الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل [محظورات الإحرام]
حَرُمَ بِالإِحْرَامِ عَلَى الْمَرْأَةِ لِبْسُ قُفَّازٍ، وسَتْرُ وَجْهٍ إِلا لِسَتْرٍ بِلا غَرْزٍ ورَبْطٍ، وإِلا فَفِدْيَةٌ وعَلَى الرَّجُلِ مُحِيطٌ بِعُضْوٍ، وإِنْ بِنَسْجٍ أَوْ زَرٍّ أَوْ عَقْدٍ كَخَاتَمٍ وقَبَاءٍ، وإِنْ لَمْ يُدْخِلْ كُمَّاً، وسَتْرُ وَجْهٍ أَوْ رَأْسٍ بِمَا يُعَدُّ سَاتِراً كَطِينٍ، ولا فِدْيَةَ فِي سَيْفٍ، ولَوْ بِلا عُذْرٍ واحْتِرَامٍ، واسْتِثْفَارٍ لِعَمَلٍ فَقَطْ، وجَازَ خُفٌّ قُطِعَ أَسْفَلَ مِنْ كَعْبٍ لِفَقْدِ نَعْلٍ أَوْ غُلُوِّهِ فَاحِشاً، واتِّقَاءُ شَمْسٍ أَوْ رِيحٍ بِكَيَدٍ، أَوْ مَطَرٍ بِمُرْتَفِعٍ وتَقْلِيمُ ظُفُرٍ إِنْ كُسِرَ، وارْتِدَاءٌ بِقَمِيصٍ.
قوله: (واحْتِرَامٍ، واسْتِثْفَارٍ (1) لِعَمَلٍ فَقَطْ) معطوفان عَلَى سيف، متنازعان فِي العمل والاستثفار (2) جعل طرفي المئزر بين الفخذين معقوداً فِي الوسط كالسراويل.
وفِي كَرَاهَةِ (3) السَّرَاوِيلِ روايتان (4)، وَتَظَلُّلٌ بِبِنَاءٍ وخِبَاءٍ ومَحَارَةٍ لا فِيهَا كَثَوْبٍ بِعَصاً، فَفِي وَجُوبِ الْفِدْيَةِ خُلافٌ وحَمْلٌ لِحَاجَةٍ أَوْ فَقْرٍ بِلا تَجْرٍ، وإِبْدَالُ ثَوْبِهِ أَوْ بَيْعُهُ، بِخِلافِ غَسْلِهِ، إِلا لِنَجِسٍ فَبِالْمَاءِ فَقَطْ، وبَطُّ جُرْحِهِ، وحَكُّ مَا خَفِيَ بِرِفْقٍ، وفَصْدٌ إِنْ لَمْ يَعْصِبْهُ، وشَدُّ مِنْطَقَةٍ لِنَفَقَتِهِ عَلَى جِلْدِهِ، وإِضَافَةُ نَفَقَةِ غَيْرِهِ، وإِلا فَفِدْيَةٌ كَعَصْبِ جُرْحِهِ أَوْ رَأْسِهِ، أَوْ لَصْقِ خِرْقَةِ كَدِرْهَمٍ أَوْ لَفِّهَا عَلَى ذَكَرٍ.
قوله: (وَفِي كَرَاهَةِ السَّرَاوِيلِ روايتان)[هذا من تمام قوله: (وارتداء بقميص) فالمعنى: وفِي كراهة الارتداء بالسراويل روايتان](5)، وكذا صرّح به فِي التوضيح (6). وقال فِي المناسك: لو ارتدى بقميص أو قباء جاز، وكذلك السراويل، وروى عن مالك كراهة الارتداء بالسراويل لقبح الزي، فلم يصرح بأن الأول رواية، وهذا أقرب لقول الباجي،
(1) في أصل المختصر والمطبوعة: (أو باستثفار)، وفي الأصل، و (ن 3)(الاستشفار)، والمثبت هو الصواب، والاستثفار: أَن يدخل الإِنسان إِزاره بين فخذيه ملويّاً ثم يخرجه. والرجل يَسْتَثْفِرُ بإزاره عند الصِّراع إذا هو لواه على فخذيه ثم أَخرجه بين فخذيه فشد طرفيه في حُجْزَتِه. اسْتَثْفَرَ الرجلُ بثوبه إِذا ردّ طرفه بين رجليه إِلى حجزته). انظر: لسان العرب، لابن منظور: 4/ 105.
(2)
في (ن 3): (الاستشفار).
(3)
في أصل المختصر، والنسخة المطبوعة:(كره).
(4)
في أصل المختصر والمطبوعة: (تأويلان).
(5)
ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل.
(6)
لم أقف على تصريحه هذا في التوضيح، فيما لدي من مصادره.
وروى محمد إباحة جعل القميص وما فِي معناه عَلَى كتفيه، وجعل كميه أمامه، وروايته كراهة الارتداء بالسراويل إنما هي لقبح زي السراويل عنده، ككراهته لغيره لبسه مع (1) رداء دون قميص (2). انتهى باختصار ابن عرفة.
تتميم:
في " النوادر " روى محمد: من لَمْ يجد مئزراً لا يلبس سراويل ولو افتدى وفيه جاء النهي، وروى ابن عبد الحكم: يلبسه ويفتدى. انتهى بلفظ ابن عرفة (3)، وخرّج مسلم عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يقول: " السراويل لمن لَمْ يجد الإزار (4) والخفان لمن لَمْ يجد النعلين "(5) وقال مالك فِي " الموطأ " فِي السراويل: لَمْ يبلغني هذا (6)، قال ابن عبد السلام: وعندي أن مثل هذا من الآحاديث التي نصّ الإمام علي أنها لَمْ تبلغه إِذَا قال أهل الصنعة أنها صحّت فيجب عَلَى مقلّدي الإمام العمل بمقتضاها كهذا الحديث، وحديث إذن الإمام لأهل العوالي إِذَا وافق العيد الجمعة، فقف عَلَى تمامه فِي أصله.
أَوْ قُطْنَةٍ بِأُذُنَيْهِ، أَوْ قِرْطَاسٌ بِصُدْغَيْهِ.
قوله: (أَوْ قُطْنَةٍ بِأُذُنَيْهِ) قال فِي الكتاب: وإن جعل المحرم فِي أذنيه قطناً لشئ وجده فيهما افتدى كان فِي القطنة طيب أم لا (7)، وعلله ابن يونس بأنه محل إحرام.
(1) في (ن 1): (موضع).
(2)
انظر: المنتقى، للباجي: 3/ 322.
(3)
الذي عند ابن أبي زيد: (ومن كتاب ابن المواز قال مالك:. . .وكره أن يرتدي بالسراويل، قال: وإن لم يجد مئزرا فلا بأس بالسراويل وإن افتدى وفيه جاء النهي) فلفظ ابن عرفة المشار إليه مخالف لما لأبي زيد عن ابن المواز. انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 2/ 344.
(4)
في (ن 2): (الإزاران).
(5)
انظر: صحيح مسلم برقم (1178)، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، صحيح ابن خزيمة برقم (2681)، كتاب المناسك، باب الرخصة في لبس المحرم السراويل ثم الإعواز من الإزار. . .
(6)
نص الموطأ: (لم أسمع)، قال فيه:(سئل مالك عما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثم ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل؟ فقال: لم أسمع بهذا، ولا أرى أن يلبس المحرم سراويل) انظر الموطأ برقم (708)، كتاب الحج، باب ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام.
(7)
النص أعلاه لتهذيب المدونة: 1/ 605، وعبّر عنها المؤلف بالكتاب على غير مؤلوفه، وكلامه هنا مثل ما للمواق.
أَوْ تَرْكِ ذِي نَفَقَةٍ ذَهَبَتْ، أَوْ رَدِّهَا لَهُ، ولِلْمَرْأَةِ خَزٌّ وحليٌ.
قوله: (أَوْ تَرْكِ ذِي نَفَقَةٍ ذَهَبَتْ، أَوْ رَدِّهَا لَهُ) الترك والردّ معطوفان بالجرّ عَلَى قوله: (كعصب جرحه)، فهما مما تجب فيه الفدية.
والثاني منهما بحذف مضاف أي: أو ترك ردها له، والمراد بذي النفقة: صاحبها الذي أودعها، وكأنه قال: وتجب الفدية بترك مودع النفقة الذي ذهب قبل أن ترد له، وبترك ردّها له إن لَمْ يذهب والفرض فِي الحالتين أن نفقة المحرم التي كانت هذه تبعاً لها نفدت، وأشار به لقول اللخمي: فإن فرغت نفقته ردّ الأخرى إِلَى صاحبها، فإن تركها افتدى وإن ذهب صاحبها وهو عالم افتدى، وإن لَمْ يعلم فلا شئ عَلَيْهِ ويبقيها معه.
وقد قال ابن القاسم فيمن أودع صيداً وهو حلال، فأحرم وقد غاب صاحبه [30 / ب] فلا يرسله ويضمنه إن فعل، وكذلك النفقة قبلها بوجهٍ جائز ثم غاب صاحبها فجاز أن يبقيها عنده، ولا يخرجها إِلَى غيره، وقال ابن عرفة: يردّ قول اللخمي بقدرته (1) عَلَى جعلها حيث حفظ تجره.
