الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ وَالْأَصْنَامُ شركاؤه وقيل: معنى يؤذون الله: أي يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَقَالَ عكرمة: هم أصحاب التصاوير ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً» (1) وقال بعضهم: {يُؤْذُونَ اللَّهَ} [الأحزاب: 57] أَيْ يُؤْذُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يُوسُفَ: 82] أَيْ أهل القرية. فعن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ عَادَى لِي وَلْيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» (2) وَقَالَ: «مَنْ أَهَانَ لِي وَلْيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ» وَمَعْنَى الْأَذَى هُوَ مُخَالَفَةُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَارْتِكَابُ مَعَاصِيهِ. . ذَكَرَهُ عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ وَاللَّهُ عز وجل مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَلْحَقَهُ أَذَىً مِنْ أَحَدٍ. وَإِيذَاءُ الرَّسُولِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنَّهُ شُجَّ فِي وَجْهِهِ وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ. وَقِيلَ: شَاعِرٌ سَاحِرٌ مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ.
[58]
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب: 58] من غير أن عملوا مَا أَوْجَبَ أَذَاهُمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَقَعُونَ فِيهِمْ وَيَرْمُونَهُمْ بِغَيْرِ جُرْمٍ، {فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58] وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بن أبي طالب كَانُوا يُؤْذُونَهُ وَيَشْتُمُونَهُ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي الزُّنَاةِ الَّذِينَ كَانُوا يَمْشُونَ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ يَتَّبِعُونَ النِّسَاءَ إِذَا بَرَزْنَ بِاللَّيْلِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِنَّ، فَيَغْمِزُونَ الْمَرْأَةَ فَإِنْ سَكَتَتِ اتَّبَعُوهَا وَإِنْ زَجَرَتْهُمُ انْتَهَوْا عَنْهَا. وَلَمْ يَكُونُوا يَطْلُبُونَ إِلَّا الْإِمَاءَ، وَلَكِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ الْحُرَّةَ مِنَ الْأَمَةِ لِأَنَّ زِيَّ الْكُلِّ كَانَ وَاحِدًا، يَخْرُجْنَ فِي درع وخمارة الحرة والأمة كذلك فَشَكَوْنَ ذَلِكَ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 58] الْآيَةَ ثُمَّ نَهَى الْحَرَائِرَ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ.
[59]
فَقَالَ: جَلَّ ذِكْرُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] جَمْعُ الْجِلْبَابِ وَهُوَ الْمُلَاءَةُ الَّتِي تَشْتَمِلُ بِهَا الْمَرْأَةُ فَوْقَ الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: أَمَرَ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يغطين رءوسهن وَوُجُوهَهُنَّ بِالْجَلَابِيبِ إِلَّا عَيْنًا وَاحِدَةً لِيُعْلَمَ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ، {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} [الأحزاب: 59] أنهن حرائر، {فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] فلا يتعرضن لَهُنَّ، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 50] قَالَ أَنَسٌ: مَرَّتْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ جَارِيَةٌ مُتَقَنِّعَةٌ فَعَلَاهَا بِالدُّرَّةِ، وقال: يا لكاع أتتشبهين بالحرائر، ألقي القناع.
[60]
قَوْلُهُ عز وجل: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [الأحزاب: 60] عَنْ نِفَاقِهِمْ، {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأحزاب: 60] فجور، يعني الزنا، {وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} [الأحزاب: 60] بِالْكَذِبِ وَذَلِكَ أَنَّ نَاسًا مِنْهُمْ كَانُوا إِذَا خَرَجَتْ سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوقعون في الناس الرعب وإذا التحم القتال ولوا وانهزموا، وَيَقُولُونَ: قَدْ أَتَاكُمُ الْعَدُوُّ وَنَحْوَهَا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ويفشون الأخبار {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} [الأحزاب: 60] لَنُحَرِّشَنَّكَ بِهِمْ وَلَنُسَلِّطَنَّكَ عَلَيْهِمْ، {ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا} [الأحزاب: 60] لَا يُسَاكِنُوكَ فِي الْمَدِينَةِ {إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب: 60] حَتَّى يُخْرَجُوا مِنْهَا، وَقِيلَ: لَنُسَلِّطَنَّكَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَقْتُلَهُمْ وَتُخْلِي مِنْهُمُ المدينة.
