الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب الذكاة]
الذَّكَاةُ قَطْعُ مُمَيِّزٍ يُنَاكِحُ تَمَامَ الْحُلْقُومِ والْوَدَجَيْنِ مِنِ الْمُقَدَّمِ بِلا رَفْعٍ قَبْلَ التَّمَامِ، وفِي النَّحْرِ طَعْنٌ بِلِبَّةٍ.
قوله: (وفِي النَّحْرِ طَعْنٌ [33 / ب] بِلِبَّةٍ) اختلف: هل يقتصر بالنحر على اللبة دون ما عداها كما قال المصنف أم لا؟ ويصحّ فعلها فيما بين اللبة والمذبح، والأول هو مذهب أكثر الشيوخ: الباجي وابن رشد .. وغيرهما.
والثاني: مذهب ابن لبابة واللخمي، واحتج اللخمي بقول مالك: ما بين اللبة والمذبح مذبح ومنحر، فإن ذبح فجائز، وإن نحر فجائز، فأخذ منه أن النحر لا يختصّ باللبة، وقال ابن رشد: معناه عند الضرورة كالواقع (1) في مهوات إذا لم يقدر أن ينحره إلّا في موضع الذبح نحره فيه، وكذلك إن [لم يقدر](2) أن يذبحه إلا في موضع النحر ذبحه فيه، وهو بين (3) من قوله في " المدونة " وصححه ابن عبد السلام: واللبة محل القلادة من الصدر من كلّ شيء. قاله الجوهري.
قال اللخمي: لم يشترطوا في النحر قطع الحلقوم والودجين، كما قالوا في الذبح [وعليه اقتصر ابن عرفة ووقع للخمي أن النحر قطع الحلقوم مع ودج واحد](4)، ثم أشار بعد إلى ما يقتضي أنه لابد من قطع الودجين جميعاً. وظاهر كلام ابن عبد السلام أنه جعله اختلافاً من قوله. وقال ابن عرفة: إنما أراد اللخمي التفصيل، فإن كان فيما بين اللبة والمذبح كفى قطع ودج واحد وإن كان في اللبة قطعهما معاً؛ لأنهما مجمعهما.
قال ابن عرفة: وظاهر قوله في الرسالة: والذكاة قطع الحلقوم والأوداج لا يجزيء أقل من ذلك إنه كالذبح (5). انتهى، فحمل الذكاة على الجنس وهو هنا بعيد للزوم عقر الصيد.
(1) في (ن 3): (كما لو).
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل، و (ن 4).
(3)
في (ن 3): (وهو ما بين)، وهو مخل بالعبارة.
(4)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2)، و (ن 3).
(5)
انظر: الرسالة، لابن أبي زيد، ص:80.
وشُهِرَ أَيْضاً الاكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحَلْقُومِ، والْوَدَجَيْنِ، وإِنْ سَامِرِيَّاً، أَوْ مَجُوسِيَّاً تَنَصَّرَ، وذَبَحَ لِنَفْسِهِ مُسْتَحِلَّهُ وإِنْ أَكَلَ الْمَيْتَةَ، إِنْ لَمْ يَغِبْ لا صَبِيٍّ ارْتَدَّ، وذِبْحٍ لِصَنَمٍ أَوْ غَيْرِ حِلٍّ لَهُ إِنْ ثَبَتَ بِشَرْعِنَا، وإِلا كُرِهَ كَجِزَارَتِهِ، وبَيْعٍ، وإِجَارَةٍ لِعَبْدِهِ، وشِرَاءِ ذَبْحِهِ، وتَسَلُّفِ ثَمَنِ خَمْرٍ، وبَيْعٍ بِهِ، لا أَخْذِهِ قَضَاءً، وشَحْمِ يَهُودِيٍّ، وذِبْحٍ لِصَلِيبٍ، أَوْ عِيسَى وقَبُولِ مُتَصَدَّقٍ بِهِ لِذَلِكَ، وذَكَاةِ خُنْثَى، وخَصِيٍّ، وفَاسِقٍ، وفِي ذِبْحِ كِتَابِيٍّ لِمُسْلِمٍ قَوْلانِ. وجَرْحُ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ وَحْشِيَّاً، وإِنْ تَأَنَّسَ عَجَزَ عِنْهُ إِلا بِعُسْرٍ، لا نَعَمٍ شَرَدَ.
