‌[قوله تعالى ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى] - مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل - جـ ٥

الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يَقْرَؤُهُ مِنْ كُتُبِ الْأَوَّلِينَ وَيَنْسَخُهُ مِنْهَا، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْمُبْطِلُونَ هُمُ الْيَهُودُ، وَمَعْنَاهُ إِذًا لَشَكُّوا فِيكَ وَاتَّهَمُوكَ، وَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي نَجِدُ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ أُمِّيٌّ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ وَلَيْسَ هَذَا عَلَى ذَلِكَ النَّعْتِ.

[49]

{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} [العنكبوت: 49] قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي الْقُرْآنَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ، {فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ حَمَلُوا الْقُرْآنَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَقَتَادَةُ: بَلْ هُوَ - يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم ذُو آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّهُمْ يَجِدُونَهُ بِنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ فِي كُتُبِهِمْ، {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت: 49]

[50]

{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ} [العنكبوت: 50] كَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلُ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ آيَةٌ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ آيَاتٌ مِنْ ربه. قَوْلُهُ عز وجل:{قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} [العنكبوت: 50] وهو الْقَادِرِ عَلَى إِرْسَالِهَا إِذَا شَاءَ أَرْسَلَهَا، {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [العنكبوت: 50] أُنْذِرُ أَهْلَ الْمَعْصِيَةِ بِالنَّارِ، وَلَيْسَ إِنْزَالُ الْآيَاتِ بِيَدِي.

[51]

{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ} [العنكبوت: 51] هذا الجواب لقولهم: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ} [العنكبوت: 50] قَالَ: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51] يَعْنِي أَوَلَمَ يَكْفِهِمْ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنُ يُتْلَى عَلَيْهِمْ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ} [العنكبوت: 51] فِي إِنْزَالِ الْقُرْآنِ، {لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51] أَيْ تَذْكِيرًا وَعِظَةً لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ بِهِ.

[52]

{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا} [العنكبوت: 52] أَنِّي رَسُولُهُ وَهَذَا الْقُرْآنُ كِتَابُهُ {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ} [العنكبوت: 52] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِغَيْرِ اللَّهِ. وقال قتادة: بِعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ، {وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [العنكبوت: 52]

‌

‌[قوله تعالى وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى]

لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. . .

[53]

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} [العنكبوت: 53] نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ حِينَ قَالَ: فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ {وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى} [العنكبوت: 53] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا وَعَدْتُكَ أَنِّي لَا أُعَذِّبُ قَوْمَكَ وَلَا أستأصلهم وأؤخر عذابهم يعني لِأَنَّهُمْ إِذَا مَاتُوا صَارُوا إِلَى الْعَذَابِ، وَقِيلَ: يَوْمَ بَدْرٍ، {لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ} [العنكبوت: 53] يَعْنِي الْعَذَابَ وَقِيلَ: الْأَجَلُ، {بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [العنكبوت: 53] بإتيانه.

[54]

{يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} [العنكبوت: 54] أَعَادَهُ تَأْكِيدًا، {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [العنكبوت: 54] جَامِعَةٌ لَهُمْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا دَخَلَهَا.

[55]

{يَوْمَ يَغْشَاهُمُ} [العنكبوت: 55] يصيبهم {الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [العنكبوت: 55] يَعْنِي إِذَا غَشِيَهُمُ الْعَذَابُ أَحَاطَتْ بِهِمْ جَهَنَّمُ كَمَا قَالَ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: 41]{وَيَقُولُ ذُوقُوا} [العنكبوت: 55] قرأ نافع وأهل الكوفة: ثم يقول بِالْيَاءِ أَيْ وَيَقُولُ لَهُمُ الْمُوَكَّلُ بِعَذَابِهِمْ: ذُوقُوا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِأَمْرِهِ نُسِبَ إليه، أَيْ جَزَاءَ {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 55]

[56]

{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56] قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي ضُعَفَاءِ مُسْلِمِي مَكَّةَ يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ فِي ضِيقٍ بِمَكَّةَ مِنْ إِظْهَارِ الْإِيمَانِ فَاخْرُجُوا مِنْهَا إِلَى أَرْضِ الْمَدِينَةِ، إِنَّ أَرْضِيَ يَعْنِي الْمَدِينَةَ وَاسِعَةٌ آمِنَةٌ، قَالَ مُجَاهِدٌ: إن أرضي وَاسِعَةٌ فَهَاجِرُوا وَجَاهِدُوا فِيهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِذَا عُمِلَ في الأرض بِالْمَعَاصِي فَاخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّ أَرْضِيَ وَاسِعَةٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا أُمِرْتُمْ بِالْمَعَاصِي فَاهْرُبُوا فَإِنَّ أَرْضِيَ وَاسِعَةٌ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يُعْمَلُ فِيهَا بِالْمَعَاصِي وَلَا يُمْكِنُهُ تَغْيِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى حَيْثُ يَتَهَيَّأُ لَهُ الْعِبَادَةُ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ تَخَلَّفُوا عَنِ الْهِجْرَةِ بِمَكَّةَ وَقَالُوا: نَخْشَى إِنْ هَاجَرْنَا مِنَ الْجُوعِ وَضِيقِ الْمَعِيشَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَلَمْ يَعْذُرْهُمْ بِتَرْكِ الْخُرُوجِ. وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَرْضِيَ وَاسِعَةٌ أَيْ رِزْقِي لَكُمْ وَاسِعٌ فَاخْرُجُوا.

[57]

{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [العنكبوت: 57] خوفهم بالموت لتهون عَلَيْهِمُ الْهِجْرَةَ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مَيِّتٌ أَيْنَمَا كَانَ