[61]
{مَلْعُونِينَ} [الأحزاب: 61] مطرودين، نصب على الحال، {أَيْنَمَا ثُقِفُوا} [الأحزاب: 61] وُجِدُوا وَأُدْرِكُوا، {أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [الأحزاب: 61] أَيِ الْحُكْمُ فِيهِمْ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْأَمْرِ بِهِ.
[62]
{سُنَّةَ اللَّهِ} [الأحزاب: 62] أَيْ كَسُنَّةِ اللَّهِ، {فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} [الأحزاب: 62] مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالَّذِينَ فَعَلُوا مِثْلَ هَؤُلَاءِ، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} [الأحزاب: 62]
[قوله تعالى يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا]
عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا. . .
[63]
قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ} [الأحزاب: 63] أَيْ أَيُّ شيء يعلمك
(1) أخرجه البخاري في التوحيد 13 / 528 ومسلم في اللباس برقم (2111) 3 / 1671.
(2)
أخرجه البخاري في الرقاق 11 / 340.
أَمْرَ السَّاعَةِ، وَمَتَى يَكُونُ قِيَامُهَا أَيْ أَنْتَ لَا تَعْرِفُهُ، {لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63]
[64 - 66]- {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا - خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا - يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [الأحزاب: 64 - 66] ظَهْرًا لِبَطْنٍ حِينَ يُسْحَبُونَ عَلَيْهَا، {يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} [الأحزاب: 66] فِي الدُّنْيَا.
[67]
{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا} [الأحزاب: 67] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ. سَادَاتِنَا بكسر التاء وألف قَبْلَهَا عَلَى جَمْعِ الْجَمْعِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ التَّاءِ بِلَا أَلِفٍ قبلها، {وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67]
[68]
{رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ} [الأحزاب: 68] أي ضعفي عذاب غيرهم. قوله تعالى: {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 68] قَرَأَ عَاصِمٌ كَبِيرًا بِالْبَاءِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيْ عَذَابًا كَثِيرًا، وَقَرَأَ الآخرون بالثاء كقوله تَعَالَى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [الْبَقَرَةِ: 161] وَهَذَا يَشْهَدُ لِلْكَثْرَةِ أَيْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.
[69]
قَوْلُهُ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} [الأحزاب: 69] فَطَهَّرَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا، {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69] أي كَرِيمًا ذَا جَاهٍ، يُقَالُ: وَجُهَ الرَّجُلُ يُوجَهُ وَجَاهَةً فَهُوَ وَجِيهٌ، إِذَا كَانَ ذَا جَاهٍ وَقَدْرٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ حَظِيًّا عِنْدَ اللَّهِ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ. وَقِيلَ: كَانَ محببا مقبولا.
[70]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَوَابًا. وَقَالَ قَتَادَةُ. عَدْلَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: صِدْقًا. وَقِيلَ: مُسْتَقِيمًا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
[71]
{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب: 71] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَتَقَبَّلُ حَسَنَاتِكُمْ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يُزَكِّ أَعْمَالَكُمْ، {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] أي ظفر بالخير كله.
[72]
قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزاب: 72] الْآيَةَ، أَرَادَ بِالْأَمَانَةِ الطَّاعَةَ وَالْفَرَائِضَ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ، عَرَضَهَا عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ عَلَى أَنَّهُمْ إِنْ أَدَّوْهَا أَثَابَهُمْ وَإِنْ ضَيَّعُوهَا عَذَّبَهُمْ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الأمانة أداء الصلاة وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ وَصِدْقُ الْحَدِيثِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَالْعَدْلُ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَأَشَدُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ الْوَدَائِعُ، وَقَالَ مجاهد: الأمانة الفرائض وحدود الدَّيْنِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَا أُمِرُوا بِهِ وَنُهُوا عَنْهُ: وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هُوَ الصَّوْمُ وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَمَا يَخْفَى من الشرائع. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ أَمَانَاتُ النَّاسِ والوفاء بالعهد، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ لا يغش مؤمنا ولا معاهد فِي شَيْءٍ قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ، وَهِيَ رِوَايَةُ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَعَرَضَ اللَّهُ هَذِهِ الْأَمَانَةَ عَلَى أَعْيَانِ السَّمَاوَاتِ