قوله: (وشُهِرَ أَيْضاً الاكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحَلْقُومِ، والْوَدَجَيْنِ) هذا من تمام الكلام على الذبح، ولفظ:(الْوَدَجَيْنِ) معطوف على لفظ: (نِصْفِ) لا على لفظ: (الْحَلْقُومِ) والمراد الاكتفاء [بنصف](1) الحلقوم مع قطع جميع الودجين. قال في " النوادر ": قال ابن حبيب: إن قطع الأوداج ونصف الحلقوم فأكثر أكلت، وإن قطع منه أقل لَمْ يؤكل (2).
وفي العتبية عن [ابن القاسم](3) في الدجاجة والعصفور إذا أجهز على أوداجه ونصف حلقه أو ثلثيه فلا بأس بأكله. وقال سحنون: لا يحلّ حتى يجهز على جميع الحلقوم والأوداج.
قال ابن عبد السلام: فابن القاسم وابن حبيب متفقان على أن بقاء النصف مغتفر، وقال سحنون: لا يغتفر منه شيء البتة، وبعض من لقيناه يقول: لا يلزم ابن القاسم الذي اغتفر بقاء نصف الحلقوم في الطير أن يقول مثله في غير الطير؛ لما علم عادة من صعوبة استئصال قطع الحلقوم من الطير وسهولة ذلك من غير الطير، والأقرب عندي اغتفار ذلك؛ لقوله عليه السلام:" ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل "(4) قال في " التوضيح ": قيل وهو المشهور (5). وتبعه في " الشامل " فقال: وشهر أَيْضاً إجزاء نصف الحلقوم.
(1) في (ن 3): (بقطع نصف).
(2)
انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 4/ 361.
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه برقم (2356)، كتاب الشركة، باب قسمة الغنم، ومسلم في صحيحه برقم (1968)، كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر وسائر العظام.
(5)
انظر: التوضيح، لخليل بن إسحاق: 4/ 277.
أَوْ تَرَدَّى بِكَهُوَّةٍ.
قوله: (أَوْ تَرَدَّى بِكَهُوَّةٍ) أي: في مثل هوة فالكاف للتشبيه والهُوَّة بضم الهاء وتشديد الواو. وقال الجوهري: الهوة، الوهدة العميقة والأهوية على: أفعولة مثلها، والمهوى والمهواة: ما بين الجبلين ونحو ذلك. انتهى. والمهواة بفتح الميم وجمع الهوة هوى بالضم، قال شيخ شيوخنا أبو زيد المكودي في مقصورته:
وأنت يا نفس شغلت بالهوى
…
حتى وقعت منه في قعرٍ هوى
وفي بعض النسخ: بكحفرة، والمعنى واحد.
بِسِلاحٍ مُحَدَّدٍ، وحَيَوَانٍ عُلِّمَ بِإِرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ بلا ظُهُورِ تَرْكٍ، ولَوْ تَعَدَّدَ مَصِيدُهُ، أَوْ أَكَلَ، أَوْ لَمْ يُرَ بِغَارٍ، أَوْ غَيْضَةٍ، أَوْ لَمْ يَظُنَّ نَوْعَهُ، أَوْ ظَهَرَ خِلافَهُ لا إِنْ ظَنَّهُ حَرَاماً، أَوْ أَخَذَ غَيْرَ مُرْسَلٍ عَلَيْهِ.
قوله: (بِإِرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ) أي: فإن أرسله وهو في غير يده لَمْ يؤكل ما قتله؛ لهذا رجع مالك في " المدونة " قال ابن القاسم فيها: وبالأول أقول. يعني الجواز المرجوع عنه (1).
