الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْ يَمْتَازَ عَنَّا بِالنُّبُوَّةِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُ لَسْتَ أَنْتَ بِمَلَكٍ وَلَا بِمَلِكِ، لِأَنَّكَ تَأْكُلُ وَالْمَلَكِ لَا يَأْكُلُ، وَلَسْتَ بِمَلِكٍ لِأَنَّ الْمَلِكَ لَا يَتَسَوَّقُ، وَأَنْتَ تَتَسَوَّقُ وَتَتَبَذَّلُ. وَمَا قَالُوهُ فَاسِدٌ لِأَنَّ أَكْلَهُ الطَّعَامَ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا وَمَشْيَهُ فِي الْأَسْوَاقِ لِتَوَاضُعِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ صِفَةٌ لَهُ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُنَافِي النُّبُوَّةَ. {لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} [الفرقان: 7] فيصدقه، {فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7] دَاعِيًا.
[8]
{أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ} [الفرقان: 8] أَيْ: يُنْزَلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ مِنَ السَّمَاءِ يُنْفِقُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّرَدُّدِ وَالتَّصَرُّفِ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ، {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ} [الفرقان: 8] بستان، {يَأْكُلُ مِنْهَا} [الفرقان: 8] قَرَأَ حَمْزَةٌ وَالْكِسَائِيُّ (نَأْكُلُ) بِالنُّونِ أَيْ نَأْكُلُ نَحْنُ مِنْهَا، {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الفرقان: 8] مَخْدُوعًا. وَقِيلَ: مَصْرُوفًا عَنِ الْحَقِّ.
[9]
{انْظُرْ} [الفرقان: 9] يَا مُحَمَّدُ، {كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ} [الفرقان: 9] يعني الأشباه، فقال: مسحور محتاج وغيره، {فَضَلُّوا} [الفرقان: 9] عَنِ الْحَقِّ، {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الفرقان: 9] إِلَى الْهُدَى وَمَخْرَجًا عَنِ الضَّلَالَةِ.
[10]
{تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ} [الفرقان: 10] الَّذِي قَالُوا أَوْ أَفْضَلَ مِنَ الْكَنْزِ وَالْبُسْتَانِ الَّذِي ذَكَرُوا وَرَوَى عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَعْنِي خَيْرًا مِنَ الْمَشْيِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالتَّمَاسِ الْمَعَاشِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ الْخَيْرَ فَقَالَ:{جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [الفرقان: 10] بُيُوتًا مُشَيَّدَةً، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ بيت مشيد قصرا.
[11]
قَوْلُهُ عز وجل: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ} [الفرقان: 11] بِالْقِيَامَةِ، {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} [الفرقان: 11] نارا مستعرة.
[قوله تَعَالَى إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا]
تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا. . .
[12]
{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [الفرقان: 12] ثبت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْنَ عَيْنَيْ جَهَنَّمَ مَقْعَدًا» . قَالُوا: وَهَلْ لَهَا مِنْ عَيْنَيْنِ؟ قَالَ: «نَعَمْ أَلَمْ تَسْتَمِعُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [الفرقان: 12] » وَقِيلَ: إِذَا رَأَتْهُمْ زَبَانِيَتُهَا {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا} [الفرقان: 12] غَلَيَانًا كَالْغَضْبَانِ إِذَا غَلَى صَدْرُهُ من الغضب. {وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12] صَوْتًا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْمَعُ التَّغَيُّظَ؟ قِيلَ: مَعْنَاهُ رَأَوْا وَعَلِمُوا أَنَّ لَهَا تَغَيُّظًا وَسَمِعُوا لَهَا زفيرا، وَقِيلَ: سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا أَيْ: صوت التغيظ مع التلهب والتوقد.
[13]
{وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا} [الفرقان: 13] قال ابن عباس: يضيق عَلَيْهِمْ كَمَا يَضِيقُ الزُّجُّ فِي الرمح، {مُقَرَّنِينَ} [الفرقان: 13] مُصَفَّدِينَ قَدْ قُرِنَتْ أَيْدِيهِمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ فِي الْأَغْلَالِ. وَقِيلَ. مُقَرَّنِينَ مَعَ الشَّيَاطِينِ فِي السَّلَاسِلِ، {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 13] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَيْلًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هَلَاكًا، وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى حُلَّةً مِنَ النَّارِ إِبْلِيسُ، فَيَضَعُهَا عَلَى حَاجِبَيْهِ وَيَسْحَبُهَا مِنْ خَلْفِهِ وَذُرِّيَّتُهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا ثُبُورَاهُ، وَهُمْ يُنَادُونَ يَا ثُبُورَهُمْ حَتَّى يَقِفُوا عَلَى النَّارِ فَيُنَادُونَ يَا ثُبُورَاهُ وَيُنَادِي يَا ثُبُورَهُمْ، فَيُقَالُ لَهُمْ:
[14]
{لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان: 14] » ، قِيلَ: أَيْ هَلَاكُكُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تَدْعُوا مَرَّةً وَاحِدَةً فَادْعُوا أَدْعِيَةً كَثِيرَةً.
