الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَصْحَابُ الْبِئْرِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الْحَجِّ: 45] وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ لَهُمْ نَبِيٌّ يُقَالُ لَهُ حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ فَقَتَلُوهُ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ كَعْبٌ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: الرَّسُّ بِئْرٌ بأنطاكية قتلوا فيها حبيب النَّجَّارَ، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي سُورَةِ يس. وَقِيلَ: هُمْ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، وَالرَّسُّ هُوَ الْأُخْدُودُ الَّذِي حَفَرُوهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ. هُمْ قَوْمٌ رَسُّوا نَبِيَّهُمْ فِي بِئْرٍ. وَقِيلَ: الرَّسُّ الْمَعْدِنُ وَجَمْعُهُ رِسَاسٌ، {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان: 38] يعني وَأَهْلَكْنَا قُرُونًا كَثِيرًا بَيْنَ عَادٍ وَأَصْحَابِ الرَّسِّ.
[39]
{وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ} [الفرقان: 39] يعني الْأَشْبَاهُ فِي إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ نُهْلِكْهُمْ إِلَّا بَعْدَ الْإِنْذَارِ، {وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} [الفرقان: 39] يعني أَهْلَكْنَا إِهْلَاكًا. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: كَسَّرْنَا تَكْسِيرًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ شَيْءٍ كَسَّرْتُهُ وَفَتَّتُّهُ فَقَدْ تَبَّرْتُهُ.
[40]
{وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} [الفرقان: 40] يَعْنِي الْحِجَارَةَ وَهِيَ قَرْيَاتُ قَوْمِ لُوطٍ "وَكَانَتْ خَمْسُ قُرًى فَأَهْلَكَ الله أربعا منها وبقيت واحدة، هي أَصْغَرُهَا وَكَانَ أَهْلُهَا لَا يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ الْخَبِيثَ {أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا} [الفرقان: 40] إذا مَرُّوا بِهِمْ فِي أَسْفَارِهِمْ فَيَعْتَبِرُوا ويتفكروا لِأَنَّ مَدَائِنَ قَوْمِ لُوطٍ كَانَتْ عَلَى طَرِيقِهِمْ عِنْدَ مَمَرِّهِمْ إِلَى الشَّامِ، {بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ} [الفرقان: 40] لا يخافون، {نُشُورًا} [الفرقان: 40] بَعْثًا.
[41]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ} [الفرقان: 41] يَعْنِي مَا يَتَّخِذُونَكَ، {إِلَّا هُزُوًا} [الفرقان: 41] يعني مَهْزُوءًا بِهِ، نَزَلَتْ فِي أَبِي جهل كان إذا مَرَّ بِأَصْحَابِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مُسْتَهْزِئًا:{أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} [الفرقان: 41]
[42]
{إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا} [الفرقان: 42] يعني قَدْ قَارَبَ أَنْ يُضِلَّنَا، {عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} [الفرقان: 42] يعني لَوْ لَمْ نَصْبِرْ عَلَيْهَا لَصُرِفْنَا عَنْهَا، {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 42] مَنْ أَخْطَأُ طَرِيقًا.
[43]
{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43] وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَانَ يَعْبُدُ الْحَجَرَ فَإِذَا رَأَى حَجَرًا أَحْسَنَ مِنْهُ طَرَحَ الْأَوَّلَ وأخذ الآخر، فعبدوه. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ مَنْ تَرَكَ عِبَادَةَ اللَّهِ وَخَالِقَهُ ثُمَّ هَوِيَ حَجَرًا فَعَبَدَهُ مَا حَالُهُ عِنْدِي، {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان: 43] يعني حَافِظًا، يَقُولُ: أَفَأَنْتَ عَلَيْهِ كَفِيلٌ تَحْفَظُهُ مِنِ اتِّبَاعِ هَوَاهُ وَعِبَادَةِ مَنْ يَهْوَى مِنْ دُونِ اللَّهِ، أي لست كذلك.
[قوله تعالى أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ]
إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا. . .
[44]
{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} [الفرقان: 44] مَا تَقُولُ سَمَاعَ طَالِبِ الْإِفْهَامِ، {أَوْ يَعْقِلُونَ} [الفرقان: 44] ما يعاينون من الحجة والإعلام، {إِنْ هُمْ} [الفرقان: 44] مَا هُمْ، {إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44] لِأَنَّ الْبَهَائِمَ تَهْتَدِي لِمَرَاعِيهَا وَمَشَارِبِهَا وَتَنْقَادُ لِأَرْبَابِهَا الَّذِينَ يَتَعَهَّدُونَهَا، وَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ لَا يَعْرِفُونَ طَرِيقَ الْحَقِّ وَلَا يُطِيعُونَ رَبَّهُمُ الَّذِي خَلَقَهُمْ، وَرَزَقَهُمْ، وَلِأَنَّ الْأَنْعَامَ تَسْجُدُ وَتُسَبِّحُ لِلَّهِ وَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ لَا يَفْعَلُونَ.
[45]
قَوْلُهُ عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان: 45] مَعْنَاهُ أَلَمْ تَرَ إِلَى مَدِّ رَبِّكَ الظِّلَّ وَهُوَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، جَعَلَهُ مَمْدُودًا لِأَنَّهُ ظِلٌّ لَا شَمْسَ مَعَهُ، كَمَا قَالَ فِي ظِلِّ الْجَنَّةِ:{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الْوَاقِعَةِ: 30] لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَمْسٌ. {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} [الفرقان: 45] أي: دَائِمًا ثَابِتًا لَا يَزُولُ، وَلَا تُذْهِبُهُ الشَّمْسُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الظِّلُّ مَا نَسَخَتْهُ الشَّمْسُ، وَهُوَ بالغداوة والفيء مَا نَسَخَ الشَّمْسَ، وَهُوَ بَعْدُ الزَّوَالِ، سُمِّيَ فَيْئًا لِأَنَّهُ فَاءَ مِنْ جَانِبٍ الْمَشْرِقِ إِلَى جَانِبٍ الْمَغْرِبِ، {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} [الفرقان: 45] يعني عَلَى الظِّلِّ. وَمَعْنَى دَلَالَتِهَا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ لَمَا عُرِفَ الظِّلُّ وَلَوْلَا النُّورُ لَمَا عُرِفَتِ الظُّلْمَةُ، وَالْأَشْيَاءُ تُعَرَفُ بأضدادها.