أَوْ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْمُبِيحَ فِي شَرِكَةِ غَيْرٍ كَمَاءٍ، أَوْ ضُرِبَ بِمَسْمُومٍ، أَوْ كَلْبِ مَجُوسِيٍّ أَوْ بِنَهْشِهِ مَا قَدَرَ عَلَى خَلاصِهِ مِنْهُ.
قوله: (أَوْ بِنَهْشِهِ مَا قَدَرَ عَلَى خَلاصِهِ مِنْهُ) يعني أن ما قدر على إخلاصه من الجارح (2) فلم يخلصه وذكاه في حال نهشه له لا يؤكل؛ لعدم تحقق المبيح، وعلى هذه فرّع نظائر الشركة في " التوضيح " وذلك بيّن في " المدونة " قال فيها: ولو قدر على خلاصه منها فذكّاه وهو في أفواهها تنهشه فلا تؤكل إذ لعله من نهشها مات، إلا أن يوقن أنه ذكّاه وهو مجتمع الحياة قبل أن تنفذ هي مقاتله فيجوز أكله وبئسما ما صنع (3).
(1) قال في تهذيب المدونة: (وإذا أثار الرجل صيداً فأشلى عليه كلبه، وهو مطلق، فانشلى وصاد من غير أن يرسله من يده، فإنه يؤكل ما صاد، قاله مالك، ثم رجع فقال: لا يؤكل حتى يطلقه من يده مرسِلاً له مُشْلياً، وبالأول أقول) انظر تهذيب المدونة، للبراذعي: 2/ 15.
(2)
في (ن 3): (الجوارح).
(3)
النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 2/ 12، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 3/ 58.
أَوْ إِغْرَاءٍ فِي الْوَسَطِ أَوْ تَرَاخَى فِي اتِّبَاعِهِ، إِلا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لا يَلْحَقُهُ، أَوْ حَمَلَ الآلَةَ مَعَ غَيْرٍ أَوْ بِخُرْجٍ، أَوْ بَاتَ، أَوْ صَدَمَ، أَوْ عَضَّ بِلا جُرْحٍ.
قوله: (أَوْ أغْرَى فِي الْوَسَطِ) أي: في أثناء الانبعاث، وفي بعض النسخ: أو إغراء (1) بالمصدر في الوسط عطفاً على نظائر الشركة، وهو مما يمكن أن ينخرط في سلكها، وما نوقش به من أن الإغراء مبيح لا محظر تعسّف، وفي بعضها أو أغرى بالفعل الماضي كما بعده عطفاً على قوله:" لا إن ظنه حراماً فهو خارج عن نظائر الشركة " وهو المطابق لما في " التوضيح " إذ لَمْ يعدّه فيها منها (2).
أَوْ قَصَدَ مَا وَجَدَ، أَوْ أَرْسَلَ ثَانِياً بَعْدَ إِمْسَاكِ أَوَّلٍ، وقَتَلَ.
قوله: (أَوْ قَصَدَ مَا وَجَدَ) يشير به لقول ابن عبد السلام: وأما الإرسال على غير معين ولا محصور كإرساله على كل صيد يقوم بين يديه فلا خلاف في المذهب أن ذلك لا يجوز. انتهى، وممن صرح بنفي الخلاف فيه الباجي والمازري وابن شاس. [34 / أ]
فإن قلت: ما الفرق بينه وبين قوله في " المدوّنة ": وإن أرسله على جماعة لا يرى غيرها ونوى إن كان ورائها غيرها فهو عليها مرسل، فليأكل ما أخذ من سواها، وكذلك إن أرسله على صيدٍ لا يرى غيره ونوى ما صاد سواه فليأكل ما صاده (3).
قلت: فرق بينهما المصنف بأن ما في " المدونة " تبع للصيد المرئي، وجعل خلاصة كلام ابن عبد السلام قاعدة وهي: إن كان الصيد معيناً أكل كان المكان محصوراً أم لا، وإن لَمْ يكن الصيد معيناً، وكان المكان محصوراً كالغار والغيضة، فثالثها الفرق بينهما، وإن لَمْ يتعين الصيد ولا انحصر المكان لَمْ يؤكل باتفاق، يريد وتبع المعين كالمعين.
(1) في الأصل، و (ن 4):(أغرى في الوسط).
