الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّرِيفِ بِالْوَضِيعِ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرِيفَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ فَرَأَى الْوَضِيعَ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ أَنِفَ، وَقَالَ: أُسْلِمُ بَعْدَهُ فَيَكُونُ لَهُ عَلَيَّ السَّابِقَةَ وَالْفَضْلَ، فَيُقِيمُ عَلَى كُفْرِهِ وَيَمْتَنِعُ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَذَلِكَ افتتان بعضهم ببعض {أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: 20] يَعْنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مِنَ الْفَقْرِ وَالشِّدَّةِ وَالْأَذَى، {وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20] بمن صبر وبمن جزع.
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ]
عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا. . .
[21]
{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} [الفرقان: 21] أَيْ لَا يَخَافُونَ الْبَعْثَ، قَالَ الْفَرَّاءُ: الرَّجَاءُ بِمَعْنَى الْخَوْفِ لُغَةُ تِهَامَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نُوحٍ: 13] أَيْ: لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً. {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ} [الفرقان: 21] فَتُخْبِرُنَا أَنَّ مُحَمَّدًا صَادِقٌ، {أَوْ نَرَى رَبَّنَا} [الفرقان: 21] فيخبرنا بذلك، {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا} [الفرقان: 21] أي تعظموا. {فِي أَنْفُسِهِمْ} [الفرقان: 21] بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: 21] قَالَ مُجَاهِدٌ: عَتَوْا طَغَوْا فِي القول والعتو أَشَدُّ الْكُفْرِ وَأَفْحَشُ الظُّلْمِ. وَعُتُوُّهُمْ طَلَبُهُمْ رُؤْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يُؤْمِنُوا به.
[22]
{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ} [الفرقان: 22] عِنْدَ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: فِي الْقِيَامَةِ. {لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} [الفرقان: 22] لِلْكَافِرِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُبَشِّرُونَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَقُولُونَ لِلْكُفَّارِ: لَا بُشْرَى لَكُمْ، هَكَذَا قَالَ عَطِيَّةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُشْرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُجْرِمِينَ، أَيْ لَا بِشَارَةَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، كَمَا يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُونَ. {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، إِلَّا مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِذَا خَرَجَ الْكُفَّارُ مِنْ قُبُورِهِمْ قَالَتْ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ: حَرَامًا مُحَرَّمًا عَلَيْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَكُمُ الْبُشْرَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا قَوْلُ الْكُفَّارِ لِلْمَلَائِكَةِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ شِدَّةٌ رَأَوْا مَا يَكْرَهُونَ، قَالُوا: حِجْرًا مَحْجُورًا، فَهُمْ يَقُولُونَهُ إِذَا عَايَنُوا الْمَلَائِكَةَ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي عَوْذًا مُعَاذًا يَسْتَعِيذُونَ بِهِ مِنَ الملائكة.
[23]
{وَقَدِمْنَا} [الفرقان: 23] وَعَمَدْنَا، {إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الْفُرْقَانِ: 23] أَيْ بَاطِلًا لَا ثَوَابَ لَهُ، فَهُمْ لَمْ يَعْمَلُوهُ لِلَّهِ عز وجل. وَاخْتَلَفُوا فِي الْهَبَاءِ قَالَ عَلَيٌّ: هُوَ مَا يُرَى فِي الْكُوَّةِ إِذَا وَقَعَ ضَوْءُ الشَّمْسِ فيها كالغبار يَمَسُّ بِالْأَيْدِي، وَلَا يْرَى فِي الظِّلِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ ومجاهد، والمنثور: المفرق، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ مَا تَسَفِّيهِ الرِّيَاحُ وَتَذْرِيهِ مِنَ التُّرَابِ وَحُطَامِ الشَّجَرِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ مَا يَسْطَعُ مِنْ حَوَافِرِ الدَّوَابِّ عِنْدَ السَّيْرِ. وَقِيلَ: الْهَبَاءُ الْمَنْثُورُ مَا يرى في الكوة والهباء الْمُنْبَثُّ هُوَ مَا تُطَيِّرُهُ الرِّيَاحُ مِنْ سَنَابِكِ الْخَيْلِ.
[24]
قَوْلُهُ عز وجل: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24] أَيْ: مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُتَكَبِّرِينَ، {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24] مَوْضِعَ قَائِلَةٍ يَعْنِي أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَمُرُّ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا قَدْرَ النَّهَارِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى وَقْتِ الْقَائِلَةِ حَتَّى يَسْكُنُوا مَسَاكِنَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا يَنْتَصِفُ النَّهَارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقِيلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ فِي النار، قال الأزهري: القيلولة والمقيل الِاسْتِرَاحَةُ نِصْفَ النَّهَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ ذَلِكَ نَوْمٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24] والجنة لا نوم فيها.
