الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخُصُومَةَ، «نَزَلَتْ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ خَاصَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي إِنْكَارِ الْبَعْثِ، وَأَتَاهُ بِعَظْمٍ قَدْ بَلِيَ ففتته بيده، فقال: أَتُرَى يُحْيِي اللَّهُ هَذَا بَعْدَمَا رَمَّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ وَيَبْعَثُكَ وَيُدْخِلُكَ النَّارَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ (1) .
[78]
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس: 78] بَدْءَ أَمْرِهِ ثُمَّ، {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] بَالِيَةٌ، وَلَمْ يَقِلْ رَمِيمَةً لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ عَنْ فَاعِلَةٍ وَكُلُّ مَا كَانَ مَعْدُولًا عَنْ وَجْهِهِ وَوَزْنِهِ كَانَ مَصْرُوفًا عَنْ أَخَوَاتِهِ، كَقَوْلِهِ:{وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مَرْيَمَ: 28] أَسْقَطَ الْهَاءَ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَصْرُوفَةً عَنْ بَاغِيَةٍ.
[79]
{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا} [يس: 79] خَلَقَهَا، {أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 79]
[80]
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا} [يس: 80] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمَا شَجَرَتَانِ يقال لأحدهما: المرخ والأخرى: الْعَفَارُ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْهُمُ النَّارَ قَطَعَ مِنْهُمَا غُصْنَيْنِ مِثْلَ السِّوَاكَيْنِ وَهُمَا خَضْرَاوَانِ يَقْطُرُ مِنْهُمَا الْمَاءُ، فَيُسْحَقُ الْمَرْخُ عَلَى الْعِفَارِ فَيَخْرُجُ مِنْهُمَا النَّارُ بِإِذْنِ اللَّهِ عز وجل، تَقُولُ الْعَرَبُ فِي كُلِّ شَجَرٍ نَارٌ وَاسْتَمْجَدَ الْمَرْخُ وَالْعَفَارُ، وَقَالَ الْحُكَمَاءُ: فِي كُلِّ شَجَرٍ نَارٌ إِلَّا الْعُنَّابَ. {فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس: 80] تَقْدَحُونَ وَتُوقِدُونَ النَّارَ مِنْ ذَلِكَ الشَّجَرِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ.
[81]
فَقَالَ: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ} [يس: 81] قَرَأَ يَعْقُوبُ يَقْدِرُ بِالْيَاءِ عَلَى الْفِعْلِ، {عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى} [يس: 81] أَيْ قُلْ بَلَى هُوَ قَادِرٌ على ذلك، {وَهُوَ الْخَلَّاقُ} [يس: 81] يَخْلُقُ خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ، {الْعَلِيمُ} [يس: 81] بجميع ما خلق.
[82]
{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]
[83]
{فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ} [يس: 83] أي ملك، {كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 83]
[سورة الصافات]
[قوله تعالى وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ]
ذِكْرًا. . .
(37)
سورة الصافات [1]{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: 1] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ يَصُفُّونَ كَصُفُوفِ الْخَلْقِ فِي الدنيا للصلاة، وَقِيلَ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ تَصُفُّ أَجْنِحَتَهَا فِي الْهَوَاءِ وَاقِفَةً حَتَّى يَأْمُرَهَا الله تعالى بما يريده. وَقِيلَ: هِيَ الطُّيُورُ دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} [النُّورِ: 41]
[2]
قَوْلُهُ تعالى: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} [الصافات: 2] يعني تَزْجُرُ السَّحَابَ وَتَسُوقُهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ زَوَاجِرُ الْقُرْآنِ تَنْهَى وَتَزْجُرُ عن القبائح.
[3]
{فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} [الصافات: 3] هم الملائكة يتلون ذكر
(1) أخرجه الطبري 23 / 30 والواحدي في أسباب النزول.
اللَّهِ عز وجل. وَقِيلَ: هُمْ جَمَاعَةُ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَهَذَا كُلُّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وجواب الْقِسْمِ:
[4]
قَوْلُهُ: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} [الصافات: 4] وَقِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ وَرَبِّ الصَّافَّاتِ وَالزَّاجِرَاتِ وَالتَّالِيَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ قَالُوا:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص: 5] ؟ فأقسم الله بهؤلاء.