(2)
قلت: نقل الخرشي كلام ابن غازي دون إشارة قائلاً ومعقباً: (ومَا نُوقِشَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْإِغْرَاءَ مُبِيحٌ لَا مُحْظِرٌ، تَعَسُّفٌ؛ إذْ الْإِغْرَاءُ هُوَ الْمُثِيرُ لِلشَّكِّ). وقال العدوي معقباً عليه: (أَقُولُ لَا تَعَسُّفَ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ الْإِرْسَالَ مِنْ يَدِهِ وكَانَ شَرْطًا فِي حِلِّيَّةِ الصَّيْدِ فَيَجْزِمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَغْرَى فِي الْوَسَطِ لَا تُؤْكَلُ لِاخْتِلَالِ الشَّرْطِ، بَلْ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ (أَوْ إغْرَاءٌ فِي الْوَسَطِ) بَعْدَ قَوْلِهِ سَابِقاً: (بِإِرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ)؛ فَالْعِبْرَةُ بِالْإِرْسَالِ مِنْ الْيَدِ) انظر: شرح الخرشي، وحاشية العدوي: 3/ 343. وقال الدردير: (وهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ عُطِفَ عَلَى ظَنِّهِ فَلَيْسَ مِنْ أَمْثِلَةِ الشَّرِكَةِ لَا مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مَاءٍ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَمْثِلَةِ الشَّرِكَةِ) انظر: الشرح الكبير، للدردير: 2/ 105.
(3)
النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 2/ 14، وانظر المدونة: 3/ 55.
أَوِ اضْطَرَبَ فَأَرْسَلَ ولَمْ يُرَ إِلا أَنْ يَنْوِيَ الْمُضْطَرَبَ، وغَيْرَهُ فَتَأْوِيلانِ.
قوله: (إِلا أَنْ يَنْوِيَ الْمُضْطَرَبَ) بفتح الراء أي: المضطرب عليه فحذفه مع أنه عمدة؛ إذ هو النائب عن الفاعل.
ووَجَبَ نِيَّتُهَا، وتَسْمِيَةٌ إُنْ ذَكَرَ ونَحْرُ إِبِلٍ، وذَبْحُ غَيْرِهِ، إِنْ قَدِرَ، وجَازَا لِلضَّرُورَةِ، إِلا الْبَقَرَ فَيُنْدَبُ الذَّبْحُ كَالْحَدِيدِ، وإحدادُهُ.
قوله: (وجَازَا لِلضَّرُورَةِ) بألف التثنية هو الصواب (1).
وقِيَامُ الإِبِلِ، وضَجْعُ ذِبْحٍ عَلَى أَيْسَرَ وتَوْجِيهِهِ، وإِيْضَاحُ الْمَحَلَّ، وفَرْيُ وَدَجَيْ صَيْدٍ أُنْفِذَ مَقْتَلُهُ، وفِي جَوَازِ الذَّبْحِ بِالظُّفْرِ (2) أَوِ السِّنِّ، أَوِ انْفَصَلا، أَوْ بِالْعَظْمِ، ومَنْعِهِمَا، خِلافٌ، وحَرُمَ اصْطِيَادُ مَأْكُولٍ، لا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ، إِلا بِكَخِنْزِيرٍ، فَيَجُوزُ كَذَكَاةِ مَا لا يُؤْكَلُ إِنْ أَيِسَ مِنْهُ.
وكُرِهَ ذَبْحٌ بِدَوْرِ حُفْرَةٍ، وسَلْخٌ أَوْ قَطْعٌ قَبْلَ الْمَوْتِ، كَقَوْلِ مُضَحٍّ اللَّهُمَّ مِنْكَ وإِلَيْكَ، وتَعَمُّدُ إِبَانَةِ رَأْسٍ. وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً عَلَى عَدَمِ الأَكْلِ. إِنْ قَصَدَهُ أَوَّلاً، ودُونَ نِصْفٍ أُبِينَ مَيْتَةٌ، إِلا الرَّأْسَ، ومَلَكَ الصيْدَ الْمُبَادِرُ، وإِنْ تَنَازَعَ قَادِرُونَ [25 / أ] فَبَيْنَهُمْ، وإِنْ نَدَّ ولَوْ مِنْ مُشْتَرٍ فَلِلثَّانِي، لا إِنْ تَأَنَّسَ ولَمْ يَتَوَحَّشْ، واشْتَرَكَ طَارِدٌ مَعَ ذِي حِبَالَةٍ قَصَدَهَا، ولَوْلاهُمَا لَمْ يَقَعْ، بِحَسَبِ فِعْلِهِمَا.