[15]
قَوْلُهُ عز وجل. {قُلْ أَذَلِكَ} [الفرقان: 15] يَعْنِي الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ صِفَةِ النَّارِ وَأَهْلِهَا، {خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً} [الفرقان: 15] ثوابا {وَمَصِيرًا} [الفرقان: 15] مَرْجِعًا.
[16]
{لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا} [الفرقان: 16] مَطْلُوبًا وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ سَأَلُوا رَبَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حِينَ قَالُوا: رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رسلك، يَقُولُ: كَانَ أَعْطَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ جَنَّةَ خُلْدٍ وَعْدًا وَعَدَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا وَمَسْأَلَتُهُمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: الطَّلَبُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جنات عدن التي وعدتهم.
[17]
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} [الفرقان: 17] قرأ ابن كثير وَيَعْقُوبُ وَحَفْصٌ (يَحْشُرُهُمْ) بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنُّونِ،
{وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الفرقان: 17] قَالَ مُجَاهِدٌ: مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَعِيسَى وَعُزَيْرٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْأَصْنَامَ ثُمَّ يخاطبهم، {فَيَقُولُ} [الفرقان: 17] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِالنُّونِ وَالْآخَرُونَ بِالْيَاءِ {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} [الفرقان: 17] أخطئوا الطريق.
[18]
{قَالُوا سُبْحَانَكَ} [الفرقان: 18] نَزَّهُوا اللَّهَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إِلَهٌ {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [الفرقان: 18] يَعْنِي مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُوَالِيَ أَعْدَاءَكَ بَلْ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ. وَقِيلَ: مَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْمُرَهُمْ بِعِبَادَتِنَا وَنَحْنُ نَعْبُدُكَ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ (أَنْ نُتَّخَذَ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْخَاءِ فَتَكُونُ (مِنْ) الثَّانِي صِلَةٌ، {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ} [الفرقان: 18] فِي الدُّنْيَا بِطُولِ الْعُمْرِ وَالصِّحَّةِ والنعمة، {حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ} [الفرقان: 18] تَرَكُوا الْمَوْعِظَةَ وَالْإِيمَانَ بِالْقُرْآنِ. وَقِيلَ: تركوا ذكركم وَغَفَلُوا عَنْهُ، {وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} [الفرقان: 18] يَعْنِي هَلْكَى غَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءُ وَالْخِذْلَانُ، رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ بَائِرٌ، وَقَوْمٌ بُورٌ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْبَوَارِ وَهُوَ الْكَسَادُ وَالْفَسَادُ، وَمِنْهُ بَوَارُ السِّلْعَةِ وَهُوَ كَسَادُهَا. وَقِيلَ هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ كَالزُّورِ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ.
[19]
{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ} [الفرقان: 19] هذا الخطاب مَعَ الْمُشْرِكِينَ، أَيْ كَذَّبَكُمُ الْمَعْبُودُونَ، {بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان: 19] إنهم آلهة، {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ} [الفرقان: 19] قَرَأَ حَفْصٌ بِالتَّاءِ يَعْنِي الْعَابِدِينَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ يَعْنِي: الْآلِهَةُ. {صَرْفًا} [الفرقان: 19] يعني صرف الْعَذَابِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، {وَلَا نَصْرًا} [الفرقان: 19] يعني ولا نصر أنفسهم. قيل: وَلَا نَصْرَكُمْ أَيُّهَا الْعَابِدُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ بِدَفْعِ الْعَذَابِ عَنْكُمْ وَقِيلَ: الصَّرْفُ الْحِيلَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ: إِنَّهُ لِيَصْرِفَ أَيْ يَحْتَالُ، {وَمَنْ يَظْلِمْ} [الفرقان: 19] يُشْرِكْ، {مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: 19]
[20]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الفرقان: 20] يَا مُحَمَّدُ، {إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الفرقان: 20] رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا عَيَّرَّ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا: مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ، أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل هَذِهِ الْآيَةَ، يَعْنِي مَا أَنَا إِلَّا رَسُولٌ وَمَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ، وَهُمْ كَانُوا بَشَرًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، {وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا قِيلَ لَهُمْ مِثْلَ هَذَا أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ للرسل من قبلك، {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الفرقان: 20] أَيْ بَلِيَّةً فَالْغَنِيُّ فِتْنَةً لِلْفَقِيرِ، يَقُولُ الْفَقِيرَ: مَا لِي لَمْ أَكُنْ مَثَلَهُ، وَالصَّحِيحُ فِتْنَةً لِلْمَرِيضِ، وَالشَّرِيفُ فِتْنَةً لِلْوَضِيعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ جَعَلْتُ بَعْضَكُمْ بَلَاءً لِبَعْضٍ لِتَصْبِرُوا عَلَى مَا تَسْمَعُونَ منهم، وترون من خلاقهم، وَتَتْبَعُوا الْهُدَى. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي ابْتِلَاءِ