وكُرِهَ شَدُّ نَفَقَتِهِ بِعَضُدِهِ أَوْ فَخْذِهِ، وكَبُّ رَأْسٍ عَلَى وِسَادَةٍ، ومَصْبُوغٌ لِمُقْتَدًى بِهِ، وشَمٌّ كَرَيْحَانٍ، [22 / ب] ومُكْثٌ بِمَكَانٍ فِيهِ طِيبٌ، واسْتِصْحَابُهُ أَوْ حِجَامَةٌ بِلا عُذْرٍ، وغَمْسُ رَأْسٍ وتَجْفِيفُهُ، بِشِدَّةٍ، ونَظَرٌ بِمِرْآةٍ، ولِبْسُ امْرَأَةٍ قِبَاءً مُطْلَقاً، وعَلَيْهِمَا دَهْنُ اللِّحْيَةِ والرَّأْسِ وإِنْ صَلَعاً، وإِبَانَةُ ظُفُرٍ أَوْ شَعَرٍ أَوْ وَسَخٍ إِلا غَسْلَ يَدَيْهِ بِمُزِيلِهِ، وتَسَاقُطُ شَعَرٍ لِوُضُوءٍ أَوْ رُكُوبٍ، ودَهْنُ الْجَسَدِ كَكَفٍّ ورِجْلٍ بِمُطَيِّبٍ أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ، ولَهَا قَوْلانِ، اخْتُصِرَتْ عَلَيْهِمَا، وتَطَيُّبٌ بِكَوَرْسٍ وإِنْ ذَهَبَ رِيحُهُ، أَوْ لِضَرُورَةِ كُحْلٍ ولَوْ فِي طَعَامٍ أَوْ لَمْ يَعْلَقْ، إِلا قَارُورَةً سُدَّتْ، ومَطْبُوخاً، وبَاقِياً مِمَّا قَبْلَ إِحْرَامِهِ، ومُصِيباً مِنْ إِلْقَاءِ رِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ خَلُوقِ كَعْبَةٍ، وخُيِّرَ فِي نَزْعِ يَسِيرِهِ وإِلا افْتَدَى إِنْ تَرَاخَى كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ نَائِماً، ولا تُخَلَّقُ أَيَّامَ الْحَجِّ، ويُقَامُ الْعَطَّارُونَ فِيهَا مِنَ الْمَسْعَى، وافْتَدَى الْمُلْقِي الْحِلُّ إِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ بِلا صَوْمٍ، وإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَفْتَدِ الْمُحْرِمُ كَأَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ ورَجَعَ بِالأَقَلِّ إِنْ لَمْ يَفْتَدِ بِصَوْمٍ وعَلَى الْمُحْرِمِ الْمُلْقِي فِدْيَتَانِ عَلَى الأَرْجَحِ، وإِنْ حَلَقَ حِلٌّ مُحْرِماً بِإِذْنٍ فَعَلَى الْمُحْرِمِ، وإِلا فَعَلَيْهِ، وإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حِلٍّ أَطْعَمَ، وهَلْ حَفْنَةٌ أَوْ فِدْيَةٌ تَأْوِيلانِ، وفِي الظُّفْرِ الْوَاحِدِ، لا لإِمَاطَةِ
(1) في (ن 3): (بقدره).
الأَذَى حَفْنَةٌ كَشَعْرَةٍ أَوْ شَعَرَاتٍ، وقَمْلَةٍ أَوْ قَمَلاتٍ، وطَرْحِهَا كَحَلْقِ مُحْرِمٍ لِمِثْلِهِ مَوْضِعَ الْحِجَامَةِ، إِلا أَنْ يَتَحَقَّقَ نَفْيَ الْقَمْلِ، وتَقْرِيدِ بَعِيرِهِ، لا كَطَرْحِ عَلَقَةٍ أَوْ بَرْغُوثٍ، والْفِدْيَةُ فِيمَا يُتَرَفَّهُ بِهِ أَوْ يُزِيلُ أَذًى كَقَصِّ الشَّارِبِ أَوْ ظُفْرٍ وقَتْلِ قَمْلٍ كَثُرَ، وخَضْبٍ بِكَحِنَّاءٍ، وإِنْ رُقْعَةً إِنْ كَبُرَتْ ومُجَرَّدُ حَمَّامٍ عَلَى الْمُخْتَارَ، واتَّحَدَتْ إِنْ ظَنَّ الإِبَاحَةَ، أَوْ تَعَدَّدَ مُوجِبُهَا بِفَوْرٍ، أَوْ نَوَى التِّكْرَارَ، أَوْ قَدَّمَ الثَّوْبَ عَلَى السَّرَاوِيلِ وشَرْطُهَا فِي اللُّبْسِ انْتِفَاعٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، لا إِنْ نَزَعَ مَكَانَهُ، وفِي صَلاةٍ قَوْلانِ، ولَمْ يَأْثَمْ إِنْ فَعَلَ لِعُذْرٍ، وهِيَ نُسُكٌ بِشَاةٍ فَأَعْلَى، أَوْ إِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلٍّ مُدَّانِ كَالْكَفَّارَةِ أَوْ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ولَوْ أَيَّامَ مِنًى، ولَمْ يَخْتَصَّ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ، إِلا أَنْ يَنْوِيَ بِالذَّبْحِ الْهَدْيَ فَكَحُكْمِهِ، ولا يُجْزِئُ غَدَاءٌ وعَشَاءٌ إِنْ لَمْ يَبْلُغْ مُدَّيْنِ، والْجِمَاعُ ومُقَدِّمَاتُهُ وأَفْسَدَ مُطْلَقاً كَاسْتِدْعَاءِ مَنِيٍّ، وإِنْ بِنَظَرٍ قَبْلَ الْوُقُوفِ مُطْلَقاً أَوْ بَعْدَهُ إِنْ وَقَعَ قَبْلَ إِفَاضَةٍ وعَقَبَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ قَبْلَهُ، وإِلا فَهَدْيٌ [23 / أ] كَإِنْزَالٍ ابْتِدَاءً وإِمْذَائِهِ، وقُبْلَتِهِ، ووُقُوعِهِ بَعْدَ سَعْيٍ فِي عُمْرَتِهِ، وإِلا فَسَدَتْ، ووَجَبَ إِتْمَامُ الْمُفْسَدِ، وإِلا فَهُوَ عَلَيْهِ، وإِنْ أَحْرَمَ، ولَمْ يَقَعْ قَضَاؤُهُ إِلا فِي ثَالِثِهِ، وفَوْرِيَّةُ الْقَضَاءِ وإِنْ تَطَوُّعاً.
قوله: (وَكَبُّ رَأْسٍ عَلَى وِسَادَةٍ) يريد كب الوجه، وبالوجه عبّر فِي " التوضيح " و " المناسك "، وأصل المسألة فِي رسم باع غلاماً من سماع ابن القاسم وزاد فيه: وأما وضع خده عَلَيْهَا فلا بأس به (1).
وقَضَاءُ الْقَضَاءِ، ونَحْرُ هَدْيٍ فِي الْقَضَاءِ واتَّحَدَ، وإِنْ تَكَرَّرَ لِنِسَاءٍ، بِخِلافِ صَيْدٍ وفِدْيَةٍ، وأَجْزَأَ إِنْ عَجَّلَ، وثَلاثَةٌ إِنْ أَفْسَدَ قَارِناً ثُمَّ فَاتَهُ وقَضَى (2).
قوله: (ونَحْرُ هَدْيٍ فِي الْقَضَاءِ) أي: ويجب عَلَيْهِ مَعَ قضاء (3) المفسد من حجٍ أو عمرة نحر هديٍ فِي زمان قضائهما، لا فِي زمان فسادهما، وهذا هو المشهور. قال فِي " مناسكه ":ليتفق الجابر النسكي والجابر المالي.
(1) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 3/ 455، ونص المسألة:(وسئل مالك عن المحرم يكب وجهه على الوسادة من الحر؟ فكره ذلك، قيل له. فيرفعها يستظل بها؟ قال: لا أحبه، وأما أن يضع خده فلا بأس به).
(2)
في أصل المختصر: (وقضاء).
(3)
في (ن 3): (القضاء).
وعُمْرَةٌ إِنْ وَقَعَ قَبْلَ رَكْعَتِيِ الطَّوَافِ، وإِحْجَاجُ مُكْرَهَةٍ وإِنْ نَكَحَتْ غَيْرَهُ، وعَلَيْهَا [إن أعدم](1) رَجَعَتْ كَالْمُتَقَدِّمِ وفَارَقَ مَنْ أَفْسَدَ مَعَهُ مِنْ إِحْرَامِهِ لِتَحَللهِ، ولا يُرَاعَى زَمَنُ إِحْرَامِهِ، بِخِلافِ مِيقَاتٍ إِنْ شُرِعَ، وإِنْ تَعَدَّاهُ، فَدَمٌ، وأَجْزَأَ تَمَتُّعٌ عَنْ إِفْرَادٍ وعَكْسُهُ، لا قِرَانٌ عَنْ إِفْرَادٍ أَوْ تَمَتُّعٍ وعَكْسُهُمَا. ولَمْ يَنُبْ قَضَاءُ تَطَوُّعٍ عِنْ وَاجِبٍ، وكُرِهَ حَمْلُهَا لِلْمَحْمَلِ، ولِذَلِكَ اتُّخِذَتِ السَّلالِمُ، ورُؤْيَةُ ذِرَاعَيْهَا لا شَعْرِهَا، والْفَتْوَى فِي أَمْرِهِنَّ.
