الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْكَ، {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} [القصص: 46] يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: 46]
[47]
{وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ} [القصص: 47] عُقُوبَةٌ وَنِقْمَةٌ، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [القصص: 47] مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، {فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا} [القصص: 47] هَلَّا، {أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: 47] وَجَوَابُ لَوْلَا مَحْذُوفٌ أَيْ لَعَاجَلْنَاهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، يَعْنِي لَوْلَا أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِتَرْكِ الْإِرْسَالِ إِلَيْهِمْ لَعَاجَلْنَاهُمْ بِالْعُقُوبَةِ بِكُفْرِهِمْ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَمَا بَعَثْنَاكَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا وَلَكِنْ بَعَثْنَاكَ إِلَيْهِمْ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ.
[48]
{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا} [القصص: 48] يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، {قَالُوا} [القصص: 48] يعني كفار مكة، {لَوْلَا} [القصص: 48] هلا {أُوتِيَ} [القصص: 48] مُحَمَّدٌ، {مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} [القصص: 48] مِنَ الْآيَاتِ كَالْيَدِ الْبَيْضَاءِ وَالْعَصَا، وَقِيلَ: مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى كِتَابًا جُمْلَةً وَاحِدَةً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} [القصص: 48] أَيْ فَقَدْ كَفَرُوا بِآيَاتِ مُوسَى كَمَا كَفَرُوا بِآيَاتِ مُحَمَّدٍ، {قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} [القصص: 48] قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: (سِحْرَانِ) أَيِ التَّوْرَاةُ وَالْقُرْآنُ تَظَاهَرَا يَعْنِي كُلُّ سِحْرٍ يُقَوِّي الْآخَرَ نَسَبَ التَّظَاهُرَ إِلَى السِّحْرَيْنِ عَلَى الِاتِّسَاعِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَتْ مَقَالَتُهُمْ تِلْكَ حِينَ بعثوا في أمر رَسُولِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رُءُوسِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلُوهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّ نَعْتَهُ فِي كِتَابِهِمِ التَّوْرَاةِ، فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِقَوْلِ الْيَهُودِ، فَقَالُوا:{سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} [القصص: 48] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: (سَاحِرَانِ) يَعْنُونَ مُحَمَّدًا وموسى عليهما السلام، لِأَنَّ مَعْنَى التَّظَاهُرِ بِالنَّاسِ وَأَفْعَالِهِمْ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْكُتُبِ، {وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [القصص: 48]
[49]
{قُلْ} [القصص: 49] لهم يَا مُحَمَّدُ {فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا} [القصص: 49] يَعْنِي مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ، {أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [القصص: 49]
[50]
{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} [القصص: 50] أَيْ لَمْ يَأْتُوا بِمَا طَلَبْتَ، {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50]
[قوله تعالى وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ]
. . .
[51]
{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} [القصص: 51] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: بَيِّنًا، قَالَ الْفَرَّاءُ: أَنْزَلْنَا آيَاتِ الْقُرْآنِ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا قَالَ قَتَادَةُ: وَصَّلَ لَهُمُ الْقَوْلَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ يَعْنِي كَيْفَ صَنَعَ بِمَنْ مَضَى. قَالَ مُقَاتِلٌ: بَيِّنًا لِكَفَّارِ مَكَّةَ بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ كَيْفَ عُذِّبُوا بِتَكْذِيبِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَصَّلْنَا لَهُمْ خَبَرَ الدُّنْيَا بِخَبَرِ الْآخِرَةِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ عَايَنُوا الْآخِرَةَ فِي الدُّنْيَا، {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: 51]
[52]
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ} [القصص: 52] مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَقِيلَ. مِنْ قَبْلِ القرآن، {هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 52] نَزَلَتْ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابَهُ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: بَلْ هُمْ أَهْلُ الإنجيل الذي قَدِمُوا مِنَ الْحَبَشَةِ وَآمَنُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرٍ مِنَ الْحَبَشَةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَأَوْا مَا بِالْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخَصَاصَةِ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! إِنَّ لَنَا أَمْوَالًا فَإِنْ أَذِنْتَ لَنَا انْصَرَفْنَا وَجِئْنَا بِأَمْوَالِنَا فَوَاسَيْنَا الْمُسْلِمِينَ بِهَا فَأَذِنَ لَهُمْ فَانْصَرَفُوا فَأَتَوْا بِأَمْوَالِهِمْ فَوَاسَوْا بِهَا الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَ فِيهِمْ. {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} [القصص: 52] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [القصص: 54] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: نَزَلَتْ فِي ثَمَانِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَرْبَعُونَ مِنْ نَجْرَانَ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِنَ الْحَبَشَةِ وَثَمَانِيَةٌ مِنَ الشَّامِ، ثُمَّ وَصَفَهُمُ اللَّهُ فَقَالَ:
[53]
{وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [القصص: 53] يَعْنِي الْقُرْآنَ، {قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا} [القصص: 53] وَذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [القصص: 53] أَيْ مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ مُسْلِمِينَ مُخْلِصِينَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ مُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَبِيٌّ حَقٌ.
