‌[قوله تعالى ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا] - مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل - جـ ٥

ذنوبهم {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم: 41] أَيْ عُقُوبَةَ بَعْضِ الَّذِي عَمِلُوا من الذنوب، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] عن الكفر وأعمالهم الخبيثة.

‌

‌[قوله تعالى قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ]

الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ

[42]

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ} [الروم: 42] لِتَرَوْا مَنَازِلَهُمْ وَمَسَاكِنَهُمْ خَاوِيَةً، {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم: 42] فَأُهْلِكُوا بِكُفْرِهِمْ.

[43]

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} [الروم: 43] الْمُسْتَقِيمِ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} [الروم: 43] يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى رَدِّهِ مِنَ اللَّهِ {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم: 43] أَيْ يَتَفَرَّقُونَ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.

[44]

{مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} [الروم: 44] أَيْ وَبَالُ كُفْرِهِ، {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم: 44] يُوَطِّئُونَ الْمَضَاجِعَ وَيُسَوُّونَهَا فِي الْقُبُورِ.

[45]

. {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 45] قال ابن عباس: لِيُثِيبَهُمُ اللَّهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ،:{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [الروم: 45]

[46]

قَوْلُهُ عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الرُّومِ: 46] تُبَشِّرُ بِالْمَطَرِ، {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الروم: 46] نِعْمَةَ الْمَطَرِ وَهِيَ الْخِصْبُ، {وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 46] لِتَطْلُبُوا مِنْ رِزْقِهِ بِالتِّجَارَةِ فِي البحر، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الروم: 46] رَبَّ هَذِهِ النِّعَمِ.

[47]

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [الروم: 47] بِالدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَاتِ عَلَى صِدْقِهِمْ. {فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} [الروم: 47] عَذَّبْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوهُمْ، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47] إنجاؤهم مِنَ الْعَذَابِ فَفِي هَذَا تَبْشِيرٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالظَّفَرِ فِي الْعَاقِبَةِ وَالنَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ، قَالَ الْحَسَنُ: أَنْجَاهُمْ مَعَ الرسول من عذاب الأمم.

[48]

{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} [الروم: 48] أَيْ يَنْشُرُهُ، {فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ} [الروم: 48] مسيرة يوم أو يومين أو أكثر عَلَى مَنْ يَشَاءُ، {وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا} [الروم: 48] قطعا متفرقة، {فَتَرَى الْوَدْقَ} [الروم: 48] المطر، {يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} [الروم: 48] وَسَطِهِ، {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ} [الروم: 48] أَيْ بِالْوَدْقِ، {مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الروم: 48] يفرحون بالمطر.

[49]

{وَإِنْ كَانُوا} [الروم: 49] وَقَدْ كَانُوا {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} [الروم: 49] أي آيسين، وَقِيلَ: الْأُولَى تَرْجِعُ إِلَى إِنْزَالِ الْمَطَرِ وَالثَّانِيَةُ إِلَى إِنْشَاءِ السَّحَابِ.

[50]

{فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} [الروم: 50] أَرَادَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ الْمَطَرَ أَيِ انْظُرْ إِلَى حُسْنِ تَأْثِيرِهِ فِي الأرض، قال مُقَاتِلٌ: أَثَرُ رَحْمَةِ اللَّهِ أَيْ نِعْمَتُهُ وَهُوَ النَّبْتُ، {كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى} [الروم: 50] يَعْنِي إِنَّ ذَلِكَ الَّذِي يُحْيِي الْأَرْضَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 50]

‌

‌[قوله تعالى وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا]

مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ. . .

[51]

{وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا} [الروم: 51] بَارِدَةً مُضِرَّةً فَأَفْسَدَتِ

الزرع، {فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} [الروم: 51] أي والنبت وَالزَّرْعَ مُصْفَرًّا بَعْدَ الْخُضْرَةِ، {لَظَلُّوا} [الروم: 51] لصاروا، {مِنْ بَعْدِهِ} [الروم: 51] أَيْ مِنْ بَعْدِ اصْفِرَارِ الزَّرْعِ، {يَكْفُرُونَ} [الروم: 51] يَجْحَدُونَ مَا سَلَفَ مِنَ النِّعْمَةِ يَعْنِي أَنَّهُمْ يَفْرَحُونَ عِنْدَ الْخِصْبِ وَلَوْ أَرْسَلْتُ عَذَابًا عَلَى زَرْعِهِمْ جَحَدُوا سَالِفَ نِعْمَتِي.

[52]

{فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [الروم: 52]

[53]

{وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [الروم: 53]

[54]

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} [الروم: 54] قُرِئَ بِضَمِّ الضَّادِ وَفَتْحِهَا، فَالضَّمُّ لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَالْفَتْحُ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَمَعْنَى مِنْ ضَعْفٍ أَيْ مِنْ نُطْفَةٍ يُرِيدُ مِنْ ذِي ضَعْفٍ أَيْ مِنْ مَاءٍ ذِي ضَعْفٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [الْمُرْسَلَاتِ: 20]{ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} [الروم: 54] من بَعْدَ ضَعْفِ الطُّفُولِيَّةِ شَبَابًا وَهُوَ وَقْتُ الْقُوَّةِ، {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الروم: 54] من الضَّعْفَ وَالْقُوَّةَ وَالشَّبَابَ وَالشَّيْبَةَ، {وَهُوَ الْعَلِيمُ} [الروم: 54] بتدبير خلقه ، {الْقَدِيرُ} [الروم: 54] عَلَى مَا يَشَاءُ.

[55]

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} [الروم: 55] يحلف المشركون، {مَا لَبِثُوا} [الروم: 55] في الدنيا {غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] إِلَّا سَاعَةً اسْتَقَلُّوا أَجَلَ الدُّنْيَا لَمَّا عَايَنُوا الْآخِرَةَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: مَا لَبِثُوا فِي قُبُورِهِمْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَمَا قَالَ: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف: 35]{كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} [الروم: 55] يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ فِي الدُّنْيَا، قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: كَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَمَا كَذَبُوا فِي الدُّنْيَا أَنْ لَا بَعْثَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يفضحهم فحلفوا على شيء يتبين لِأَهْلِ الْجَمْعِ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِيهِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَبِقَدَرِهِ بدليل قوله:{يُؤْفَكُونَ} [الروم: 55] أَيْ يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ، ثُمَّ ذَكَرَ إِنْكَارَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ كَذِبَهُمْ فَقَالَ:

[56]

{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الروم: 56] أَيْ فِيمَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ مِنَ اللُّبْثِ فِي الْقُبُورِ، وَقِيلَ: فِي كِتَابِ اللَّهِ أَيْ فِي حُكْمِ اللَّهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وتأخير تقديره: وقال الذين فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ لَقَدْ لَبِثْتُمْ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ يَعْنِي الذين يعلمون كتاب الله، وقرءوا قَوْلَهُ تَعَالَى:{وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 100] أَيْ قالوا للمتكبرين لَقَدْ لَبِثْتُمْ، {إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الروم: 56] وُقُوعَهُ فِي الدُّنْيَا فَلَا يَنْفَعُكُمُ الْعِلْمُ بِهِ الْآنَ بِدَلِيلِ.

[57]

قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ} [الروم: 57] يَعْنِي عُذْرَهُمْ {وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الروم: 57] لَا يُطْلَبُ مِنْهُمُ الْعُتْبَى وَالرُّجُوعُ إلى الدنيا.

[58]

قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ} [الروم: 58] مَا أَنْتُمْ إِلَّا عَلَى بَاطِلٍ.