[46]
{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} [الفرقان: 46] يَعْنِي الظِّلَّ، {إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان: 46] بالشمس التي تأتي عليه، والقبض جَمْعُ الْمُنْبَسِطِ مِنَ الشَّيْءِ مَعْنَاهُ أَنَّ الظِّلَّ يَعُمُّ جَمِيعَ
الْأَرْضِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَبَضَ اللَّهُ الظِّلَّ جُزْءًا فَجُزْءًا قَبْضًا يَسِيرًا أَيْ خَفِيًّا.
[47]
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [الفرقان: 47] أَيْ سِتْرًا تَسْتَتِرُونَ بِهِ، يُرِيدُ أَنَّ ظُلْمَتَهُ تَغْشَى كُلَّ شَيْءٍ، كَاللِّبَاسِ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَى لَابِسِهُ، {وَالنَّوْمَ سُبَاتًا} [الفرقان: 47] رَاحَةً لِأَبْدَانِكُمْ وَقَطْعًا لِعَمَلِكُمْ، وَأَصْلُ السَّبْتِ الْقَطْعُ، وَالنَّائِمُ مَسْبُوتٌ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَحَرَكَتُهُ. {وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} [الفرقان: 47] أَيْ يَقِظَةً وَزَمَانًا تَنْتَشِرُونَ فِيهِ لِابْتِغَاءِ الرِّزْقِ وَتَنْتَشِرُونَ لِأَشْغَالِكُمْ.
[48]
{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الفرقان: 48] يَعْنِي الْمَطَرَ {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] والطهور هو الطَّاهِرُ فِي نَفْسِهِ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ، فَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ كَالسَّحُورِ اسْمٌ لِمَا يُتَسَحَّرُ بِهِ وَالْفَطُورُ اسْمٌ لِمَا يُفْطَرُ بِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْبَحْرِ:«هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» (1) وَأَرَادَ بِهِ الْمُطَهِّرَ فَالْمَاءُ مُطَهِّرٌ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْحَدَثِ وَالنَّجَاسَةِ، كَمَا قال في آية أخرف:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الْأَنْفَالِ: 11] فَثَبَتَ بِهِ أَنَّ التَّطْهِيرَ يَخْتَصُّ بِالْمَاءِ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الطَّاهِرُ حَتَّى جَوَّزُوا إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ، مِثْلَ الْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَالْمَرَقِ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ جَازَ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهَا لَجَازَ إِزَالَةُ الْحَدَثِ بِهَا، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الطَّهُورَ مَا يَتَكَرَّرُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ كَالصَّبُورِ اسْمٌ لِمَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الصَّبْرُ وَالشَّكُورُ اسْمٌ لِمَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الشُّكْرُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ حَتَّى جَوَّزَ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْهُ مَرَّةً.
[49]
قَوْلُهُ عز وجل: {لِنُحْيِيَ بِهِ} [الفرقان: 49] أي: بالمطر، {بَلْدَةً مَيْتًا} [الفرقان: 49] وَلَمْ يَقُلْ مَيِّتَةً لِأَنَّهُ رَجَعَ بِهِ إِلَى الْمَوْضِعِ وَالْمَكَانِ، {وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا} [الفرقان: 49] نُسْقِي مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ أَنْعَامًا {وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} [الفرقان: 49] أَيْ بَشَرًا كَثِيرًا، وَالْأَنَاسِيُّ جَمْعُ أُنْسِيُّ، وَقِيلَ: جَمَعُ إِنْسَانٍ، وَأَصْلُهُ أَنَاسِينُ مِثْلُ بُسْتَانٍ وَبَسَاتِينٍ، فَجَعَلَ الْيَاءَ عِوَضًا عَنِ النُّونِ.
[50]
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} [الفرقان: 50] يعني المطر مرة ببلد وَمَرَّةً بِبَلَدٍ آخَرٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا مِنْ عَامٍ بِأَمْطَرَ مِنْ عَامٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُصَرِفُّهُ فِي الْأَرْضِ. وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ تَصْرِيفِ الْمَطَرِ تَصْرِيفُهُ وَابِلًا وَطَلًّا وَرَذَاذًا وَنَحْوَهَا. وَقِيلَ: التَّصْرِيفُ رَاجِعٌ إِلَى الرِّيحِ. {لِيَذَّكَّرُوا} [الفرقان: 50] أَيْ لِيَتَذَكَّرُوا وَيَتَفَكَّرُوا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الفرقان: 50] وَكُفْرَانُهُمْ هُوَ أَنَّهُمْ إِذَا مُطِرُوا قالوا مطرنا بنوء كذا وكذا. عن زيد بن خالد
(1) أخرجه الإمام مالك في الموطأ 1 / 22 وأبو داود في الوضوء بماء البحر 1 / 80 والترمذي فيما جاء في ماء البحر 1 / 224 وقال: (حديث حسن صحيح) والنسائي في الطهارة 1 / 50 وابن ماجه في الوضوء بماء البحر 1 / 136 وصححه الحاكم 1 / 140.