قوله: (وعُمْرَةٌ إِنْ وَقَعَ قَبْلَ رَكْعَتِيِ الطَّوَافِ) هذا فِي غير الفاسد، فلو وصله بقوله قبل هذا:(وإلا فهدي). لكان أنسب. قال فِي " التوضيح ": إِذَا لَمْ نقل بالإفساد فلا خلاف أن عَلَيْهِ هدياً، واختلف فِي العمرة عَلَى ثلاثة أقوال:
الأول: أن عَلَيْهِ عمرة كان وطؤه قبل الطواف أو بعده. قاله ابن حبيب.
الثاني: لا عمرة عَلَيْهِ كان قبل الطواف أو بعده. وهو قول القاضي إسماعيل.
الثالث: وهو المشهور ومذهب " المدوّنة " إن كان قبل الإفاضة أو (2) قبل بعضها، كما لو نسي شوطاً أو قبل ركعتي الطواف فعَلَيْهِ العمرة، وإن كان بعد ذلك فلا عمرة عَلَيْهِ. انتهى (3).
قال ابن عبد السلام: واستضعف القاضي إسماعيل قولهم فِي المشهور: يأتي بالعمرة ليكون الطواف فِي إحرامٍ صحيح؛ بأن هذا الإحرام الثاني يوجب طوافاً غير الطواف الأول فالمأتي به آخراً غير الذي فِي الذمة وما فِي الذمة غير المأتي (4) به فلا يجزئ عنه، وفيه نظر؛ فإنه إِذَا كان سبب الإحرام الثاني إنما هوجبران الأول فلا نسلم أنه أوجب طوافاً غير الطواف الأول.
وقال ابن عرفة: وتضعيف إسماعيل له بأن عمرته توجب طوافها فلا يصح لها وللإفاضة معاً، يردّ بأن المطلوب إتيانه بطواف فِي إحرام لا ثلم فيه لا بقيد أنه طواف إفاضة.
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من أصل المختصر.
(2)
في (ن 2): (و).
(3)
انظر: التوضيح، لخليل بن اسحاق: 3/ 244.
(4)
في (ن 1): (أتي).
وحَرُمَ بِهِ وبِالْحَرَمِ مِنْ نَحْوِ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ خَمْسَةٌ لِلتَّنْعِيمِ، ومِنَ الْعِرَاقِ ثَمَانِيَةٌ لِلْمَقْطَعِ، ومِنْ عَرَفَةَ تِسْعَةٌ، ومِنْ جدَّةَ عَشَرَةُ [أَمْيَالٍ](1) لآخِرِ الْحُدَيْبِيَةِ ويَقِفُ سَيْلُ الْحِلِّ دُونَهُ تَعَرُّضُ بَرِّيٍّ.
قوله: (وحَرُمَ بِهِ وبِالْحَرَمِ (2) مِنْ نَحْوِ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ خَمْسَةٌ لِلتَّنْعِيمِ، ومِنَ الْعِرَاقِ ثَمَانِيَةٌ لِلْمَقْطَعِ، ومِنْ عَرَفَةَ تِسْعَةٌ، ومِنْ جُدَّةَ عَشَرَةُ [أَمْيَالٍ] (3) لآخِرِ الْحُدَيْبِيَةِ ويَقِفُ سَيْلُ الْحِلِّ دُونَهُ تَعَرُّضُ بَرِّيٍّ) فيه تنبيهات:
الأول: الأوجه رفع أربعة وما بعده من الأعداد عَلَى تقدير مبتدأ محذوف أي: حده كذا؛ فهي جمل معترضة بين الفعل والفاعل، ويجوز جرّها عَلَى البدلية من الحرم، ونصبها عَلَى الظرف لحرم [فلا اعتراض](4).
الثاني: هذا التحديد فِي " النوادر " ونقْله عن " المدوّنة "[وهم](5) أو تصحيف.
الثالث: زاد فِي " النوادر " ومن جهة اليمين [سبعة](6) إِلَى أضاة (7)، وهي بالضاد المعجمة عَلَى وزن: قناة، وكأن المصنف رأى أن التحديد بالأربعة كافٍ.
الرابع: حدد ثلاثة منها بالتنعيم والمقطع والحديبية، ولَمْ يذكر موضعاً لجهة عرفة؛ لأنها الحدّ بنفسها إذ هي فِي طرف الحل حسبما ألمع به فِي قوله:(كبطن عرنة).
الخامس: نبه بقوله: " أو خمسة " عَلَى قول الباجي: سمعت أكثر الناس يقولون مدة مقامي بمكة: أن بينها وبين التنعيم خمسة أميال.
السادس: قال الباجي: الذي عندي أن بين مكة وعرفة ثمانية عشر ميلاً وهو نحو ما بين مكة والحديبية وبين مكة والجعّرانة وبين مكة وحنين، هذه مسافات متقاربة، ولو كان بين مكة والحديبية عشرة [أميال](8) لَمْ يكن بين مكة وجدة ما تقصر فيه الصلاة، وقد قال
(1) ساقط من أصل المختصر، والمطبوعة.
(2)
في الأصل: (بالحرام).
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(4)
في (ن 3): (فالاعتراض).
(5)
في (ن 3): (وصحهم).
(6)
ما بين المعكوفتين زيادة من (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).
(7)
في (ن 3): (أضاءت).
(8)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
مالك: إن بينهما ثمانية وأربعين ميلاً، وإنما [يقع](1) الخلاف لاختلاف الناس فِي حرز قدر الميل، والذي حكى ابن حبيب أنه ألف باع وكل باعٍ من ذراعين، وأهل الحساب وكثير من الناس يقولون: الباع أربع أذرع، فتفاوت الأمر (2).
وإِنْ تَأَنَّسَ أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ، أَوْ طَيْرَ مَاءٍ.
قولهّ: (أَوْ طَيْرَ مَاءٍ) يجوز جرّه بالعطف عَلَى بريّ كأنه غير داخل فِي مسماه، ونصبه عَلَى أنه خبر كان محذوفة معطوفة عَلَى فعل الشرط قبله، وهذا عَلَى أنه داخل فِي مسمى البري، وكل منهما معقول باعتبار. والله تعالى أعلم.
وجَرْوُهُ (3)، وبَيْضُهُ، ولْيُرْسِلْهُ بِيَدِهِ أَوْ رُفْقَتِهِ، وزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ لا بِبَيْتِهِ، وهَلْ وإِنْ أَحْرَمَ مِنْهُ؟ تَأْوِيلانِ.
قوله: (وجَرْوُهُ وبَيْضُهُ) يتعين عطفهما عَلَى بري، وعود ضميريهما عَلَيْهِ، والجرو: وبجيم وراء مهملة وواو، أطلقه هنا عَلَى الصغير من كل بري، تبعاً لابن شاس إذ قال: ويحرم التعرض لأجرائه وبيضه (4)، والأجراء بالراء المهملة جمع جرو، وأما أهل اللغة فالجرو عندهم مثلث الجيم ولد الكلب والسباع، قاله الجوهري، ومن ضبطه هنا بالزاي المعجمة والهمز أو ضبط [31 / أ] جمعه فِي " الجواهر " بالزاي المعجمة فقد صحف تصحيفاً فظيعاً (5)، وبالفرخ
(1) في الأصل، و (ن 1)، و (ن 2):(بقطع).
(2)
انظر: المنتقى، للباجي: 9/ 249.
(3)
في الأصل، والمطبوعة:(جزءه).
(4)
الذي وقفت عليه في الجواهر: (ويحرم التعرض لأجزائه أو بيضه) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 1/ 298 فالأجزاء بالزاي في النسخة التي وقفنا عليها خلافًا لما قرره المؤلف، وفي " الشامل " لبهرام الدميري:(وبيضه وجروه) وفي أصل النصّ: (وجزئه) انظر: الشامل، لبهرام، ص: 52 / ب مخطوط جاري تحقيقه بمركزنا.
(5)
قلت: ناقش بعض شراح المختصر ابن غازي رحمه الله في دعواه تلك، وردّها بعضهم عليه، قال الخرشي في شرحه:(وضَبَطَ ابْنُ غَازِيٍّ لِجَرْوِهِ بِالرَّاءِ والْواوِ أَيْ أَوْلَادِهِ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: (وبَيْضَهُ)؛ لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ التَّعَرُّضُ لِبَيْضِهِ فَأَحْرَى جَرْوُهُ، فَدَعْواهُ أَنَّ نُسْخَةَ جُزْؤه بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ والْهَمْزِ: تَصْحِيفٌ، مَمْنُوعَةٌ) انظر: شرح الخرشي، للخرشي: 3/ 261، وفي شرح الزرقاني مناقشة للشارح أيضا، انظر: شرح الزرقاني على مختصر خليل: 2/ 547.
وقال في مواهب الجليل: (وجُزْؤُهُ) كَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ بِالزَّايِ والْهَمْزَةِ، وهُو نَحْوُ قَوْلِهِ فِي الْمَنَاسِكِ:(ويَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِأَبْعَاضِ الصَّيْدِ وبِيضِهِ) انْتَهَى. وفي التاج والإكليل (وجُزْؤُهُ وبَيْضُهُ) ابْنُ شَاسٍ: ويَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِأَجْزَائِهِ وبَيْضِهِ) انظر: مواهب الجليل، للحطاب: 4/ 250.
عبّر عنه ابن الحاجب (1).
فَلا يَسْتَجِدُّ مِلْكَهُ.