[25]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [الفرقان: 25] أَيْ عَنِ الْغَمَامِ الْبَاءُ وَعَنْ يَتَعَاقَبَانِ كَمَا يُقَالُ: رَمَيْتُ عَنِ الْقَوْسِ وَبِالْقَوْسِ وَتَشَقَّقُ بِمَعْنَى تَتَشَقَّقُ، أدغموا إحدى التاءين في الأخرى، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَأَهْلُ الْكُوفَةِ بِتَخْفِيفِ الشِّينِ هَاهُنَا، وَفِي سُورَةِ (ق) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَقَرَأَ الآخرون بالتشديد، أي تنشق بِالْغَمَامِ وَهُوَ غَمَامٌ أَبْيَضٌ رَقِيقٌ مِثْلُ الضَّبَابَةِ، وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تِيهِهِمْ. {وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان: 25] قرأ ابن كثير (وننزل) بِنُونَيْنِ خَفِيفٌ وَرَفْعُ اللَّامِ، (الْمَلَائِكَةَ) نَصْبٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَشَّقَّقُ السَّمَاءُ الدُّنْيَا فَيَنْزِلُ أَهْلُهَا وَهُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، ثُمَّ تَشَّقَّقُ السَّمَاءُ
الثَّانِيَةُ فَيَنْزِلُ أَهْلُهَا وَهُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَمِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى تَشَّقَّقُ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ وَأَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ يَزِيدُونَ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ الَّتِي قَبْلَهَا، ثُمَّ يَنْزِلُ الْكَرُوبِيُّونَ ثُمَّ حَمَلَةُ الْعَرْشِ.
[26]
{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: 26] أَيْ الْمُلْكُ الَّذِي هُوَ الْمُلْكُ الْحَقُّ حَقًّا مُلْكُ الرَّحْمَنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا مُلْكَ يُقْضَى غَيْرُهُ. {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [الفرقان: 26] شَدِيدًا فَهَذَا الْخِطَابُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِ عَسِيرًا، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ:«أَنَّهُ يُهَوِّنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهِمْ أَخَفَّ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ صَلَّوْهَا فِي الدُّنْيَا» (1) .
[27]
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان: 27] أَرَادَ بِالظَّالِمِ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي معيط تَحَسُّرًا عَلَى مَا فَعَلَ {يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ} [الفرقان: 27] فِي الدُّنْيَا، {مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} [الفرقان: 27] لَيْتَنِي اتَّبَعْتُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَاتَّخَذْتُ مَعَهُ سَبِيلًا إلى الهدى.
[28]
{يا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} [الفرقان: 28] يَعْنِي أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ.
[29]
{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ} [الفرقان: 29] عَنِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ، {بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [الفرقان: 29] يَعْنِي الذَّكَرَ مَعَ الرَّسُولِ {وَكَانَ الشَّيْطَانُ} [الفرقان: 29] وَهُوَ كُلُّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَكُلُّ مَنْ صَدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَيْطَانٌ. {لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 29] أَيْ تَارِكًا يَتْرُكُهُ وَيَتَبَرَّأُ مِنْهُ عِنْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ وَالْعَذَابِ، وَحُكْمُ هَذِهِ الْآيَةِ عَامٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُتَحَابِّينَ اجْتَمَعَا عَلَى مَعْصِيَةِ الله. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ من يخالل» (2) .
[30]
{وَقَالَ الرَّسُولُ} [الفرقان: 30] يَعْنِي: وَيَقُولُ الرَّسُولُ فِي ذَلِكَ اليوم: {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30] يعني مَتْرُوكًا فَأَعْرَضُوا عَنْهُ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِمَا فِيهِ. وَقِيلَ: جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ الْهَجْرِ وَهُوَ الهذيان، والقول السيئ فَزَعَمُوا أَنَّهُ شِعْرٌ وَسِحْرٌ، وَهُوَ النَّخَعِيُّ وَمُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: قَالَ الرَّسُولُ يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يشكو قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ يَا رَبِّ: إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا فَعَزَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ:
[31]
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا} [الفرقان: 31] يَعْنِي كَمَا جَعَلَنَا لَكَ أَعْدَاءً مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ كَذَلِكَ جَعْلَنَا، {لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان: 31] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَقُولُ: لَا يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ قبلك قد لقوا هَذَا مِنْ قَوْمِهِمْ فَاصْبِرْ لِأَمْرِي كَمَا صَبَرُوا فَإِنِّي نَاصِرُكَ وَهَادِيكَ، {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: 31]
[32]
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان: 32]
(1) رواه الإمام أحمد في المسند 3 / 75 وقال الهيثمي في المجمع 10 / 337: وإسناده حسن على ضعف في رواية.
(2)
أخرجه أبو داود في الأدب 7 / 186 والترمذي في الزهد 7 / 49 وقال: هذا حديث حسن غريب وصححه الحاكم 4 / 171 والإمام أحمد 2 / 303 والمصنف في شرح السنة 13 / 70.