الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن كانت نيته فِي حال انحطاطه للركوع. وقال ابن القاسم: إِذَا كانت نيته للسجود فإنه يخرّ ساجداً؛ لأن ركعته تلك لا تجزيء عنه، ولو رفع منها، يريد بخلاف من كانت نيته من أول الركوع، فإنه يمضي لتمامها، والقول أنه إِذَا كانت نيته للركوع يمضي لها أحسن؛ لأنه تلبّس بفرض فلا يسقطه لنفل، ولَمْ يختلفوا فيمن نسي الجلوس حتى تلبّس بالفرض وهو القيام أنه لا يرجع منه إِلَى الجلوس، والجلوس سنة مؤكدة تفسد الصلاة بتعمد تركه فِي المشهور من المذهب فناسي السجدة أولى، وأما إِذَا كانت نيته فِي الانحطاط للسجدة فإن مالكاً ذهب إِلَى أن الفرض أن يوجد راكعاً، فتماديه عَلَيْهِ بنية الامتثال للركوع يجزيء عنه، وذهب ابن القاسم إِلَى أن الانحطاط للركوع فرض فِي نفسه، فلم يجز عنه الانحطاط بنية السجود؛ لأنه لنفلٍ فلا يجزء عن فرض. انتهى.
فلو عكس المصنف لكان قد سلك طريقة اللخمي، إذ رجّح فِي قاصد الركوع الإمضاء، ولَمْ يرجّح فِي قاصد السجدة واحداً من القولين، كما تراه وطريقة اللخمي هذه تنحو لما ذكر ابن يونس عن أبي محمد بن أبي زيد. والله تعالى أعلم.
[فصل فِي صلاة النافلة]
نُدِبَ نَفْلٌ وتَأَكَّدَ بَعْدَ مَغْرِبٍ كَظُهْرٍ، وقَبْلَهَا كَعَصْرٍ بِلا حَدٍّ، والضُّحَى وسِرٌّ بِهِ نَهَاراً، وجَهْرٌ لَيْلاً، وتَأَكَّدَ بِوِتْرٍ، وتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ، وجَازَ تَرْكُ مَارٍّ، وتَأَدَّتْ بِفَرْضٍ، وبَدْءٌ بِهَا بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ قَبْلَ السَّلامِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وآلِهِ وإِيقَاعُ نَفْلٍ بِهِ بِمُصَلاهُ صلى الله عليه وسلم، والْفَرْضُ بِالصَّفِّ الأَوَّلِ وتَحِيَّةُ مَسْجِدِ مَكَّةَ الطَّوَافُ، وتَرَاوِيحُ، وانْفِرَادٌ بِهَا إِنْ لَمْ تُعَطَّلِ الْمَسَاجِدُ.، والْخَتْمُ فِيهَا، وسُورَةٌ تُجْزِئُ، ثَلَاثٌ وعِشْرُونَ، ثُمَّ جُعِلَتْ سِتًّا وثَلَاثِينَ، وخَفَّفَ مَسْبُوقُهَا ثَانِيَتَهُ ولَحِقَ.
قوله: (وإِيقَاعُ نَفْلٍ بِهِ بِمُصَلاهُ صلى الله عليه وسلم، والْفَرْضُ بِالصَّفِّ الأَوَّلِ) أي: بالصف الأول من مسجده عليه السلام، وكذا هي المسألة لمالك فِي رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، قال ابن القاسم: مصلاه عليه السلام هو العمود المخلق. قال ابن رشد: هذا خلاف قول مالك فِي " الجامع ": أن العمود المخلق ليس هو قبلة النبي عليه السلام، ولكنه أقرب العمد إِلَى مصلاه صلى الله عليه وسلم، والأصل فِي النفل حديث عتبان بن مالك، حيث صلى
النبي صلى الله عليه وسلم ببيته مرة واحدة؛ ليتخذه مصلى (1)، فمحل مواظبته عليه السلام أفضل، والأصل فِي الفرض نصّه عليه السلام عَلَى فضل الصفّ الأول، فهو أولى مما علم فضله بالدليل (2). ابن عرفة: فِي قوله فِي الفرض نظر؛ لأن فضل مسجده صلى الله عليه وسلم أفضل من الصفّ الأول فِي غيره. انتهى. كأنه يعني أن ما زيد فيه خارج عنه.
وقِرَاءَةُ شَفْعٍ بِسَبِّحْ، والْكَافِرُونَ، ووِتْرٍ بِإِخْلاصٍ ومَعُوذَتَيْنِ إِلا لِمَنْ لَهُ حِزْبٌ، فَمِنْهُ فِيهِمَا، وفِعْلُهُ لِمُنْتَبِهٍ آخِرَ اللَّيْلِ.