قوله: (فَلا يَسْتَجِدُّ مِلْكَهُ) أي: فبسبب تحريم تعرضه للبري لا يحدث ملكه فِي حال إحرامه بوجه؛ لما فِي الصحيح من حديث الصعب بن جثامة أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً وهو بالأبواء أو بودان، فرده عَلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فِي وجهي قال:" إنا لم نرده عليك، إلّا أنّا حُرم "(2).
وَلا يُسْتَوْدَعُهُ.
قوله: (ولا يُسْتَوْدَعُهُ) ينبغي أن يكون بضم الياء وفتح الدال [مبنياً](3) للنائب وهو المناسب لقوله فِي " التوضيح ": ولو استودعه إياه حلال وهو محرم لَمْ يجز له أن يقبله منه، وإن قبله وجب عَلَيْهِ إطلاقه وغرم لربه قيمته (4).
وَرَدَّهُ إِنْ وَجَدَ مُودِعَهُ وإِلا بُقِّيَ، وفِي صِحَّةِ اشْتِرَائِهِ قَوْلانِ.
قوله: (ورَدَّهُ إِنْ وَجَدَ مُودِعَهُ وإِلا بُقِّيَ) ليس مفرعاً عَلَى ما قبله؛ إنما هذا فيمن كان مودعاً عنده قبل إحرامه فأحرم وهو عنده، ومثله فِي " التوضيح " أَيْضاً.
إِلا الْفَأْرَةَ والْحَيَّةَ والْعَقْرَبَ مُطْلَقاً، وغُرَاباً، وحَدَأَةً، وفِي صَغِيرِهِمَا خِلافٌ.
قوله: (إِلا الْفَأْرَةَ والْحَيَّةَ والْعَقْرَبَ) فِي الذخيرة: يلحق بالفأرة ابن عرس وما يقرض الأثواب من الدواب، ويلحق بالعقرب الزنبور والرتيلي. انتهى وقد صرّح فِي " التلقين " بجواز قتل الزنبور، وقال ابن الجلاب: يُطعِم إِذَا قتله. ولَمْ ينقل ابن عرفة شيئاً من هذا إلا
(1) نص ابن الحاجب: (ويحرم بكل من الإحرام للحج أو للعمرة صيد البر كله مأكولا أو غيره متأنساً أو غيره مملوكاً أو مباحاً فرخاً أو بيضاً) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:207.
(2)
أخرجه البخاري: برقم: (1729)، كتاب الحج، باب إذا أهدى للمحرم حماراً وحشياً حياً لم يقبل، ومسلم في صحيحه برقم (1193)، كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم.
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، وفي (ن 2):(مبيناً).
(4)
انظر: التوضيح، لخليل بن اسحاق: 3/ 312.
قول أبي عمر: لا شئ فِي الزنبور يدفع لإِذَاه (1).
وَعَادِي (2) سَبُعٍ كَذِئْبٍ إِنْ كَبُرَ كَطَيْرٍ خِيفَ، إِلا بِقَتْلِهِ، [وَوَزَغاً](3) لِحِلٍّ بِحَرَمٍ كَأَنْ عَمَّ الْجَرَادُ واجْتَهَدَ.
قوله: (وعَادِي (4) سَبُعٍ كَذِئْبٍ إِنْ كَبُرَ) دلّ كلامه أن المراد بالكلب: العقور. فِي الحديث: السبع العادي دون الكلب الإنسي (5)، وفيه طريقان:
الأولى للخمي وابن بشير وابن شاس وابن الحاجب: أن المذهب اختلف فِي ذلك، فالمشهور منه أنه كل عادٍ من السباع، والشاذ أنه الكلب الإنسي (6).
الثانية لابن عبد السلام: أن المذهب كله عَلَى دخول السباع تحت هذا اللفظ، وإنما الخلاف فِي دخول الكلاب قال: وهو عكس ما نقله هؤلاء المتأخرون، واحتج فِي " الذخيرة " لعدم إرادة الكلب الإنسي بأنه لا تعلّق له بالإحرام منعاً ولا إباحة، ولو قتله المحرم وليس بعقور فلا شئ عَلَيْهِ كما لو قتل حماره، فدلّ ذلك عَلَى أنّ المراد التنبيه عَلَى صفة العقر الموجودة (7) فِي غيره (8). ولما أن كان الذئب مختلفاً فِي قتله لكونه أضعف السباع مثّل به فقال:(كذئب)؛ ليبين أن الذي اختاره من الخلاف قتله وهو الذي صحح ابن رشد.
(1) انظر: الذخيرة، للقرافي: 3/ 316، والتلقين، للقاضي عبد الوهاب: 1/ 221، والتفريع، لابن الجلاب: 1/ 209، وانظر ما نقله ابن عرفه عن ابن عبد البر، الاستذكار: 4/ 156، والكلام ليس له بل هو كلام إسماعيل ابن إسحاق نقله عنه ابن عبد البر، ونصه:(قال: (أي إسماعيل) فإن عرض الزنبور لإنسان فدفعه عن نفسه لم يكن عليه فيه شيء).
(2)
في المطبوعة: (كعادي).
(3)
ما بين المعكوفتين زيادة من المطبوعة.
(4)
في (ن 1): (أعاد).
(5)
نص الحديث كما في سنن الترمذي برقم (838)، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ثم يقتل المحرم السبع العادي والكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة والغراب " قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، والعمل على هذا ثم أهل العلم، قالوا: المحرم يقتل السبع العادي)، كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما يقتل المحرم من الدواب.
(6)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص: 207، 208.
(7)
في (ن 3): (موجدة).
(8)
انظر: الذخيرة، للقرافي: 3/ 315.
والفاعل بـ: (كبر) ضمير يعود عَلَى عادي سبع، فمفهوم الشرط أن الصغير من السباع لا يقتل، وبه صرّح فِي " المدوّنة "(1)، ولا يصح أن يرجع قوله:" إن كبر " للذئب فقط إذ لا قائل باختصاصه بالتفريق بين صغيره وكبيره، وغاية ما قال ابن عرفة: وفِي قتل الذئب ثالثها إن عدا (2) عَلَيْهِ.
فإن قلت: فأين ما قررت فِي مقدمة الكتاب من قاعدته فِي رجوع القيود لما بعد الكاف؟
قلت: إنما ذلك فيما كان تشبيهاً لإفادة حكم فِي غير جنس المشبه لا تمثيلاً ببعض أفراده كهذا. والله تعالى أعلم.
وَإِلا فَقِيمَتُهُ، وفِي الْوَاحِدَةِ حَفْنَةٌ، وإِنْ فِي نَوْمٍ.
قوله: (وإِلا فَقِيمَتُهُ، وفِي الْوَاحِدَةِ حَفْنَةٌ) هو كقول ابن الجلاب (3): وفِي الجرادة حفنة من الطعام، وفِي الكثير منه قيمته من الطعام.
كَدُودٍ، والْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ، وإِنْ لِمَخْمَصَةٍ وجَهْلٍ ونِسْيَانٍ، وتَكَرَّرَ كَسَهْمٍ مَرَّ بِالْحَرَمِ.
قوله: (كَدُودٍ) يشير به لقوله فِي " المدوّنة ": وإِذَا وطء الرجل ببعيره عَلَى ذبابٍ أو نمل أو ذر فقتلهن فليتصدّق بشئ من الطعام (4). قال فِي كتاب محمد: قبضة من طعام، قال محمد: بحكومة فإن أخرجها بغير حكومة أعاد، وقال ابن رشد: ظاهر " المدوّنة " أن لا حكومة فِي الجراد، وفهم من تشبيه المصنف أن لا فرق بين النوم واليقظة.
تنبيه:
قال الجوهري: الحفنة ملء الكفين من طعام مخالف لقول مالك فِي مسألة القمل من " المدوّنة " الحفنة ملؤ يد واحدة (5)، قال هناك المصنف فِي " مناسكه ": والقبضة دون الحفنة.
(1) انظر: المدونة، لابن القاسم: 2/ 442.
(2)
في (ن 3): (عاد).
(3)
في (ن 3): (الحاجب) والمثبت هو الصواب، انظر قول ابن الجلاّب في: التفريع: 1/ 209.
(4)
النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 1/ 629، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 2/ 447.
(5)
انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 1/ 608.
وكَلْبٍ تَعَيَّنَ طَرِيقُهُ، أَوْ قَصَّرَ فِي رَبْطِهِ.
قوله: (وكَلْبٍ تَعَيَّنَ طَرِيقُهُ) أي: إِذَا كان الرجل والصيد معاً فِي الحل، فأرسل عَلَيْهِ كلبه فتخط الكلب وحده إِلَى الصيد طرف الحرم فقتله فِي الحل، فالجزاء إن لَمْ يكن للكلب طريق سوى الحرم، وتبع فِي هذا القيد ابن شاس وابن الحاجب، وساوى اللخمي بين السهم والكلب فِي الخلاف، واختار فيهما جواز الأكل وعدم الجزاء.
أَوْ أَرْسَلَ بِقُرْبِهِ فَقَتَلَ خَارِجَهُ، وطَرْدِهِ مِنْ حَرَمٍ، ورَمْيٍ مِنْهُ أَوْ لَهُ، وتَعْرِيضِهِ لِلتَّلَفِ، وجَرْحِهِ ولَمْ تَتَحَقَّقْ سَلامَتُهُ، ولَوْ بِنَقْصٍ، وكَرَّرَ إِنْ أَخْرَجَ لِشَكٍّ ثُمَّ تُحُقِّقَ مَوْتُهُ كَكُلٍّ مِنَ الْمُشْتَرِكِينَ، وبِإِرْسَالٍ لِسَبُعٍ، أَوْ نَصْبِ شَرَكٍ لَهُ، وبِقَتْلِ غُلامٍ أُمِرَ بِإِفْلاتِهِ فَظَنَّ الْقَتْلَ.