قوله: (وَقِيَامُ الإِبِلِ) تقدم البحث فيه في الحجّ (3).
وإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وأَيِسَ مِنْهُ فَلِرَبِّهِ، وعَلَى تَحْقِيقٍ بِغَيْرِهَا فَلَهُ كَالدَّارِ إِلا أَنْ لا يَطْرُدَهُ لَهَا فَلِرَبِّهَا.
قوله: (إِلا أَنْ لا يَطْرُدَهُ لَهَا فَلِرَبِّهَا) سقط (لا) في كثير من النسخ وهو فساد ومخالف للمدونة إذ قال فيها: ومن طرد صيداً حتى دخل دار قومٍ فإن اضطره هو أو جارحه إليها فهو له، وإن لَمْ يضطروه وكانوا قد بعدوا عنه فهو لرب الدار، وفي بعض نسخ هذا المختصر:" إلا أن يضطره " كلفظ " المدوّنة " وهو أولى؛ لأن الطرد يوهم الاختصاص بما كان مقصوداً بخلاف الاضطرار، بدليل نسبته في " المدوّنة " للجارح (4).
(1) أي جاز الذبح في الإبل والنحر في غيرها للضرورة.
(2)
في المطبوعة: (بالعظم).
(3)
انظر ما ساقه عند شرحه لقول المصنف: (نَحْرُهَا قَائِمَةً أَوْ مَعْقُولَةً).
(4)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 3/ 59.
وضَمِنَ مَارٌّ أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ، وتَرَكَ.
قوله: (وضَمِنَ مَارٌّ أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ، وتَرَكَ) هذا خاص بالصيد؛ قال اللخمي: ولو مرّ بشاةٍ يخشي عليها الموت، فلم يذبحها حتى ماتت لَمْ يضمن؛ لأنه يخشى أن لا يصدّقه ربّها فيضمنه وليس كالصيد؛ لأنه يراد للذبح، على أن اللخمي اختار في الصيد نفي الضمان قال: وإن كان يجهل أن ليس له أن يذكّيه؛ كان أبين في نفي الغرم.
وعُمُدٍ وخَشَبٍ فَيَقَعُ الْجِدَارُ، ولَهُ الثَّمَنُ إِنْ وُجِدَ كَتَرْكِ تَخْلِيصِ مُسْتَهْلِكٍ مِنْ نَفْسٍ ومَالٍ بِيَدِهِ أَوْ شَهَادَتِهِ أَوْ بِإِمْسَاكِ وَثِيقَةٍ أَوْ تَقْطِيعِهَا وفِي قَتْلِ شَاهِدَيْ حَقٍّ تَرَدُّدٌ، وتَرْكِ مُوَاسَاةٍ وَجَبَتْ بِخَيْطٍ لِجَائِفَةٍ، وفَضْلِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ لِمُضْطَرٍّ.
قوله: (وعُمُدٍ وخَشَبٍ) لعل العمد عندهم (1) يختصّ بغير الخشب كالحجارة.
وأُكِلَ الْمُذَكَّى، وإِنْ أُيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ بِتَحَرُّكٍ قَوِيٍّ مُطْلَقاً، أَوْ سَيْلِ دَمٍ، إِنْ صَحَّتْ إِلا الْمَوْقُوذَةَ، ومَا مَعَهَا الْمَنْفُوذَةَ الْمَقَاتِلِ.
