الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل]
ومَعَ الأَمْنِ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِمَنْ بِمَكَّةَ، فَإِنْ شَقَّ فِفِي الاجْتِهَادِ نَظَرٌ، وإِلا فَالأَظْهَرُ جِهَتُهَا اجْتِهَاداً، كَإِنْ نُقِضَتْ.
قوله: (وإِلا فَالأَظْهَرُ جِهَتُهَا اجْتِهَاداً) ظاهره أن هذا الاستظهار لابن رشد، ولَمْ أجده له فِي " البيان " ولا فِي " المقدمات "، وإنما وجدته لابن عبد السلام، وهو ظاهر كلام غير واحد (1).
وَبَطَلَتْ إِنْ خَالَفَهَا، وإِنْ صَادَفَ. وصَوْبُ سَفَرِ قَصْرٍ لِرَاكِبِ دَابَّةٍ فَقَطْ. وإِنْ بِمَحْمِلٍ بَدَلٌ فِي نَفْلٍ، وإِنْ وِتْراً، وإِنْ سَهُلَ الابْتِدَاءُ لَهَا.
قوله: (وبَطَلَتْ إِنْ خَالَفَهَا) وجدت معلقاً عليه بخطّ شيخنا الفقيه الحافظ أبي عبد الله القوري: صوابه إن خالفه، أي: إن خالف اجتهاده (2).
لا سَفِينَةٍ فَيَدُورُ مَعَهَا إِنْ أَمْكَنَ، وهَلْ إِنْ أَوْمَأَ أَوْ مُطْلَقاً؟ تَأْوِيلانِ،، ولا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدٌ غَيْرَهُ. ولا مِحْرَاباً إِلا لِمِصْرٍ، وإِنْ أَعْمَى وسَأَلَ عَنِ الأَدِلَّةِ، وقَلَّدَ غَيْرُهُ مُكَلَّفاً عَارِفاً أَوْ مِحْرَاباً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَوْ تَحَيَّرَ مُجْتَهِدٌ تَخَيَّرَ، ولَوْ صَلَّى أَرْبَعاً لَحَسُنَ (3) واخْتِيرَ وإِنْ تَبَيَّنَ خَطَأٌ بِصَلاةٍ قَطَعَ غَيْرُ أَعْمَى ومُنْحَرِفٍ يَسِيراً فَيَسْتَقْبِلانِهَا، وبَعْدَهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ، وهَلْ يُعِيدُ النَّاسِي أَبَداً؟ خِلافٌ. وجَازَتْ سُنَّةٌ فِيهَا، وفِي الْحِجْرِ لأَيِّ جِهَةٍ لا فَرْضٌ فَيُعَادُ فِي الْوَقْتِ وأُوِّلَ بِالنِّسْيَانِ وبِالإِطْلاقِ.
(1) أشار الخرشي أن ذلك وقع لابن رشد في " قواعده الكبرى "، وأشار التتائي بأن ابن رشد اقتصر عليه في المقدمات، ففهم المصنف أن ذلك راجح عنده فاستظهره. انظر: شرح الخرشي: 1/ 503، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 1/ 224.
(2)
لم يشر شراح المختصر إلى إشارة ابن غازي تلك مع دقتها وسمو مأخذها، وإن كان الحطاب قال ما نصه:(يشير إلى ما نقله صاحب الذخيرة عن صاحب الطراز ونصه قال: إذا أداه الاجتهاد إلى جهة فصلى إلى غيرها ثم تبين أنه صلى إلى الكعبة فصلاته باطلة عندنا) فحمل الضمير المؤنث على الاجتهاد رغم كونه ضميراً مؤنثاً، فلعله أراد قبلة الاجتهاد كما أشار له العدوي، فيصح إذا على كلام العدوي تأنيث الضمير لأن المراد قبلة الاجتهاد، ويبطل تصويب القوري الذي أشار له المؤلف، وكلام القرافي في الذخيرة: 2/ 133. وانظر مواهب الجليل: 1/ 508، وانظر شرح الخرشي بحاشية العدوي: 1/ 505.
(3)
أي: أربع صلوات، واحدة لكل جهة.
قوله: (وهَلْ إِنْ أَوْمَأَ أَوْ مُطْلَقاً؟ تَأْوِيلانِ) قد يتبادر من لفظه أن التأولين راجعان للدوران ومفرعان عليه، وإنما هما فِي وجه منع النفل فِي السفينة إيماءً حيثما توجّهت به؛ وذلك أنه قال فِي " المدوّنة ": ولا يتنفل فِي السفينة إيماءً وحيثما توجهت به مثل الدابة (1). فتَرَدُّدٌ الشيوخ فِي السبب الذي من أجله منع لك هل لكونه يصلي إيماءً؟ أو لكونه يصلي حيث ما توجهت به.
