغيرهم لقوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله - إلى قوله - فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} الآية، فأوجب سبحانه الهدى على المتمتع لا على المفرد جبرا لما فيه من النقصان، كما أوجبه تعالى في الحج إذا حصل فيه قصور ونقص، لأنه صلى الله عليه وسلم حج في حجة الوداع مفردا واعتمر في عمرة

(1) الحديثان عند مسلم، الأول حديث سلمة بن الأكوع:«رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة يوم أوطاس ثلاثا ثم نهى عنها به» . صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب نكاح المتع؛ والثاني حديث سبرة قال:«أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت: ما تعطي فقلت: ردائي، وقال: صاحبي ردائي، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشب منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إلي أعجبتها، ثم قالت: أنت ورداؤك يكفيني فمكثت معها ثلاثا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخل سبيلها» . صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ

(2)

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية» . متفق عليه.

(3)

قال ياقوت الحموي: «أوطاس: وادٍ في ديار هوزان فيه كانت وقعة حنين للنبي صلى الله عليه وسلم ببني هوزان» . معجم البلدان: 1/ 281؛ والغزوة في السنة الثامنة للهجرة.

(4)

متفق عليه، وهو في الموطأ والترمذي.

ص: 257