قوله: (وَأُكِلَ الْمُذَكَّى، وإِنْ أُيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ بِتَحَرُّكٍ قَوِيٍّ مُطْلَقاً، أَوْ سَيْلِ دَمٍ، إِنْ صَحَّتْ) معنى مطلقاً سواءً كانت صحيحة أو مريضة أم مصابة بالخنق ونحوه إن لَمْ ينفذ مقتلها، ويدل أن هذا مراده بالإطلاق تقييده سيل الدم بالصحة، فالتحريك كافٍ في الثلاثة فإذا انضم إليه سيلان الدم لَمْ يزده إلَّا خيراً، وأما سيلان الدم وحده فلا يكفي إلا في الصحيحة، وهذا حاصل ما في " المقدمات "(2)، على أنه أجرى المنخنقة ونحوها إذا تحركت ولَمْ يسل دمها على الخلاف في المأيوسة غير المنفوذة المقاتل، قال: لأن دمها إذا لَمْ يسل حين الذبح فقد علم أنها كانت لا تعيش لو تركت؛ لأن انقطاع الدم إنما يكون بانقطاع بعضها من بعض وذلك ما لا يصح معه حياة، واحترز بالتحرك القوي من الضعيف.
(1) يقصد ابن غازي أن عطف الخشب على العمد يقتضي التغاير، ولعله ليس كذلك في المغرب، وأن العمد والخشب عند أهل مصر بلد المصنف متغايران. وعلى التغاير بينهما شرحها الخرشي.، ولم يزد الشيخ عليش المتتبع دائماً كلام المؤلف على أن قال:(عُمُدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ جَمْعُ عَمُودٍ (وَخَشَبٍ) وجِبْسٍ وَنَحْوِهِ). انظر: منح الجليل: 2/ 445.
(2)
انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 1/ 220، 221.
قال ابن المَوَّاز: دليل استجماع حياتها حركة رجلها أو ذنبها أو طرف عينها. قال ابن حبيب: أو استفاضة نفسها في جوفها أو في منخريها، وعبّر عنه ابن رشد بكونه في حلقها قال: وحركة الارتعاش والارتعاد ومدّ يد أو رجل أو قبضها ملغاة اتفاقاً. ابن عرفة: في إلغاء القبض نظر. اللخمي: إلغاء الاختلاج الخفيف وحركة العين أحسن؛ لأن الاختلاج يوجد بعد الموت وحركة الرجل والذنب أقوى من حركة العين؛ لأن خروج الروح من الأسافل قبل الأعالي.
ابن عرفة: قوله: أحسن يوهم أن في الاختلاج اختلافاً، وتعليله ومتقدم نقل ابن رشد ينفيه. انتهى. ابن عبد السلام: تفريق اللخمي بين الأسافل والأعالي ظاهر إلا أن يقال: الشرط في صحة الذكاة هو مطلق الحياة، لا عموم وجودها في جميع الجسد، فإذا وجدنا ما يدلّ على الحياة صحت الذكاة، كان في الأعالي أو في الأسافل.
بِقَطْعِ نُخَاعٍ، ونَثْرِ دِمَاغٍ، وحَشْوَةٍ، وفَرْيَ وَدَجٍ، وثَقْبِ مُصْرَانٍ، وفِي شَقِّ الْوَدَجِ قَوْلانِ، وفِيهَا أَكْلُ مَا دُقَّ عُنُقُهُ، أَوْ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لا يَعِيشُ إِنْ لَمْ يَنْخَعْهَا.
قوله: (بِقَطْعِ نُخَاعٍ، ونَثْرِ دِمَاغٍ، وحَشْوَةٍ، وفَرْيَ وَدَجٍ، وثَقْبِ مُصْرَانٍ) مفهوم قوله: (قَطْعِ نُخَاعٍ) أن شقه ليس كذلك، وقد خرّجه ابن عرفة على القولين الآتيين في شقّ الودج، ومفهوم قوله:(ونَثْرِ دِمَاغٍ، وحَشْوَة) أن شدخ الرأس دون انتثار الدماغ وشقّ الجوف، دون قطع مصران، ودون انتثار شيء من الحشوة، غير مقتل؛ وكذا صرّح به عبد الحقّ، ويحيي بن إسحاق عن ابن كنانة دمغ الرأس مقتل، وقد روى عن ابن القاسم: أكل منتثر الحشوة.
