الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَكُمْ شَبَهًا بِحَالِكُمُ، وَذَلِكَ الْمَثَلُ مِنْ أَنْفُسِكُمُ ثُمَّ بَيَّنَ الْمَثَلَ فَقَالَ:{هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [الروم: 28] أي عبيدكم {مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ} [الروم: 28] من المال {فَأَنْتُمْ} [الروم: 28] وهم، {فِيهِ سَوَاءٌ} [الروم: 28] أي شرع أَيْ هَلْ يُشَارِكُكُمْ عَبِيدُكُمْ فِي أَمْوَالِكُمُ الَّتِي أَعْطَيْنَاكُمْ، {تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الروم: 28] أَيْ تَخَافُونَ أَنْ يُشَارِكُوكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ وَيُقَاسِمُوكُمْ كَمَا يَخَافُ الْحُرُّ شَرِيكَهُ الْحُرَّ فِي الْمَالِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ فِيهِ بِأَمْرٍ دُونَهُ وَكَمَا يَخَافُ الرَّجُلُ شَرِيكَهُ فِي الْمِيرَاثِ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَخَافُونَهُمْ أَنْ يَرِثُوكُمْ كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَإِذَا لَمْ تَخَافُوا هذا من مواليكم وَلَمْ تَرْضَوْا ذَلِكَ لِأَنْفُسِكُمْ فَكَيْفَ رَضِيتُمْ أَنْ تَكُونَ آلِهَتُكُمُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا شُرَكَائِي وَهُمْ عَبِيدِي، وَمَعْنَى قوله:{أَنْفُسِكُمْ} [الروم: 28] أي أمثالكم الْأَحْرَارِ كَقَوْلِهِ: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [النُّورِ: 12] أَيْ بِأَمْثَالِهِمْ، {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 28] يَنْظُرُونَ إِلَى هَذِهِ الدَّلَائِلِ بِعُقُولِهِمْ.
[29]
{بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الروم: 29] أشركوا بالله، {أَهْوَاءَهُمْ} [الروم: 29] في الشرك، {بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الروم: 29] جَهْلًا بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، {فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} [الروم: 29] أي أَضَلَّ اللَّهُ {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [الروم: 29] مَانِعِينَ يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عز وجل.
[30]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} [الروم: 30] أَيْ أَخْلِصْ دِينَكَ لِلَّهِ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَإِقَامَةُ الْوَجْهِ إِقَامَةُ الدِّينِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: سَدِّدْ عَمَلَكَ، وَالْوَجْهُ مَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ وَدِينُهُ وَعَمَلُهُ، مِمَّا يَتَوَجَّهُ إليه لتسديده {حَنِيفًا} [الروم: 30] " مائلا مستقيما عليه، {فِطْرَتَ اللَّهِ} [الروم: 30] دِينَ اللَّهِ وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَيْ إِلْزَمْ فِطْرَةَ اللَّهِ {الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] أي خلق الناس عليها، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ الدِّينُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ خَاصَّةٌ فِي المؤمنين هم الَّذِينَ فَطَرَهُمُ اللَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الرُّومِ: 30] فَمَنْ حَمَلَ الْفِطْرَةَ عَلَى الدِّينِ قَالَ: مَعْنَاهُ. لَا تَبْدِيلَ لِدِينِ اللَّهِ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْ لَا تُبَدِّلُوا دِينَ اللَّهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ: مَعْنَى الْآيَةِ الْزَمُوا فِطْرَةَ اللَّهِ أَيْ دِينَ اللَّهِ وَاتَّبِعُوهُ وَلَا تُبَدِّلُوا التَّوْحِيدَ بالشرك، {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30] الْمُسْتَقِيمُ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30] وَقِيلَ: لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أَيْ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ من السعادة والشقاء لا يبدل فَلَا يَصِيرُ السَّعِيدُ شَقِيًّا وَلَا الشقي سعيدا.
[31]
{مُنِيبِينَ} [الروم: 31] أَيْ فَأَقِمْ وَجْهَكَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ منيبين إليه لأن المخاطبة لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ويدخل مَعَهُ فِيهَا الْأُمَّةُ كَمَا قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1]{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم: 31] أي راجعين إليه بالتوبة منيبين إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ {وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم: 31]
[32]
{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم: 32] أَيْ صَارُوا فِرَقًا مُخْتَلِفَةً وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 32] أَيْ رَاضُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ.
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ]
إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ. . .
[33]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ} [الروم: 33] قَحْطٌ وَشِدَّةٌ، {دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم: 33] مُقْبِلِينَ إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً} [الروم: 33] خِصْبًا وَنِعْمَةً، {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [الروم: 33]
[34]
{لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} [الروم: 34] ثُمَّ خَاطَبَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فَعَلُوا، هَذَا خِطَابَ تَهْدِيدٍ فَقَالَ:{فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الروم: 34] حَالَكُمْ فِي الْآخِرَةِ.