قوله: (أَوْ أَرْسَلَ بِقُرْبِهِ فَقَتَلَ خَارِجَهُ) أي: أرسل كلبه فِي الحلّ عَلَى صيدٍ فِي الحلّ، وذلك بقرب الحرم فأدخله الكلب فِي الحرم ثم أخرجه فقتله فِي الحلّ، فيجب فيه الجزاء أَيْضاً، ولا يؤكل، وكذا هو فِي " المدوّنة "(1)، وإِذَا جعلنا قوله:(خارجه) حالاً من فاعل قتل كان أدلّ عَلَى هذا التقدير من جعله ظرفاً له، [31 / ب] وكأنه قال: فقتله حال كونه خارجاً به من الحرم بعد دخوله، وقد وفّى ابن عرفة بهذا وزيادة فِي أوجز (2) عبارة فقال: لو أرسل كلبه عَلَى قريب من الحرم فقتله به أو بعد إخراجه منه وداه وبقربه قَوْلانِ.
وَهَلْ إِنْ تَسَبَّبَ السَّيِّدُ فِيهِ أَوْ لا؟ تَأْوِيلانِ، وبِسَبَبٍ ولَوِ اتَّفَقَ كَفَزَعِهِ فَمَاتَ، والأَظْهَرُ والأَصَحُّ خِلافُهُ [23 / ب] كَفُسْطَاطِهِ وبِئْرٍ لِمَاءٍ ودِلالَةِ مُحْرِمٍ أَوْ حِلٍّ.
قوله: (وهَلْ إِنْ تَسَبَّبَ السَّيِّدُ (3) فِيهِ أَوْ لا؟) يجوز تشديد واوه عَلَى الظرف وإسكانها عَلَى العطف (4).
(1) انظر: المدونة، لابن القاسم: 2/ 435.
(2)
في الأصل: (أواجر).
(3)
في (ن 1): (الصيد).
(4)
يعني أن تكون (أوّلاً) فتكون ظرفاً.
وَرَمْيِهِ عَلَى فَرْعٍ أَصْلُهُ بِالْحَرَمِ، أَوْ بِحِلٍّ وتَحَامَلَ فَمَاتَ [بِهِ](1)، إِنْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ، وكَذَا إِنْ لَمْ يُنْفَذْ عَلَى الْمُخْتَارِ، أَوْ أَمْسَكَهُ لِيُرْسِلَهُ [إِنْ قَتَلَهُ](2) مُحْرِمٌ، وإِلا فَعَلَيْهِ وغَرِمَ الْحِلُّ لَهُ الأَقَلَّ.
قوله: (ورَمْيِهِ عَلَى فَرْعٍ أَصْلُهُ بِالْحَرَمِ) هذا مذهب " المدوّنة " أنه لا بأس بصيده فلا جزاء فيه، وهي آخر مسألة من كتاب الضحايا، ابن عرفة ونوقض مذهبها بمذهبها فِي مسح ما طال من شعر الرأس (3)، وجواب عبد الحقّ باتصال طرف الشعر وانفصال الصيد، يردّ بأن التناقض بين محله وطرف الشعر. ويجاب بأن متعلق المسح الشعر من حيث كونه نابتاً بالرأس، ومتعلق الصيد الحيوان من حيث حيزه الحل، وهو حيز حيّزه، ولذا قال محمد فِي العكس: يقطع ولا يصاد ما عَلَيْهِ. انتهى. وقال محمد فِي الأولى: يصاد ما عَلَيْهِ ولا يقطع.
وَلِلْقَتْلِ شَرِيكَانِ، ومَا صَادَهُ مُحْرِمٌ أَوْ صِيدَ لَهُ مَيْتٌ كَبَيْضِهِ وفِيهِ الْجَزَاءُ، إِنْ عَلِمَ وأَكَلَ.
قوله: (ولِلْقَتْلِ شَرِيكَانِ) أي: وإن أمسكه محرم للقتل فقتله محرم فهما شريكان، فعلى كل واحد منهما جزاء كامل.
لا فِي أَكْلِهَا، وجَازَ مَصِيدُ حِلٍّ لِحِلٍّ، وإِنْ سَيُحْرِمُ، وذَبْحُهُ بِحَرَمٍ مَا صِيدَ بِحِلٍّ، ولَيْسَ الإِوَزُّ والدُّجَاجُ بِصَيْدٍ، بِخِلافِ الْحَمَامِ.
قوله: (لا فِي أَكْلِهَا) إشارة لما ذكر فِي " المدوّنة " أن ما صاده المحرم فأدى جزاءه وأكل منه لَمْ يكن عَلَيْهِ جزاء آخر ولا قيمة ما أكل؛ لأنه أكل لحم ميتة (4).
فإن قلت: وقد دخل فِي قوله: (لا فِي أَكْلِهَا) ما صيد للمحرم أَيْضاً لحكمه بأنه ميتة، وقد قال:(وفيه الجزاء إن علم وأكل)؛ فهذا تناقض.
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من أصل المختصر.
(2)
في المطبوعة: (فقتله).
(3)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 1/ 16، و3/ 75.
(4)
النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 1/ 620، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 2/ 436.
قلت: عَلَى أكله الجزاء عند ابن القاسم من حيث أكله، وهو يعلم أنه صيد لمحرم لا من حيث كونه ميتة فلا تناقض إذ لَمْ يتواردا عَلَى محل واحد، كما أن ما صاده محرم فأكله فيه الجزاء من حيث صاده لا من حيث أكله.
وَحَرُمَ بِهِ قَطْعُ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ، إِلا الإِذْخَرَ والسَّنَا كَمَا يُسْتَنْبَتُ، وإِنْ لَمْ يُعَالَجْ.
قوله: (وحَرُمَ بِهِ قَطْعُ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ، إِلا الإِذْخَرَ والسَّنَا) كذا فِي " المدوّنة "(1) وغيرها، والإذخر نبت معروف طيّب الرائحة، قاله فِي " التوضيح "(2)، والسنا - مقصورـ نبت يتداوى به، قاله الجوهري. قال ابن عبد السلام:[استثنى الإذخر](3) فِي الحديث، وزاد أهل المذهب السنا لشدة الحاجة إليه، ورأوه من قياس الأحرى؛ لأن حاجة الناس إليه فِي الأدوية أكثر وأشد من حاجة أهل مكة إِلَى الإذخر، وهو أقرب من إجازة بعضهم اجتناء الكمأة، وإجازة الشافعي قطع المساويك، زاد فِي " المدوّنة ": وجائز الرعي فِي حرم مكة وحرم المدينة فِي الحشيش والشجر، وأكره أن [يحتشّ](4) فِي الحرم حلال أو حرام؛ خيفة قتل الدواب، وكذلك الحرام فِي الحلّ إلّا أن يسلموا من قتل الدواب فلا شئ عليهم، وأكره لهم ذلك، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخبط وقال:" هشّوا وارعوا "(5).
(1) انظر: المدونة، لابن القاسم: 2/ 451، ونصها:(لا بأس بالسنا والإذخر أن يقطع في الحرم).
(2)
انظر: التوضيح، لخليل بن اسحاق: 3/ 321.
(3)
في (ن 3): (إستثناء الآخر)، والحديث المستثنى فيه الإذخر حديث الصحيحين ولفظه في البخاري:". . ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولم تحل لأحد بعدي، ألا وإنها حلت لي ساعة من نهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرام، لا يختلى شوكها، ولا يعضد شجرها، ولا تلتقط ساقطتها، إلا لمنشد، فمن قتل فهو بخير النظرين، إما أن يعقل، وإما أن يقاد أهل القتيل ". فجاء رجل من أهل اليمن فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال:" اكتبوا لأبي فلان " فقال رجل من قريش: إلا الإذخر يا رسول الله؛ فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إلا الإذخر إلا الإذخر " انظر: البخاري برقم (112)، كتاب العلم، باب كتابة العلم، ومسلم برقم:(1535)، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام.
(4)
في الأصل: (يحشي).
(5)
الحديث بهذا اللفظ لم أقف عليه في كتب الحديث، وهو بغير هذا اللفظ عند ابن حبان برقم:(3752)، كتاب الحج، باب فضل المدينة، ونصه: (. . . . فقال جابر: لا، ثم قال: لا يخبط ولا يعضد محرم رسول الله صلى الله عليه وسلم =
= " ولكن هشوا هشاً "، وهو في المدونة بلفظ: (قَالَ مَالِكٌ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ ورَجُلٌ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وهُوَ يَخْبِطُ شَجَرَةً، فَبَعَثَ إلَيْهِ فَارِسَيْنِ يَنْهَيَانِهِ عَنْ الْخَبْطِ قَالَ: وقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: " هُشُّوا وارْعَوْا ".
قال مالك: الهشّ: تحريك الشجر بالمحجن ليقطع الورق ولا يخبط (1) ولا يعضد، ومعنى العضد الكسر (2). ابن عبد السلام: الأقرب أن كراهة الاختلاء وهو حصاد الكلأ الرطب عَلَى التحريم، وهو ظاهر الحديث، وعَلَيْهِ ينبغي أن يحمل كلام مالك، وليس فِي قوله:(لمكان دوابه) دليل عَلَى أن الكراهة عَلَى بابها؛ لأن مقصوده أن النهي عن الاختلاء معلل بخيفة قتل الدواب، إذ لو كان أخذه ممنوعاً مُطْلَقاً ما جاز الرعي.
