‌[قوله تعالى ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما] - مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل - جـ ٥

أَهْدَى دِينًا مِنْهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ كَذَّبُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} [فاطر: 42] رَسُولٌ، {لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} [فاطر: 42] يَعْنِي مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} [فاطر: 42] مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، {مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} [فاطر: 42] أَيْ مَا زَادَهُمْ مَجِيئُهُ إِلَّا تَبَاعُدًا عَنِ الْهُدَى.

[43]

{اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ} [فاطر: 43] نصب {اسْتِكْبَارًا} [فاطر: 43] عَلَى الْبَدَلِ مِنَ النُّفُورِ، {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} [فاطر: 43] يَعْنِي الْعَمَلَ الْقَبِيحَ، أُضِيفَ الْمَكْرُ إِلَى صِفَتِهِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الشِّرْكِ وَقَتْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَرَأَ حمزة (ومكر السَّيِّئْ) سَاكِنَةَ الْهَمْزَةِ تَخْفِيفًا وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَعْمَشِ، {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ} [فاطر: 43] أَيْ لَا يَحِلُّ وَلَا يُحِيطُ المكر السيئ، {إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43] فَقُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَاقِبَةُ الشِّرْكِ لَا تَحِلُّ إلا بمن أشرك. والمعنى: إن وَبَالُ مَكْرِهِمْ رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ، {فَهَلْ يَنْظُرُونَ} [فاطر: 43] ينتظرون، {إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} [فاطر: 43] إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمُ الْعَذَابُ كَمَا نَزَلَ بِمَنْ مَضَى مِنَ الكفار، {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: 43]

[44]

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ} [فاطر: 44] يَعْنِي لِيَفُوتَ عَنْهُ {مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: 44]

‌

‌[قوله تعالى وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا]

تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ. . .

[45]

{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا} [فاطر: 45] مِنَ الْجَرَائِمِ، {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا} [فاطر: 45] يَعْنِي عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ، {مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: 45] كَمَا كَانَ فِي زَمَانِ نُوحٍ أَهْلَكَ اللَّهُ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ كَانَ فِي سَفِينَةِ نُوحٍ، {وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [فاطر: 45] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: يُرِيدُ أَهْلَ طَاعَتِهِ وَأَهْلَ معصيته.

‌

‌[سورة يس]

‌

‌[قوله تعالى يس وَالقرآن الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ]

. . .

(36)

سورة يس [1]{يس} [يس: 1] وَن، قَرَأَ بِإِخْفَاءِ النُّونِ فِيهِمَا ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بكر وورش بخلف عنه في: نون والقلم، وَالْبَاقُونَ يُظْهِرُونَ فِيهِمَا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ (يس) حَسْبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي حُرُوفِ التَّهَجِّي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قسم، يروى عَنْهُ أَنَّ مَعْنَاهُ: يَا إِنْسَانُ بِلُغَةِ طَيْءٍ، يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَجَمَاعَةٍ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: يَا رَجُلُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: يَا سيد البشر.

[2]

{وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: 2]

[3]

{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [يس: 3] أقسم الله بالقرآن بأن مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُرْسَلِينَ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْكُفَّارِ حَيْثُ قَالُوا:{لَسْتَ مُرْسَلًا} [الرعد: 43]

[4]

{عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يس: 4] هو خبر بعد خبر، أي إنك لمن المرسلين وإنك عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

[5]

{تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [يس: 5] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ (تَنْزِيلَ) بِنَصْبِ اللَّامِ كَأَنَّهُ قَالَ نُزِّلَ تَنْزِيلًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ، أَيْ هُوَ تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ.

[6]

{لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} [يس: 6] قِيلَ: (مَا) لِلنَّفْيِ أَيْ لَمْ يُنْذَرْ آبَاؤُهُمْ لِأَنَّ قُرَيْشًا لَمْ يَأْتِهِمْ نَبِيٌّ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وَقِيلَ (مَا) بِمَعْنَى الَّذِي أَيْ لِتُنْذِرَ قَوْمًا بِالَّذِي أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ، {فَهُمْ غَافِلُونَ} [يس: 6] عَنِ الْإِيمَانِ وَالرُّشْدِ.

[7]

{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ} [يس: 7] وَجَبَ الْعَذَابُ، {عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يس: 7] هَذَا كَقَوْلِهِ: {وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزُّمَرِ: 71]

[8]

{إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} [يس: 8] قَالَ أَهْلُ