قال عبد الحقّ فِي " التهذيب ": ذكر عن ابن التبان (2) أن ذلك لمن يصلّي إيماءً كما شرط، فأما من يركع ويسجد فيجوز له أن يصلي حيثما توجهت به، وخالفه أبو محمد وقال: ليست كالدابّة ولا يتنفل فيها إلا إِلَى القبلة وإن ركع وسجد. انتهى.
وقد خرج منه أن التأويلين متفقان عَلَى أنه لا يجوز فِي مذهب " المدوّنة " التنفل فِي السفينة إيماءً، وقد صرّح بذلك الشارمساحي فقال: وفِي التنفل فِي المركب إِلَى غير القبلة [للضرورة](3) قَوْلانِ؛ لكن عَلَى الجواز لابد أن يسجد بخلاف الدابة فإنه يوميء. انتهى. وعبارة المصنف هنا تنبوا (4) عن هذا، فمن اغترّ بلفظه ولَمْ يأخذ العلم من أصوله فهم الشيء عَلَى غير وجهه.
وقد يمكن ردُّ كلامه إِلَى الصواب، بصرف التأويلين لمجرد المنع المدلول عليه بقوله:(لا سفينة). فتدبره (5). وبالله تعالى التوفيق.
وبَطَلَ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِهَا كَالرَّاكِبِ إِلا لالْتِحَامٍ، أَوْ خَوْفٍ مِنْ كَسَبُعٍ، وإِنْ لِغَيْرِهَا، وإِنْ أَمِنَ أَعَادَ الْخَائِفُ بِوَقْتٍ، وإِلا لِخَضْخَاضٍ لا يُطِيقُ النُّزُولَ بِهِ، أَوْ لِمَرَضٍ، فَيُؤَدِّيهَا عَلَيْهَا كَالأَرْضِ فَلَهَا، وفِيهَا كَرَاهَةُ الأَخِيرِ.
(1) انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 1/ 292.
(2)
هو: عبدالله بن إسحاق، المعروف بابن التبان، عالم القيروان، كان من أحفظ الناس للقرآن والتفنن في علومه، والكلام على أصول التوحيد، توفي سنة 371 هـ، انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء، للذهبي: 16/ 319، والديباج المذهب، لابن فرحون ص:138.
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(4)
في (ن 3): (تنبيء).
(5)
انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 1/ 251، والتفريع، لابن الجلاب: 1/ 122.
قوله: (وبطَلَ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِهَا) فيه ثلاث نكت:
الأولى: ظاهره ولو كان بين يديه قطعة من سطحها وهو صحيح، فإن أهل المذهب لا يفصلون فِي ذلك خلافاً لأبي حنيفة (1). ولله درّ ابن عرفة حيث قال: ونقل ابن شاس عن [المازري](2) عن أشهب: إن كان بين يديه قطعة من سطحها فكجوفها (3)، واتباع ابن الحاجب (4) وشارحيه له وهم؛ إنما نقله المازري عن أبي حنيفة، لا يقال إجراءه عَلَى السمت يوجب بقاء جزء من سطحها، وإلا فلا سمت؛ لأن شاذروانه (5) منه فهواؤه سمت. انتهى.
وقد وقفت عليه فِي " شرح التلقين " منسوباً لأبي حنيفة لا لأشهب، وممن تبع ابن شاس فِي ذلك القرافي فِي " ذخيرته "(6).
الثانية: ظاهره أيضاً أن النفل عَلَى ظهرها صحيح وفاقاً لابن الجلاب (7) خلافاً لابن حبيب.
الثالثة: الفرض فِي مطمورة فِي جوفها أحرى بالبطلان، فقد قال فِي " الطراز ": لو جوّزنا الصلاة فِي الكعبة أو عَلَى ظهرها لَمْ تجز فِي سرب تحتها أو مطمورة؛ لأن البيوت شأنها أن ترفع وليس شأنها أن تنزل؛ ولذلك حكمنا بأن سطوح المساجد كالمساجد فِي الأحكام، بخلاف ما لو حفر تحتها بيتاً فإنه يجوز أن تدخله الحائض والجنب (8).
(1) قال في الهداية شرح البداية، للمرغياني:(ومن صلى على ظهر الكعبة جازت صلاته): 1/ 95
(2)
في (ن 1): (ابن المواز).
(3)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 94/ 1.
(4)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:91.
(5)
الشاذروان: بفتح الذال من جدار البيت الحرام، وهو الذي تُرك من عرض الأساس خارجاً، ويسمى تأزيراً؛ لأنه كالإزار للبيتِ الشَّذَى. انظر: المصباح المنير، للفيومي: 1/ 307.
(6)
انظر: الذخيرة، للقرافي: 2/ 115.
(7)
في (ن 1): (الحاجب)، وانظر ما لابن الجلاب في: التفريع: 1/ 122.
(8)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص: 91، والذخيرة، للقرافي: 2/ 115.