ابن عرفة: مقتضى قول أبي عمر: أجمعوا عَلَى أنه لا يحتش بالحرم إلا (3) الإذخر، وأنه لا يرعى حشيشه إذ لو جاز لجاز احتشاشه (4).- عدم وقوفه عَلَى نصّ " المدوّنة " أو نسيانه، وقول الباجي:" السنا عندي كالإذخر، ولَمْ أر فيه نصاً لأصحابنا ولَمْ يزل ينقل للبلاد للتداوي ولَمْ ينكره أحد "(5) قصور؛ لنص " المدوّنة " عَلَيْهِ والاتفاق عَلَى نقله لا يدل عَلَى جواز قطعه؛ لاحتمال كونه مما يسقط بالريح والمطر.
وَلا جَزَاءَ كَصَيْدِ الْمَدِينَةِ بَيْنَ الْحِرَارِ، وشَجَرِهَا بَرِيداً فِي بَرِيدٍ، والْجَزَاءُ بِحُكْمِ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ بِذَلِكَ مِثْلُهُ مِنَ النَّعَمِ أَوْ إِطَعَامٌ بِقِيمَةِ الصَّيْدِ يَوْمَ التَّلَفِ بِمَحَلِّهِ. وإِلا فَبِقُرْبِهِ.
قوله: (ولا جَزَاءَ كَصَيْدِ الْمَدِينَةِ بَيْنَ الْحِرَارِ، وشَجَرِهَا بَرِيداً فِي بَرِيدٍ) تبع فِي هذا التحديد هنا وفِي " المناسك " قول ابن حبيب الذي حكاه ابن عبد السلام عنه [ولم يحرره](6)، ونصّ ابن عبد السلام: وحرم المدينة هو ما بين الحرار (7) من الجهات الأربع فِي
(1) في (ن 1): (يخطب).
(2)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 2/ 451، 452.
(3)
في (ن 3): (ولا).
(4)
انظر: الاستذكار، لابن عبد البر: 4/ 411.
(5)
انظر: المنتقى، للباجي: 4/ 146.
(6)
ما بين المعكوفتين زيادة من (ن 1).
(7)
في (ن 3): (الجدار).
طرف العمران، وقال ابن حبيب: تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة " (1) إنما ذلك فِي الصيد، وأما فِي قطع الشجر فبريد فِي بريد (2)، وحكاه عن مالك وهو يحتاج إِلَى زيادة نظر. انتهى.
على أنه عزاه فِي " التوضيح " لابن حبيب وغيره (3)، والذي فِي " النوادر " عن ابن حبيب حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة بريداً فِي بريد " لا يعضد شجرها ولا يخبط " (4). انتهى وعَلَيْهِ اقتصر فِي " الجواهر " (5) [32 / أ] والذي فِي شرح جامع " الموطأ " من " المنتقى " قال ابن نافع: ما بين هذه الحرار فِي الدور كله محرم أن يصاد فيه صيد، وحرم قطع الشجر منها عَلَى بريد من [كل](6) شقٍ [حولها](7) كلها. انتهى.
وقبل ابن عرفة ما فِي " النوادر " و " المنتقى "، والذي فِي " جامع مختصر " المدوّنة " لأبي محمد: وحرم النبي صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة وهما حرتان قال مالك: لا يصاد الجراد بالمدينة، ولا بأس أن يطرد عن النخل. وقيل: إن حرم المدينة بريد فِي بريد من جوانبها كلها (8) انتهى. وفِي " الإكمال " قال ابن حبيب: تحريم النبي صلى الله عليه وسلم ما بين [لابتي المدينة](9) إنما
(1) أخرجه البخاري في صحيحه برقم (1774)، كتاب الحج، باب لابتي المدينة، ومسلم برقم:(1361) كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة. . . ".
(2)
البَرِيدُ: فرسخان، وقيل: ما بين كل منزلين بَرِيد. الفرسخ: ثلاثة أَميال أَو ستَّة. المِيلُ من الأرض مُنتهى مد البصر. . وميل الطريق، والفرسخ ثلاثة أَمْيَالٍ. انظر: لسان العرب: 3/ 44، 86، ومختار الصحاح، ص:19.
(3)
انظر: التوضيح، لخليل بن اسحاق: 3/ 323.
(4)
الذي وقفت عليه لأبي محمد في النوادر: (قال مالك: ولا نعلم فيما صيد في حرم المدينة جزاءً، وكل شيء وسنته. . . . وزاد في كتاب محمد قيل: أفيؤكل ما صيد بها وذبح؟ قال: ما هو مثل ما صيد بحرم مكة، وإني لأكرهه، فروجع، فقال: لا أدري. . وعن ابن القاسم: وأخذ مالك بالحديث في تحريم ما بين لابتي المدينة، ولم ير فيه جزاء، ونراه ذنباً). انتهى، انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 2/ 478.
(5)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 1/ 305
(6)
ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل، و (ن 3)، و (ن 4).
(7)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 4).
(8)
انظر: المنتقى، للباجي: 9/ 250.
(9)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
ذلك فِي الصيّد خاصة، وأما فِي قطع الشجر فبريد فِي بريد فِي دور المدينة كلها، بذلك أخبرني مُطرِّف عن مالك وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن وهب.
وقد ذكر مسلم فِي بعض طرقه: " أنّي أحرم ما بين جبليها ". وفِي حديث أبي هريرة وجعل اثنا عشر ميلاً حول المدينة حمى (1)، وهذا تفسير لما ذكره ابن وهب ورواه مُطرِّف عن مالك وعمر بن عبد العزيز.
وَلا يُجْزِئُ بِغَيْرِهِ، ولا زَائِدٌ عَلَى مُدٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، إِلا أَنْ يُسَاوِيَ سِعْرَهُ فَتَأْوِيلانِ، أَوْ لِكُلِّ مُدٍّ صَوْمُ يَوْمٍ وكَمَّلَ لِكَسْرِهِ فَالنَّعَامَةُ بَدَنَةٌ، والْفِيلُ بِذَاتِ سَنَامَيْنِ، وحِمَارُ الْوَحْشِ، وبَقَرُهُ بَقَرَةٌ، والضَّبُعُ والثَّعْلَبُ شَاةٌ كَحَمَامِ مَكَّةَ والْحَرَمِ ويَمَامِهِمَا بِلا حُكْمٍ، ولِلْحِلِّ وضَبٍّ وأَرْنَبٍ ويَرْبُوعٍ وجَمِيعِ الطَّيْرِ الْقِيمَةُ طَعَاماً، والصَّغِيرُ والْمَرِيضُ والْجَمِيلُ كَغَيْرِهِ، وقُوِّمَ لِرَبِّهِ بِذَلِكَ مَعَهَا، واجْتَهَدَ، وإِنْ رُوِيَ فِيهِ فَبِهِ، ولَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ، إِلا أَنْ يَلْتَزِمَ فَتَأْوِيلانِ، وإِنِ اخْتَلَفَا ابْتُدِئَ، والأَوْلَى كَوْنُهُمَا بِمَجْلِسٍ، ونُقِضَ إِنْ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ، وفِي الْجَنِينِ والْبَيْضِ عُشْرُ دِيَةِ الأُمِّ ولَوْ تَحَرَّكَ، ودِيَتُهَا إِنِ اسْتَهَلَّ، وغَيْرُ الْفِدْيَةِ والصَّيْدِ مُرَتَّبٌ هَدْيٌ، ونُدِبَ إِبِلٌ فَبَقَرٌ.
قوله: (إِلا أَنْ يُسَاوِيَ سِعْرَهُ فَتَأْوِيلانِ) حقه أن يوصل بقوله: " ولا يجزئ بغيره ".
ثُمَّ صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ إِحْرَامِهِ، وصَامَ أَيَّامَ مِنًى بِنَقْصٍ بِحَجٍّ إِنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْوُقُوفِ.
قوله: (ثُمَّ صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ إِحْرَامِهِ، وصَامَ أَيَّامَ مِنًى بِنَقْصٍ بِحَجٍّ إِنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْوُقُوفِ). يحتمل أن يكون قوله: (بِنَقْصٍ) من باب التنازع يطلبه صيام وصام فيكون مراده: أن كون النقصان قبل الوقوف بعرفة [يحتمل أن يكون شرط](2) فِي أمرين أحدهما: كون صوم الثلاثة من إحرامه إِلَى يوم النحر. والثاني: كونه إِذَا فاته ذلك صام أيام منى، ويحتمل أن يكون متعلقاً بصيام فقط، وكأنه عَلَى هذا لما أن قال:(وصيام ثلاثة أيام من إحرامه) فبين البداية قيل له: فأين الغاية؟ هل هي يوم عرفة أو يصوم أيام منى. فأجاب
(1) أخرجه مسلم في صحيحه برقم (1365)، و (1372)،كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة. . .
(2)
في (ن 3): (شرطه).
