الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عالم ما غاب عن عيان الْخَلْقِ وَمَا حَضَرَ، {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [السجدة: 6]
[7]
{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7] قَرَأَ نَافِعٌ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ {خَلَقَهُ} [السجدة: 7] بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْفِعْلِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِهَا، أَيْ أَحْسَنَ خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أتقنه وأحكمه. قال قتادة: حسن. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: عَلِمَ كَيْفَ يَخْلُقُ كُلَّ شَيْءٍ، مِنْ قَوْلِكَ: فُلَانٌ يُحْسِنُ كَذَا إِذَا كَانَ يَعْلَمُهُ. وَقِيلَ: خَلَقَ كُلَّ حَيَوَانٍ عَلَى صُورَتِهِ لَمْ يَخْلُقِ الْبَعْضَ عَلَى صُورَةِ الْبَعْضِ، فَكُلُّ حَيَوَانٍ كَامِلٌ فِي خَلْقِهِ حُسْنٌ، وَكُلُّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مُقَدَّرٌ بِمَا يَصْلُحُ بِهِ مَعَاشُهُ، {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة: 7] يَعْنِي آدَمَ.
[8]
{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} [السجدة: 8] يعني ذريته، {مِنْ سُلَالَةٍ} [السجدة: 8] نُطْفَةٍ سُمِّيَتْ سُلَالَةً لِأَنَّهَا تُسَلُّ مِنَ الْإِنْسَانِ {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة: 8] أي ضعف وَهُوَ نُطْفَةُ الرَّجُلِ.
[9]
{ثُمَّ سَوَّاهُ} [السجدة: 9] ثُمَّ سَوَّى خَلْقَهُ، {وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} [السجدة: 9] ثُمَّ عَادَ إِلَى ذُرِّيَّتِهِ، فَقَالَ:{وَجَعَلَ لَكُمُ} [السجدة: 9] بَعْدَ أَنْ كُنْتُمْ نُطَفًا، {السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 9] يَعْنِي لَا تَشْكُرُونَ رَبَّ هَذِهِ النعم فتوحدونه.
[10]
{وَقَالُوا} [السجدة: 10] يعني منكري البعث، {أَإِذَا ضَلَلْنَا} [السجدة: 10] هلكنا {فِي الْأَرْضِ} [السجدة: 10] وَصِرْنَا تُرَابًا وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: ضَلَّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ إِذَا ذَهَبَ، {أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [السجدة: 10] اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ. قَالَ اللَّهُ عز وجل: {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} [السجدة: 10] أَيْ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
[11]
{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ} [السجدة: 11] يَقْبِضُ أَرْوَاحَكُمْ، {مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] أَيْ وُكِّلَ بِقَبْضِ أَرْوَاحِكُمْ وَهُوَ عزرائيل، والتوفي استيفاء المضروب للخلق في الأزل، مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنَ الْعَدَدِ الذي كتب عليه الموت {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11] أَيْ تَصِيرُونَ إِلَيْهِ أَحْيَاءً فَيَجْزِيكُمْ بأعمالكم.
[قوله تعالى وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ]
عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ. . .
[12]
{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [السجدة: 12] المشركون، {نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} [السجدة: 12] مطأطئو رءوسهم، {عِنْدَ رَبِّهِمْ} [السجدة: 12] حياء منه وندما. {رَبَّنَا} [السجدة: 12] أي يقولون: ربنا {أَبْصَرْنَا} [السجدة: 12] مَا كُنَّا بِهِ مُكَذِّبِينَ، {وَسَمِعْنَا} [السجدة: 12] مِنْكَ تَصْدِيقَ مَا أَتَتْنَا بِهِ رُسُلُكَ. وَقِيلَ: أَبْصَرْنَا مَعَاصِيَنَا وَسَمْعَنَا ما قيل فينا، {فَارْجِعْنَا} [السجدة: 12] فَأَرْدُدْنَا إِلَى الدُّنْيَا، {نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12] وَجَوَابُ لَوْ مُضْمَرٌ مَجَازُهُ لَرَأَيْتَ الْعَجَبَ.