ابن عرفة: فجعله اللخمي قولاً بإعمال الذكاة في منفوذ المقاتل، وجعله عياض قولاً بأنّه غيرُ مُقْتل، ومفهوم قوله:(وفري ودج) أن قطعَ الودجين معاً غيرُ مشترط في كون ذلك مقتلاً، وقد صرّح عبد الحقّ بأنّ قطع الودج الواحد مقتل، والفري (1) إبانته كله، فظاهرُه أنّ البعض ليس كذلك، وقد قال ابن المَوَّاز: قطع بعض الأوداج والحلق مقتل، ومفهوم قوله:(وثقب مصران) أنّ القطع أحرى.
(1) في الأصل، و (ن 1)، و (ن 2):(الفرق).
وفي " التنبيهات ": أما (1) فري المصران وإبانة بعضه من بعض [34 / ب] فمقتل لا (2) شك فيه، بخلاف شقّه؛ لأنه لا يلتئم بعد انقطاعه بالكلية ويتعذر وصول الغذاء إلى ما بان منه، وتتعطل الأعضاء تحته، ولا يجد التفل مخرجاً من داخل الجوف، فيهلك صاحبه. انتهى.
وذكر أن بعض حذّاق الأطباء تلطّف لمصران [شقّ طولاً](3)، فجمع طرفي الشقّ، ووضع عليها النمل، فلما شبكت فيهما قطع أسافلها، فبقيت رؤوسها شابكة في الطرفين، فالتأما بإذن الله تعالى.
وأطلق المصنف في المصران اتباعاً للأكثر، وقد خصّه ابن رشد بالأعلى، وصححه عياض، وفهم من عطف بعضها على بعض أنها متغايرة، وفي " التنبيهات " عد شيوخنا قطع المصران وانتثار الحشوة وجهين، وهما عندي راجعان لشيءٍ واحد؛ لأنه إذا قُطع أو شُقّ انتثرت الحشوة.
وقول بعض شيوخنا: انتثارها خروجها عند شقّ الجوف عنها، يردّ بأن مجرد شقّ الجوف غير مقتل اتفاقاً، وكذا انتثارها لمشاهدة علاجها بردِّها وخياطة الجوف عليها.
ابن عرفة: قوله: ليس مجرد انتثارها مقتلاً. إن أراد مجرد خروجها، فمسلّم؛ وليس هذا مراد الشيوخ به، وإن أراد ولو زال التصاق بعضها ببعض أو التزاقها بمقعر البطن، منعناه؛ وهذا هو مراد الأشياخ به، وما ادعاه من العلاج إنما هو في الأول لا في هذا، وبالضرورة إن هذا مباين لقطع المصير، ولا تلازم بينهما في الوجود. وليحيي بن إسحاق عن ابن كنانة: لا يؤكل ما خرجت أمعاؤه، وفهم من اقتصار المصنف على هذه الخمسة أن ثقب الكرش ليس منها.
(1) في (ن 3): (لا).
(2)
في الأصل، و (ن 2):(إلا).
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
وقد حكى ابن رشد عن شيوخه قولين في صحيحةٍ وجد كرشها بعد ذبحها مثقوباً قال: نزلت (1) في ثور، فحكم ابن مكي بفتوى ابن حمدين (2) بطرحها بالوادي دون فتوى ابن رزق بأكلها، وبيان ذلك لمن يشتريها، فغلبت العامة أعوان القاضي لعظم قدر ابن رزق عندهم، فأخذوه من أيديهم وأكلوه، وهو الصواب لما تقدّم (3).
يعني أن خرق أسفل المصير حيث الرجيع غير مقتل لبقائها به زماناً تتصرّف. ابن عرفة: ويؤيده نقل عدد التواتر من كاسبي البقر بإفريقية، أنهم يثقبون كرش الثور لبعض الأدواء فيزول عنه به، وقول ابن عبد السلام: إنه محل الطعام قبل تغيّره خلاف تعليل ابن رشد صحة قول ابن رزق، ولعلّه يريد (4) كمال تغيّره.
وذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ إِنْ تَمَّ بِشَعَرٍ، وإِنْ خَرَجَ حَيَّاً ذُكِّيَ، إِلا أَنْ يُبَادِرَ فَيَفُوتُ.
قوله: (وذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ إِنْ تَمَّ بِشَعَرٍ) مفهوم الشرط إن لَمْ يتم بشعر لَمْ يؤكل، وهو المذهب. قال ابن عرفة: وقول ابن العربي في " القبس " عن مالك: إن لَمْ يتمّ خلقه فهو كعضوٍ منها ولا يذكى العضو مرتين، ظاهره أن قول مالك عنده أكله وإن لَمْ يتم خلقه (5) دون ذكاة، وذكر في " العارضة " عن مالك كنقل الجماعة، واختار هذا لنفسه.
(1) في (ن 4): (نزلت عندنا بقرطبة)، وهو من تصرف الناسخ، ولا توجد في كلام ابن رشد هذه الزيادة. انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 1/ 218.
(2)
هكذا فيما بين أيدينا من النسخ، والذي لابن رشد أنه (حمديس) وليس (حمدين)، انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 1/ 218، والراجح هو ما عند صاحبنا ابن غازي؛ فابن حمديس ذكر ابن فرحون أنه من أهل قفصة، وتوفي بمصر سنة 299هـ، انظر: الديباج المذهب، لابن فرحون: 1/ 108، وابن حمدين هو محمد بن علي بن محمد بن حمدين، الأندلسي، المالكي، ولي القضاء ليوسف بن تاشفين، روى عنه القاضي عياض، وله إجازة من أبي عمر بن عبد البر، وكان يحط على الإمام أبي حامد في طريقة التصوف وألّف في الرد عليه. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي: 19/ 422.
(3)
انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 1/ 218.
(4)
في (ن 3): (يرد).
(5)
في (ن 3): (فهو كعضوٍ منها) ولعلّه التبس بما قبله على الناسخ.
فوائد:
الأولى: قال ابن عرفة: ظاهر الروايات وأقوال الشيوخ أن المعتبر نبات شعر جسده، لا شعر عينيه فقط، خلافاً لبعض أهل الوقت، وفتوى بعض شيوخ شيوخنا.
الثانية: في سماع أشهب: إذا خرج ميتاً يمر المدية على حلقه ليخرج دمه، قال في سماع أبي زيد: ركض ببطن أضحيتي جنينها بعد ذبحها، فتركته حتى أخرجته ميتاً فذبحته وأكلت منه (1).
الثالثة: في أكل المشيمة، وهي وعاء الجنين ثلاثة أقوال:
…
الأول: الحلّيّة؛ لقول ابن رشد في سماع موسى من كتاب الصلاة: السلا وعاء الولد وهو كلحم الناقة المذكاة.
…
الثاني: تحريمها؛ لجواب عبد الحميد الصائغ.
…
الثالث: إن حل أكل الجنين بذكاة أمه وتم خلقه ونبت شعره حلّت، وإلا فلا لبعض شيوخ شيوخ ابن عرفة وقد حصلها هذا التحصيل. رحمه الله تعالى.
وذُكِّيَ الْمُزْلَقُ إِنْ حَيَ مِثْلُهُ، وافْتَقَرَ نَحْوَ الْجَرَادِ لَهَا بِمَا يَمُوتُ بِهِ، ولَوْ لَمْ يُعَجِّلْ كَقَطْعِ جَنَاحٍ.
قوله: (وذُكِّيَ الْمُزْلَقُ (2) إِنْ حَيَ مِثْلُهُ) ابن رشد: وليس الذي لَمْ تتحقق حياته كمريضة علم أنها لا تعيش لتقدم تقرر حياتها دونه.
(1) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 3/ 381، 382، و3/ 291، والثاني كلام ابن القاسم ساقه أبو زيد في سماعه.
(2)
المزلق: هو ما ألقته أمه في حياتها لعارض. انظر: الشرح الكبير، للدردير: 2/ 114.