بالتفصيل قائلاً: وصام أيام منى بنقص بحجّ إن تقدّم عَلَى الوقوف. ويرجّح هذا الثاني أن من كان نقصانه يوم عرفة فما بعده يستحيل أن يصوم لذلك قبله فلا يحتاج لذكره، إلا أن قوله:(بحجّ) يكون فيه عَلَى هذا قلق، واحترز به من العمرة، وما أبين قول ابن الحاجب: فإن كان عن نقصٍ متقدّم عَلَى الوقوف كالتمتع والقران والفساد والفوات وتعدى الميقات صام ثلاثة أيام فِي الحجّ من حين يحرم بالحجّ إِلَى يوم النحر، فإن أخرها إليه فأيام التشريق، ثم قال: وإن كان عن نقصٍ بعد الوقوف كترك مزدلفة أو رمي أو حلق أو مبيت بمنى أو وطئ قبل الإفاضة أو الحلق صام متى شاء، وكذلك صيام هدي العمرة، وكذلك من مشى فِي نذرٍ إِلَى مكة فعجز (1).
وإنما اعتمد ابن الحاجب قوله فِي " المدوّنة ": وإنما يصوم ثلاثة أيام فِي الحجّ كما ذكرنا فِي المتمتع والقارن ومن تعدى ميقاته أو أفسد حجه أو فاته الحجّ، وأما من لزمه ذلك لترك جمرة أو لترك النزول بالمزدلفة فليصم متى شاء، وكذلك الذي (2) يطأ أهله بعد رمي جمرة العقبة وقبل الإفاضة؛ لأنه إنما يصوم إِذَا اعتمر بعد أيام منى، ومن مشى فِي نذرٍ إِلَى مكة فعجز، فليصم متى شاء؛ لأنه يقضي فِي غير حج فكيف لا يصوم فِي غير حج (3).
أبو الحسن الصغير: أي يقضي مشيه أماكن ركوبه فِي غير إحرام قبل الميقات، ويحتمل أن يريد يقضي مشيه فِي عمرة إِذَا أبهم يمينه أو نذره كذلك كما نصّ عَلَيْهِ فِي كتاب النذور.
انتهى.
ثم اعلم أن ما سلكه ابن الحاجب هو إحدى الطرق الثلاث، وقد حصّلها فِي
" التوضيح " فتأملها فيه لعلّك تستعين بها عَلَى حلّ ما عقده هنا. والله تعالى أعلم.
(1) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:216.
(2)
في (ن 1): (التي).
(3)
انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 1/ 577.
وسَبْعَةً، إِذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى ولَمْ تُجِزْ إِنْ قُدِّمْتَ عَلَى وُقُوفِهِ كَصَوْمٍ أَيْسَرَ قَبْلَهُ، أَوْ وَجَدَ مُسَلِّفاً لِمَالٍ بِبَلَدِهِ، ونُدِبَ الرُّجُوعُ لَهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، ووُقُوفُهُ بِهِ الْمَوَاقِفَ، والنَّحْرُ بِمِنًى إِنْ كَانَ فِي حَجٍّ، ووَقَفَ بِهِ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ كَهُوَ بِأَيَّامِهَا، وإِلا فَمَكَّةُ، وأَجْزَأَ إِنْ أُخْرِجَ لِحِلٍّ.
قوله: (وَوَقَفَ بِهِ هُوَ أَوْ [نَائِبُهُ كَهُوَ] (1)) ينبغي أن يكون مراده بالنائب من ناب عن الهدي (2)، إما بإذنه كرسوله، وإما بغيره (3) كمن وجد الهدي ضالاً مقلداً فوقف به، فإن وقف به عن ربه أجزأه، وكأنه لهذا أشار بقوله:(كهو) أي مثله فِي النية حيث لَمْ يصرفه لنفسه، وهذا تأويل ما فِي " المدوّنة "(4) عَلَى ما ارتضاه ابن عبد السلام، خلاف ما حملها عَلَيْهِ ابن يونس، عَلَى أن لفظ النائب يحرز (5) هذا المقصد؛ لأنه ظاهر فيمن نواه عنه، فيبقى قوله:(كهو) زيادة بيان.
وقد وقع فِي بعض الطرق أنه أراد بقوله: (كهو) مثله فِي كونه محرماً، ولَمْ أر من اشترط هذا بل قال ابن عبد السلام سواءً كان الذاهب به حلالاً أو حراماً، وعَلَيْهِ حمل قول ابن الحاجب: وإن كان حلالاً (6)، وقبله فِي:" التوضيح ".
فإن قلت: فقد زاد فيه يحتمل لو كان الفاعل حلالا، كما لو قتل بعد الإحلال صيداً فِي الحرم.
قلت: لا يلزم من صرف كلام ابن الحاجب لهذا المحمل الثاني أن لا يكون الأول صحيحاً فِي نفسه. والله تعالى أعلم
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(2)
في (ن 2)، و (ن 3):(المهدي)
(3)
في (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3):(بغير إذنه).
(4)
قال في تهذيب المدونة: (ومن قلد هديه وأشعره ثم ضل منه، فأصابه رجل فأوقفه بعرفة ثم وجده ربه يوم النحر أو بعده أجزأه ذلك التوقيف؛ لأنه قد وجب هدياً) انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 1/ 561.
(5)
في (ن 1): (يجوز).
(6)
انظر جامع الأمهات، ص:218.
كَأَنْ وَقَفَ بِهِ فَضَلَّ مُقَلَّداً، ونُحِرَ، وفِي الْعُمْرَةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ سَعْيِهَا ثُمَّ حَلَقَ.
قوله: (كَأَنْ وَقَفَ بِهِ فَضَلَّ مُقَلَّداً، ونُحِرَ) نحر معطوف عَلَى وقف وأشار بهذا لقوله فِي " المدوّنة ": ومن أوقف هديه بعرفة ثم ضلّ منه فوجده رجل فنحره بمنى؛ لأنه رآه هدياً فوجده ربه منحوراً [32 / ب] أجزأه (1).
وَإِنْ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتٍ أَوْ لِحَيْضٍ، أَجْزَأَ التَّطَوُّعُ لِقَرَانِهِ كَأَنْ سَاقَهُ فِيهَا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً بِمَا إِذَا سِيقَ لِلتَّمَتُّعِ، والْمَنْدُوبُ بِمَكَّةَ الْمَرْوَةُ، وكُرِهَ نَحْرُ غَيْرِهِ كَالأُضْحِيَةِ، وإِنْ مَاتَ مُتَمَتِّعٌ فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، إِنْ رَمَى الْعَقَبَةَ، وسِنُّ الْجَمِيعِ وعَيْبُهُ كَالضَّحِيَّةِ والْمُعْتَبَرُ حِينَ [24 / أ] وَجُوبِهِ وتَقْلِيدِهِ، فَلا يُجْزِئُ مُقَلَّدٌ بِعَيْبٍ ولَوْ سَلِمَ، بِخِلافِ عَكْسِهِ إِنْ تَطَوَّعَ، وأَرْشُهُ وثَمَنُهُ فِي هَدْيٍ إِنْ بَلَغَ، وإِلا تُصُدِّقَ بِهِ، وفِي الْفَرْضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي فَرْضٍ (2).
قوله: (وإِنْ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتٍ أَوْ لِحَيْضٍ، أَجْزَأَ التَّطَوُّعُ لِقَرَانِهِ) تصوره ظاهر، وأشار بمسألة الحيض لقوله فِي " المدوّنة ": قال مالك فِي امرأةٍ دخلت مكة بعمرة ومعها هدي فحاضت بعد دخولها مكة قبل أن تطوف فإنها لا تنحر هديها حتى تطهر ثم تطوف وتسعى وتنحر وتقصر، وإن كانت ممن يريد الحجّ وخافت الفوات ولَمْ تستطع الطواف لحيضتها، أهلّت بالحجّ، وساقت هديها وأوقفته بعرفة، ولا تنحره إلا بمنى وأجزأها لقرانها، وسبيلها سبيل من قرن (3).
وَسُنَّ إِشْعَارُ سُنُمِهَا مِنَ الأَيْسَرِ لِلرَّقَبَةِ مُسَمِّياً، وتَقْلِيدٌ، ونُدِبَ نَعْلانِ بِنَبَاتِ الأَرْضِ، وتَجْلِيلِهَا.
قوله: (وسُنَّ إِشْعَارُ سُنُمِهَا مِنَ الأَيْسَرِ لِلرَّقَبَةِ) الإشعار: شق يسيل دماً، قاله ابن عرفة، والسُنُم - بضمتين - جمع سنام كقذال وقُذُل فلا يتعدى الإشعار السُنُم، و (من) فِي قوله:(من الأيسر) للبيان، وأشار بقوله:(للرقبة)(4) إِلَى أن خط الإشعار يكون فِي السنام
(1) النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 1/ 562، والمدونة، لابن القاسم: 2/ 486.
(2)
في المطبوعة: (غير).
(3)
النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 1/ 562، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 2/ 430.
(4)
في (ن 3): (لأن فيه).
من جهة العجز لجهة الرقبة، وذلك هو العرض قال فِي " المدوّنة " والإشعار فِي الجانب الأيسر من أسنمتها عرضاً (1)، إلا أن اللام (2) من قوله:" للرقبة " تعطي أن الابتداء من جهة العجز، وإنما ذكره الباجي وغيره من جهة المقدم، كما درج عَلَيْهِ ابن الحاجب (3) وعبارته فِي " المناسك " خير من هذه إذ قال: والإشعار أن يشقّ من سنامها الأيسر وقيل الأيمن من نحو الرقبة إِلَى المؤخر، وقيل طولاً قدر أنملتين أو نحو ذلك. انتهى.