[13]
{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] رُشْدَهَا وَتَوْفِيقَهَا لِلْإِيمَانِ، {وَلَكِنْ حَقَّ} [السجدة: 13] وَجَبَ، {الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السَّجْدَةِ: 13] وَهُوَ قَوْلُهُ لِإِبْلِيسَ: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85] ثُمَّ يُقَالُ لِأَهْلِ النَّارِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِذَا دَخَلُوا النَّارَ قَالَتْ لَهُمُ الْخَزَنَةُ.
[14]
{فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [السجدة: 14] أَيْ تَرَكْتُمُ الْإِيمَانَ بِهِ فِي الدنيا، {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} [السجدة: 14] تَرَكْنَاكُمْ {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [السجدة: 14] مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ.
[15]
قَوْلُهُ عز وجل: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا} [السجدة: 15] وعظوا بها، {خَرُّوا سُجَّدًا} [السجدة: 15] سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ سَاجِدِينَ، {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [السجدة: 15] قِيلَ: صَلُّوا بِأَمْرِ رَبِّهِمْ، وَقِيلَ: قَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] عَنِ الْإِيمَانِ وَالسُّجُودِ لَهُ.
[16]
{تَتَجَافَى} [السجدة: 16] ترتفع وتنبوا، {جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] جَمْعُ مَضْجَعٍ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُضْطَجَعُ عَلَيْهِ يَعْنِي الْفُرُشَ وَهُمُ المتهجدون بالليل، الذين يَقُومُونَ لِلصَّلَاةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ أَنَسٌ: نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ فَلَا نَرْجِعُ إِلَى رِحَالِنَا حَتَّى نُصَلِّيَ الْعِشَاءَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضًا قَالَ: نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يُصَلُّونَ مِنْ
صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَازِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَقَالَا: هِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَحُفُّ بِالَّذِينِ يُصَلُّونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَهِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: هُمُ الَّذِينَ لَا يقومون حَتَّى يُصَلُّوا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍ وَعُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنهم: هُمُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ والفجر في جماعة، وَأَشْهُرُ الْأَقَاوِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ صَلَاةُ اللَّيْلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ ومجاهد ومالك والأوزاعي وجماعة، «عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِنَا فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَهُوَ يَسِيرُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النار، قال:" لقد سَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لِيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ "، ثُمَّ قَالَ:" أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تطفئ الْخَطِيئَةَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ الليل " ثم تلا {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] حَتَّى بَلَغَ {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] ثم قال: ألا أدلك بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصلاة، وذروة سنامه الجهاد» (1) .
قَوْلُهُ عز وجل: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَوْفًا مِنَ النَّارِ وَطَمَعًا فِي الْجَنَّةِ، {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16] قِيلَ: أَرَادَ بِهِ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ. وقيل: فِي الْوَاجِبِ وَالتَّطَوُّعِ.
[17]
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} [السجدة: 17] قَرَأَ حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ: (أُخْفِي لَهُمْ) سَاكِنَةَ الْيَاءِ أَيْ أَنَا أُخْفِي لَهُمْ، وَمِنْ حُجَّتِهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ (نُخْفِي) بِالنُّونِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بفتحها، {مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] مِمَّا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُمْ، {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَقُولُ «اللَّهُ تبارك وتعالى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خطر على قلب بشر» (2) ". قال ابن عباس: هَذَا مِمَّا لَا تَفْسِيرَ لَهُ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ: أَخْفَوْا أَعْمَالَهُمْ فأخفى الله ثوابهم.
[18]
قَوْلُهُ عز وجل: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] وَلَمْ يَقُلْ لَا يَسْتَوِيَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مُؤْمِنًا وَاحِدًا وَفَاسِقًا وَاحِدًا بَلْ أَرَادَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وجميع الفاسقين.
(1) أخرجه الترمذي في الإيمان 7 / 362 وقال: (هذا حديث حسن صحيح) والنسائي في التفسير 2 / 156 وابن ماجه في الفتن رقم (3973) وعبد الرزاق في المصنف 11 / 194 وعبد بن حميد في المنتخب من المسند برقم (112) ص 68 وأخرجه الحاكم مطولا 2 / 412 وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(2)
أخرجه البخاري في بدء الخلق 6 / 318 ومسلم في الجنة برقم (2824) 4 / 2174.