الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَوِي أَجْنِحَةٍ {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1] قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: بَعْضُهُمْ لَهُ جَنَاحَانِ وَبَعْضُهُمْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَجْنِحَةٍ وَبَعْضُهُمْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ، وَيَزِيدُ فِيهَا مَا يَشَاءُ وَهُوَ قَوْلُهُ، {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر: 1] وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ عز وجل: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النَّجْمِ: 18] قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي قَوْلِهِ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ قَالَ: حُسْنُ الصَّوْتِ. وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هُوَ الْمَلَاحَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ. وَقِيلَ: هُوَ الْعَقْلُ وَالتَّمْيِيزُ. {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1]
[2]
{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} [فاطر: 2] قِيلَ: مِنْ مَطَرٍ وَرِزْقٍ، {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2] لا يستطيع أحد حَبْسِهَا، {وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ} [فاطر: 2] فيما أمسك {الْحَكِيمُ} [فاطر: 2] فيما أرسل من مطر ورزق.
[3]
{يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ غَيْرِ بِجَرِّ الرَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِرَفْعِهَا عَلَى مَعْنَى هَلْ خَالِقٌ غَيْرُ اللَّهِ، لأن {مِنْ} [فاطر: 3] زِيَادَةٌ، وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى طَرِيقِ التَّقْرِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا خَالِقَ غَيْرُ اللَّهِ، {يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 3] أَيْ مِنَ السَّمَاءِ الْمَطَرَ وَمِنَ الْأَرْضِ النَّبَاتَ، {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3]
[قوله تعالى وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ]
وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ. . .
[4]
{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فاطر: 4] يُعَزِّي نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [فاطر: 4]
[5]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [فاطر: 5] يعني وعد الْقِيَامَةِ، {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: 5] وَهُوَ الشَّيْطَانُ.
[6]
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6] أَيْ عَادُوهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَلَا تطيعوه، {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} [فاطر: 6] أَيْ أَشْيَاعَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ {لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6] أَيْ لِيَكُونُوا فِي السَّعِيرِ، ثُمَّ بين حال مرافقيه وَمُخَالِفِيهِ فَقَالَ:
[7]
[8]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} [فاطر: 8] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ وَمُشْرِكِي مَكَّةَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مِنْهُمْ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَمَّا أَهْلُ الْكَبَائِرِ فَلَيْسُوا مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَ الكبائر، {أَفَمَنْ زُيِّنَ} [فاطر: 8] شُبِّهَ وَمُوِّهَ (عَلَيْهِ) وَحُسِّنَ {لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} [فاطر: 8] أَيْ قَبِيحُ عَمَلِهِ، {فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر: 8] زَيَّنَ لَهُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ بِالْوَسْوَاسِ، وَفِي الْآيَةِ حَذْفٌ مَجَازُهُ: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَأَى الْبَاطِلَ حَقًّا كَمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ فَرَأَى الْحَقَّ حَقًّا وَالْبَاطِلَ بَاطِلًا، {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر: 8] وَقِيلَ: جَوَابُهُ تَحْتَ قَوْلِهِ: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8] فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَفَمَنَّ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَأَضَلَّهُ اللَّهُ ذَهَبَتْ نَفْسُكَ عَلَيْهِ حَسْرَةً،
أَيْ تَتَحَسَّرُ عَلَيْهِ فَلَا تَذْهَبْ نفسك عليهم حسرات. وقال الحسن بْنُ الْفَضْلِ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ مَجَازُهُ: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ، فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَالْحَسْرَةُ شِدَّةُ الْحُزْنِ عَلَى مَا فَاتَ مِنَ الْأَمْرِ، وَمَعْنَى الآية: لا تهتم بِكُفْرِهِمْ وَهَلَاكِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، قرأ أَبُو جَعْفَرٍ فَلَا تُذْهِبْ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ نَفْسَكَ نُصِبَ، {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر: 8]
[9]
{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر: 9] مِنَ الْقُبُورِ.
[10]
قَوْلُهُ عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10] وقال الْفَرَّاءُ: مَعْنَى الْآيَةِ مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ لِمَنِ الْعِزَّةُ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا، وَقَالَ قَتَادَةُ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلْيَتَعَزَّزْ بِطَاعَةِ اللَّهِ، مَعْنَاهُ: الدُّعَاءُ إِلَى طَاعَةِ مِنْ لَهُ الْعِزَّةُ، أَيْ فَلْيَطْلُبِ الْعِزَّةَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِطَاعَتِهِ، كَمَا يُقَالُ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْمَالَ فَالْمَالُ لِفُلَانٍ، أَيْ فَلْيَطْلُبْهُ مِنْ عِنْدِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا بها التعزز كَمَا قَالَ اللَّهُ:{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا - كَلَّا} [مَرْيَمَ: 81 - 82] وَقَالَ: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النِّسَاءِ: 139]{إِلَيْهِ} [فاطر: 10] أَيْ إِلَى اللَّهِ، {يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] وَهُوَ قَوْلُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَقِيلَ: الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ذِكْرُ اللَّهِ. وَعَنْ قَتَادَةَ: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ أَيْ يَقْبَلُ اللَّهُ الْكَلِمَ الطيب. قوله: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] أَيْ يَرْفَعُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ، فَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ يَرْفَعُهُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْكَلِمِ الطَّيِّبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَأَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ذِكْرُ اللَّهِ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ أَدَاءُ فَرَائِضِهِ، فَمِنْ ذَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يُؤَدِّ فَرَائِضَهُ رُدَّ كَلَامُهُ عَلَى عَمَلِهِ، وَلَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلَا بِالتَّحَلِّي وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالُ، فَمَنْ قَالَ حَسَنًا وَعَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، وَمَنْ قَالَ حَسَنًا وَعَمِلَ صَالِحًا يَرْفَعُهُ الْعَمَلُ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ قَوْلًا إِلَّا بِعَمَلٍ وَلَا قَوْلًا وَلَا عَمَلًا إِلَّا بِنِيَّةٍ» (1) وَقَالَ قَوْمٌ: الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ يَرْفَعُهُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ أَيْ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ يَرْفَعُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ فَلَا يُقْبَلُ عَمَلٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَادِرًا عَنِ التَّوْحِيدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ، وَقِيلَ: الرَّفْعُ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ عز وجل مَعْنَاهُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ اللَّهُ عز وجل. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ الْخَالِصُ يَعْنِي أَنَّ الْإِخْلَاصَ سَبَبُ قَبُولِ الْخَيْرَاتِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عز وجل:{فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الْكَهْفِ: 110] فَجَعَلَ نَقِيضَ الصَّالِحِ الشِّرْكَ وَالرِّيَاءَ، {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} [فاطر: 10] قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي الشِّرْكَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: يَعْنِي الَّذِينَ مَكَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي دَارِ النَّدْوَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} [الْأَنْفَالِ: 30] وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: هُمْ أَصْحَابُ الرِّيَاءِ. {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر: 10] يبطل ويهلك فِي الْآخِرَةِ.
[11]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [فاطر: 11] أَيْ آدَمَ، {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [فاطر: 11] يَعْنِي نَسْلَهُ، {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} [فاطر: 11] ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} [فاطر: 11] لَا يَطُولُ عُمُرُهُ، {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} [فاطر: 11] يَعْنِي مِنْ عُمُرِ آخَرَ، كَمَا يقال
(1) هكذا رواه البغوي بغير سنده، وتبعه عليه الخازن في تفسيره، وذكر الإمام الطبري في تفسيره ج 22 ص80 أوله وعزاه لقتادة.