وفي النكت قال أبو بكر الأبهري: إنما قال [إن](4) الإشعار فِي الشق الأيسر؛ لأنه يجب أن يستقبل بها القبلة ثم يشعرها، فإِذَا فعل ذلك كان وجهه إِلَى القبلة متى أشعرها فِي شقها الأيسر، وإِذَا أشعرها فِي الأيمن لَمْ يكن وجهه إِلَى القبلة، وذلك مكروه. انتهى.
ولعل ابن عرفة لَمْ يقف [عليه](5) إذ عزاه لمن دون الأبهري فقال: وجّه الباجي كونه فِي الأيسر بأنها توجّه للقبلة ومشعرها كذلك فلا يليه منها إلا الأيسر، وابن رشد: بأن السنة كون المشعر مستقبلاً يشعر بيمينه، وخطامها بشماله، فإِذَا كان كذلك وقع فِي الأيسر، ولا يكون فِي الأيمن إلا أن يستدبر القبلة أو يشعر بشماله أو يمسك له غيره. ابن عرفة: إنما يصح ما قالا إن أراد توجيهها للقبلة كالذبح لا رأسها للقبلة. انتهى فليتأمل.
تنبيه:
قال اللخمي: قال مالك: عرضاً. وابن حبيب: طولاً. قال ابن عرفة: لَمْ أجد لغوياً فسّر الطول إلّا بضد العرض، ولا العرض إلّا بضد الطول.
(1) النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 1/ 494، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 2/ 451، ونصها:" والْإِشْعَارُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ مِنْ أَسْنِمَتِهَا. . . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: تُشْعَرُ فِي أَسْنِمَتِهَا عَرْضًا، قَالَ: وسَمِعْت أَنَا مَالِكًا يَقُولُ: تُشْعَرُ فِي أَسْنِمَتِهَا فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، قَالَ: ولَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ عَرْضًا " وأشار لما في المدونة من كونه عرضاً ابن رشد في البيان والتحصيل، لابن رشد: 3/ 473.
(2)
في (ن 2): (اللازم).
(3)
نص ابن الحاجب: (والإشعار أن يشق من الأيسر وقيل والأيمن من نحو الرقبة إلى المؤخر مسمياً) انظر: جامع الأمهات، ص:213.
(4)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، و (ن 3).
(5)
ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل، و (ن 4).
وقال البيضاوي فِي " مختصره الكلامي ": الطول البعد المفروض أولاً، وقيل: أطول الامتدادين المتقاطعين فِي السطح، والأخذ من رأس الإنسان لقدمه، ومن ظهر ذوات الأربع لأسفلها، والعرض: المعروض ثانياً، والامتداد الأقصر، والأخذ من يمين الإنسان ليساره، ومن رأس الحيوان لذنبه والطول والعرض كهيئتان (1) مأخوذتان مَعَ إضافتين. قال: فلعلّ العرض عند مالك كنقل البيضاوي، وهو الطول عند ابن حبيب كما مرّ فيتفقان.
وَشَقُّهَا إِنْ لَمْ تَرْتَفِعْ، وقُلِّدَتِ الْبَقَرُ فَقَطْ، إِلا بِأَسْنِمَةٍ لا الْغَنَمُ، ولَمْ يُؤْكَلْ مِنْ نَذْرِ مَسَاكِينَ عُيِّنَ مُطْلَقاً عَكْسُ الْجَمِيعِ فَلَهُ إِطْعَامُ الْغَنِيِّ والْقَرِيبِ، وكُرِهَ لِذِمِّيٍّ إِلا نَذْراً لَمْ يُعَيَّنَ، والْفِدْيَةَ والْجَزَاءَ بَعْدَ الْمَحِلِّ، وهَدْيَ تَطَوُّعٍ إِنْ عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَتُلْقَى قِلادَتُهُ بِدَمِهِ ويُخَلَّى لِلنَّاسِ كَرَسُولِهِ، وضَمِنَ فِي غَيْرِ الرَّسُولِ بِأَمْرِهِ، بِأَخْذِ شَيْءٍ كَأَكْلِهِ مِنْ مَصْنُوعٍ بَدَلَهُ، وهَلْ إِلا نَذْرَ مَسَاكِينَ عُيِّنَ، فَقَدْرُ أَكْلِهِ؟ خِلافٌ، والْخِطَامُ والْجِلالُ كَاللَّحْمِ وإِنْ سُرِقَ بَعْدَ ذَبْحِهِ، أَجْزَأَ، لا قَبْلَهُ، وحُمِلَ الْوَلَدُ عَلَى غَيْرٍ ثُمَّ عَلَيْهَا وإِلا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْكُهُ لِيَشْتَدَّ، فَكَالتَّطَوُّعِ ولا يَشْرَبُ مِنَ اللَّبَنِ وإِنْ فَضَلَ وغَرِمَ، وإِنْ أَضَرَّ بِشُرْبِهِ الأُمَّ أَوِ الْوَلَدَ مُوجَبَ فِعْلِهِ، ونُدِبَ عَدَمُ رُكُوبِهَا بِلا عُذْرٍ، ولا يَلْزَمُ النُّزُولُ بَعْدَ الرَّاحَةِ.
قوله: (وشَقُّهَا إِنْ لَمْ تَرْتَفِعْ) أي: وشق الجلال (2)، وهي جمع جُلّ بالضم إن لَمْ ترتفع قيمتها حتى يكون فِي شقها إضاعة المال. قال مالك فِي رسم الحجّ من سماع أشهب: من أمر الناس أن تشق الجلال عن أسنمتها وذلك يحبسه عن أن يسقط، وما علمت أن أحداً كان يدع ذلك إلّا عبد الله بن عمر فإنه لَمْ يكن يشق، ولَمْ يكن يحلل حتى يغدو من منى إِلَى عرفات فيجللها وذلك إن كان يجلل الجلال المرتفعة [والأنماط المرتفعة] (3) قيل وإنما كان يفعل ذلك استبقاءً للثياب. قال: نعم فأحبّ إلي (4) إِذَا كانت الجلال المرتفعة ألا يشقّ منها شيئاً، وإن كانت ثياباً دوناً فشقها أحبّ إليّ (5).
(1) في الأصل، و (ن 2):(كميتان).
(2)
جمع جُلّ، والجِلُّ من المتاع: القُطُف والأَكسية والبُسُط ونحوه. انظر: لسان العرب، لابن منظور: 11/ 118.
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
(4)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، و (ن 3).
(5)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 4/ 26، 27.
وقال ابن يونس عن ابن المواز قال مالك: أحبّ إلينا شقّ الجلال عن الأسنمة إن كانت قليلة الثمن كالدرهمين ونحوهما، وأن لا تشقّ المرتفعة استبقاءً لها، وقال القابسي: إن كان الجُل رفيعاً ترك شقه؛ فهو أنفع للفقراء.
وَنَحْرُهَا قَائِمَةً أَوْ مَعْقُولَةً وأَجْزَأَ إِنْ ذَبَحَ غَيْرُهُ مُقَلَّداً، ولَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ إِنْ غَلِطَ، ولا يُشْتَرَكُ فِي هَدْيٍ، وإِنْ وُجِدَ بَعْدَ نَحْرِ بَدَلِهِ نُحِرَ، إِنْ قُلِّدَ وقَبْلَ نَحْرِهِ نُحِرَا مَعاً، إِنْ قُلِّدَا وإِلا بِيعَ وَاحِدٌ.
قوله: (ونَحْرُهَا قَائِمَةً أَوْ مَعْقُولَةً) قيل: يعني أنه يستحبّ نحر البدنة قائمة عَلَى قوائمها الأربع، أو معقولة يدها اليسرى قائمة عَلَى ما بقى من قوائمها. انتهى. وكأنه يحوم عَلَى محاذَاة قول ابن الحاجب: وينحرها صاحبها قائمة معقولة أو مقيدة. إذ المقيدة قائمة عَلَى قوائمها الأربع إلا أن إحدى يديها قرنت للأخري بالقيد، والأصل فِي الصفتين القراءتان فِي قوله تعالى:{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] وقرئ: {صوافن} (1) قال ابن يونس عن ابن حبيب: معنى صوافّ أن تصفّ أيديها بالقيود وقتنحرها، وقرأ ابن عبّاس:" صوافن " وهي المعقولة من كل بدنة يد واحدة، فتقف عَلَى ثلاث قوائم، فخيّر بينهما ابن الحاجب (2). [33 / أ]
والذي وقع فِي " الموازية " عن مالك: الشأن نحر البدن قائمة مقيدة اليدين للقبلة، ولا يعقلها إلا من يخاف ضعفه عنها، وفِي الأمهات قال مالك: الشأن نحرها قياماً. قلت: [معقولة أو](3) مصفوفة اليدين؟ قال: لا أقوم عَلَى حفظ ذلك الآن، ولا بأس بنحرها معقولة إن امتنعت واختصره أبو سعيد، والشأن أن تنحر البدن قياماً، فإن امتنعت جاز أن تعقل (4). فقال ابن عرفة: قول ابن الحاجب: قائمة معقولة أو مقيدة، وفِي الذبائح:
(1) قرأها كذلك ابن مسعود، وابن عباس، وعمرو، وأبو جعفر محمد بن علي، وفسرت بالمعقولة، انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري: 17/ 163، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي: 12/ 62.
(2)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:214.
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(4)
انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 1/ 559.