[54]
{أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [الْقَصَصِ: 54] لِإِيمَانِهِمْ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَبِالْكِتَابِ الْآخِرِ، {بِمَا صَبَرُوا} [القصص: 54] عَلَى دِينِهِمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أسلموا فأوذوا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: يَدْفَعُونَ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الشِّرْكَ، قَالَ مُقَاتِلٌ. يَدْفَعُونَ مَا سَمِعُوا مِنَ الْأَذَى وَالشَّتْمِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِالصَّفْحِ والعفو والمغفرة، {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [القصص: 54] فِي الطَّاعَةِ.
[55]
{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ} [القصص: 55] الْقَبِيحَ مِنَ الْقَوْلِ، {أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص: 55] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَسُبُّونَ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ: تَبًّا لَكُمْ تَرَكْتُمْ دِينَكُمْ فَيُعْرِضُونَ عَنْهُمْ وَلَا يَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ، {وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [القصص: 55] لَنَا دِينُنَا وَلَكُمْ دِينُكُمْ، {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [القصص: 55] لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ سَلَامُ التَّحِيَّةِ وَلَكِنَّهُ سَلَامُ الْمُتَارَكَةِ، مَعْنَاهُ سَلِمْتُمْ منا لا نعاوضكم بالشتم والقبح مِنَ الْقَوْلِ، {لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55] أَيْ دِينَ الْجَاهِلِينَ، يَعْنِي لَا نُحِبُّ دِينَكُمُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا نُرِيدُ أَنْ نَكُونَ من أهل الجهل والسعة، وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ الْمُسْلِمُونَ بالقتال.
[56]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] أَيْ أَحْبَبْتَ هِدَايَتَهُ. وَقِيلَ: أَحْبَبْتَهُ لِقَرَابَتِهِ، {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56] قال مجاهد ومقاتل: بمن قُدِّرَ لَهُ الْهُدَى، نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«قُلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدْ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ (1) .
[57]
{وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص: 57] أرض مكة، نزلت في الحارث بْنِ عُثْمَانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي تَقُولُ حَقٌّ وَلَكِنَّا إِنِ اتَّبَعْنَاكَ عَلَى دِينِكَ خِفْنَا أَنْ تُخْرِجَنَا الْعَرَبُ مِنْ أَرْضِنَا مَكَّةَ، وَهُوَ مَعْنَى قوله:{نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص: 57] وَالِاخْتِطَافُ الِانْتِزَاعُ بِسُرْعَةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} [القصص: 57] وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ تُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَهْلُ مَكَّةَ آمِنُونَ حَيْثُ كَانُوا، لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ، وَمِنَ الْمَعْرُوفِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمَنُ فِيهِ الظِّبَاءُ مِنَ الذِّئَابِ وَالْحَمَامُ من الحدأة، {يُجْبَى} [القصص: 57] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَعْقُوبُ: (تُجْبَى) بِالتَّاءِ لِأَجْلِ الثَّمَرَاتِ، وَالْآخَرُونَ بِالْيَاءِ لِلْحَائِلِ بَيْنَ الِاسْمِ الْمُؤَنَّثِ وَالْفِعْلِ، أي يجلب ويجمع، {إِلَيْهِ} [القصص: 57] يقال: جبيت العامة فِي الْحَوْضِ أَيْ جَمَعْتُهُ، قَالَ مُقَاتِلٌ: يُحْمَلُ إِلَى الْحَرَمِ، {ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص: 57] أن ما يقوله حق.
(1) أخرجه مسلم في الإيمان رقم (24) 1 / 55 والبخاري مطولا بلفظ آخر في التفسير 8 / 605.