[35]
{أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا} [الروم: 35] قال ابن عباس: حُجَّةً وَعُذْرًا، وَقَالَ قَتَادَةُ: كِتَابًا، {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} [الروم: 35] يَنْطِقُ، {بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} [الروم: 35] أَيْ يَنْطِقُ بِشِرْكِهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِهِ.
[36]
{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً} [الروم: 36] أَيْ الْخِصْبَ وَكَثْرَةَ الْمَطَرِ، {فَرِحُوا بِهَا} [الروم: 36] يَعْنِي فَرَحَ الْبَطَرِ، {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} [الروم: 36] أَيِ الْجَدْبُ وَقِلَّةُ الْمَطَرِ وَيُقَالُ الْخَوْفُ وَالْبَلَاءُ {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الروم: 36] مِنَ السَّيِّئَاتِ،
{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] يَيْأَسُونَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَهَذَا خِلَافُ وَصْفِ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَشْكُرُ اللَّهَ عِنْدَ النِّعْمَةِ وَيَرْجُو رَبَّهُ عِنْدَ الشِّدَّةِ.
[37]
[38]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الروم: 38] من البر والصلة، {وَالْمِسْكِينَ} [الروم: 38] وَحَقُّهُ أَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، {وَابْنَ السَّبِيلِ} [الروم: 38] يَعْنِي الْمُسَافِرَ، وَقِيلَ: هُوَ الضَّعِيفُ، {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم: 38] يَطْلُبُونَ ثَوَابَ اللَّهِ بِمَا يَعْمَلُونَ، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الروم: 38]
[39]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا} [الروم: 39] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ. (أَتَيْتُم) مَقْصُورًا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْمَدِّ أَيْ أَعْطَيْتُمْ، وَمَنْ قَصَرَ فَمَعْنَاهُ مَا جِئْتُمْ من ربا ومجيئهم ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْطَاءِ كَمَا يقول: أَتَيْتُ خَطَئًا وَأَتَيْتُ صَوَابًا فَهُوَ يئول في معنى إلى قول مَنْ مَدَّ. {لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} [الروم: 39] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَعْقُوبُ: لِتُرْبُوا بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا وَسُكُونِ الْوَاوِ عَلَى الْخِطَابِ أَيْ لِتُرْبُوا أَنْتُمْ وَتَصِيرُوا ذَوِي زِيَادَةٍ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ وَفَتْحِهَا، وَنَصْبِ الْوَاوِ وَجَعَلُوا الْفِعْلَ لِلرِّبَا لِقَوْلِهِ:{فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الرُّومِ: 39] فِي أَمْوَالِ النَّاسِ أَيْ فِي اخْتِطَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَاجْتِذَابِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَطَاوُسٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ الرَّجُلُ يعطي غيره العطية ليثيبه أَكْثَرَ مِنْهَا فَهَذَا جَائِزٌ حَلَالٌ لكن لا ثواب عليها فِي الْقِيَامَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عز وجل: فلا يربو عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ هَذَا حَرَامًا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى. {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [الْمُدَّثِّرِ: 6] أَيْ لَا تُعْطِ وَتَطْلُبْ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْتَ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: هُوَ الرَّجُلُ يُعْطِي صَدِيقَهُ أَوْ قَرِيبَهُ لِيُكْثِرَ مَالَهُ وَلَا يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ الرَّجُلُ يَلْتَزِقُ بِالرَّجُلِ فَيَخْدِمُهُ وَيُسَافِرُ مَعَهُ فَيَجْعَلُ لَهُ رِبْحَ مَالِهِ الْتِمَاسَ عَوْنِهِ لوجه الله فلا يربو عِنْدَ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ} [الروم: 39] أَعْطَيْتُمْ مِنْ صَدَقَةٍ {تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39] فيضاعف لَهُمُ الثَّوَابُ فَيُعْطَوْنَ بِالْحَسَنَةِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَالْمُضْعِفُ ذُو الْأَضْعَافِ مِنَ الْحَسَنَاتِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: الْقَوْمُ مَهْزُولُونَ وَمَسْمُونُونَ إِذَا هَزَلَتْ أَوْ سَمِنَتْ إِبِلُهُمْ.
[40]
[41]
قَوْلُهُ عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] يَعْنِي قَحْطَ الْمَطَرِ وَقِلَّةَ النَّبَاتِ وَأَرَادَ بِالْبَرِّ الْبَوَادِيَ وَالْمَفَاوِزَ وَبِالْبَحْرِ الْمَدَائِنَ وَالْقُرَى الَّتِي هِيَ عَلَى الْمِيَاهِ الْجَارِيَةِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: الْعَرَبُ تسمي المصر بحرا يقال: أَجْدَبَ الْبَرُّ وَانْقَطَعَتْ مَادَّةُ الْبَحْرِ، {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: 41] أي بشؤم