الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ إِذَا بُعِثُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَسْتَوِي عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَمَا وُعِدُوا فِيهَا مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَإِنْ كَانَتْ عُلُومُهُمْ مُخْتَلِفَةً فِي الدُّنْيَا، وَذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى أَنَّ مَعْنَى (بَلْ) هَاهُنَا لَوْ وَمَعْنَاهُ لَوْ أَدْرَكُوا فِي الدُّنْيَا مَا أَدْرَكُوا فِي الْآخِرَةِ لم يشكوا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا، بَلْ هُمُ الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا فِي شَكٍّ مِنَ السَّاعَةِ. {بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل: 66] جمع عم وهو الأعمى الْقَلْبِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَقُولُ هُمْ جَهَلَةٌ بِهَا.
[67]
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النمل: 67] يَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ} [النمل: 67] مِنْ قُبُورِنَا أَحْيَاءً، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ (إِذَا) غَيْرَ مُسْتَفْهِمٍ (أَئِنَّا) بِالِاسْتِفْهَامِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ (أئنا) بهمزتين أننا بِنُونَيْنِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِاسْتِفْهَامِهَا.
[68]
{لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا} [النمل: 68] أَيْ هَذَا الْبَعْثَ، {نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} [النمل: 68] أَيْ مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ وَلَيْسَ ذلك بشيء {إِنْ هَذَا} [النمل: 68] مَا هَذَا، {إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [النمل: 68] أَحَادِيثُهُمْ وَأَكَاذِيبُهُمُ الَّتِي كَتَبُوهَا.
[69]
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [النمل: 69]
[70]
{وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [النمل: 70] عَلَى تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْكَ، {وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النمل: 70] نَزَلَتْ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا أعقاب مَكَّةَ.
[71]
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 71]
[72]
{قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ} [النمل: 72] أي دنا وقرب، {لَكُمْ} [النمل: 72] وَقِيلَ تَبِعَكُمْ وَالْمَعْنَى رَدِفَكُمْ أَدْخَلَ فيه اللَّامَ كَمَا أَدْخَلَ فِي قَوْلِهِ: {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الْأَعْرَافِ: 154] قَالَ الْفَرَّاءُ: اللَّامُ صِلَةٌ زَائِدَةٌ كَمَا تَقُولُ: نَقَدْتُهُ مِائَةً وَنَقَدْتُ لَهُ {بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} [النمل: 72] مِنَ الْعَذَابِ فَحَلَّ بِهِمْ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ.
[73]
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} [النمل: 73] قَالَ مُقَاتِلٌ: عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ حَيْثُ لَمْ يُعَجِّلْ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ} [النمل: 73] ذَلِكَ.
[74]
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ} [النمل: 74] تخفي ، {صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} [النمل: 74]
[75]
{وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ} [النمل: 75] أَيْ جُمْلَةٍ غَائِبَةٍ مِنْ مَكْتُومِ سِرٍّ وَخُفِيِّ أَمْرٍ وَشَيْءٍ غَائِبٍ، {فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل: 75] أَيْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ.
[76]
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [النمل: 76] أَيْ يُبَيِّنُ لَهُمْ، {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل: 76] مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَصَارُوا أَحْزَابًا يَطْعَنُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِبَيَانِ ما اختلفوا فيه.
[قوله تعالى وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ
. . . .]
[77]
{وَإِنَّهُ} [النمل: 77] يَعْنِي الْقُرْآنَ {لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 77]
[78]
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي} [النمل: 78] يفصل، {بَيْنَهُمْ} [النمل: 78] أَيْ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الدِّينِ يوم القيامة، {بِحُكْمِهِ} [النمل: 78] الحق، {وَهُوَ الْعَزِيزُ} [النمل: 78] الْمَنِيعُ فَلَا يُرَدُّ لَهُ أَمْرٌ،
{الْعَلِيمُ} [النمل: 78] بِأَحْوَالِهِمْ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ.
[79]
{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل: 79] الْبَيِّنِ.
[80]
{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] يَعْنِي الْكُفَّارَ، {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل: 80] مَعْرِضِيْنَ، فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى قوله:{وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل: 80] وَإِذَا كَانُوا صُمًّا لَا يَسْمَعُونَ سَوَاءٌ وَلَّوْا أَوْ لَمْ يُوَلُّوا؟ قِيلَ: ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ. وَقِيلَ: الْأَصَمُّ إِذَا كَانَ حَاضِرًا فَقَدْ يَسْمَعُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وَيَفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ، فَإِذَا وَلَّى لَمْ يَسْمَعْ وَلَمْ يَفْهَمْ. قَالَ قَتَادَةُ: الْأَصَمُّ إِذَا وَلَّى مُدْبِرًا ثُمَّ نَادَيْتَهُ لَمْ يَسْمَعْ، كَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا يَسْمَعُ مَا يُدْعَى إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمْ لِفَرْطِ إِعْرَاضِهِمْ عَمَّا يُدْعَوْنَ إِلَيْهِ كَالْمَيِّتِ الَّذِي لَا سَبِيلَ إِلَى إِسْمَاعِهِ، وَالْأَصَمِّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ.
[81]
{وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ} [النمل: 81] قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ (تَهْدِي) بِالتَّاءِ وَفَتْحِهَا عَلَى الْفِعْلِ (الْعُمْيَ) بِنَصْبِ الْيَاءِ هَاهُنَا وَفِي الرُّومِ، وَقَرَأَ الآخرون بهادي بالياء عَلَى الِاسْمِ، (الْعُمْيِ) بِكَسْرِ الْيَاءِ، {عَنْ ضَلَالَتِهِمْ} [النمل: 81] أَيْ مَا أَنْتَ بِمُرْشِدٍ مَنْ أَعْمَاهُ اللَّهُ عَنِ الْهُدَى وَأَعْمَى قَلْبَهُ عَنِ الْإِيمَانِ، {إِنْ تُسْمِعُ} [النمل: 81] مَا تُسْمِعُ، {إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} [النمل: 81] إِلَّا مَنْ يُصَدِّقُ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ من الله، {فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [النمل: 81] مخلصون.
[82]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} [النمل: 82] وَجَبَ الْعَذَابُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} [النمل: 82] وَاخْتَلَفُوا فِي كَلَامِهَا، فَقَالَ السُّدِّيُّ: تُكَلِّمُهُمْ بِبُطْلَانِ الْأَدْيَانِ سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَلَامُهَا أَنْ تَقُولَ لِوَاحِدٍ هَذَا مُؤْمِنٌ، وَتَقُولَ لِآخَرَ: هَذَا كَافِرٌ. وَقِيلَ: كَلَامُهَا مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل: 82] قَالَ مُقَاتِلٌ: تَكَلُّمُهُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَتَقُولُ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ تُخْبِرُ النَّاسَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالْقُرْآنِ وَالْبَعْثِ، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ (أَنَّ النَّاسَ) بِفَتْحِ الْأَلِفِ أَيْ بِأَنَّ النَّاسَ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، أي إن الناس كانوا بآيتنا لَا يُوقِنُونَ قَبْلَ خُرُوجِهَا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَذَلِكَ حِينَ لَا يُؤْمَرُ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يُنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ، وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَاصِمُ الْجَحْدَرَيُّ وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ:(تكلمهم) وبفتح التَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ مِنَ الْكَلْمِ وهو الجرح، وقال أَبُو الْجَوْزَاءِ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ هَذِهِ الآية (تكلمهم) أو (تكلم) قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ تَفْعَلُ، تُكَلِّمُ المؤمن وتكلم الكافر.
[83]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا} [النمل: 83] أَيْ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ جَمَاعَةً، {مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا} [النمل: 83] وَلَيْسَ مِنْ هَاهُنَا لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُكَذِّبِينَ يُحْشَرُونَ، {فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 83] يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ حَتَّى يجتمعوا ثم يساقوا إِلَى النَّارِ.
[84]
{حَتَّى إِذَا جَاءُوا} [النمل: 84] يوم القيامة، {قَالَ} [النمل: 84] اللَّهُ لَهُمْ، {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا} [النمل: 84] ولم تعرفوها حق معرفتها، {أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: 84] حِينَ لَمَّ تُفَكِّرُوا فِيهَا وَمَعْنَى الْآيَةِ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي غَيْرَ عَالِمَيْنِ بِهَا وَلَمْ تُفَكِّرُوا فِي صِحَّتِهَا بَلْ كَذَبْتُمْ بِهَا جَاهِلِينَ.
[85]
{وَوَقَعَ الْقَوْلُ} [النمل: 85] وَجَبَ الْعَذَابُ، {عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا} [النمل: 85] بِمَا أَشْرَكُوا، {فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} [النمل: 85] قَالَ قَتَادَةُ: كَيْفَ يَنْطِقُونَ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ - وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [الْمُرْسَلَاتِ: 35 - 36] وَقِيلَ: لَا يَنْطِقُونَ لِأَنَّ أَفْوَاهَهُمْ مَخْتُومَةٌ.
[86]
قَوْلُهُ عز وجل: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا} [النمل: 86] خَلَقْنَا، {اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [النمل: 86] مُضِيئًا يُبْصَرُ فِيهِ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النمل: 86] يُصَدِّقُونَ فَيَعْتَبِرُونَ.
[87]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [النمل: 87] وَالصُّورُ قَرْنٌ يَنْفُخُ فِيهِ إِسْرَافِيلُ وقال الحسن: الصور هي الْقَرْنُ، وَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَهُ أَنَّ الْأَرْوَاحَ تُجْمَعُ فِي الْقَرْنِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ فَتَذْهَبُ الْأَرْوَاحُ إِلَى