قوله: (وقِرَاءَةُ شَفْعٍ بِسَبِّحْ، والْكَافِرُونَ، ووِتْرٍ بِإِخْلاصٍ، [15 / أ] ومَعُوذَتَيْنِ إِلا لِمَنْ لَهُ حِزْبٌ، فَمِنْهُ فِيهِمَا) أي: فِي الشفع والوتر، وبالوقوف عَلَى نقول الأئمة يظهر لك ما اعتمده المصنف فيهما، أمّا الشفع فحصّل ابن عرفة فيه ثلاثة أقوال:
الأول: التزام السورتين لمالك فِي كتاب ابن شعبان، وحكاه عياض عن بعض القرويين.
الثاني: ما تيسّر. لمالك فِي " المجموعة ".
الثالث: إن كان بعد تهجّدٍ فما تيّسر، وإن اقتصر عَلَيْهِ فالسورتان، وبه قيّد الباجي قول مالك فِي " المجموعة "، وبه فسّر عياض المذهب.
ونحوه للمازري، فإنه قال فِي " شرح التلقين ": وقد كنت فِي سنّ الحداثة، وعمري عشرون عاماً وقع فِي نفسي أن القراءة فِي الشفع لا يستحبّ تعيينها إِذَا كانت عقب تهجّد، وأن الاستحباب إنما يتوجّه فِي حقّ من اقتصر عَلَى شفع الوتر، فأمرت من يصلّي التراويح فِي رمضان أن يوتر عقب فراغه من عدد الأشفاع، ويأتي بجميع العدد مقروناً بجزئه الذي يقوم به ويوتر عقبه؛ فتمالأ الأشياخ المفتون حينئذ بالبلد عَلَى إنكار ذلك، واجتمعوا بالقاضي، وكان ممن يقرأ عليّ ويصرف الفتيا فيما يحكم به إليّ، وسألوه أن يمنع من ذلك،
(1) انظر الحديث في: الموطأ، باب جامع الصلاة، من حديث محمود بن الربيع، حديث رقم:(420)، وصحيح البخاري برقم (424)، كتاب الصلاة، بَاب إِذَا دَخَلَ بَيْتًا يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ أَوْ حَيْثُ أُمِرَ ولَا يَتَجَسَّسُ،، وصحيح مسلم برقم (1528)، كتاب المساجد، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر.
(2)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 1/ 369، 370.
فأبي عليهم إلا أن يجتمعوا لمناظرتي عَلَى المسألة، فأبوا؛ فأبى، ثم اتسع الأمر، وصارت مساجدنا يفعل ذلك فِيهَا، فخفت اندراس ركعتي الشفع عند العوام إن لَمْ تخصّ فِي رمضان بقراءة، فرجعت إِلَى المألوف، ثم بعد زمانٍ طويلٍ رأيت أبا الوليد الباجي أشار إِلَى الطريق التي كنت سلكت من التفصيل بين من كان وتره واحدة عقب صلاة الليل، ومن لَمْ يوتر إلا عقب الشفع، اللهم إلا أن يكون أراد قيام المتهجدين فِي غير رمضان؛ لأن رمضان يجتمع الناس فيه عَلَى النفل، ويتبع فيه فعل السلف فِي الاقتصار عَلَى عدد معلوم، فيكون مخالفاً لما سواه من قيام الليل، فقد يمكن أن يقصد إِلَى ذلك. انتهى.
واعترضه ابن عرفة فقال: إنما قال ذلك الباجي تقييداً لرواية ابن عبدوس (1) لا تفسيراً للمذهب، بل تعليلاً لمخالفة رواية التعيين، ولو ناظروه حجّوه (2): إما باعتبار المذهب، فرواية التعيين أولى؛ لما تقرر من دليل ردّ المطلق للمقيد، وإما باعتبار الدليل؛ فلحديث أبيٍّ أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات يقرأ فِي الأولى بـ:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] وفِي الثانية بـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وفي الثالثة بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، والمعلوم منه صلى الله عليه وسلم التهجد. انتهى.
قلت: لعلّ ابن عرفة لَمْ يقف عَلَى جميع كلام المازري، وإلا فقد أورد المازري نحو هذا بنفسه عَلَى نفسه بعد كلامه الذي قدّمناه.
وأما الوتر فقال فِي " المدوّنة ": كان مالك يقرأ فِيهَا بأم القرآن و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين، ولا يفتي الناس بذلك (3). وقال اللخمي وابن يونس قال مالك فِي المجموعة: إن الناس ليلتزمون فِي الوتر قراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين وما ذلك بلازم وإنّي لا أفعله.