[5]
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} [الصافات: 5] أي مطالع الشمس، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ فِي موضع: (رب الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ)، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ:{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرَّحْمَنِ: 17] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [الشعراء: 28] فَكَيْفَ وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ؟ قِيلَ: أَمَّا قَوْلُهُ: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [الشعراء: 28] أراد به جهة المشرق وجهة المغرب. وَقَوْلُهُ: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17] أَرَادَ مَشْرِقَ الشِّتَاءِ وَمَشْرِقَ الصَّيْفِ، وَأَرَادَ بِالْمَغْرِبَيْنِ: مَغْرِبَ الشِّتَاءِ وَمَغْرِبَ الصَّيْفِ. وَقَوْلُهُ: {بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج: 40] أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَ للشمس ثلثمائة وستين كوة في المشرق وثلثمائة وَسِتِّينَ كُوَّةً فِي الْمَغْرِبِ عَلَى عَدَدِ أَيَّامِ السَّنَةِ، تَطْلُعُ الشَّمْسُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ كُوَّةٍ مِنْهَا، وَتَغْرُبُ فِي كُوَّةٍ مِنْهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى الْكُوَّةِ الَّتِي تَطْلُعُ الشمس منها من ذلك اليوم إلى الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَهِيَ الْمَشَارِقُ وَالْمَغَارِبُ، وَقِيلَ: كُلُّ مَوْضِعٍ شَرَقَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَهُوَ مَشْرِقٌ وَكُلُّ مَوْضِعٍ غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَهُوَ مَغْرِبٌ، كَأَنَّهُ أَرَادَ رَبَّ جَمِيعِ مَا شرقت عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ.
[6]
{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات: 6] قَرَأَ عَاصِمٌ، بِرِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ (بِزِينَةٍ) مُنَوَّنَةً، (الْكَوَاكِبَ) نُصِبَ أَيْ بِتَزْيِينِنَا الْكَوَاكِبَ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَحَفْصٌ (بِزِينَةٍ) مُنَوَّنَةً (الْكَوَاكِبِ) خَفْضًا عَلَى الْبَدَلِ، أَيْ بِزِينَةٍ بِالْكَوَاكِبِ، أَيْ زَيَّنَّاهَا بِالْكَوَاكِبِ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ)، بِلَا تَنْوِينٍ عَلَى الْإِضَافَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِضَوْءِ الْكَوَاكِبِ.
[7]
{وَحِفْظًا} [الصافات: 7] أَيْ وَحَفِظْنَاهَا حِفْظًا. {مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} [الصافات: 7] مُتَمَرِّدٍ يُرْمَوْنَ بِهَا.
[8]
{لَا يَسَّمَّعُونَ} [الصافات: 8] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ (يَسَّمَّعُونَ) بِتَشْدِيدِ السِّينِ وَالْمِيمِ، أَيْ لَا يَتَسَمَّعُونَ، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي السِّينِ، وقرأ الآخرون بسكون السين خفيف الميم، {إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى} [الصافات: 8] أي إلى الكتيبة مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالْمَلَأُ الْأَعْلَى هُمُ الْمَلَائِكَةُ لِأَنَّهُمْ فِي السَّمَاءِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الِاسْتِمَاعَ إِلَى الملأ الأعلى، {وَيُقْذَفُونَ} [الصافات: 8] يرمون، {مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} [الصافات: 8] من كل آفاق السماء بالشهب.
[9]
{دُحُورًا} [الصافات: 9] يُبْعِدُونَهُمْ عَنْ مَجَالِسِ الْمَلَائِكَةِ، يُقَالُ: دحره دحرا ودحورا إذ طَرَدَهُ وَأَبْعَدَهُ، {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات: 9] دَائِمٌ، قَالَ مُقَاتِلٌ: دَائِمٌ إِلَى النَّفْخَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُمْ يُحْرَقُونَ وَيَتَخَبَّلُونَ.
[10]
{إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} [الصافات: 10] اخْتَلَسَ الْكَلِمَةَ مِنْ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ مسارقة، {فَأَتْبَعَهُ} [الصافات: 10] لحقه، {شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10] كَوْكَبٌ مُضِيءٌ قَوِيٌّ لَا يُخْطِئُهُ يَقْتُلُهُ، أَوْ يَحْرِقُهُ أَوْ يُخْبِلُهُ، وَإِنَّمَا يَعُودُونَ إِلَى اسْتِرَاقِ السَّمْعِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ إِلَيْهِ طَمَعًا فِي السَّلَامَةِ وَنَيْلِ المراد، كراكب السفينة، قَالَ عَطَاءٌ: سُمِّيَ النَّجْمُ الَّذِي يُرْمَى بِهِ الشَّيَاطِينُ ثَاقِبًا لِأَنَّهُ يثقبهم.
[11]
{فَاسْتَفْتِهِمْ} [الصافات: 11] يعني سَلْهُمْ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} [الصافات: 11] يَعْنِي مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى التَّقْرِيرِ أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَشَدُّ خَلْقًا كَمَا قَالَ:{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غَافِرٍ: 57] وَقَالَ: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} [النَّازِعَاتِ: 27] وَقِيلَ: (أَمْ مَنْ خَلَقْنَا) يَعْنِي مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، لِأَنَّ (مَنْ) يُذْكَرُ فِيمَنْ يَعْقِلُ، يَقُولُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا بِأَحْكَمَ خَلْقًا مَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَقَدْ أَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَمَا الَّذِي يُؤَمِّنُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْعَذَابِ؟! ثُمَّ ذَكَرَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ، فَقَالَ: