الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثلاثة، {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} [النور: 58] أَيْ: الْعَبِيدُ وَالْخَدَمُ يَطُوفُونَ عَلَيْكُمْ فَيَتَرَدَّدُونَ وَيَدْخُلُونَ وَيَخْرُجُونَ فِي أَشْغَالِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنٍ، {بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النور: 58] أَيْ يَطُوفُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58] وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: مَنْسُوخٌ. قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: لَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتُورٌ وَلَا حِجَابٌ، فَكَانَ الْخَدَمُ وَالْوَلَائِدُ يَدْخُلُونَ فَرُبَّمَا يَرَوْنَ مِنْهُمْ مَا لَا يُحِبُّونَ، فَأُمِرُوا بِالِاسْتِئْذَانِ، وَقَدْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ وَاتَّخَذَ النَّاسُ السُّتُورَ فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ أَغْنَى عَنِ الِاسْتِئْذَانِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، رَوَى سُفْيَانُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) أَمَنْسُوخَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ لَا يَعْمَلُونَ بِهَا، قَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ (1) . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: نُسِخَتْ وَاللَّهِ مَا نُسِخَتْ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ به الناس.
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا]
كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. . .
[59]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور: 59] أَيْ: الِاحْتِلَامَ يُرِيدُ الْأَحْرَارَ الَّذِينَ بلغوا، {فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] أَيْ يَسْتَأْذِنُونَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فِي الدُّخُولِ عَلَيْكُمْ، {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59] مِنَ الْأَحْرَارِ وَالْكِبَارِ. وَقِيلَ: يَعْنِي الَّذِينَ كَانُوا مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى، {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} [النور: 59] دَلَالَاتِهِ. وَقِيلَ: أَحْكَامُهُ، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} [النور: 59] بأمور خلقه، {حَكِيمٌ} [النور: 59] بِمَا دَبَّرَ لَهُمْ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى أُمِّهِ فَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ. وَسُئِلَ حُذَيْفَةُ أَيَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى وَالِدَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ رَأَى مِنْهَا ما يكره.
[60]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور: 60] يَعْنِي اللَّاتِي قَعَدْنَ عَنِ الْوَلَدِ وَالْحَيْضِ مِنَ الْكِبَرِ لَا يَلِدْنَ وَلَا يَحِضْنَ، وَاحِدَتُهَا قَاعِدٌ بِلَا هَاءٍ. وَقِيلَ: قَعَدْنَ عَنِ الْأَزْوَاجِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:{اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} [النور: 60] أَيْ لَا يُرِدْنَ الرِّجَالَ لِكِبَرِهِنَّ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ قَاعِدًا إِذَا كَبُرَتْ لِأَنَّهَا تُكْثِرُ الْقُعُودَ. وَقَالَ رَبِيعَةُ الرَّأْيُ: هُنَّ العجز اللائي إذا رأوهن الرِّجَالُ اسْتَقْذَرُوهُنَّ، فَأَمَّا مَنْ كَانَتْ فِيهَا بَقِيَّةٌ مِنْ جِمَالٍ وَهِيَ مَحَلُّ الشَّهْوَةِ فَلَا تَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} [النور: 60] عِنْدَ الرِّجَالِ، يَعْنِي يَضَعْنَ بَعْضَ ثِيَابِهِنَّ، وَهِيَ الْجِلْبَابُ وَالرِّدَاءُ الَّذِي فَوْقَ الثِّيَابِ، وَالْقِنَاعِ الَّذِي فَوْقَ الْخِمَارِ، فَأَمَّا الْخِمَارُ فَلَا يَجُوزُ وَضْعُهُ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وأبي ابن كَعْبٍ (أَنْ يَضَعْنَ مِنْ ثِيَابِهِنَّ)، {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60] أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرِدْنَ بِوَضْعِ الْجِلْبَابِ، وَالرِّدَاءُ إِظْهَارُ زِينَتِهِنَّ، وَالتَّبَرُّجُ هُوَ أَنْ تُظْهِرَ الْمَرْأَةُ
(1) أخرجه الطبري 18 / 162، 163 ونسبه السيوطى 6 / 319 للفريابي.