قلت: وقول ابن عرفة: قال اللخمي: رجع مالك لقراءة الوتر بالفاتحة والإخلاص
(1) الذي عند الباجي: الرواية عن ابن عباس لا عبدوس، انظر المنتقى شرح الموطأ، للباجي: 2/ 162.
(2)
في (ن 1): (حجو).
(3)
انظر: المدوّنة، لابن القاسم: 1/ 126.
والمعوذتين [وهم إنما قال](1) اللخمي: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ فِي الأولى بـ: سبّح، وفِي الثانية بـ: الكافرون، وفِي الثالثة بـ: الإخلاص، وروي أنه كان يقرأ فِي الأخرة بالإخلاص والمعوذتين، وبهذا أخذ مالك [فِي الأخيرة](2)، وروي عنه فِي " مختصر " ابن شعبان أنه كان يقرأ فِي الأولى والثانية بمثل ما فِي الحديث الأول، ففهم ابن عرفة أن رواية ابن شعبان مرجوع عنها، ولا يحسن أن يفهم الرجوع من قوله:(فِي الأخرة)، فليس مراده فِي الرواية الأخرة كما سبق لفهم بعضهم، وإنما مراده فِي الركعة الأخرة.
قال: وروى يحيي بن اسحاق عن يحيي بن عمر لا تختص الوتر بقراءة، وقال ابن العربي فِي " عارضة الأحوذي فِي شرح الترمذي ": يقرأ المتهجد فِي الوتر من تمام حزبه، وغيره بـ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقط؛ لحديث الترمذي (3) وهو أصحّ من حديث قراءته بها مَعَ المعوذتين، وانتهت الغفلة بقومٍ يصلّون التراويح فإِذَا انتهوا للوتر قرأوا فيه بـ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين. انتهى.
قلت: وفِي ترجمة محمد بن الخطاب من " الغنية " لعياض، حديث مسلسل بقراءة الإخلاص فِي كلّ ركعة من الشفع كل واحد من رواته يقول: ما تركته منذ سمعته، حتى انتهت الرواية لعياض فقال مثل ذلك، وذكره أَيْضاً ولد عياض فِي مناقب أبيه (4).
ولَمْ يُعِدْهُ مُقَدِّمٌ، ثُمَّ صَلَّى، وجَازَ،، إِلا لاقْتِدَاءٍ بِوَاصِلٍ، وكُرِهَ وَصْلُهُ، ووِتْرٌ بِوَاحِدَةٍ وقِرَاءَةُ ثَانٍ مِنْ غَيْرِ انْتِهَاءِ الأَوَّلِ، ونَظَرٌ بِمُصْحَفٍ فِي فَرْضٍ، وأَثْنَاءَ نَفْلٍ، لا أَوَّلَهُ، وجَمْعٌ كَثِيرٌ لِنَفْلٍ، أَوْ بِمَكَانٍ مُشْتَهَرٍ، وإِلا فَلا، وكَلامٌ بَعْدَ صُبْحٍ لِقُرْبِ الطُّلُوعِ، لا بَعْدَ الْفَجْرِ، وضِجْعَةٌ بَيْنَ صُبْحٍ، ورَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، والْوِتْرُ سُنَّةٌ آكِدُ، ثُمَّ عِيدٌ، ثُمَّ كُسُوفٌ ثُمَّ اسْتِسْقَاءٌ، ووَقْتُهُ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ، وشَفَقٌ لِلْفَجْرِ،
(1) في (ن 2)، و (ن 3):(يشير به لقول).
(2)
في (ن 1): (الأخيرة).
(3)
انظر: سنن الترمذي برقم (462)، كتاب الصلاة، باب مَا جَاءَ فِيمَا يُقْرَأُ بِهِ فِى الْوِتْرِ.
(4)
اختصر الخرشي رحمه الله بحث المؤلف هنا كالمقرر له، وقال:(. . . وهُو تَابِعٌ لِبَحْثِ الْمَازِرِيِّ، ومَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ الْعُدُولُ عَنْ نُقُولِ الْأَئِمَّةِ مِنْ اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ السُّورِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّفْعِ والْوِتْرِ ولَوْ لِمَنْ لَهُ حِزْبٌ إلَى بَحْثِ الْمَازِرِيِّ، هَذَا حَاصِلُ مَا نَقَلَ ابْنُ غَازِيٍّ) انظر: شرح الخرشي: 2/ 126.